003

             
  

     

 

بسم الله الرحمن الرحيم

عيـد الأضحى 1431 هجري ـ نوفمبر 2010 م

كتبها الشيخ : عمر علي

ترجمها:  د . فهيم بوخطوة

 

10 ذوالحجّة 1431

16 نوفمبر 2010 

 

الله أكبر الله اكبر، الله أكبر الله اكبر، الله أكبر الله اكبر، الله أكبر الله اكبر، الله أكبر،

الله أكبر ما حج المسلمون بيت الله العتيق ،

الله أكبر ما سلكوا إليه كل فج عميق ،

الله أكبر، الله اكبر، الله أكبر، الله أكبر ولله الحمد.

الحمد لله الذي بنعمته تتم الصالحات، و بفضله تتنزل الخيرات و البركات، و بتوفيقه تتحقق المقاصد و الغايات. الحمد لله الذي هدانا لهذا و ما كنا لنهتدي لولا أن هدانا الله ، الحمد لله الذي أتم علينا نعمة الإسلام ، وأكمل لنا هذا الدين القيم، و حعلنا به خير أمة أخرجت للناس، تأمر بالمعروف و تنهى عن النكر و تؤمن بالله.

 

وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له ، رضي لنا الإسلام دينا ، وأكمل لنا به الفضل، و أتم علينا به النعمة (اليوم أكملت لكم دينكم و أتممت عليكم نعمتي و رضيت لكم الإسلام دينا )

وأشهد أن سيدنا إمامنا وإسوتنا و حبيبنا ، محمدا عبدالله ورسوله ، معلم الناس الخير، وهادي البشرية إلى الرشد، و قائد الخلق إلى الحق، أرسله ربه بالهدى و دين الحق ، مبشرا و نذيرا، و داعيا إلى الله بإذنه و سراجا منيرا، ففتح الله برسالته آذانا صما ، وأعينا عميا، و قلوبا غلفا، وأخرج به الناس من الظلمات إلى النوربإذن ربهم إلى صراط العزيز الحميد. صلوات الله وسلامه عليه و على آله و صحبه (الذين آمنوا به و عزروه و نصروه و اتبعوا النور الذي أنزل معه أولئك هم المفلحون) الأعراف 157 .

الله أكبر، الله أكبر، الله اكبر.

 

أما بعد أيها الإخوة المسلمون :

نحن اليوم في يوم عيد ... يوم عيد الأضحى ، في يوم الحج الأكبر كما سماه الله تعالى وسماه رسوله صلى الله عليه و سلم . يوم المؤتمر العظيم الذي يقف فيه المسلمون محرمين متجردين لله تعالى ، ملبين مهللين : لبيك اللهم لبيك ، لبيك لا شريك لك لبيك، إن الحمد و النعمة لك و الملك ، لا شريك لك.

 

هذا هو العيد الثاني للمسلمين .

و للمسلمين عيدان لا عيد بعدهما ف : " حينما قدم رسول الله صلى الله عليه و سلم المدينة ، و لهم يومان يلعبون فيهما ، فقال ما هذان اليومان؟ قالوا : كنا نلعب فيهما في الجاهلية. فقال رسول الله صلى الله عليه و سلم : إن الله قد أبلكم بهما خيرا منهما : يوم الأضحى و يوم الفطر" رواه أبو داوو د بهذا اللفظ ، ورواه أحمد و النسائي . و هذا إسناد على شرط مسلم.  

يأتي العيد الأول بعد عبادة الصوم . فيفرح المسلم بفطره، " و للصائم فرحتان يفرحهما : إذا أفطر فرح بفطره ، وإذا لقي ربه فرح بصومه" متفق عليه.

 

وأما العيد الثاني فيأتي بعد عبادة الحج ، بعد أن يؤدي الناس هذه الفريضة ، أو هذه الشعيرة، بعد أن يقفوا في عرفات، بعد أن خرجوا من أوطانهم و تركوا أهليهم و أحبائهم مهاجرين إلى الله تبارك و تعالى .

