خطب الجمـعة |
![]() |
|
58 |
|
بسم الله الرحمن الرحيم
إنتهاء سنة ،، وابتداء سنة جديدة
كتبها : الشيخ د . يونس صالح
ترجمها إلى الإنجليزية : د . فهيم بوخطوة
الحمد الله رب العالمين والصلاة والسلام على أشرف المرسلين ...أما بعد: تنقضي الأيام وتمر وتتصرم الشهور والأعوام وتمر المناسبات ولا مُدّكر ولا معتبر. وها هو عامٌ آخر من أعوام حياتنا قد مضى من آجالنا وأعمارنا، وها هو عام جديد قد حل بنا في هذه الساحة، ساحة العمر والأجل، وما أسرع ما انقضى العام.
فمن عرف الله تبارك وتعالى وعرفه من خلال نعمه قال - إن قال صادقاً - : ليس حالنا حال الشاكرين للنعمة. ليس حالنا حال من إذا تخلفت عنا واحدة من نعمه جأرنا وعلا صُراخنا وعويلنا، ليس حالنا حال الشاكرين للمنعم الذي تغشانا نعمه في حركاتنا وسكتاتنا وصباحنا ومسائنا وجميع أحوالنا وأمورنا له معقبات من بين يديه ومن خلفه يحفظونه من أمر اللهأي بأمر الله له معقبات من بين يديه ومن خلفه يحفظونه من أمر اللهعلى الإنسان من قِبل الله حفظة يحفظونه من بين يديه ومن خلفه بأمر الله تبارك وتعالى الحليم الكريم، الرؤوف الرحيم العظيم.
لو عرف الناس ربهم من خلال هذه النعم لتغيرت حالهم تغيراً يكون مشهوداً ملموساً، لو عرفوا كذلك أنه قدير قدرةً تكون دونها كل القوى والقُدَر لأنه هو الذي خلق هذه القوى والقدر، ولو عرفوا أنه منتقم لأقلعوا عما يدخلهم في دائرة انتقامه وقدرته.
ولنا في السابقين من الغابرين سنة وأسوة إذا طالعناها عرفنا أن من ظلم وطغى وتكبر وبغى في الأرض بغير الحق ليس بمفلت من قبضة الله تبارك وتعالى واقرءوا سورة القصص لتعرفوا أن الفرعونية المتكبرة والقارونية الكانزة جوزيتا بما يناسبهما من الطغيان والإفساد، طغى فرعون حتى قال: ما علمت لكم من إله غيريفقال الله تبارك وتعالى: فأخذناه وجنوده فنبذناهم في اليم فانظر كيف كان عاقبة الظالمينوعلى كل من سولت له نفسه أن يظلم أن يطالع نهاية هذه الآية: كيف كان عاقبة الظالمينوالظلم ليس ظلماً يشابه فرعون فحسب، بل الظلم هو مجاوزة الحد أياً كان ذلك الحد الذي تجاوزته من افتراء وتكبر وقطيعة ورمي بالباطل وأكل أموال بغير حق وتعاطي للربا وفحش وإقبال على ما حرم الله تبارك وتعالى، كل ذلك ظلم للنفس وافتراء وطغيان ونسيان لقدرة الله تبارك وتعالى وانتقامه.
كذا قارون لمّا أفسد وقال: إنما أوتيته على علم عنديقال الله تبارك وتعالى: فخسفنا به وبداره الأرض فما كان له من فئة ينصرونه من دون الله وما كان من المنتصرين. وبين أن حسن العاقبة والخاتمة الطيبة للمتقين الذين يفعلون المأمور ويجتنبون المحظور ويفعلون المندوبات ويجتنبون المكروهات، قال: تلك الدار الآخرة نجعلها للذين لا يريدون علواً في الأرض ولا فساداً والعاقبة للمتقينوفي مقام الفضل والعدل قال: من جاء بالحسنة فله خير منهاهذا مقام الفضل وأما العدل ومن جاء بالسيئة فلا يجزي الذين عملوا السيئات إلا ما كانوا يعملون، ويقول في نهاية السورة مشرعاً بأن الموت تذوقه كل الخلائق ولا يبقى إلا الله تبارك وتعالى لئلا يكون الخوف إلا منه، ولا يكون الرجاء إلا فيه تبارك وتعالى قال: كل شيء هالك إلا وجههوعبّر عن الذات بالوجه أي لا يبقى إلا إياه، فلا تسأل إلا الله، ولا تستعن إلا به ولا تتوكل إلا عليه، ولا تلجأ إلا إليه، ولا تتضرع إلا إليه، ولا تستجر إلا به، ولا تستغث إلا به.
يريد منك وهو المقام الثاني أن تعبده عبادةً نقية خالصة من الشوب ومن الكدر، فيكون توحيدك له صافياً نقياً لا تعرف لك رباً ولا إلهاً إلا هو. فلا تدعو إلا هو، ولا تتوكل إلا عليه، هو ربك وخالقك ومالكك. مالك والدار ساكنيها، فإن عرفت ربك تغير حالك تغيراً مشاهداً ملموساً.
