Checkout

خطب الجمـعة

faheemfb@gmail.com

122

      

 

     
 

     


بسم الله الرحمن الرحيم

شروط الآداب الشرعية ـ والأدب مع الله

 

كتبها : الشيخ   د. يونس صالح

ترجمها إلى الإنجليزية : د . فهيم بوخطوة

 

28  المحرَّم 1431

15  ينــاير 2010

 

 

 

الحمد لله رب العالمين، وصلى الله وسلم وبارك على نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين. الحمد لله الذي جعل الظلمات والنور ثم الذين كفروا بربهم يعدلون، والحمد لله الذي أنزل علينا هذا الدين، والحمد لله الذي جعل الأدب من صميم هذا الدين، أمرٌ غفل عنه الكثير من الناس، وهو ضروريٌ للمسلم مع الله سبحانه وتعالى، ومع الرسل ومع الخلق، وضروريٌ له في أحواله حتى لو كان لوحده، فبالأدب يعرف المسلم ما ينبغي أن يكون عليه حاله في طعامه وشرابه، وفي سلامه واستئذانه، وفي مجالسته وحديثه، وفي طرائفه ومزاحه، وفي تهنئته وتعزيته، وفي عطاسه وتثائبه، وفي قيامه وجلوسه، وفي معاشرته لأصدقائه، وفي حله وترحاله، ونومه وقيامه ، و الأدب ضروري لصغير والكبير، والمرأة والرجل، والغني والفقير، والعالم والعامي حتى يظهر أثر هذا الدين في الواقع، ولا شك أن من جوانب العظمة في هذا الدين هذه الآداب التي جاءت في هذه الشريعة التي تميز المسلمين عن غيرهم، وتظهر سمو هذه الشريعة وكمالها وعظمها. فتعالوا بنا نتعرف إلى معنى كلمة الأدب  و أنواع الأدب .

 

 أولأ : معنى : كلمة الأدب .

أما الأدب: فقد ذكر ابن فارس رحمه الله أن الأدب دعاء الناس إذا دعوتهم إلى شيء، وسميت المأدبة مأدبةً لأنه يدعو الناس فيها إلى الطعام، وقال الشاعر قريط بن أنيف عن قومه بي العنبر:

 

لا يسألون اخاهم حين يندبهم                 في النائبات اذا ما قال برهانا

 

وذكر ابن حجر رحمه الله تعالى في شرحه لكتاب الأدب من صحيح الإمام البخاري رحمه الله، قال: الأدب استعمال ما يحمد قولاً وفعلاً، وعبر بعضهم عنه بأنه الأخذ بمكارم الأخلاق، وقيل هو تعظيم من فوقك والرفق بمن دونك، والدين أدبٌ كله، فستر العورة من الأدب، والوضوء وغسل الجنابة من الأدب، والتطهر من الخبث من الأدب حتى يقف بين يدي الله طاهراً، ولذلك كانوا يستحبون أن يتجمل المرء في صلاته ليقف بين يدي ربه، حتى كان لبعضهم حلةٌ عظيمة اشتراها بمالٍ كثير ليلبسها وقت الصلاة، ويقول: ربي أحق من تجملت له (في صلاتي) وهذا مطلبٌ عظيم، وقال ابن القيم رحمه الله: الأدب اجتماع خصال الخير في العبد، ، أما استعمالات هذه الكلمة في كتب أهل العلم، فإنها تأتي بمعنى خصال الخير مثل: آداب الطعام وآداب الشراب، وآداب النكاح وآداب القضاء، وآداب الفتيا، وآداب المشي، وآداب النوم ونحو ذلك، وللعلماء في هذا مصنفات، ويطلق بعض الفقهاء كلمة آداب على كل ما هو مطلوب سواء كان واجباً أو مندوباً، ولذلك بوبوا فقالوا: آداب الخلاء والاستنجاء، مع أن منها ما هو مستحب ومنها ما هو واجب،  وصنفت كتبٌ خاصة بالأدب مثل: كتاب: أدب الدنيا والدين للماوردي، ، ومن قبله ابن مفلح الذي صنف كتاب الآداب الشرعية .

