| 
     خطب الجمـعة |  | 
     | 134 | 
بسم الله الرحمن الرحيم
ومن الذكر قراءة القرآن الكريم آناء الليل وأطراف النَّهار
كتبها : الشيخ عمر علي الخذراوي
ترجمها إلى الإنجليزية : د . فهيم بوخطوة
14 جمادى الآخرة 1431
28 مــــايـــو 2010
أما بعد:
فقد شرف الله تعالى الأمة المسلمة بإنزال القرآن الكريم عليها وخصها بذلك دون سائر الأمم، فقال تعالى: ( ثم أورثنا الكتاب الذين اصطفينا من عبادنا) فاطر 32.
عباد الله في الجمعتين الماضيتين تكلمنا وتحدثنا عن عن الذكر وفضل الذكر وثواب الذاكرين واستمعنا إلى بعض من أحاديث النبي الكريم التي تحث على الذكر وترغب إليه واستمعنا لنصيحة النبي الكريم لذلك الصحابي الذي سأله بأن شرائع الإسلام كثرة علي فأخبرني بشيئ أتشبث به فقال صلى الله عليه وسلم " لا يزال لسانك رطبا من ذكر الله " واليوم أيها الإخوة الكرام سنتحدث عن نوع أخر من الذكر لله سبحانه وتعالى ألا وهو قرآة القرآن، فمن أعظم الذكر لله سبحانه وتعالى تلاوة آياته وتدبر كلامه سبحانه وتعالى.
ثناء الله تعالى على من يتلو كتاب الله
فالقرآن الكريم من أعظم فضائله أنه كلام الله عزو جل وقد مدحه الله سبحانه وتعالى فقال: ( وهذا كتاب أنزلناه مبارك) االأنعام 92.
أيها المسلمون إن هذا القران مجدكم انه مجد هذه الأمة وعزها وكرامتها وسعادتها في الدنيا والآخرة من طلب المجد بغيره خذل ومن طلب العزة بغيره ذل ومن طلب الكرامة بدونه أهين ومن طلب السعادة بسواه شقي إن هذا لهو الحق واستمعوا إلى قول الله عز وجل: ( فإما يأتينكم مني هدى فمن أتبع هداي فلا يضل ولا يشقى ومن أعرض عن ذكري فان له معيشة ضنكا ونحشره يوم القيامة أعمى قال رب لم حشرتني أعمى وقد كنت بصيرا قال كذلك اتتك آياتنا فنسيتها وكذلك اليوم تُنسى وكذلك نجزي من أسرف ولم يؤمن بآيات ربه ولعذاب الآخرة أشد وأبقى ) ولما كان هذا القران العظيم عز هذه الأمة وكرامتها وسعادتها ومجدها امتدح الله عز وجل أولئك الذين يتلونه تلاوة لفظية بقراءته المتضمنة لفهم معانيه وتلاوة عملية بتصديق أخباره والعمل بأحكامه فقال الله تعالى: ( الذين آتيناهم الكتاب يتلونه حق تلاوته أولئك يؤمنون به ومن يكفر به فأولئك هم الخاسرون) وقال تعالى: (إن الذين يتلون كتاب الله وأقاموا الصلاة وانفقوا مما رزقناهم سرا وعلانية يرجون تجارة لن تبور ليوفيهم أجورهم ويزيدهم من فضله انه غفور شكور )
ثناء الرسول الكريم صلى الله عليه وسلم على قارئ القرآن
واثنى النبي صلى الله عليه وسلم على المؤمن قارئ القران فعن أمير المؤمنين عُثمان بن عفان رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (( خيركم من تعلم القرآن وعلمه)) رواه البخاري وعن عائشة رضي الله عنها أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال (( الذي يقرأ القرآن وهو ماهر به مع السفرة الكرام البررة والذي يقرأ القرآن وهو يتتعتع فيه وهو عليه شاق له أجران)) رواه البخاري ومسلم. وعن أبي موسى الأشعري رضي الله عنه قال: قال رسول الله ثلى الله عليه وسلم (( مثل المؤمن الذي يقرا القرىن مثل الأترجة ريحها طيب وطعمها طيب، ومثل المؤمن الذي لا يقرا القرآن كمثل التمرة لا ريح لها وطعمها طيب، ومثل المنافق الذي يقرأ القرآن كمثل الريحانة ريحها طيب وطعمها مر، ومثل المنافق الذي لا يقرأ القرآن كمثل الحنظلة ليس لها ريح وطعمها مر)) رواه البخاري ومسلم. وعن ابن عمر بن الخطاب رضي الله عنهما عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (( لا حسد إلا في اثنتين: رجل آتاه الله القرآن فهو يقوم به آناء الليل وآناء النهار، ورجل آتاه الله مالا فهو يُنفقه آناء الليل وآناء النهار)) رواه البخاري ومسلم.