إذا عرفت أنه كريم يتوب على من تاب إليه، رؤوف رحيم جعل الرحمة مائة جزء أنزل منها في الدنيا جزءاً واحداً تتراحم به الخلائق حتى إن الفرس لترفع حافرها عن وليدها خشية أن تصيبه، وأمسك تسعة وتسعين جزءاً لأهوال يوم القيامة، إن عرفت أنه رحيم دفعتك هذه المعرفة إلى الصبر على ما تلقاه من صنوف الأذى وإلى الصبر على البلاء لأنك تعرف أنك مقدم على رب كريم تحبه يجازيك بصبرك أحسن الجزاء وأكمله، وإن عرفت أنه قديرٌ كل القوى والقدر دون قدرته دفعتك هذه المعرفة إلى الخوف والوجل منه وحده خوفاً ووجلاً يحقق لك الصبر على الهوى والنفس والشيطان ومدافعتهم جميعاً لأنك تخاف من رب يحصي أعمالك في كتاب لا يضل ولا ينسى، كما عليك أن تعرف ماذا أراد منك ربك تبارك وتعالى عليك أن تعرف أنه أراد منك أن توحده وأن تعبده عبادةً سليمةً وأن تسمع له وتطيع وعليك أن تعرف الأحكام التي تصلح بها الفرائض التي افترضها عليك، عليك أن تعرف كيف تخرج من ذنبك إذا أذنبت، فلكل ذنب توبة خاصة به عليك أن تتعلم وتعرف ما تخرج به من ذنبك.
إن تم هذا أقبل الناس ولوا وجوههم شطر العمل بما الله أمر وحادوا عن كل ما نهى عنه وزجر ولم يعرفوا لهم وجهةً إلا التي توصلهم إلى الله تبارك وتعالى، سالمين غانمين معافين من اللوم والمؤاخذة والعتاب. فإن الله تبارك وتعالى عاتب المؤمنين كما قال عبد الله بن مسعود رضي الله عنه بآية كريمة في سورة الحديد، هي الآية السادسة عشرة روى مسلم وابن أبي حاتم عن عبد الله بن مسعود قال: ما كان بين إسلامنا وبين أن عاتبنا الله بهذه الآية إلا أربع سنين.
وما هي الآية؟ قوله تعالى: ألم يأن للذين آمنوا أن تخشع قلوبهم لذكر الله وما نزل من الحق ولا يكونوا كالذين أوتوا الكتاب من قبل فطال عليهم الأمد فقست قلوبهم وكثير منهم فاسقونأي أما آن للمؤمنين أن تخضع قلوبهم لذكر الله، أي تلين للذكر والموعظة وسماع القرآن وتفهمه وتنقاد له وتسمع له وتطيع؟ أما آن لهذه القلوب أن تخضع وتلين لذكر الله تبارك وتعالى والموعظة الحاصلة ليل نهار من خلال توالي الأحداث ومن خلال رحيل الراحلين.
وليّ في فناء الخلق أكبر عبرة لمن كان في بحر الحقيقة راقي
شخوصٌ وأشكال تمر وتنقضي فتفنـى جميعاً والمهيمن باقـي
الذكر والموعظة والقرآن، يتوالى كل ذلك على القلوب، وإذا بالقلوب لا تولى الوجهة إلى الله تبارك وتعالى أما آن لهذه القلوب أن تخشع وأن تذعن وأن تخضع وأن تتذلل إلى الله تبارك وتعالى وأن تكف عن الكبر والمماطلة والمجادلة بالباطل، أما آن لهذه القلوب أن تدفع الجوارح إلى طاعة الله تبارك وتعالى والانخراط في سجل الطائعين أما آن لهم أن يخالفوا أهل الكتاب وألا يكونوا مثلهم، فأهل الكتاب لما طال عليهم العهد قست قلوبهم فنبذوا الكتاب وراء ظهورهم واشتروا به ثمناً قليلاً فبدلوه وكثير منهم فاسقون. أي أعمالهم باطلة لأن قلوبهم فاسدة قاسية ورقة القلب وصفاءه تتحقق بتذكر الموت والقبر وأهوال القيامة والثواب والعقاب، تذكروا ذلك ترق قلوبهم وتصفوا، وطول الأمل وحب الدنيا سبب في قسوة القلوب فينشأ من ذلك حب الدنيا والإعراض عن الآخرة والتسويف بالتوبة كلما قيل لأحد تُب. قال: فيما بعد.
والتسويف بالتوبة والكسل عن الطاعة: ولا يكونوا كالذين أوتوا الكتاب من قبل فطال عليهم الأمد فقست قلوبهم وكثير منهم فاسقونثم تقول الآية التالية: اعلموا أن الله يحيي الأرض بعد موتها قد بيّنا لكم الآيات لعلكم تعقلون. إن الله تبارك وتعالى كما يحيي الأرض وقد أجدبت وأقفرت، كما يحييها بإنزال المطر عليها يحيي القلوب ببراهين القرآن وأدلته وحجته وتذكيره وعظته، يحيي القلوب، فسبحان الهادي لمن شاء بعد الضلال، والمضل لمن أراد بعد الكمال، وهو المحمود في جميع الأقوال والأفعال، سبحانه هدى من شاء وأضل من شاء، له الحمد وله الحكمة الكافية فيما يفعل.
أيها الأخوة المسلمون: سلطوا على القلوب نور القرآن العظيم والسنة المطهرة تعرف القلوب بعد تسليط هذا النور الوجهة الحقة التي ينبغي عليها أن توليها.
أقول قولي هذا وأستغفر الله لي ولكم.
وآخر دعوانا الحمد لله رب العالمين
|