Checkout خــطـب الجــمــــعــة
faheemfb@gmail.com
02

               
   

     

دروس رمضان

بسم الله الرحمن الرحيم

العشر الأواخر من رمضان

 

كتبها : عبد الرزّاق طاهر فارح

ترجمها إلى الإنجليزية:  د . فهيم بوخطوة

 

رمضان 1437 هـ

يونيو / يوليو 2016 م

   

أحبتي في الله ، نحن الآن نقترب من الثلث الأخير من الشهر المبارك رمضان، وأردت أن أذكّر إخواني وأخواتي بفضل العشر الأواخر. وإنِّي أسأل الله جلّ وعلا أن يُفِّقني وإيَّاكم خيرها، إنّه وليُّ ذلك والقادر عليه. روى البخاري من حديث عائشة رضي الله عنها قالت: كان النَّبي صلى الله عليه وسلم إذا دخلت العشر شدَّ مئزره، وأحيا ليله، وأيقظ أهله. وفي رواية مسلم أنّها قالت: كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يجتهد في العشر الأواخر ما لا يجتهد في غيره. "شدَّ مئزره" أي كنايةً عن الإجتهاد في العبادة. وبعض أهل العلم قال كنايةً عن إعتزال نسائه. يتفرَّغ للعبادة مطلقاً، لأنّه كان يعتكف في العشر. "وأيقظ أهله" أي يُشاركوه في هذا الخير فلا يكونوا في غفلة عمَّا هو فيه من عبادة الله جلّ وعلا. "وأحيا ليله" أي أقامه بالصّلاة والذِكْر والدُّعاء. والحكمة في ذلك أيُّها الأحبّة أن الأعمال بخواتيمها. وهذه العشر هي خاتمة شهر رمضان. نسأل الله حُسْنَ الخاتمة في الأمور كلها.

وفيها تحرّى ليلة القدر. هذه الليلة التي أهداها الله لهذه الأمَّة فضلاً ونِعمة. وهي هذه الليلة هي ليلة القدر. أيّها الأفاضل، ليلة القدر هي ليلة مباركة، ليلة القضاء والحكم, وليلة التدبير والأمر، وليلة الشرف والفضل والقدر. وهي ليلة تضيق فيها الأرض بالملائكة. قال الله جلّ وعلا: {تَنَزَّلُ الْمَلَائِكَةُ وَالرُّوحُ فِيهَا بِإِذْنِ رَبِّهِم مِّن كُلِّ أَمْرٍ} 97:4. تنزّل أي لا تنزل الملائكة دفعةً واحدة، بل أفواجاً بعد أفواج. وقال نبيُّنا صلى الله عليه وسلم كما في الحديث الذي رواه أبو داود الطيالسي والديهقيوالمزار وإبن نصر وغيرهم بسند حسن من حديث أبي هريرة رضي اللهعنه أنّه صىلى الله عليه وسلم قال أن عدد الملائكة في الأرض في هذه الليلة أكثر من عدد الحصى.

فليلة القدر أيُّها الأحبّة سُمِّيَت بهذا الإسم لأن الملائكة تكثر فيها وتزدحم وتضيق الأرض بالملائكة. فسبحان الله، وكأنّ الله جلّ وعلا يريد أن يُكرِّم أهل التوحيد من الصَّائمين القائمين من أمَّة سيِّد النَّبِيين وإمام العالمين بشهود الملائكة حفلهم الإيماني البهيج. وتدَبَّر معي أيه الأفاضل بسم الله الرحمن الرحيم: {حم ۚ وَالْكِتَابِ الْمُبِينِ ۚ إِنَّا أَنزَلْنَاهُ فِي لَيْلَةٍ مُّبَارَكَةٍ ۚ إِنَّا كُنَّا مُنذِرِينَ ۚ فِيهَا يُفْرَقُ كُلُّ أَمْرٍ حَكِيمٍ ۚ أَمْرًا مِّنْ عِندِنَا ۚ إِنَّا كُنَّا مُرْسِلِينَ} 44:1:5

ليلة القدر ليلة مباركة. إستمدَّت بركتها من القرآن الكريم. إذ أنَّ ملك الحق ربّ العالمين جلّ وعلا قد أنزلالقرآن في ليلة القدر، في رمضان من الرمضانات على قلب رسول الله صلى الله عليه وسلم. أيُّها الأحبّة، أوّل بركة من بركات هذه الليلة هي أن الله باركها ورفع شأنها، وأعلا قدرها فأنزل القرآن فيها. وربّ الكعبة لا يعرف قدرها إلا من يعرف قدر القرآن وجلال القرآن وعظمة القرآن. فالقرآن هو مصدر سعاد البشرية، فضلاً عن الأمّة، في النيا والآخرة. إنّ هذا القرآن يهدي للتي هي أقوم. أي في جانب العقيدة، في جانب العبادة، في جانب التشريع، في جانب الأخلاق، في جانب المعاملات، في جانب الفكر، في جانب السّلوك، بكل جوانب الحياة. هذه الليلة، أي ليلة القدر هي الليلة التي يُفصِل الحقّ تبارك وتعالى فيها من اللوح المحفوظ أقدار من الموت والياة، الأرزاق والآجال. كما قال إبن عبّاس رضي الله عنهما حتى يُكتب يَحُجْ فلان وفلان، ويموت فلان وفلان، ويموت فلان وفلان. فترى الرجُّل يمشي في الأسواق وقد إسمه في الموتى في هذا العام.

