خطب الجمـعة |
![]() |
|
132 |
بسم الله الرحمن الرحيم
أهمية الذِّكْرِ وفضله ـ الجزء الأوَّل
كتبها : الشيخ عمر علي الخذراوي
ترجمها إلى الإنجليزية : د . فهيم بوخطوة
30 جمادى الأوّل 1431
14 مـــايـو 2010
الحمد لله نحمده، ونستعين به، ونسترشده ، ونعوذ به من شرور أنفسنا وسيئات أعمالنا، من يهده الله فلا مُضل له، ومن يضلل فلن تجد له ولياً مرشداً، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، إقراراً بربوبيته، وإرغاماً لمن جحد به وكفر، وأشهد أن سيدنا محمداً صلى الله عليه وسلم رسول الله، سيد الخلق والبشر، ما اتصلت عين بنظر، أو سمعت أذن بخبر، اللهم صلِّ وسلم وبارك على سيدنا محمد وعلى آله وأصحابه الطيبين الطاهرين أمناء دعوته وقادة ألويته وارضَ عنا وعنهم يا رب العالمين، اللهم أخرجنا من ظلمات الجهل والوهم، إلى أنوار المعرفة والعلم، ومن وحول الشبهات والشهوات إلى جنات اليقين و القربات.
أما بعد: اتقوا الله عباد الله، وأكثروا من ذكره، فإن الرسول صلى الله عليه وسلم يقول: في الحديث الشريف الصحيح: (( ألا أنبئكم بخير أعمالكم، وأزكاها عند مليككم، وأرفعها في درجاتكم، وخير لكم من إنفاق الذهب والورق، وخير لكم من أن تلقوا عدوكم فتضربوا أعناقهم ويضربوا أعناقكم، قالوا: بلى، قال : ذكر الله تعالى. )) .
فذكره سبحانه قوت قلوب الذاكرين، وهو قرة عيون الموحدين، وهو العدة الكبرى، والسلاح الذي لا يبلى، وهو دواء الأسقام، الذي إذا تركه قوم اصيبوا في مقتل، وانتكسوا على الأعقاب خاسرين.
إذا مرضنا تداوينا بذكركم ونترك الذكر أحيانًا فننتكس
فبالذكر تأنس وتطمئن القلوب يقول تعالى: (الَّذِينَ آمَنُوا وَتَطْمَئِنُّ قُلُوبُهُمْ بِذِكْرِ اللَّهِ أَلَا بِذِكْرِ اللَّهِ تَطْمَئِنُّ الْقُلُوبُ) الرعد 28. وبه تُستدفع الآفات، وويكشف الله به الكربات، وقد أمر الله تعالى به المؤمنين فقال تعالى: (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اذْكُرُوا اللَّهَ ذِكْرًا كَثِيرًا) [الأحزاب:41]، وقال تعالى: (فَاذْكُرُونِي أَذْكُرْكُمْ وَاشْكُرُوا لِي وَلا تَكْفُرُونِ) [البقرة:152]. وقد أثنى الله سبحانه وتعالى في كتابه على الذاكرين فقال تعالى: (إِنَّ ٱلْمُسْلِمِينَ وَٱلْمُسْلِمَـٰتِ وَٱلْمُؤْمِنِينَ وَٱلْمُؤْمِنَـٰتِ وَٱلْقَـٰنِتِينَ وَٱلْقَـٰنِتَـٰتِ وَٱلصَّـٰدِقِينَ وَٱلصَّـٰدِقَـٰتِ وَٱلصَّـٰبِرِينَ وَٱلصَّـٰبِرٰتِ وَٱلْخَـٰشِعِينَ وَٱلْخَـٰشِعَـٰتِ وَٱلْمُتَصَدّقِينَ وَٱلْمُتَصَدّقَـٰتِ وٱلصَّـٰئِمِينَ وٱلصَّـٰئِمَـٰتِ وَٱلْحَـٰفِظِينَ فُرُوجَهُمْ وَٱلْحَـٰفِـظَـٰتِ وَٱلذٰكِـرِينَ ٱللَّهَ كَثِيرًا وَٱلذٰكِرٰتِ أَعَدَّ ٱللَّهُ لَهُم مَّغْفِرَةً وَأَجْرًا عَظِيمًا) [الأحزاب:35]. وقد ذكر الله سبحانه وتعالى الذاكرين في كتابه بأحل الذكر فقال عز من قائل : (إِنَّ فِي خَلْقِ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَاخْتِلَافِ اللَّيْلِ وَالنَّهَارِ لَآيَاتٍ لِأُولِي الْأَلْبَابِ* الَّذِينَ يَذْكُرُونَ اللَّهَ قِيَامًا وَقُعُودًا وَعَلَى جُنُوبِهِمْ وَيَتَفَكَّرُونَ فِي خَلْقِ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ رَبَّنَا مَا خَلَقْتَ هَذَا بَاطِلًا سُبْحَانَكَ فَقِنَا عَذَابَ النَّارِ) آل عمران 189.
