المسجد الأقصى ـ نظرة تاريخية

  

كتبها : ش 

ترجمها إلى الإنجليزية: د . فهيم بوخطوة

  

00 / ممممممم / 0000 هـ

00 / ممممممم  / 0000 م

  

أيها الإخوة المسلمون، إنّ للأجيال أمانة في أعناقنا ألا ننسى القدس والمسجد الأقصى. ومكانتهما في هذه الأمة. فالمسجد الأقصى ليس شأناً فلسطينياً خاصاً وإنّما هو شأن الأمّة الإسلامية جمعاء، فتاريخ المسجد الأقصى هو تاريخ الأنبياء من لدن آدم عليه السلام إلى نبينا محمد صلى الله عليه وسلم الذي عُرِج به إلى السماء من ذلك المكان المبارك. قال تعالى: {سبحان الذي أسرى بعبده ليلا من المسجد الحرام إلى المسجد الأقصى الذي باركنا حوله}

 

أيها الإخوة المسلمون، إن قضية بيت المقدس وقضية فلسطين لا تنفصل البتّة عن  قضية الإسلام كله. إنها ليست أرضاً فلسطينية أو عربية فحسب، بل إنها قبل ذلك وبعده أرض المسلمين أجمعين. هذه المدينة المقدسة، مدينة السلام. فالمسجد الأقصى يمثل تاريخ التوحيد الذي كان الإسلام آخر حلقاته. وقد كانت القدس ومازالت قصة كفاح طويلة، تصارع على أرضها الحق والباطل منذ بناها العرب اليبوسيون قبل الميلاد بثلاثة آلاف سنة. فلنتدبر أيها الإخوة حقائق التاريخ لأننا نرى اليوم إرجافا خطيرا عبر كل وسائل الإعلام. يُزَيِّف اليهود االتاريخ ويزعمون نأن فلسطين أرض الميعاد وأن لا حقّ للمسلمين فيها.

 

فللقدس جذور منعمقة في عمق الحضارات قبل الميلاد بثرثة آلاف عام، حيث هاجرت قبائل الكنعانيين من قلب وجنوب الجزيرة العربية بعد القحط والجذب إلى شمال الجزيرة واستقرت هذه القبائل العربية على الضفة الغربية لنهر الأردن. وعرفت هذه الأرض من ذلك الزمان بأرض كنعان. وسمى الكنعانيون مدينة القدس بأول إسم لها وهو (أورـ سالم) أي مدينة السلام. وأخذ اليهود هذا الإسم وحرّفوه كعادتهم ووضعوه في التوراة بإسم أورشليم. ومن أسماء القدس: إيلياء. وجاء هذا الإسم في العهد الذي كتبه عمر بن الخطاب رضىي الله عنه لأهل القدس. وفي هذه الأرض وُلِدَ خليل الله إبراهيم على نبينا وعليه الصلاة والسلام، الذي قام يدعو قومه إلى عبادة الله الواحد الأحد، وترك عبادة الحجارة والأوثان. فاعتدى عليه القوم وحرقوه. ولكن الله نجّاه ثم قال له أبوه: {أراغب أنت عن آلهتي ، لإن لم تنتهي لأرجمنّك واهجرني ملياً. قال سلام معليك سأستغفر لك ربي إنه كان نبي صفيا واعتزلكم وما تدعون من دون الله وأدعو ربي عسى أن لا أكون بدعاء ربِّ شقياً}. فترك إبراهيم أرض كنعان وهاجر إلى بلاد الشام. فنزل ببلاد الشام قحط من جديد فهاجر إبراهيم من الشام إلى مصر. وتعرّض في مصر إلى فتنة شديدة عندما أراد حاكم مصر في ذلك الوقت أن يعتدي على زوجته سارّة عليهما السلام. فنجى الله إبراهيم وسارّة، فهاجر إبراهيم مرّة أخرى من مصر إلىأرض كنعان. بعدها أهدت سارّة لإبراهيم هاجر عليهم السلام. فرزق الله إبراهيم بإسماعيل من هاجر فدبّت الغيرة في قلب سارة. فطلبت من إبراهيم أن يهاجر بهاجر وإسماعيل فانطلق حيث قدر الملك القدير إلى مكة. وظل إبراهيم يتنقل بين سارة وهاجر غلى أن أمره الله أن يرفع القواعد من البيت الحرام مع ولده إسماعيل. قال تعالى: {وإذ يرفع الله القواعد من البيت وإسماعيل، ربّنا تقبل منا إنك أنت السميع العليم}. فلما بنى إبراهيم وإسماعيل البيت الحرام في مكة عاد إلى أرض كنعان فبنى إبراهيم في أرض كنعان مسجدا ثانيا ليعبد فيه الواحد الأحد. هذا المكان الذي بناه إبراهيم في أرض كنعان هو مكان المسجد الأقصى المبارك.

