Checkout

خطب الجمـعة

faheemfb@gmail.com

 87


     


بسم الله الرحمن الرحيم

الهجرة النَّبوية الشريفة

  

كتبها : ش  عمر علي

ترجمها إلى الإنجليزية: د . فهيم بوخطوة

  

27  ذو الحجّة  1429.

26 ديسمبر  2008

  

أيها الإخوة المسلمون:

 

نحن اليوم نودع عاما مضى وأفل ونستقبل عاما قد أطل علينا هلاله ، و أهل علينا فجره. نرى الهلال فنقول: " الله أكبر، اللهم أهله علينا بالأمن والأيمان والسلامة والإسلام والتوفيق لما تحب وترضى ، ربنا وربك الله"   نعم إنه هلال عام هجري جديد

 

فموضوع حديثي في هذه الخطبة سيكون إن شاء الله حول الهجرة النبوية الشريفة فما هي إلا أيام قلائل وينتهي عام ويأتي عام جديد ، مضى عام هجري وأتى عام آخر . أتى عام وفي بدايته تحتفل الأمة الإسلامية بذكرى غالية هي ذكرى هجرة المختار صلى الله عليه وسلم. تحتفل الأمة بهذا الحدث الفريد الذي غيَّر وجه الأرض وإلى الأبد في الوقت الذي تخلت فيه هذه الأمة عن شريعة ربها وانحرفت عن منهاج نبيها وتنكبت الصراط المستقيم . وأصبحت السيرة النبوية تعرض لمجرد الإعجاب أو للدراسة النظرية البحتة . وكأننا لسنا مطالبين بأن نعيش هذه السيرة وأن نحولها في حياتنا إلى منهج حياة ، وإلى واقع يتحرك في دنيا الناس ، فيسمعُ كثيرٌ من المسلمين السيرة ، وينطلق ولسان حاله  يردد .. كان يا مكان في سالف الأيام على عهد النبي عليه الصلاة والسلام .

 

مع أن الله جل وعلا لم يبعث محمداً صلّى الله عليه وسلم إلا ليكون قدوة متجددة على مر الأجيال والقرون ، وإلا ليكون مثلاً أعلى لكل زمان ومكان . فقال سبحانه : (( لَقَدْ كَانَ لَكُمْ فِي رَسُولِ اللَّهِ أُسْوَةٌ حَسَنَةٌ لِّمَن كَانَ يَرْجُو اللَّهَ وَالْيَوْمَ الْآخِرَ وَذَكَرَ اللَّهَ كَثِيراً )) سورة الأحزاب 21

 

لماذا الهجرة ؟

وللجواب على هذا السؤال قصة . إنها قصة الرسالة الإسلامية والبعثة . فعندما ضاقت الأرض بالإسلام والمسلمين في مكة واشتد إيذاء المشركين وبلغ بهم حد تهديد الدعوة الإسلامية في شخص رسولها ونبيها (وإذ يمكر بك الذين كفروا ليثبتوك أو يقتلوك أو يخرجزك ويمكرون ويمكر الله والله خير الماكرين" وما كان رب محمد صلّى الله عليه وسلم ليتخلى عن محمد ودعوته ، حتى يلقى هذا المصير الذي توهموه فأمره بالهجرة إلى المدينة ، وألا يبيت هذه الليلة في داره. فأعلم الرسول صلّى الله عليه وسلم صاحبه أبابكر بذلك ، ففرح أبو بكر وقال: "الصحبة الصحبة يارسول الله". فيا طالما تعجل هذه الهجرة ، والرسول صلّى الله عليه وسلم يؤجلها وأعد لذلك راحلتين وكانت الهجرة وكان الحدث الذي قدر له أن يغير مجرى التاريخ.

 

درس في التخطيط والتنظيم

 

والهجرة النبوية تخطيطا دقيقا وتنظيما محكما لا يدع أبدا مكانا للحظوظ العمياء .

فلقد كُلف النبي صلّى الله عليه وسلم بالهجرة وعمره ثلاثٌ وخمسون سنة ، في ظروف صعبة قاسية حتى يرى نفسه مضطراً أن يهاجر بالليل مختفياً هو وصاحبه من أعين المطاردين الذين رصدوا الجوائز المغرية لمن يأتى بمحمد حياً أو ميتاً . فيضع النبى خطة الهجرة بمنتهى الدقة والحكمة .

 

1)  فيأذن لسائر المؤمنين بالهجرة ويأمر أن يبقى أبو بكر وعلى رضى الله عنهما.