و تعهد سبحانه و تعالى بأن يذكر من يذكره ، و هل هناك أرفع و أعظم من أن يذكر الله سبحانه و تعالى عبده المؤمن ، قال تعالى : (فَاذْكُرُونِي أَذْكُرْكُمْ وَاشْكُرُوا لِي وَلَا تَكْفُرُونِ) البقرة 152 .
وقد وردت الأحاديث الصحيحة عن النبي صلى الله عليه وسلم و التي تدل على أن أفضل ما شغل العبدُ به نفسه في ذكر الله تعالى, فمن ذلك ما رواه أحمد وغيره عن أبي الدرداء رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ( أنا عند حسن عبدي بي ، وأنا معه حين يذكرني ، فإن ذكرني في نفسه ذكرته في نفسي ، و إن ذكرني في ملإ ذكرته في ملإ هم خير منهم) متفق عليه. قال إبن القيم رحمه الله تعالى: " ولو لم يكن في الذكر إلا هذه وحدها لكفى بها فضلا و شرفاّ " ومن ذلك أيضًا ما رواه الإمام مسلم في صحيحه عن أبي هريرة رضي الله عنه قال: كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يسير في طريق مكة, فمر على جبل يقال له جُمْدان, فقال صلى الله عليه وسلم: ((سيروا هذا جُمْدان, سبق المفرِّدون))، قالوا: وما المفردون يا رسول الله؟ قال: ((الذاكرون الله كثيرًا والذاكرات)) مسلم .
ومما يظهر فضل الذكر وعلوّ مرتبته ما أخرجه الترمذي عن عبد الله بن بسر رضي الله عنه أن رجلاً قال: يا رسول الله، إن شرائع الإسلام قد كثرت عليَّ، فأخبرني بشيء أتشبث به، قال: ((لا يزال لسانك رطبًا من ذكر الله))رواه الترمذي ومما يدل على ذلك أن الله تعالى أمر المؤمنين بأن يذكروه قيامًا وقعودًا وعلى جنوبهم, فقال تعالى: (فَإِذَا قَضَيْتُمُ الصَّلاةَ فَاذْكُرُوا اللَّهَ قِيَامًا وَقُعُودًا وَعَلَى جُنُوبِكُمْ) [النساء:103]. وهكذا كان النبي صلى الله عليه وسلم فعن عائشة رضي الله عنها قالت: "كان النبي صلى الله عليه وسلم يذكر الله على كل أحيانه" رواه مسلم . و قد جعل النبي صلى الله عليه وسلم الذكرأفضل من كثير من الأعمال و إن كان عتق الرقاب في سبيل الله تعالى فهذا أنس بن مالك رضي الله عنه قال : قال رسول الله صلى الله عليه و سلم : " لأن أقعد مع قوم يذكرون الله منذ صلاة الغداة حتى تطلع الشمس أحب إلي من أن أعتق أربعة من ولد إسماعيل، ولأن أقعد مع قوم يذكرون الله منذ صلاة العصر إلى أن تغرب الشمس أحب إلي من أن أعتق أربعة " . رواه أبو داوود في سننه. يقول أبوبكر الصديق رضي الله تعالى عنه : ذهب الذاكرون الله بالخير كله. وقال أبو الدرداء: لكل شيئ جلاء ، وإن جلاء القلوب ذكر الله عز وجل. و قال شيخ الإسلام إبن تيمية: الذكر للقلب مثل الماء للسمك فكيف يكون حال السمك إذا فقد الماء.