فكأن العيد هنا و هناك ، في الفطر و في الأضحى ، جائزة و مكافأة من الله تبارك و تعالى لعباده، على ما أدوه من إحسان فريضة الصيام و إحسان فريضة الحج.

 

الله أكبر اللله أكبر الله أكبر

 

المعنى الرباني و المعنى الإنساني للعيد في الإسلام:

 

للعيد أيها الإخوة معنيان في الإسلام معنى رباني و معنى إنساني، فيتجليان فيهما بكل وضوح.

يتجلى فيها المعنى الرباني بربطها بعبادات الإسلام ، ويتجلى فيها هذا المعنى أيضا: إن العيد عيد صلاة و تكبير ، حيث يبدأ عيدنا نحن المسلمين بالتكبير، يبدأ بالصلاة ، يوم العيد يوم صلاة لله تعالى قبل كل شيئ. هذه أعيادنا نحن المسلمين ،نكبر الله و نصلي له ، فلا تهتف باسم مخلوق و إنما نهتف باسم الله وحده ، إذا هتف الناس باسم المخلوقين ـ صغروا أم كبروا ـ فالمسلمون في أعيادهم يقولون :  الله أكبر الله اكبر، هذا هو زينة الأعياد : " زينوا أعيادكم بالتكبير"

الله أكبر الله اكبر،  لا إله  إلا الله و الله و الله أكبر، الله أكبر و لله الحمد. في هذا العيد أيها الأخوة شرع  رسول الله صلى الله عليه و سلم التكبير عقب الصلوات منذ فجر يوم عرفة إلى عصر آخر أيام التشريق. في ثلاث و عشرين صلاة يُكبر المسلم كلما أدى الصلاة : الله أكبر الله اكبر، الله أكبر، لا إله إلا الله و الله أكبر، الله أكبر و لله الحمد. هكذا أيها الإخوة يتجلى في أعيادنا نحن الأمة الإسلامية المعنيان الكبيران :

المعنى الرباني : فالعيد مرتبط بهذه المعاني الإيمانية.

و المعنى الإنساني: أن لا ينسى الإنسان أخاه ، أن لا يفرح و حده ، أن لا يكون أنانيا.

 

فرض زكاة الفطر في عيد الفطر:

 

لذلك شرع الإسلام في عيد الفطر : زكاة الفطر صدقة الفطر فرضها رسول الله صلى الله عليه و سلم على الصغير و الكبير و الذكر و الأنثى من المسلمين ، طهرة للصائم و طعمة للمساكين ، و إغناء لذوي الحاجة عن السؤال في هذا اليوم . فليس من الإسلام في شيئ أن تاكل ملء بطنك ، و تضحك ملء سنك ، و تنام ملء جفنك ، و تجمع على المائدة الواحدة ما لذ و طاب من الطعام و الشراب، و تسمع بإخوان لك لا يجدون ما يمسك الرمق أو يطفئ الحرق، تسمع بإناس يئنون من الجوع أنين الملسوع . لإن جاز هذا الأمر في أي و قت و هو غير جائز بلا شك  فلا يجوز في ايام الفرحة ... في أيام العيد ، لهذا شرع الإسلام في عيد الفطر زكاة الفطر إسعافا للفقراء و إغناء لهم.

 

الأضحية في عيد الأضحى:

 

و شرع الإسلام في عيد الأضحى الأضحية، جعلها سنة من سننه ، بل رآها الإمام أبو حنيفة و اجبا من الواجبات على أهل القدرة و اليسار. يُضحي المسلم ليوسع على نفسه و أهله ، وليوسع على جيرانه و أحبابه، ثم ليوسع بعد ذلك على الفقراء من حوله، فلا عاش من يأكل وحده .