 

ثانيا : الأدب مع الله .
ذات يوم كان عبد الله بن عمر -رضي الله عنه- معه بعض أصحابه يسيرون في الصحراء بالقرب من المدينة، فجلسوا يأكلون، فأقبل عليهم شاب صغير يرعى غنمًا، وسلَّم عليهم، فدعاه ابن عمر إلى الطعام، وقال له: هلمَّ يا راعي، هلمَّ فأصب من هذه السفرة. فقال الراعي : إني صائم. فتعجب ابن عمر، وقال له: أتصوم في مثل هذا اليوم الشديد حره، وأنت في هذه الجبال ترعى هذه الغنم؟‍! ثم أراد ابن عمر أن يختبر أمانته وتقواه، فقال له: فهل لك أن تبيعنا شاة من غنمك هذه فنعطيك ثمنها، ونعطيك من لحمها فتفطر عليها؟  فقال الغلام: إنها ليست لي، إنها غنم سيدي. فقال ابن عمر: قل له: أكلها الذئب. فغضب الراعي، وابتعد عنه وهو يرفع إصبعه إلى السماء ويقول: فأين الله؟! فظل ابن عمر يردد مقولة الراعي: (فأين الله؟!) ويبكي، ولما قدم المدينة بعث إلى مولى الراعي فاشترى منه الغنم والراعي، ثم أعتق الراعي.وهكذا يكون المؤمن مراقبًا لله على الدوام، فلا يُقْدم على معصية، ولا يرتكب ذنبًا؛ لأنه يعلم أن الله معه يسمعه ويراه.

وهناك آداب يلتزم بها المسلم مع الله -سبحانه- ومنها:

 

أولا : عدم الإشراك بالله :

 فالمسلم يعبد الله -سبحانه- ولا يشرك به أحدًا، فالله – سبحانه - هو الخا لق المستحق للعبادة بلا شريك، يقول تعالى: {واعبدوا الله ولا تشركوا به شيئًا} [النساء: 36].إخلاص العبادة لله: فالإخلاص شرط أساسي لقبول الأعمال، والله -سبحانه- لا يقبل من الأعمال إلا ما كان خالصًا لوجهه، بعيدًا عن الرياء، يقول تعالى: {فمن كان يرجو لقاء ربه فليعمل عملاً صالحًا ولا يشرك بعبادة ربه أحدًا} [الكهف: 110].


ثانيا : مراقبة الله :

 فالله -سبحانه- مُطَّلع على جميع خلقه، يرانا ويسمعنا ويعلم ما في أنفسنا، ولذا يحرص المسلم على طاعة ربه في السر والعلانية، ويبتعد عمَّا نهى عنه، وقد سئل النبي صلى الله   عليه وسلم عن الإحسان، فقال: (أن تعبد الله كأنك تراه، فإن لم تكن تراه فإنه يراك) _[متفق عليه].


 ثالثا : الاستعانة بالله :

 المسلم يستعين بالله وحده، ويوقن بأن الله هو القادر على العطاء والمنع، فيسأله سبحانه ويتوجه إليه بطلب العون والنصرة، يقول تعالى: {قل اللهم مالك الملك تؤتي الملك من تشاء وتنـزع الملك ممن تشاء وتعز من تشاء وتذل من تشاء بيدك الخير إنك على كل شيء قدير } [آل عمران: 26] ويقول صلى الله عليه وسلم: (إذا سألتَ فاسأل الله، وإذا استعنتَ فاستعن بالله) [الترمذي].


رابعا : محبة الله :

 المسلم يحب ربه ولا يعصيه، يقول تعالى: {والذين آمنوا أشد حبًّا لله} [البقرة: 165].


خامسا : تعظيم شعائره :

 المسلم يعظم أوامر الله، فيسارع إلى تنفيذها، وكذلك يعظم حرمات الله، فيجتنبها، ولا يتكاسل أو يتهاون في أداء العبادات، وإنما يعظم شعائر الله؛ لأنه يعلم أن ذلك يزيد من التقوى، قال تعالى: {ذلك ومن يعظم شعائر الله فإنها من تقوى القلوب} [الحج: 32].


