Checkout

خطب الجمـعة

faheemfb@gmail.com

 84


     


بسم الله الرحمن الرحيم

الغِيبة 2

  

كتبها : ش عمر علي 

ترجمها إلى الإنجليزية: د . فهيم بوخطوة

  

01 ذوالقعدة 1429 هـ

31 أكتوبر 2008 م

    

أيها الإخوة الكرام ، هذه الخطبة في موضوع محبطات الأعمال في السنة النبوية الصحيحة ، وأذكركم بأن محبطات الأعمال كالأمراض الوبيلة تنهي حياة الإنسان، فالإنسان يصاب بمئات الأمراض فلا تهدد حياته ، لكنه يشفى منها ، لكن بعض الأمراض العضالة المميتة تنهي حياته ، فالمحبطات من الأعمال تشبه في عالم المرض الأمراض المميتة .

 

والمحبطات للأعمال أيها الأخوة الكرام كثيرة و ابدأ في هذه الجمعة بداء إجتماعي محبط للأعمال ماحق للبركات وهو مرض الغيبة ، والغيبة أيها الأخوة أن تذكر أخاك بما يكره في غيابه ، لذلك قال أحدهم لإنسان : " لقد اغتبتني ، قال : ومن أنت حتى أغتابك ؟ لو كنت مغتاباً أحداً لاغتبت أبي وأمي ، لأنهم أولى بحسناتي منك " .

يجب أن تعلم علم اليقين أن الذي يغتاب الناس لا بد من أن تكتب حسناته إليهم يوم القيامة .

يقول بعض العلماء : " لولا أني أكره أن يعصى الله لتمنيت أن لا يبقى أحد في المصر إلا وقد اغتابني ، لأن كل حسناتهم إلي ".

ويقول بعضهم : " منذ عقلت أن الغيبة حرام ما اغتبت أحداً قط " .

والإمام البخاري يقول : " ما اغتبت أحداً قط منذ علمت أن الغيبة تضر أهلها ".

أيها الأخوة المؤمنون: فقد أنعم الله تعالى على المسلمين عندما أحل لهم الطيبات وحرم عليهم الخبائث والمضار، ولكن عجيب شأن المسلمين إنهم جعلوا هذا وراءهم ظهرياً، فوقعوا في اللحم الحرام يأكلونه وبالفاكهة الفاسدة الضارة يتفكهون بها، إن نوعاً من اللحم الحرام الخبيث المنتن يأكله كثير من الناس ويستمرؤونه، وإن نوعاً من الفاكهة الخبيثة تنتشر اليوم بين الناس في أسواقهم وبيوتهم، عند رجالهم وعند نسائهم بشتى مستوياتهم، إنهم لا يدفعون ثمن هذه الفاكهة من جيوبهم فيأكلونها حراماً فتصبح حراماً على حرام، إنها فاكهة مسمومة مشؤومة في المجالس السامرة لا يشبع طاعمها، ونغمة أحاديثها لا تمل سامعها، أتدرون ما هذه الفاكهة الحرام؟

إنها الغيبة التي يذكر فيها الإنسان أخاه المسلم بما يكره، ويظن أنها أمر سهل بسيط، ويحسبه الناس هيناً وهو عند الله عظيم، فإن العبد ليتكلم بالكلمة من رضوان الله تعالى ما يلقي لها بالاً يرفعه الله بها درجات، وإن العبد ليتكلم بالكلمة من سخط الله لا يلقي لها بالاً يهوي بها في جهنم، وقد قال بعض التابعين لأصحابه إنكم تعملون أعمالاً ترونها هينة، كالذباب يقع على أنف أحدكم يقول له هكذا كنا نعدّها على عهد أصحاب رسول الله كأمثال الجبال.

 

