خطب الجمـعة |
![]() |
|
233 |
بسم الله الرحمن الرحيم
حسن الخلق ومكارم الأخلاق
كتبها : الشيخ عبد الرزّاق طاهر فارح
ترجمها إلى الإنجليزية : د . فهيم بوخطوة
26 ربيع الأوَّل 1444 هـ
21 أكتوبر 2022 م
إنَّ الحمد لله نحمده ونستعينه ونستغفره ، ونعوذ بالله من شرور أنفسنا وسيئات أعمالنا ، من يهده الله فلا يضل يمن يضلل فلا هادي له ، ولن تجد له من دون الله ولــيّا مرشدا .
الحمد لله رب العالمين والصلاة والسلام على أشرف المرسلين ، وآله وصحبه أجمعين .أما بعد:
أحبتي في الله ، موضوع خطبتنا في هذا اليوم المبارك في فضائل الأخلاق وفي محاسن الأخلاق وفي مكارم الأخلاق . الله عزّ وجل أمرنا بها ، ونبيّنا صلى الله عليه وسلم أمرنا بها . إذن نحن مُتَـعبِّدون بمكارم الأخلاق . بل ما بُعث النبي صلى الله عليه وسلم إلا ليُتمم مكارم الأخلاق . كما في الحديث الذي رواه البخاري في الأدب المفرد بسند صحيح ، قال صلى الله ليه وسلم {إنّما بُعثت لأتمّم صالح الأخلاق} ، وفي لفظ أحمد في المسند بسند حسن : {إنّما بُعثت لأتمّم مكارم الأخلاق}. قال جلّ عُلاه : {هُوَ ٱلَّذِى بَعَثَ فِى ٱلۡأُمِّيِّـۧنَ رَسُولاً۬ مِّنۡہُمۡ يَتۡلُواْ عَلَيۡہِمۡ ءَايَـٰتِهِۦ وَيُزَكِّيہِمۡ وَيُعَلِّمُهُمُ ٱلۡكِتَـٰبَ وَٱلۡحِكۡمَةَ وَإِن كَانُواْ مِن قَبۡلُ لَفِى ضَلَـٰلٍ۬ مُّبِينٍ۬} 62 :2 . فالتزكية هي غاية من غايات بعثة النبوَّة، وهي تزكية النفوس وتزكية الأخلاق .
أحبتي في الله ، هل نُريد أن يحبّنا الله جلّ وعلا ؟ نعم ،، كلنا نريد هذه المنزلة . هي المنزلة التي يعمل لأجلها المؤمن الصّادق . إسمع قول الحبيب صلى الله عليه وسلم كما في الحديث الصحيح الذي رواه الطبراني من حديث أسامة إبن شريك رضي الله عنه أنه صلى الله عليه وسلم قال: {أحب عباد الله إلى الله أحسنهم خُلقاً} . أنظروا إلى مكانة حُسن الخُلق . ترتقي إلى هذه المكانة وإلى هذه المنزلة . تُصبح محبوبا من الله جلّ وعلا بحسن خُلقك .
وكذلك بحُسن خُلقك يُحبك رسول الله صلى الله عليه وسلم ، وتكون من أفرب الناس إليه مجلساً يوم القيامة . كما في الحديث الذي رواه التمذي وغيره بسند حسن من حديث جابر إبن عبد الله رضي الله عنه : {إنّ من أحبكم إليَّ وأقربكم منّي مجلسا يوم القيامة ، أحاسنكم أخلاقاً}. ليس بالغنى ، ولا بالمنسب ، ولا بالجاه ، ولا بالمنظر ، ولا بالشكل ، ولا بالزي ، ولا بالكلام ، ولا بالبلاغة ، ولا بالفصاحة دون صدق النيّة وحُسنن العمل وحُسن الخُلق . {وإنّ من أبغضكم إليَّ وأبعدكم منّي مجلساً يوم القيامة الثرثارون والمتشدِّقون والمتفيهقون} الثرثارون أي الرجل الكثير الكلام بلا فائدة . الذي يتكلم في كل وقت وحين . قد يكون كلامه نميمية ، وقد يكون غِيبة. والمرأة الثرثارة كذلك . هذا الثرثار وهذه الثرثارة من أبعد النّاس عن قلب رسول الله وعن مجلسه في الآخرة يوم القيامة . والمشتدِّقون أي الذين يتكلمون بملإ أفواههم ، لا يرون إلا أنفسهم ، أو يتكلمون من باب التطاول ومن باب التعاظم ، ومن باب رأيهم أنفسهم أنهم أفصح وأبلغ وأفضل من غيرهم من المتحدثين والمتكلمين . أما المتفيهقون فهم المتكبِّرون . فقالوا يا رسول الله : علمنا الثرثارون والمتشدقون ، فما لامتفيهقون ، فقال {المتكبِّرون}.