2)  والمدينة المنورة تقع إلى الشمال من مكة والمسافر إليها يتجه شمالاً ولكنه صلّى الله عليه وسلم يتجه جنوباً ناحية اليمن ليضلل المطاردين .

3)  والأمر يحتاج إلى دابة قوية فيجئ الصديق براحلتين قويتين ويقوم على أمرهما.

4)  والطريق يحتاج إلى رجل خبير لا يعرف الطرق الممهدة فقط بل يجب أن يعرف الطرق الجانبية والفرعية التى يمكن أن تُسلك ليتمكنوا من الفرار من المطاردين ، ولا حرج أن يكون على الشرك بعدما تيقن من أمانته.

5)  ولن تهدأ قريش في الأيام الثلاثة الأولى – لا في الليل ولا في النهار – عن البحث عن النبي صلّى الله عليه وسلم وصاحبه . إذن فلا بد من الاختفاء في الغار في هذه الأيام .

6)  وكيف تُعرف الأخبار؟ّ والخطط التى تدبرها قريش؟! يأتي عبد الله بن أبي بكر بالليل لينقل كل ما سمع من أخبار وقبل الفجر يكون في مكة كأنه بات فيها.

7)  وكيف التغلب على آثار الأقدام على الرمال وأهل مكة يجيدون معرفة الآثار؟! فليأت عامر بن فهيرة مولى أبي بكر الصديق رضى الله عنه ليرعى الأغنام فتمحو الآثار ويحلب لهما اللبن ، ويقدم لهما الطعام .

8)  وفي بيت المصطفى صلّى الله عليه وسلم ينام عليّ على فراشه ، ويلتف ببرده الكريم ، حيطة بالغة ودقة محكمة لم يعرف تاريخ البشرية لها مثيلاً . وهذا هو المعنى الحقيقى للتوكل على الله عز وجل . إنه الاحترام الكامل لقانون السببية الذى أودعه الله في هذا الكون مع الثقة في نصر الله عز وجل.

 

وكيف ينسى الصديق

 

نعم كيف ينُسى رجلٌ بأمة ؟.. كيف يُنسى رجل جَنَّدَ ماله وبيته وعقله وفكره ودمه لدين الله عز وجل.. ولم يتلعثم في إيمانه طرفه عين، فلقد كان الصديق طيفاً من الحنان وسحابة من الحب تُظِلّ الرسول صلّى الله عليه وسلم . وكأنى به يود لو صنع من جسده درعاً يحمى به رسول الله صلّى الله عليه وسلم . فهو يمشى أمام النبى صلّى الله عليه وسلم مرة ويمشى خلفه أخرى ، ويلتفت ويكثر الالتفات. فسأله النبى صلّى الله عليه وسلم فقال: «يا رسول الله إذا كنت خلفك خشيتُ أن تؤتى من أمامك ، وإذا كنت أماك خشيت أن تُؤتى من خلفك» والحديث رواه ابن هشام وهو حديث حسن بشواهده

 

واستمر أبوبكر في ذلك حتى لامست أقدامها غار ثور. بل خاف على رسول الله صلّى الله عليه وسلم أن يدخل إلى هذا الغار المهجور قبل أن يطمئن هو على سلامته فيقول لرسول الله صلّى الله عليه وسلم: مكانك يا رسول الله حتى استبرأ ، فدخل فاستبرأ ، أى تبيّن ، ثم قال : أنزل يا رسول الله . يقول عمر رضى الله عنه: « والذى نفسى بيده لعلك الليلة خير من عمر وآل عمر» والحديث رواه البيهقى وهو حديث مرسل لكن له شواهد ترقى به إلى درجة الحسن . وتحتبس أنفاس الصديق ويطير فؤاده وهو يرى أقدام الطغاة الماردين من قريش حول باب الغار ويهجم الخوف والرعب من شقوق الغار من سيوف الطغاة وعيونهم التى تتطاير شرراً وإجراماً. وفى حوار هامس يقول للحبيب المصطفى صلّى الله عليه وسلم يا رسول الله لو أن أحدهم نظر إلى قدميه لرآنا . فيرد عليه الحبيب بلغة يحدوها الأمل وبقلب يملأه اليقين.

« يا أبا بكر ما ظنك بإثنين الله ثالثهما »  « لا تحزن إن الله معنا» .. الله أكبر

 

وللشباب دور

 

نعم فهذا عبد الله بن أبي بكر وعامر بن فهيره يقومان بواجبهما على أكمل وجه . وهذا البطل الشريف والفدائي العظيم الذى علّم الدنيا شرف البطولة . وحقيقة الفداء.