و اكثر من ذلك فإن لقارئ القرآن مزيد فضل وعلو منزلة في الجنة يوم القيامة فعن عبدالله بن عمرو بن العاص رصي الله عنهما قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ( يُقال ـ يعني لصاحب القرآن ـ اقرأ وارق ورتل كما كنت تُرتل في الدنيا فإن منزلتك عند آخر آية تقرؤها)) رواه أبو داوود والترمذي والنسائي وقال الترمذي حديث حسن صحيح..
ولقارئ القرآن الأجر العظيم فعن عبدالله بن مسعود رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم قال : " من قرأ حرفا من كتاب الله تعالى فله حسنة، والحسنة بعشر أمثالها، لا أقول (ألم) حرف ولكن: ألف حرف، ولام حرف، وميم حرف" رواه الترمذي وهو صحيح.
وفي رواية أخرى، يقول ابن مسعود رضي الله عنه: " إن هذا القرآن مأدبة الله فاقبلوا مأدبته ما استطعتم، إن هذا القرآن حبل الله المتين، والنور المبين والشفاء النافع، عصمة لمن تمسك به ونجاة لمن اتبعه، لا يزيغ فيستعتب ولا يعوج فيقوم، ولا تنقضي عجائبه، ولا يخلق من كثرة الترداد، اتلوه فإن الله يأجركم على تلاوته كل حرف عشر حسنات أما إني لا أقول (ألم) حرف ولكن ألف حرف ولام حرف وميم حرف " رواه الحاكم. وعن أبي سعيد الخدري رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (( يقول الله سبحانه وتعالى: من شغله القرآن وذكري عن مسألتي أعطيته أفضل ما أعطي السائلين، وفضل كلام الله سبحانه وتعالى على سائر الكلام كفضل الله تعالى على خلقه)) رواه الترمذي وقال حديث حسن.
وروى الدارمي بإسناده عن عبدالله بن مسعود رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (( اقرؤا القرآن فإن الله لا يُعذب قلبا وعى القرآن، وإن هذا القرآن مأدبة الله فمن دخل فيه فهو آمن، ومن أحب القرآن فليبشر))
وقد أمر النبي صلى الله عليه وسلم بتعاهد القرآن لمن حفظه حتى لا يضيع منه فينساه فقال صلى الله عليه وسلم: ((تعاهدوا القرآن فوالذي نفس محمد بيده لهو اشد تفلتا من الإبل في عُقلها)) فيا أيها المسلمون اقرأوا كتاب الله تعاهدوه واحتسبوا به الأجر من الله فان لكم بكل حرف تقرءونه عشر حسنات ولا تهجروا القرآن ( وقال الرسول يارب إن قومي اتخذوا هذا القرآن مهجورا) الفرقان 30.
عباد الله:
تعاهدوا كتاب الله اقراوه وأحرصوا على تقويم حروفه ما استطعتم فقد قال النبي صلى الله عليه وسلم: (الماهر بالقران مع السفرة الكرام البررة والذي يقرأ القران ويتتعتع فيه وهو عليه شاق له أجران) إن البعض منا مع الأسف تمضي عليه الأيام والشهور لا يقرأ من القران إلا ما يقرأ في صلاته فينبغي للمسم أن يجعل له كل يوم قدرا معينا من القرآن يواظب على قراءته حتى لا يكون هاجرا للقرآن.