أيها الأحبة ، ليلة القدر ليلة شرف، ليلة الرِّفعة، ليلة العلوِّ، ليلة المكانة. قال تعالى: {إِنَّا أَنزَلْنَاهُ فِي لَيْلَةِ الْقَدْرِ ۚ وَمَا أَدْرَاكَ مَا لَيْلَةُ الْقَدْرِ ۚ لَيْلَةُ الْقَدْرِ خَيْرٌ مِّنْ أَلْفِ شَهْرٍ ۚ تَنَزَّلُ الْمَلَائِكَةُ وَالرُّوحُ فِيهَا بِإِذْنِ رَبِّهِم مِّن كُلِّ أَمْرٍ ۚ سَلَامٌ هِيَ حَتَّىٰ مَطْلَعِ الْفَجْرِ} 97:1:5. هذه الليلة تساوي في حساب الزمن 83 سنة وأربعة أشهر. يعني أجر من يُقيم ليلة القدر، وأجر من يُوفَّق ليلة القدر كأجر رجل تفرَّغ لعبادة الله جلّ وعلا ثلاثة وثمانين عامًا وأربعة أشهر كاملة. أبشر يا من نسبك الله إلى محمد صلى الله عليه وسلم. والله ما يُشرِّفنا إلا بتشريف الله له، والله ما كرَّمنا إلا بكرامة الله له. وما استحقّت الأمة هذا القدر، وما رُفع شأن الأمّة إلا بهذا الشكل إلاّ إكراماً من الله لحبيبه، وإلاّ تكريما من الله لحبيبه صلى الله عليه وسلم.

 

أيّها الأحبّة ، لقد حدَّد النّبي صلى الله عليه وسلم في ليلة القدر في حديث أتاليه والبخاري من حديث إبن عبّاس رضي الله عنهما. قال صلى الله عليه وسلم {إلتمسوها في العشر الأواخر من رمضان}. وقال النّبي صلى الله عليه وسلم في رواية البخاري من حديث عائشة رضي الله عنها: {تحرّوا ليلة القدر في الوتر من العشر الأواخر من رمضان}. الحديث الأوّل كان في العشر الأواخر، والحديث الثاني أقل. والوتر هي ليلة الحادي والعشرين، والثالث والعشرين، والخامس والعشرين والسابع والعشرين والتاسع والعشرين. وفي الصحيحين من حديث عبد الله إبن عمر رضى الله عنه أن رجالاً من أصحاب النّبي صلى الله عليه وسلم قد رأوا ليلة القدر في منامهم (أي في رؤيا) في السبع الأواخر من رمضان. فأخبروا النبي صلى الله عليه وسلم فقال صلى الله عليه وسلم: {أراني رؤياكم. قد تواطأت (أي إتَّفقت واتحدت) في السبع الأواخر من رمضان. فمن كان متحرِّيها (أي ليلة القدر) فليتحرّها في السبع الأواخر من رمضان}. روى البخاري ومسلم من حديث أبي سعيد قال: إعتكف رسول الله صلى الله عليه وسلم في العشر الأول، ثم إعتكف العشر الوسط، ثم خرج علينا وقال {بأبي هو وأمّي وروحي، إني إعتكفت العشر الأول ألتمس ليلة القدر، ثم إعتكفت العشر الوسط ألتمس ليلة القدر. ثم إنّي أُتيت فقيل لي إنّها في العشر الأواخر. ثم إني أنسيتها (أونُسِّيتها)، فالتمسوها في الوتر من العشر الأواخر}. ويقول النبي صلى الله عليه وسلم: {وإني قد رأيت أني أسجد في ماءٍ وطينٍ من صبيحتها (هذه رؤيا النبي صلى الله عليه وسلم رآها)}. يقول أبي سعيد اااااااااااااااااااااا  فنزلت في هذه الليلة مطرٌ. وكان المسجد عريشا فوكف سقفه (أي تساقط المطر من سقف مسجد رسول الله صلى الله عليه وسلم) على النبي وأصحابه. يقول أبو سعيد: فبصرت عيناي رسول الله صلى الله عليه وسلم وعلى جبينه أوجبهته أثر الماء والطين في صبيحة الحادي والعشرين.

 

 

 


faheemfb@gmail.com   فهيم أبوخـطـوة ،، البريد الإلكتروني