 

إنه الفدائي الذى أحب الله ورسوله ، وأحبه الله ورسوله . أنه تلميذ بيت النبوة الذى تربى في حجر المصطفى صلّى الله عليه وسلم . وكفى أنه أسد الله الغالب: علي بن أبى طالب الذى نام في فراش النبى صلّى الله عليه وسلم وهو يعلم يقيناً أنه يقدم جسده للموت ويبيع نفسه لله ليفتدى حبيبه رسول الله صلّى الله عليه وسلم. والشباب هم مستقبل الأمة وعلى أكتافه وسواعده تتقدم الحضارات من أجل ذلك فلقد كان صلّى الله عليه وسلم شديد الحفاوة بالشباب فهو الذى أخذ برأيهم في غزوة أحد وهو الذى ولّى أسامة بن زيد قيادة الجيش ، وهو الشاب الذى لم يبلغ العشرين من عمره وجند هذا الجيش أبو بكر وعمر وعثمان وعلى وخالد وعمر وبن العاص...!!

 

وللمرأة دور

 

فهذه هى المجاهدة الصادقة الصابرة أسماء بنت أبي بكر ذات النطاقين رضى الله عنهما التى قدمت أروع المثل في التضحية والتعقل. تقول أسماء : لما خرج رسول الله  صلّى الله عليه وسلم  وخرج معه أبو بكر وحمل ماله كله فدخل علينا جدّي أبو قحافة وقد ذهب بصره فقال: والله إنى لآراه قد فَجِعكم بماله مع نفسه فقالت: كلا يا أبت ، بل ترك لنا خيراً كثيراً، وأخذت أجماراً فوضعتها حيث كان أبي يضع المال ووضعت عليها ثوبى ، ثم أخذت بيده ، فقلت : يا أبتى ضع يدك على هذا المال ، فوضع يده فقال: لا بأس إن كان قد ترك لكم هذا  فقد أحسن. تقول أسماء: لا والله وما ترك لنا شيئا ولكنى أردت أن أسكت هذا الشيخ بذلك. والحديث رواه ابن إسحاق وأحمد بسند صحيح. ولا عجب فإنها الزهرة التى تربت في حقل الإسلام ، ورباها الصديق بتربية القرآن والسّنة

 

وأخيراً: وقفة للتأمل .. سؤال هام

 

ياأخي المسلم: لقد مضى عام من عمرك ، فقربك إلى الله عاماً، وأبعدك عن الدنيا عاماً. فهل تأملت وتدبرت هذا ؟ وهل سألت نفسك : ماذا قدمت ؟ فإن الإنسان يذكر القريب ولكن كلما ضرب الزمن بأيامه ولياليه..، فإن الجروح تندمل .. والمعالم تنمحى ، وينشغل الإنسان بحاضره وينسى ما مضى.

 

ولكن .. ، هل ما ينساه الإنسان ينساه الديان؟؟

فهيا أيها المسلمون لدين الله ودعوة رسول الله .

فكل واحد منكم يستطيع أن يدرك ؛ ثواب الهجرة .. نعم ففي الحديث الصحيح عن مقبل بن يسار أن النبى صلّى الله عليه وسلم قال: « العبادة في الهرج كهجرة إلىّ» . والمراد بالهرج هنا : الفتن ، فالهرج: عندما تكثر الفتن وتنتشر الرذيلة وتغلب الرذيلة. فالصبر على الدين والعبادة ، ينال به التقى الصابر أجر وثواب الهجرة إلى رسول الله صلّى الله عليه وسلم. لأن الهجرة لم تُكَرَّم لأنها سفر من مكان إلى مكان. فما أكثر الذين يسافرون فالهجرة لم تكرم على إنها سفر، لكنها كرمت لأنها انتقال عقدى ونفسى وفكرى وروحي إلى حيث يريد الله ورسوله صلّى الله عليه وسلم.

أسأل الله العظيم رب العرش العظيم أن يجنبنا الفتن ما ظهر منها وما بطن اللهم ارزقنا قبل الموت توبة وعند الموت شهادة وبعد الموت جنة ورضواناً.. اللهم اهدنا وأهد بنا واجعلنا سبباً لمن اهتدى ..

 

 الدعاء

أقول قولي هذا وأستغفر الله لي ولكم فاستغفروه إنه هو الغفور الرحيم و لا حول ولا قوة إلا بالله العلي العظيم

.


faheemfb@gmail.com   فهيم أبوخـطـوة ،، البريد الإلكتروني