Checkout

خطب الجمـعة

faheemfb@gmail.com

142

      

 

     
 

     


بسم الله الرحمن الرحيم

أصول وثوابت إتَّفقت عليها الشرائع

 

كتبها : الشيخ  د . يونس صالح

ترجمها إلى الإنجليزية : د . فهيم بوخطوة

 

15 شـوَّال 1431

24 سبتمبر  2010

 

الحمد لله رب العالمين والصلاة والسلام على أشرف المرسلين.

 

وبعد: إن الإسلام والديانات السماوية الأخرى يعلنان الإيمان بالله، وإن فهموا الوحدانية على شكل لا يراه الإسلام، فالديانات السماوية كلها تؤمن بالملائكة والرسل والكتب السماوية واليوم الآخر، وهذه هي أركان الإيمان في الإسلام وهي كذلك في النصرانية، كذلك يلتقون في أصول الأخلاق العامة والدعوة إلى مكارمها. ففي كل الديانات السماوية دعوة الى هجر السكر والزنى والقمار والسرقة والغصب، وقد يشرب المسيحي لكن ذلك ليس من تعاليم دينه، فهو يؤمن بقول التوراة {السكيرون والزناؤون لايدخلون ملكوت الرب} وكذلك قد يشرب المسلم الخمر وهي محرمة في الإسلام فهناك أصول وثوابت إتفقت عليها كل الشرائع السماوية.

 

ولذلك أحببت أن أقف معكم أيها الأحباب حول آية من آيات الكتاب العزيز وهذه الآية هى جوهر دعوة الحبيب صلى الله عليه وسلم ولكن قبل ذلك نقف عند ما حدث مع الحبيب صلى الله عليه وسلم مع وفد من الوفود والقصة ترويها لنا كتب التفسير وكطلك كتب السير.. قدم على رسول الله صلى الله عليه وسلم وفد نجران ستون راكبا منهم أربعة عشر رجلا من أشرافهم، وثلاثة منهم كانوا أكابر القوم، أحدهم أميرهم، وإسمه عبد المسيح. والثاني مشيرهم وذو رأيهم وكانوا يقولون له السيد، وإسمه: الأيهم. والثالث حبرهم وأسقفهم وصاحب مدارسهم،  يقال له أبوحارثة بن علقمة أحد بني بكر بن وائ. وملوك الروم كانوا شرفوه وولوه وأكرموه لما بلغهم عنه من علمه واجتهاده في دينهم.  فلما قدموا من نجران ركب أبو حارثة بغلته،  وكان إلى جنبه أخوه كرز بن علقمة،  فبينما بغلة أبو حارثة تسير إذ عثرت فقال أخوه: "تعسا للأبعد" يريد رسول الله صلى الله عليه وسلم.  فقال أبوحارثة: بل تعست أمك، فقال: ولم يا أخي ؟ فقال: إنه والله النبي الذي كنا ننتظره، فقال له أخوه كرز: فما يمنعك منه وأنت تعلم هذا، قال لأن هؤلاء الملوك أعطونا أموالا كثيرة وأكرمونا، فلو آمنا بمحمد لأخذوا منا كل هذه الأشياء.  ثم تكلم أولئك الثلاثة الأمير والسيد والحبر مع رسول الله صلى الله عليه وسلم على إختلاف من أديانهم. فتارة يقولون عيسى هو الله، وتارة يقولون هو إبن الله وتارة يقولون: ثالث ثلاثة. ويحتجون لقولهم: هو الله، بأنه كان يحي الموتى ويبرئ الأكمه والأبرص، ويبرئ الأسقام ويجبر بالعيب، ويخلق من الطين كهيئة الطير فيكون طيرا بإذن الله، ويحتجون في قولهم: إنه ولد الله بأنه لم يكن له أب يعلم، ويحتجون على ثالث ثلاثة بقول الله: فعلنا، وجعلنا، ولو كان واحدا لقال فعلت.  فقال لهم رسول الله صلى الله عليه وسلم: أسلموا، فقالوا: قد أسلمنا فقال صلى الله عليه وسلم كذبتم كيف يصح إسلامكم وأنتم تثبتون لله ولدا، وتعبدون الصليب، وتأكلون الخنزير.  فقالوا: فمن أبوه ؟ فسكت رسول الله صلى الله عليه وسلم فأنزل الله تعالى في ذلك أول سورة آل عمران إلى بضع وثمانين آيه منها.

 

ثم أخذ رسول الله صلى الله عليه وسلم يناظرهم حتى قالو: والله يا معشر النصارى لقد عرفتم أن محمدأ نبي مرسل ولقد جاءكم بالفصل من خبر صاحبكم.  ثم طلبوا منه أن يتركهم على دينهم ويتركونه على دينه على أن يبعث معهم رجلا من أصحابه معهم يحكم بينهم في أشياء قد اختلفوا فيها من أموالهم.  فقال صلى الله عليه وسلم آتوني العشية أبعث معكم الحكم القوي الأمين.  وكان عمر يقول: ما أحببت الإمارة قط إلا يومئذ رجاء أن أكون صاحبها.  فلما صلينا مع رسول الله صلى الله عليه وسلم الظهر سلم ثم نظر عن يمينه وعن يساره، وجعلت أتطاول له ليراني، فلم يزل يردد بصره حتى رأى أبا عبيدة بن الجراح فدعاه فقال: اخرج معهم واقضي بينهم بالحق فيما اختلفوا فيه، قال عمر فذهب بها أبوعبيدة.

