خطب الجمـعة |
![]() |
|
203 |
|
بسم الله الرحمن الرحيم
العابد لله ،، والأعبد لله
كتبها: الشيخ عبد الرزّاق طاهر فارح
ترجمها إلى الإنجليزية : د . فهيم بوخطوة
23 جمادى الأولى 1439 هـ
09 فبراير 2018 م
أحبتي في الله ،،
روى الترمذي في سُنَنِه والحديث حسن، من حديث أبي هريرة رضي الله عنه قال: جلس النّبي صلى الله عليه وسلم يوماً فقال للصَّحابة: {من يأخذ عنِّي هؤلاء الكلمات فيعمل بِهِن أو يُعَلِّم مَن يعمل بهن؟}. فقال أبو هريرة: فقلت أنا يا رسول الله. فأخذ بيدِي فعدَّ خمساً وقال: {إتَّقِ المحارم تكن أعبد النّاس. وإِرْضَ بما قَسَمَ الله لك تكن أغنى النَّاس. وأحسِنْ إلى جارك تكن مؤمناً، وأحِب للنّاس ما تُحب لنفسك تكن مُسْلماً، ولا تُكْثِر الضحك، فإنَّ كثرةَ الضَّحِكِ تُمِيتُ القلب}. في هذا الحديث وصايا عظيمة. مَنْ سار عليها نجا، ومن أهملها هلك. هناك مَن يعبد الله في أعلى الدرجات: أي يوجد رَجُلٌ عابدٌ، ويوجد رجلٌ أعبد. وأعبد هنا صيغة تفضيل. تقول: فلانٌ كريم، وفلانٌ أكرم. وفلانٌ شجاع، وذاك أشجع. فكذلك العبادة، فلانٌ عابدٌ، وفلانٌ أعْبَد. ولذلك عندما تكون أعبَد النَّاس فإنَّك تكون أفضلُ النَّاس، وتنجو في الدنيا والآخرة.
فليس أعبَد النّاس مَنْ يُكثر الصَّلاة والصَّدقة، أو الصِّيام أو الحجَّ والعَمْرة. أو يُعَلِّم النّاس الخير ويدعو إلى الله، أو يأمرُ بالمعروف وينهى عن المنكر، ويُحبُّ في الله ويبغض في الله ويعمل أعمال الخير. هذا لا شكَّ أنَّه عابد. ويكونُ أعبَدَ النَّاس إذا إتَّقَى المحارم. أي إذا إبتعد عنها، ولا ينتهك حرمات الله. إسمع قول النّبي صلى الله عليه وسلم وهو يبيِّن لنا أعمال أقوامٍ يجعلها الله هباءً منثوراً. كما في الحديث الذي رواه البيهقي وإبن ماجة بسندٍ صحيح من حديث ثوبان، قال النبّي صلى الله عليه وسلم: {لأَعلَمَنَّ أقواماً مِن أمَّتي يأتون يوم القيامة بحسناتٍ أمثال جبالِ تهامت بيضاء، فيجلها الله هباءً منثوراً. أما أنهم إخوانكم من جلدتكم، ويأخذون من الليل كما تأخذون، ولكنهم قومٌ إذا خلوا محارم الله إنتهكوها}. إذا خلوا بماحرَّمَ الله فعلوها ولا يتَّقوا منها. إذاً، أَعْبَدُ النّاس مَنْ يتَّقي المحارم.
واعلموا عباد الله أنَّ المحارم تدخل القلب من سبعة أبواب فتفسده. إمَّا مِن باب اللسانِ أو الفَرْجِ، وإمَّا النَّظرِ والأُذُنِ، أو البطن واليدِّ والقَدَم. وأما عن اللسان والفرج يقول النَّبي صلى الله عليه وسلم: {من يضمن لي ما بين لِحْــيَيه (وقيل فكَّيه) وفخذيه أضمن له الجنَّة}. وبالنِّسبة للنظر والأذن يقول الله جلَّ وعلا: {إِنَّ السَّمْعَ وَالْبَصَرَ وَالْفُؤَادَ كُلُّ أُولَـٰئِكَ كَانَ عَنْهُ مَسْئُولًا} 17:36. وبالنِّسبة للبطن يقول الله جلَّ وعلا: {إِنَّ الَّذِينَ يَأْكُلُونَ أَمْوَالَ الْيَتَامَىٰ ظُلْمًا إِنَّمَا يَأْكُلُونَ فِي بُطُونِهِمْ نَارًا وَسَيَصْلَوْنَ سَعِيرًا} 4:10. وأمَّا اليد والقدم يقول الله جلَّ وعلا: {الْيَوْمَ نَخْتِمُ عَلَىٰ أَفْوَاهِهِمْ وَتُكَلِّمُنَا أَيْدِيهِمْ وَتَشْهَدُ أَرْجُلُهُم بِمَا كَانُوا يَكْسِبُونَ} 36:65. فإذا إستطعت أن تُقِيم بإيمانك حراسة على هذه الأبواب السبعة، فأنت مِن أعبد النَّاس. ويتحقق فيك قول النَّبي صلى الله عليه وسلم: {إتَّقِ المحارم تكون أعبد النَّاس}.
وصفاتهم كما وصفهم الله جلّ وعلا حين يقول: {التَّائِبُونَ الْعَابِدُونَ الْحَامِدُونَ السَّائِحُونَ الرَّاكِعُونَ السَّاجِدُونَ الْآمِرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَالنَّاهُونَ عَنِ الْمُنكَرِ وَالْحَافِظُونَ لِحُدُودِ اللَّهِ ۗ وَبَشِّرِ الْمُؤْمِنِينَ} 9:112. أي التَّائبون الراجعون عمَّا كرهه الله إلى ما يحبُّه ويرضاه. والذين أخلصوا العبادة لله وحده، وَجَدُّوا في طاعته، الذين يحمدون الله على كل ما إمتحنهم به مِن خيرٍ أو شر، الصائمون، الرَّاكعون في صلاتهم، والسَّاجدون فيها. الذين يأمرون النَّاس بكل ما أمر الله ورسوله به، وينهونهم عن كلُّ ما نهى الله ورسوله عنه، المؤدُّون فرائض الله، المنتهون إلى أمره ونهيه، القائمون على طاعته والواقفون عند حدوده. وبشِّر المؤمنين المتَّصِفِين بهذه الصِّفات برضوان الله وجنّته.
أقول قولي هذا وأستغفر الله العظيم فاستغفروه.
|