سادسا : الغضب إذا انتهكت حرمات الله :

 فالمسلم إذا رأى من يفعل ذنبًا أو يُصر على معصية، فإنه يغضب لله، ويُغيِّر ما رأى من منكر ومعصية، ومن أعظم الذنوب التي تهلك الإنسان، وتسبب غضب الله، هو سب دين الله، أو سب كتابه، أو رسوله صلى الله عليه وسلم، والمسلم يغضب لذلك، وينهى من يفعل ذلك ويحذِّره من عذاب الله -عز وجل-.


سابعا : التوكل على الله :

 المسلم يتوكل على الله في كل أموره، يقول الله -تعالى-: {وتوكل على الحي الذي لا يموت} [الفرقان: 58] ويقول تعالى: {ومن يتوكل على الله فهو حسبه إن الله بالغ أمره قد جعل الله لكل شيء قدرًا} [الطلاق:3] ويقول النبي صلى الله عليه وسلم: (لو أنكم توكَّلون على الله حق توكَّله، لرُزِقْتُم كما يُرْزَق الطير تغدو خِمَاصًا (جائعة) وتعود بطانًا (شَبْعَي)) _[الترمذي].


ثامنا : الرضا بقضاء الله:

 المسلم يرضى بما قضاه الله؛ لأن ذلك من علامات إيمانه بالله وهو يصبر على ما أصابه ولا يقول كما يقول بعض الناس: لماذا تفعل بي ذلك يا رب؟ فهو لا يعترض على قَدَر الله، بل يقول ما يرضي ربه، يقول تعالى: {وليبلونكم بشيء من الخوف والجوع ونقص من الأموال والأنفس والثمرات وبشرالصابرين . الذين إذا أصابتهم مصيبة قالوا إنا لله وإنا إليه راجعون . أولئك عليهم صلوات من ربهم ورحمة وأولئك هم المهتدون} [البقرة: 155-157].


تاسعا : الحلف بالله:

 المسلم لا يحلف بغير الله، ولا يحلف بالله إلا صادقًا، يقول النبي صلى الله عليه وسلم: (إن الله ينهاكم أن تحلفوا بآبائكم، من كان حالفًا فليحلف بالله أو ليصمت) [متفق عليه].


عاشرا : شكر الله :

 الله -سبحانه- أنعم علينا بنعم كثيرة لا تعد ولا تحصى؛ فيجب على المؤمن أن يداوم على شكر الله بقلبه وجوارحه، يقول تعالى: {لئن شكرتم لأزيدنكم ولئن كفرتم إني عذابي لشديد} [إبراهيم: 7].


الحادي عشر : التوبة إلى الله :

قال تعالى : {يا أيها الذين آمنوا توبوا إلى الله توبة نصوحًا عسى ربكم أن يكفر عنكم سيئاتكم ويدخلكم جنات تجري من تحتها الأنهار }[التحريم: 8]. ويقول تعالى: {وتوبوا إلى الله جميعًا أيها المؤمنون لعلكم تفلحون} [النور:13]. ويقول النبي صلى الله عليه وسلم: (يأيها الناس توبوا إلى الله، فإني أتوب في اليوم إليه مائة مرة) [مسلم]. وهكذا يكون أدب المسلم مع ربه؛ فيشكره على نعمه، ويستحي منه سبحانه، ويصدق في التوبة إليه، ويحسن التوكل عليه، ويرجو رحمته، ويخاف عذابه، ويرضى بقضائه، ويصبر على بلائه، ولا يدعو سواه، ولا يقف لسانه عن ذكر الله، ولا يحلف إلا بالله، ولا يستعين إلا بالله، ودائمًا يراقب ربه، ويخلص له في السر والعلانية.

 

 

 


faheemfb@gmail.com   فهيم بوخـطـوة ،، البريد الإلكتروني