حال بعض أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم مع القرآن
لقد كان لأصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم شأن خاص مع كتاب الله تعالى قراءة وتلاوة وتدبرا فمائدة القرآن هي المائدة التي ربى رسول الله صلى الله عليه وسلم صحابته الكرام عليها واستطاع أن يُعلق قلوبهم وعقولهم به، فانكب الصحابة ـ رضي الله عنهم ـ عليه حفظا وتلاوة وتدبرا. فهذا أبوبكر الصديق عُرف عنه أنه كان كثير القراءة لكتاب الله وكان كثير البكاء عند تلاوته حتى أنه لما أمر النبي صلى الله عليه وسلم بإمامته بالناس في الصلاة قالت أم المؤمنين عائشة رضي الله عنها: إنه رجل ضعيف لا يملك عينه عند قراءة القرآن ورضوان الله تعالى عليه كثير القراءة للقرآن في أوقات فراغه حتى أنه عُرف بذلك واشتهر به فقد ورد ان الناس اجتمعوا عند معاوية وفيهم إبن عباس فقال معاوية: يابن عباس ما تقول في أبي بكر الصديق ؟ فال: يرحم الله أبابكر كان والله للقرآن تاليا وللشر قاليا.
وهذا عمر رضي الله تعالى عنه كان للقرآن مكانة مميزة في قلبه ونفسه وأشغل لسانه به يتلوه آناء الليل وأطراف النهار فقد ورد عنه ـ رضي الله عنه ـ كان إذا صلى السُبحة، وفرغ دخل مربدا له، فأرسل إلى فتيان قد قرؤوا القرآن منهم إبن عباس وابن أخي عُيينة، فقال: فيأتون فيقرؤون القرآن ويتدارسونه فإذا كانت القائلة إنصرف. وكان كثيرا ما يُحب أن يسمع القرآن من غيره حتى إنه رأى أبا موسى الأشعري فقال: ( ذكرنا ربنا ياأبا موسى) فيقرأ عنده. وكان رضوان الله عليه إذا سمع القرآن يختنق ويبكي حتى يسقط على الأرض، ويلزم بيته أياما وكأنه مريض.
وأما أمير المؤمنين عُثمان بن عفان فما كان رضوان الله عليه ليترك ليلة واحدة من غير أن ينظر في كتاب الله تعالى ويتلو آيات القرآن. حتى قال: ( ما أُحب أن يأتي علي يوم ولا ليلة إلا أنظر في المُصحف) وقد رُوي عن الحسن بن سعد مولى علي رصي الله عنه قال: " أقبلت مع علي بن أبي طالب من ينبع وصام علي وأفطرت، حتى قدمن المدينة ليلا، فمررنا بدار عُثمان بن عفان فإذا هو يقرأ، قال: فوقف علي يستمع قراءته ثم قال: إنه يقرأ في سورة النمل). ومعلوم عنه رضي الله عنه أنه كان أحد الخلفاء الذين حفظوا القرآن عن ظهر قلب. وهذا ينم عظم إهتمامه به والإنشغال في قراءته والمداومة المستمرة على ذلك. وهكذا كان شأن صحابة رسول الله صلى عليه وسلم مع كتاب الله قراءة وتلاوة وتدبرا وعملا بأحكامه
عباد الله: واعلموا ان أعظم ما يُتقرب به إلى تعالى من النوافل كثرة قلراءة القلرآن وتلاوته وسماعه، بتدبر وتفكر وتفهم. قال خباب بن الأرث رضي الله عنه لرجل: " تقرب إلى الله ما استطعت واعلم أنك لن تتقرب إليه بشيئ أحب إليه من كلامه" وقال عُثمان " لو طهرت قلوبكم ما شبعتم من كلام ربكم". وقال عبدالله بن مسعود: " من أحب القرآن فهو يُحب الله ولرسوله".