 فيا معشر المسلمين: إن الإسلام قد جعل للمسلم حقوقاً على أخيه فلا يجوز أن يتساهل فيها، لقد قال في حجة الوداع؛ إن دماءكم وأموالكم وأعراضكم حرام عليكم كحرمة يومكم هذا في شهركم هذا في بلدكم هذا، وإن الله سبحانه لما وهب للإنسان السمع والبصر واللسان أوجب عليه أن لا يستعملها كلها إلا في الخير وفي طاعة الله. وإن الغيبة انتهاك لحرمة المسلم وعرضه، ووقيعه فيه، وإنها تخوض في الحرام، وانحراف بنعمة اللسان الذي ينبغي أن نحفظه فلا نقول به إلا خيراً، ولقد أوصى النبي صلى الله عليه وسلّم معاذاً فأخذ بلسانه وقال: كف عليك هذا، قال معاذ: يا رسول الله وإنا لمؤاخذون بما نتكلم به؟ فقال: ثكلتك أمك يا معاذ وهل يكب الناس في النار على وجوههم إلا حصائد ألسنتهم. وعن أبي هريرة رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلّم قال: ((أتدرون ما الغيبة؟ قالوا: الله ورسوله أعلم، قال: ذكرك أخاك بما يكره، قيل: أفرأيت إن كان في أخي ما أقول؟ قال: إن كان فيه ما تقول فقد اغتبته، وإن لم يكن فيه ما تقول فقد بهته))، والبهتان هو أعظم الكذب والافتراء. وعن عائشة رضي الله عنها قالت: قلت للنبي صلى الله عليه وسلّم: حسبك من صفية أنها كذا وكذا، تعني قصيرة، فقال: ((لقد قلت كلمة لو مزجت بماء البحر لمزجته)) أي خالطته مخالطةيتغير بها طعمه أو ريحه لشدة نتنها وقبحها. فما بالكم يا معشر المسلمين: بمن يجلسون اليوم في مجالسهم ولا يقولون كلمة واحدة كهذه، ولكنهم يصفون أخاهم بأسوء الأوصاف ، يسلقونه بألسنةٍ حداد، ويشرحونه بمباضعهم أوصالاً، من قمة رأسه إلى أخمص قدميه، وهم لا يألون جهداً في التندر بشأنه وكشف ستره ونشر عيوبه، بل يجتهدون في أن يستخرجوا أباءه وأجداده من قبورهم، لينهشوا الجميع ويأكلوا لحومهم أحياءً وأمواتاً، ويغفلون عن الجزاء الذي ينالونه يوم القيامة، وقد حدثنا رسول الله صلى الله عليه وسلّم عن هذا الجزاء فقال: لما عرج بي مررت بقوم لهم أظفار من نحاس يخمشون بها وجوههم وصدورهم، فقلت: من هؤلاء يا جبريل؟ قال: هؤلاء الذين يأكلون لحوم الناس ويقعون في أعراضهم. وعن جابر بن عبد الله رضي الله عنه قال: كنا مع النبي صلى الله عليه وسلّم ، فارتفعت ريح منتنة، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلّم: ((أتدرون ما هذه الريح؟ هذه ريح الذين يغتابون المؤمنين)). وعن ابن عمر صلى الله عليه وسلّم قال: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلّم يقول: ((ومن قال في مؤمن ما ليس فيه أسكنه الله ردغة الخبال حتى يخرج مما قال))، وردغة الخبال هي عصارة أهل النار. يا معشر المسلمين: إن في النفوس بقية من خير وإيمان، لا يجوز أن نهملها، وإن في النفوس أيضاً استعداداً للتسامي والرفعة يجب أن نتعهده، لعلنا بذلك نرتقي إلى مستوى هذا الدين الذي أكرمنا الله به وإلى مستوى الخلق الذي ربّى عليه النبي صلى الله عليه وسلّم أصحابه فأبعدهم عن كل الرذائل والموبقات. عندما سلك بهم طريقاً في التربية ذا مسالك متعددة: يبعدهم فيها عن الغيبة: دعاهم باسم الحجة والبرهان، ثم دعاهم باسم الإيمان، ثم دعاهم باسم الحس والوجدان.

 

دعاهم باسم الحجة والبرهان قائلاً: يا أيها السامرون الذين نصبوا أنفسهم حكماً فيما بينهم وبين الناس فلأنفسهم أبداً الرضا والثناء والحمد، ولغيرهم أبداً الهجاء والسخط والذم، هل أعددتم أنفسكم حقا لهذا الحكم؟ وهل أحطتم علماً بما فيه تحكمون؟ هلا بدأتم بالحكم على أنفسكم قبل أن تحكموا على غيركم؟ وهلا شغلتكم عيوبكم عن عيوب إخوانكم؟ وهل أمنتم أن ينقلب الميزان فيكون الحكم عليكم لا لكم؟ {يا أيها الذين آمنوا لا يسخر قوم من قوم عسى أن يكونوا خيراً منهم ولا نساء من نساء عسى أن يكن خيراً منهن}. ثم دعاهم باسم الإيمان قائلاً: يا معشر الهمازين اللمازين المغتابين، إنكم لا تدركون حقيقة ما تفعلون، ولو فكرتم قليلاً لعرفتم أنكم لا تعيبون إخوانكم فحسب، ولكن تسبّون ربكم أيضاً. فإن أكثر ما تتفكهون به من عيوب الناس هي عيوب لا ذنب لهم فيها، عيوب ألوانهم وعاهات أبدانهم، مظاهر فقرهم ورقة حالهم، خمول أنسابهم، ومهنة أبائهم. ألم تعلموا أن الله هو الذي أعطى كل شيء خلقه، وركّبه في الصورة التي اختارها له، وأنه هو الذي يبسط الرزق لمن يشاء ويقبض عمن يشاء، وهو الذي قسم معيشته، ورفع بعضاً عليه أو ميزه بدرجة من الدرجات، فلو عبتموه كنتم تعيبون الرحمن في صنعته، وتتعقبون حكمه في تدبيره، فاحذروا الكفر بعد الإيمان، والجاهلية بعد الإسلام، {ولا تلمزوا أنفسكم ولا تنابزوا بالألقاب بئس الاسم الفسوق بعد الإيمان ومن لم يتنب فأولئك هم الظالمون} صلى الله عليه وسلّم . وأخيراً دعاهم باسم الحس والوجدان: إن أردتم أن تعرفوا كنه الغيبة وحقيقة مرتكبيها، فانظروا إلى مائدة ممدودة قد ألقي عليها فريسة من البشر، وقد جعل ينال شرذمة من الخلق، جلودهم جلود البشر، وقلوبهم قلوب النمور، وقد جعل ينال من هذه الفريسة، قضماً بأسنانهم ولعقاً بألسنتهم هؤلاء الذين يفعلون ذلك أترونهم من البشر؟ أم من فصيلة أخرى تأكل لحوم البشر؟ فكيف لو كانت هذه الفريسة عاجزة مجردة من كل سلاح، ثم هي من قبل ومن بعد أخ في أسرة الدين والنسب، تلك هي جريمة الغيبة كما صورها الله تعالى في كلماتٍ بليغة خالدة فقال: {ولا يغتب بعضكم بعضا أيحب أحدكم أن يأكل لحم أخيه ميتاً فكرهتموه واتقوا الله إن الله تواب رحيم}.نفعني الله وإياكم بهدي كتابه، أقول قولي هذا وأستغفر الله العظيم لي ولكم ولسائر المسلمين.

.


faheemfb@gmail.com   فهيم أبوخـطـوة ،، البريد الإلكتروني