 

أيها الإخوة والأخوات بعد هذه القصة العجيبة أحب أن أقف معكم عند هذه الآية من سورة آل عمران وهذه الآية هي جوهر رسائل الرسول صلى الله عليه وسلم وكتبه الى ملوك وأمراء العالم من أهل الكتاب وغيرهم، مثل  كسرى ملك الفرس، وهرقل ملك الروم، والنجاشي النصراني والمقوقس عظيم أقباط مصر وغيرهم واشتملت كل تلك الكتب على هذه الآية.  وهنا أذكر كتاب هرقل جاء في صحيح مسلم:

{بسم الله الرحمن الرحيم

من محمد رسول الله إلى هرقل عظيم الروم

سلام على من اتبع الهدى  

أما بعد: فإني أدعوك بدعاية الاسلام، اسلم تسلم وأسلم يؤتك الله أجرك مرتين، فإن توليت فإن عليك إثم الأريسيين – أي الشعب من فلاحين وخدم واتباع وغيرهم، و{يا أهل الكتاب تعالوا إلى كلمة سواء بيننا وبينكم ألا تعبد إلا الله ولا نشرك به شيئا ولا يتخذ بعضنا بعضا أربابا من دون الله فإن تولوا فقولوا اشهدوا بأنا مسلمون}

 وذلك بأن اليهود قالوا للنبي عليه الصلاة والسلام ما تريد إلا أن نتخذك ربا كما اتخذت النصارى عيسى.  وقالت النصارى: يا محمد ما نريد  إلا أن نقول فيك ما قالت اليهود في عزير.  فأنزل الله تعالى هذه الآية وبعد المجادلة التي حصلت بين نصارى نجران والحبيب صلى الله عليه وسلم وحرصه صلى الله عليه وسلم على إيمانهم فكأنما الله تعالى قال له يا محمد اترك ذلك المنهج من الكلام واعدل الى منهج آخر يشهد كل عقل سليم وطبع مستقيم أنه كلام بني على الإنصاف وترك الجدال فقل لهم {يا أهل الكتاب تعالوا إلى كلمة سواء بيننا وبينكم} أي هلموا الى كلمة فيها انصاف من بعضنا لبعض، ولا ميل فيه لأخد على صاحبه، وهى {أن لا نعبد إلا الله} وهذه دعوة جميع الرسل إبراهيم وموسى وعيسى وغيرهم، قال تعالى {وما أرسلنا من قبلك من رسول إلا نوحي إليه أنه لا إله إلا أنا فاعبدون} وثانيها {ولا نشرك به شيئا} فلماذا تشركون بالله غيره وتقولون {وقالت اليهود عزيز بن الله وقالت النصارى المسيح بن الله ذلك قولهم بأفواههم يظهئون قول الذين كفروا من قبل قاتلهم الله أنى يؤفكون} فالله سبحانه واحد في ذاته وواحد في أسمائه وواحد في صفاته وليس كمثله شيء وهوالسميع البصير.  وثالثهما: {ولا يتخذ بعضنا بعضا أربابا من دون الله} لقد جاء في الصحيح عن عدي ابن حاتم قال {أتيت رسول الله صلى الله عليه وسلم، وفي عنقي صليب من ذهب فقال: ياعدي اطرح عنك هذا الوثن وسمعته يقرأ في سورة براءة {اتخذوا أحبارهم ورهبانهم أربابا من دون الله والمسيخ ابن مريم وما أمروا إلا ليعبدوا إلها واحدا لا إله إلا هو سبحانه عما يشركون} فقلت له يا رسول الله لم يكونوا يعبدونهم فقال: ما كانوا يحللون لكم ويحرمون، فتأخذون بأقوالهم قال: نعم فقال: عليه الصلاة والسلام: هو ذاك وعلى هذا خوطب أهل الكتاب لأنهم يجعلون أحبارهم في الطاعة لهم كالأرباب.

 

ثم قال: {فإن تولوا فقولوا اشهدوا بأنا مسلمون} والمعنى فإن أعرضوا عن هذه الدعوة أو التحكم وأبوا إلا أن يعبدوا غير الله فقولوا لهم: إنا مسلمون حقا منقادون لله، مخلصون له الدين، لا نعبد أحدا سواه ولا نطلب النفع أو دفع الضرر من غيره قال تعالى {قل أغير الله أتخذ وليا فاطر السموات والأرض .....} سورة الأنعام 13-30.

 

 


faheemfb@gmail.com   فهيم أبوخـطـوة ،، البريد الإلكتروني