إخوة الإيمان: إحرصو على ذكر الله تعالى واعلموا أن أفضل الذكر و أعلى مراتبه هو ما واطأ فيه القلب اللسان, وكان من الأذكار النبوية وشاهد الذاكر معانيه ومقاصده.
واعلموا أن هذا الفضل العظيم والأجر الكبير ليس معلقًا على ذكر الشفة واللسان فحسب, بل لا يثبت هذا الأجر الموعود إلا على ذكر يتواطأ فيه القلب واللسان.
وقد يسأل سائل: ما سر تفضيل الذكر على سائر أنواع وأعمال البر, مع أنه خفيف على اللسان ؟ فالجواب: إن سر هذا التفضيل هو أن الذكر يورث يقظة القلب وحياته وصلاحه, ولذلك قال النبي صلى الله عليه وسلم: ((مثل الذي يذكر ربه والذي لا يذكر ربه مثل الحي والميت)) رواه مسلم فالذكر رغم سهولته و خفته على اللسان إلا أنه قد يُحرم منه كثير من الناس لأنهم حرموا التوفيق الإلهي فالذكر حياة القلوب وصلاحها, وهو دواء الأبدان وشفاءها ،والذكر للقلب كالماء للزرع, وفي لفظ لمسلم " مثل البيت الذي يُذكر الله فيه ، و البيت الذي لا يُذكر الله فيه : مثل الحي و الميت" فجعل بيت الذاكر بمنزلة بيت الحي ، وبيت الغافل بمنزلة بيت الميت و هو القبر. وفي اللفظ الأول جعل الذاكر بمنزلة الحي في بيوت الأحياء، و الغافل كالميت في بيوت الأموات . و لا ريب أن أبدان الغافلين قبور لقلوبهم. و قلوبهم فيها كالأموات في القبور . قلب ميت لا يذكر الله تعالى و لا يتدبر كلامه. و كما قيل
فنسيان ذكر الله موت قلـــوبهم **** وأجسامهم قبل القبور قبور
و أرواحهم في وحشة من جسومهم **** وليس لهم حتى النشور نشور
فعليكم ـ عباد الله ـ بالإكثار من ذكره سبحانه, وعمارةِ الأوقات والأزمان بالذكر والدعاء و لا تكونوا من الغافلين . عن أبي هريرة رضي الله عنه قال : " من قال لاإله إلا الله وحده لا شريك له ، له الملك و له الحمد و هو على كل شيئ قدير ، في يوم مائة مرة ، كانت له عدل عشرة رقاب، وكُتبت له مائة حسنة ، و مُحيت عنه مائة سيئة، وكانت له حرزا من الشيطان يومه ذلك حتى يُمسي ، ولم يأتي أحد بأفضل مما أتى به إلا رجلا عمل أكثر منه، ومن قال سبحان الله و بحمده في يوم مائة مرة حُطت خطاياه و إن كانت مثل زبد البحر" متفق عليه. وفي فضل الذكر يقول الحسن البصري رحمه الله : تفقدوا الحلاوة في ثلاثة أشياء : في الصلاة و في الذكر ، وقراءة القرآن فإن وجدتم ... و إلا فاعلموا أن الباب مغلق. فيا عبدالله يا من أردت الآخرة إسعى لها سعيها و داوم على الذكر و الدعاء و رتب على نفسك شيئا من الإستغفار و التهليل و الصلاة على النبي صلى الله عليه وسلم إلى غير ذلك من الأذكار المأثورة وعود لسانك الذكر المستمر من تسبيح و استغفار و تكبير و حوقلة بأن تكثر من قول لا حول و لا قوة إلا بالله زيادة على تمسكك بالصلوات و أنواع العبادات و أعمال البر و اعلم أخي يا من ترجو رحمة الله أنك بقدر ما تأخذ نفسك بكثرة الذكر تزكو نفسك و ترتقي روحك حتى تكون من الصالحين وتجد لذة ذلك في قلبك.