أحبتي في الله ، أكمل المؤمنين إيمانا هو أحسنهم خلقا ، وخياركم خياركم لنسائهم خلقا . صاحب الخُلق هو الذي يُعامل زوجته معاملةً كريمة ، معاملة طيِّبة . لا يلعنها ، ولا يسبُّها . والخُلق الكريم الحقيق هو حسن خُلق الرجه مع زوجته . وقد يتزيَّن بكلمات جميلة ، وقد يتزيَّن بأفعال جميلة خارج البيت وبين أصحابه ورؤساءه ليحصل على مكانةً وسُمعة في الدنيا . أما الصادقون الذين ينطلقون من داخل بيوتهم بمكارم الأخلاق . بل إعلموا عباد الله أنّه لا يوجد يوم القيامة في الميزان شيئ أثقل من حُسن الخُلق ، كما في الحديث الذي رواه الترمذي وغيره بسند صحيح ،من حديث أبي الدرداء رضى الله عنه {ما من شئ أثقل في الميزان يوم القيامة من حُسن الخلق}. وفي رواية أم المؤمنين عائشة رضي الله عنها في مسند أبو داوود بسند صحيح أنّه صلى الله عليه وسلم قال: {إنّ المؤمن ليُدرِك بحُسن خلقه درجة الصائم القائم}. بل يُدرك المؤمن بحُسن خُلقه أعلى درجات الجنّة ، وأعلى منازل الجنّة ، ففي الحديث الذي رواه أحمد في مسنده والبيهقي والحاكم وغيرهم بسند حسن من حديث أمامة رضي الله عنه يقول النبي صلى الله عليه وسلم : {أنا زعيم (يعني أنا ضامن) ببيت في رَبَطِ الجنّة (أي في أدنى الجنّة) لمن ترك المراء وإن كان محقاً (أي لمن ترك الجدال وإ محقاً) وببيت في وسط الجنّة لمن ترك الكذب وإن كان مازحا ، وببيت في أعلى الجنّة لمن حَسُنَ خُلقه}. الخُلق الجميل الرقيق يُنجي صاحبه من النّار . يقول صلى الله عليه وسلم : {من كان سهلاً ليِّـناً حرَّمه الله عن النّار}. والحديث صحيح . رجل سهل أي سمح إذا باع سمح ، وإذا إشترى سمح وإذا قضى سمح وإذا إقتضى ، سهل في تعامله مع الخلق . لا يعرف تعقيدات ، ولا يعرف الملل ، ولا يُهق إخوانه بالعتاب المُمِل ، ولا يُسئ إلى إخوانه بالكلمات الفاحشة . وإنّما سهل في تعامله . ربما يغضب ولكن سرعان ما يفيض إلى الرضى ، وإلى الكلمة المفضال . لـيِّـناً ، تراه كريما ، تراه متسامحا ، لا ترى فيه عُـنفا ، لا تراه متشدَّداً . لا تراه متنطعاً (يطع النّاس بالكلام) ، لا تراه متغالياً (مبالغاً) ، وإنما تراه لـيِّـناً. لـيِّـناً مع الكبير ، وتراه لـيِّـناً مع الصغير . تراه لـيِّـناً مع أهله ومع أولاده ومع إخوانه .
يحب ربّــنا جلّ وعلا الأخلاق الكريمة والأخلاق النبيلة . إسمع لقول النّبي صلى الله عليه وسلم كما في الحديث الصحيح الذي رواه الطبراني وابن عدي وأبو نُعيم وابن عساكر من حديث حسين إبن علي رضي الله عنهما قال : {إن الله تعالى يُحب معالي الأمور وأشرافها ، ويكره سفسافها}. الذي زكّى نبيّنا صلى الله عليه وسلم بالأخلاق التي يُحبها ربّنا جلّ وعلا فقال:
{وَإِنَّكَ لَعَلَىٰ خُلُقٍ عَظِيمٍ۬ } 68 :4 . قالت عائشة حينما سُئِلت عن أخلاقه ، قالت : كان خلقه القرآن .
وأختم هذه الخطبة بهذا الحديث الجميل ، والحديث رواه أحمد في مسنده وإبن حبان والبيهقي وغيرهم من حديث عبد الله إبن عمر إبن العاص ومن حديث إبن عبّاس رضي الله عنهم جميعاً أنّه صلى الله عليه وسلم قال : {أربع إذا كُنَّ فيك فلا عليك ما فاتك من الدنيا : صِدق الحديث ، وحِفظ الأمانة ، وحُسن الخُلق وعِفَّة المطعم} . وهذا الحديث يحتاج إلى جمعات كثيرة ، وأسال الله جلّ وعلا أن يرزقنا صِدق الحديث ، وحِفظ الأمانة ، وحُسن الخُلق وعِفَّة المطعم
أقول قولي هذا وأشهد أن لا إله إلا الله ، وأن محمد رسول الله.
Faheem Bukhatwa, my email
address is : faheemfb@gmail.com