فعلينا أيها الأخوة المسلمون أن لا نعيش في دائرة مغلقة على أنفسنا ، و إنما ينبغي أن ننفتح على الآخرين من حولنا  فنبحث عن أهل الفقر و الحاجة ، لنطعمهم من الأضحية ونتصدق عليهم . وكذلك يتجلى المعنى الإنساني في العيد بالهدية من الأضحية ليس إهداء المسلم فقط بل يشمل التسامح الإسلامي المسلمين وغير المسلمين فيجوز إهداء الكافر غير المقاتل للمسلمين تأليفا لقلبه وإحسانا إليه روى أبو داوود "أن عبدالله بن عمرو بن العاص رضي الله عنهما ذُبحت له شاة في أهله، فلما جاء قال : أهديتم لجارنا اليهودي؟ أهديتم لجارنا اليهودي؟ سمعت رسول الله صلى الله عليه و سلم يقول : ما زال جبريل يوصيني بالجار حتى ظننت أنه سيورثه"  فليتفقد المسلم جيرانه و يهديهم من أضحيته ليعطي المعني الإيجابي للمسلم الداعي إلى دين الله تعالى و هذه و سيلة في الإنفتاح على الآخر و تحبيبه في الإسلام.

 

عظمة الإسلام بعظمة رجاله :

 

هذا هو الإسلام و تلك هي سماحته فديننا دين عظيم من الله علينا بهذا الدين ، وهو أفضل دين . و لكنه لا يعز هذا الدين ولا ينتشر بغير رجال يؤمنون به و ينصرونه و يعزونه ، ويكونون مثلا له في الأرض، مثلا عمليا يراهم الناس فيرون فيهم الإسلام ، إذا سار أحدهم قالوا : أنظروا ، هذا هو الإسلام المجسم ، هذا قرآن يسعى على قدمين كما كان النبي صلى الله عليه وسلم و كما كان الصحابة رضوان الله عليهم. الإسلام عظيم ، ولكنه يحتاج إلى مسلمين عظماء إن الله تعالى يقول لرسوله : " ... هو الذي أيدك بنصره و بالمؤمنين" الأنفال:62.

 

إن رجلا أجنبيا درس الإسلام ، فأعجب به ، وأعجب بتعاليمه، فقال كلمة تقطع نياط القلوب. ماذا قال ؟ قال : ما أعظمه من دين لو كان له رجال ! ! دين عظيم و لكنه في حاجة لرجال عظماء. فواعجبا لأمرنا أمة الإسلام عددنا يفوق المليار مسلم في العالم اليوم لكننا غثاء كغثاء السيل كما قال رسول الله صلى الله عليه و سلم. إننا نريد قلة مؤمنة لا كثرة عاطلة . نريد الكيف قبل الكم ، لا نريد الكثرة الغثائية التي قال فيها الشاعر قديما :

إني لأفتح عيني حين أفتحها      ***      على كثير و لكن لا أرى أحدا

نريد أناسا مسلمين ... مسلمين حقيقيين الواحد منهم بألف ،،  و قد قال الشاعر:

و الناس ألف منهم كواحد         ****     وواحد كالألف إن أمر عنا.

 

و ومن تجليات المعنى الإنساني في العيد أيها الأخوة  : أن يُهنئ المسلم أخاه المسلم ، أن يُزيل الفجوة بينه و بين أخيه ، أن يقطع الخصومة بينه وبين أخيه،  و يُصلح ذات البين، فإن فساد ذات البين هي الحالقة ، أما إنها لا تحلق الشعر و لكن تحلق الدين. كما قال صلى الله عليه وسلم .

فلئن جاز للناس أن يتدابروا و أن يتخاصموا و يتقاطعوا في أيام أخرى ـ و هو غير جائز بحال في أي وقت من الأوقات . فلا يجوز لهم أن يتدابروا و يتقاطعوا في أيام العيد ، إبحث عن قريبك ... عن أخيك ... عن رحمك ... عن جيرانك ... عمن حولك ...صل من قطعك ... و ابذل لمن منعك ... و أعط من حرمك... واعفو عمن ظلمك ... وأحسن لمن أساء إليك فهذه مكارم الأخلاق التي بُعث بها النبي صلى الله عليه و سلم " إنما بُعثت لأتمم مكارم الأخلاق" 

الله أكبر، الله أكبر ، الله أكبر

 

عيد التضحية و الفداء

 

