خطب الجمـعة |
![]() |
|
59 |
|
بسم الله الرحمن الرحيم
الأضحية ـ مشروعيتها وحكمها
كتبها : الشيخ د . يونس صالح
ترجمها إلى الإنجليزية : د . فهيم بوخطوة
الحمد لله رب العالمين والصلاة والسلام على أشرف المرسلين .. وبعد لقد تحدثنا في الجمعة الماضية عن فضل الأيام العشر وأنها الأيام المعلومات المخصوصة بالتفضيل في محكم الآيات في قوله تعالى: { والفجر وليال عشر } فأقسم الرب بها لشرفها على ما قيل في تفسيره، والتي قال النبي صلى الله عليه وسلم فيها ))
ما من أيام العمل الصالح أحب إلى الله فيهن من هذه الأيام العشر . ((وهذا العمل الصالح الذي يحب الله الإكثار منه خاصة هذه الأيام يشمل الصلاة والصيام والصدقة بالمال وسائر أفعال البر والإحسان، وللصدقة فيها شأن كبير، وأجر كثير لكون الصدقة في هذه الأيام تصادف من الفقير له ولعياله في يوم العيد موضع حاجة، وشدة فاقة لما يتطلبه الفقير من حاجة النفقة والكسوة وسائر المؤونة الضرورية، فهذا من العمل الصالح المتعدي نفعه إلى غيره .
ولهذا سوف أتحدث عن الأضحية وعن مشروعيتها و حكمها : مبدأ مشروعية الأضحية أن الله سبحانه وتعالى أمر نبيه إبراهيم عليه الصلاة والسلام بأن يذبح قرباناً يقربه إلى الله في عيد يوم النحر فذبح كبش،فكان سنة في ذريته، لأن الله سبحانه أمر نبيه محمداً صلى الله عليه وسلم بأن يتبع ملة إبراهيم،فسنها رسول الله صلى الله عليه وسلم، فأنزل الله ( فصل لربك وانحر)(الكوثر2) . قال جماعة من المفسرين: نزلت في صلاة العيد،ثم في النحر، فالأمر بالأضحية إنما شرع في حق من خوطب بفعل صلاة العيد، وهم الأحياء، وفي البخاري عن البراء بن عازب أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: إن أول ما نبدأ به في يومنا هذا أن نصلي، ثم نرجع فننحر،من فعل هذا فقد أصاب سُنتن،ومن ذبح قبل الصلاة فإنما هو لحم قدمه لأهله.
فالأضحية الشرعية المنصوص عليها بالكتاب والسنة وعمل الصحابة وسلف الأمة،فلا تكون أضحية ولا يترتب عليها هذه الفضائل إلا إذا وقعت موقعها من الصفة المأمور بها على الوجه المطابق للحكمة في مشروعيته،بأن يقصد بها امتثال أمر الله، واتباع سنة رسوله صلى الله عليه وسلم، وتجردت عن البدع الخاطئة، والتصرفات السيئة، فيكون ذبحها أفضل من الصدقة بثمنها لأن في ذبحها إحياء لسنتها وامتثالً لطاعة الله فيها، وخروجاً من عهدة من قال بوجوبها، ولكونه يتمكن من الصدقة كل وقت ولا يتمكن من فعل الأضحية إلا في الوقت المحدود له،أشبه العقيقة،فإن ذبحها أفضل من الصدقة بثمنها بالإجماع
.