واعلم أخي الحبيب أن الإعراض عن ذكر الله يُورث في القلوب القسوة و الغلظة والعياذ بالله يقول تعالى: (( أفمن شرح الله صدره للإسلام فهو على نور من ربه ، فويل للقاسية قلوبهم من ذكر الله ، أولئك في ضلال مبين)) وذكر الله " به يزول الوقر عن السماع، و البُكم عن الألسن ، و تنقشع به ظلمة الأبصار. زين الله به السنة الذاكرين ، كما زين بالنور أبصار الناظرين. فاللسان الغافل كالعين العمياء ، والأذن الصماء و اليد الشلاء" فلنجدد التوبة لله تعالى ولنداوم على ذكر الله آناء الليل و أطراف النهار لعل الله يكتبنا من الذاكرين كثيرا و الذاكرات وأن نكون بذكر الله تعالى ممن يذكر الله خاليا فتفيض عيناه فيستحق بذلك الظل الكريم كما قال صلى الله عليه وسلم في حديث السبعة الذين يُظلهم الله في ظله يوم لا ظل إلا ظله و ذكر منهم : " .... و رجل ذكر الله خاليا ففاضت عيناه" اللهم إنا نسألك لسانا ذاكرا و قلبا خاشعا و بدنا على البلاء صابرا
طيب بذكر الله فاك فإنـــه *** لأجــــلّ مافــــاهت به الأفواه
طُفئت مصابيـح العقول فكلنا *** يُمسي ويُصبح في ظلام هـواه
كم مُدّع علما لو استــخبرته *** لوجــدت أكثر علــمه دعـــواه
ما للفتى لايرعــوي وصباحه *** ومســـــــاؤه يعظانه بسواه
تلقاه تياها على من دونـــه *** ولسـوف يُعطشه الذي أرواه
والعيش بلوى عــاقل فتعجبوا ***مــن عاقل مستعذب بلواه
إن زيد يوم واحد في عمــره *** نقصت على مقــــدار ذاك قواه
وكأنه والموت سدد سهــمه *** فأصاب مقتله ومـــــــــا أخاطاه
والمرء يُنشر كالرداء على مدى *** فإذا انقضى جاء الردى فطواه
وقال الآخر :
طابت بذكر الله أيام لـــنا *** والغافلون تعلقوا بسواه
ذكرُ الإله صقال رين قلـوبنا *** وثوى المغفل في ظلام هواه
بينا تراه يُصر في لـــذاته *** وفجوره جاء الردى فطواه
عباد الله هذا حديثنا اليوم عن الذكر و فضله وإن كان لنا في العمر بقية نكمل الجمعة القادمة الحديث عن فوائد الذكر وعواقبه الحميدة لمن حافظ عليه واكثرمنه حتى تتم الفائدة و نشحذ الهمم لمداومة الذكر.
اللهم اغفر لنا وارحمنا وأنت خير الراحمين، اللهم إنا نسألك من الخير كله عاجله وآجله ماعلمنا منه وما لم نعلم، ونسالك الجنة وما قرب إليها من قول أو عمل ، ونعوذ بك من النار وما قرب غليها من قول أو عمل، و نسالك من خير ما سألك منه عبدك ورسولك محمد صلى الله عليه وسلم، ونعوذ بك من شر ماأستعاذ بك منه عبدك ورسولك محمد صلى الله عليه وسلم، ونسألك ما قضيت لنا من امر أن تجعل عاقبته رشدا.
عباد الله : ( إن الصلاة تنهى عن الفحشاء و المنكر . ولذكر الله أكبر و الله يعلم ما تصنعون) العنكبوت 45 . و أقم الصلاة .
faheemfb@gmail.com فهيم بوخـطـوة ،، البريد الإلكتروني