إخوة الإيمان و العقيدة

سبحان من جعل هذا العيد عيد التضحية و الفداء ، وسن لنا فيه نحر الضحايا لنأكل منها، و نهدي ونطعم البائس الفقير، و في هذا إحياء لذكرى تضحية سيدنا إبراهيم الخليل وولده إسماعيل عليهما السلام ، إذ عرض إبراهيم على ابنه ما رآه في المنام ليرى رأيه فيه ، فما كان منه إلا الرضى و القبول و الإستسلام  يقول الله تعالى : ( فلما بلغ معه السعي قال يابني إني أرى في المنام أني أذبحك فانظر ماذا ترى قال ياأبتي افعل ما تؤمر ستجدوني إن شاء الله من الصابرين . فلما أسلما و تله للجبين . و ناديناه أن يا أبراهيم قد صدقت الرؤيا . إنا كذلك نجزي المحسنين) الصافات الآيات من 102 ـ 105 .   نعم أيها الإخوة إن هذا العيد يذكرنا بهذه التضحية العظيمة ، و بهذا الإمتحان العسير ، لكل من سيدنا إبراهيم و ابنه اسماعيل عليهما السلام ، و كيف نجحا في هذا الإمتحان و اجتازاه بأمن و سلام و من ثم كانت المكافأة بأن أنزل الله كبشا عظيما من الجنة ، فذبحه سيدنا إبراهيم فداء لابنه إسماعيل ، ومن ذلك الوقت صار الفداء شعيرة من شعائر الإسلام.

 

تلك أيها الإخوة قصة الفداء العظيم ، و تلك هي قصة التضحية ، فأين تضحية أبناء هذه الأمة من تضحية اسماعيل لأبيه إبراهيم بموافقته إياه على أن يذبحه ، تنفيذا لأمر ربه و امتثالا لحكمه؟

 

أجل أين هؤلاء الأبناء من إسماعيل الذي كان نموذجا مضيئا سماء الزمان لطاعة الولد لأبيه و لو كان في هذه الطاعة ذهاب لحياته ؟

إن أبناء أمتنا اليوم  للأسف لا يعرفون شيئا عن التضحية إلا من عصم الله . و إننا لنأسف على ما يحدث في زماننا هذا من عقوق الأبناء لآبائهم ، فهذا إسماعيل يطيع أباه في ذبحه في إزهاق روحه و على النقيض من ذلك نجد من بعض أبنائنا من يتجرؤ على إيذاء بالحس و المعنى متناسين متجاهلين أمر الله سبحانه و تعالى ( واعبدوا ربكم و لا تشركوا به شيئا و بالوالدين إحسانا) النساء 36.

 

أيها الآباء ، أحيوا سنة أبيكم إبراهيم عليه السلام . و اهتدوا بهدي نبيكم إذ يقول : " ما عمل آدمي من عمل يوم النحر أحب إلى الله من إهراق الدم ، وإنه لتأتي يوم القيامة بقرونها و اشعارها و أظلافها ، وإن الدم ليقع من الله بمكان قبل أن يقع على الأرض، فطيبوا بها نفسا" رواه ابن ماجه و الترمذي و الحاكم .  ضحوا أيها المسلمون ، و ربوا أولادكم على منهج الله ، ليقتدوا بكم في السير عليه ، وينشؤا على التضحية و بغض الأثرة و الأنانية لأنكم أنتم من يجني حسن تربيتهم أو سوءها.

 

الله أكبر، الله أكبر، الله اكبر، الله أكبر كبيرا و الحمد لله كثيرا ، وسبحان الله بكرة و أصيلا.

أقول قولي هذا و أستغفر الله تعالى لي و لكم . أعوذ بالله من الشيطان الرجيم . بسم الله الرحمن الرحيم ( و العصر إن الإنسان لفي خسر إلا الذين آمنوا و عملوا الصالحات و تواصوا بالحق و تواصوا بالصبر ) وصيتي للإخوة أن يهنئ بعضهم بعضا بقولهم تقبل الله منا و منكم. و زوروا بعضكم بعضا ، و تواصلوا فيما بينكم، فإن الصلة من أهداف الإسلام . و صلى الله على محمد و آله و صحبه. و السلام عليكم و رحمة الله و بركاته .

 

 

 

 


Faheem Bukhatwa, my email address is : faheemfb@gmail.com