الأضحية في
حق الحي هي سنة ثابتة بالكتاب
والسنة، وثابتة من فعل
النبي صلى الله عليه وسلم وقوله، وفعل الصحابة،وقد قال بعض
العلماء بوجوبها على
الغني المقتدر لكونها من شعائر الدين،ومن الطاعة لرب
العالمين، فذبحها أفضل
من الصدقة بثمنها بإجماع أئمة المذاهب الأربعة، لأنها من
القرابين التي تقرب لرب
العالمين، وفيها التشريف لعيد الإسلام وعيد حج بيت الله
الحرام، وفي فعلها إظهار
لشكر نعمة الغنى حيث جعل من يضحي من الأغنياء والمقتدرين
ولم يجعله من الفقراء
العاجزين، وهذا يعد من أسمى منازل الرفعة والفضيلة، إذ لا أعلى
من طاعة الإنسان لمولاه،
ثم التقرب إليه بوسائل رضاه، وكان النبي صلى الله عليه وسلم
يقسِّم الأضاحي بين
أصحابه لتعميم العمل بهذه السنة، وإدخال السرور عليهم
بفعلها، وكان يذب أضاحيه
بمصلى العيد إشهاراً لشرف هذه الشعيرة، وإظهاراً لمكانها من
الشريعة، وقد قال الإمام
أحمد: أكره ترك الأضحية لمن قدر عليها. وثبت هذا قول عن
الإمام مالك والشافعي
أنهما قالا: نكره ترك الأضحية لمن قدر عليها. أما الإمام أبو
حنيفة فقد قال بوجوبها
على الغني المقتدر مستدلاً بأن النبي صلى الله عليه وسلم خطب
الناس يوم العيد فقال في
خطبته:
[ من كان له سعة ولم يضح فلا
يقربن
مصلانا))[رواه
أحمد وابن ماجه،وصححه الحاكم
فالذبح في في يوم العيد يعد من
العبادة لرب العالمين، كما أن الذبح لغير الله، يعد من الشرك بالله ،وفي
البخاري عن علي رضي
الله عنه قال: حدثني رسول
الله صلى الله عليه وسلم بأربع كلمات،فقال: لعن الله من
ذبح لغير الله، لعن الله
من لعن والديه، لعن الله من آوى محدث، لعن الله من غير منار
الأرض، أي: مراسيها.
ولما سئل
النبي صلى الله عليه وسلم عن الأضاحي قال((هي
سنة أبيكم إبراهيم)).
قالوا: وما لنا فيها ؟ قال: بكل
شعرة
حسنة. قالوا: فالصوف ؟ قال: وبكل
شعرة من الصوف حسنة.
فالإنسان
المقتدر من رجل وامرأة لا ينبغي أن يبخل عن
نفسه بأضحية أو أضحيتين،
يذبحها في يوم عيد الأضحى، أو يذبح واحدة هنا ويتصدق بأخرى قربانا يقربها يرجو
ثوابها عند
الله ،لأن له لكل شعرة
حسنة،وقد ضحى النبي صلى الله عليه وسلم بكبشين، أما الفقير فلا
ينبغي له أن يحزن، فقد
ضحى رسول الله صلى الله عليه وسلم عن كل من لم يضح من
أمته، فلا تحزن أيها
الفقير فقد ضحى عنك البشير النذير.
وفي هذه الأيام يكثر
سؤال الناس عن أخذ الشعر
والظفر لمن أراد أن يضحي، وقد قال بعض الفقهاء بأنه يجب كف
اليد عن أخذ الشعر أو قلم
الظفر في عشر ذي الحجة،مستدلاً بما روى مسلم عن أم سلمة
أن النبي صلى الله عليه
وسلم ،قال:
(
من أراد أن يضحي أو يضحى
عنه فلا
يأخذ من شعره ولا من أظفاره).
ومن العمل الصالح
أيضا الذي أحب أن أنبه عليه وهو
الصيام في هذه الأيام،
فقد كان السلف يصومون عشر ذي الحجة كلها، وبعضهم يصومون بعضها
لأن الأيام أفضل أيام
الدنيا من أجل أن فيها يوم عرفة الذي قال النبي صلى الله عليه
وسلم فيه: أفضل
أيامكم يوم عرفة، وأفضل ما قلت أنا والنبيون من
قبلي
عشية يوم عرفة: لا إله إلا الله وحده لا شريك له، له الملك وله الحمد وهو على
كل شيء
قدير))ولما
سئل النبي صلى الله عليه وسلم عن صوم عرفة قال : يكفر
السنة الماضية
والباقية))[رواه مسلم عن قتادة].
نسأل الله سبحانه تعالى أن يعمنا وإياكم بعفوه،وأن يسبغ علينا وعليكم واسع فضله،وأن يدخلنا برحمته في الصالحين من عباده وأن يعيننا على ذكره وشكره وحسن عبادته.
أقول قولي هذا وأستغفر الله لي ولكم.
وآخر دعوانا الحمد لله رب العالمين
|