 

قال شيخ الإسلام ابن تيمية في المجموع المسجد الأقصى من عهد إبراهيم عليه السلام، ولكن سليمان عليه السلام هو الذي بناه ببناءً عظيماً. وفي الصحيحين من حديث أبي ذر قال ابو ذر: {يا رسول الله أيُّ مسجد وضع في الأرض أولاً؟ قال المسجد الحرام. قلتُ: ثم أي؟ قال: المسجد الأقصى. قلت: كم بينهما؟ قال أربعون سنة. قلت: ثم أي؟ قال: ثم حيث أدركتك الصلاة فصلي، فالأرض لك مسجد}.

 

فالمسجد الأقصى من عهد إبراهيم ولكن سليمان هو الذي شيَّده هذا التشييد العظيم. وظلت القدس منذ ذلك الزمان تعرف عبادة الله الواحد الأحد. وظلت القدس في أيدي الكنعانيين، وعاش إبراهيم مع الكنعانيين في سلم وسلام وأمن وأمان.

 

إلى أن هاجر أبناء يعقوب عليه السلام إلى مصر بدعوةٍ من نبي الله يوسف. وتكاثر نسل بني إسرائيل في مصر إلى أن بعث الله في مصر نبيّه موسى عليه السلام. فدعا بني إسرائيل إلى عبادة الله وحده فعاندته بني إسرائيل وأعرضوا وأتعبوا نبي الله موسى تعبا يعلمه كل مسلم إذا قرأ سورة البقرة أو غيرها من سور القرآن الكريم. فقطلب نبي الله موسى من بني إسرائيل أن يخرجوا معه ليدخلوا الأرض المقدسة التي كتب الله لهم، ولكنهم عاندوا وأعرضوا وجبنوا. فقالوا لنبي الله موسى: {.. إذهب أنت وربك فقاتلا إنّا هاهنا قاعدون}. فعاقبهم الله بالحرمان من دخول الأرض المقدسة والتيه في أرض سيناء أربعين سنة. وهنا سأل نبي الله موسى ربّه أن يقبض روحه باقرب من الأرض المقدسة بقدر رمية حجر. والحديث رواه البخاري ومسلم وفيه أنه صلى الله عليه وسلم قال: {فلو كن تُمَّ (أي لو كنت هناك) لأريتكم قبره إلى جانب الطريق عند الكثيب الأحمر}.

 

ثم فتح نبي الله داوود مدينة القدس. وفيها وُلِد نبي الله سليمان عليهما وعلى نبينا صلى الله عليه وسلم الصلاة والسلام. فشيَّد نبي الله سليمان المسجد الأقصى المبارك هذا التشييد العظيم. ثم مضت القرون والأزمان فاحتل الرومان هذه الأرض المقدسة المباركة وهدم الرومان مدينة القدس وأقاموا بدلاً منها مدينة تسمى إيلياء. وظلت مدينة القدس تُعرف بهذا الإسم حتى فتح المسلمون هذه المدينة المقدسة في عهد عمر بن الخطاب رضي الله عنه بقيادة أبي عبيدة بن الجراح رضي الله عنه. وأبى أهل المدينة المقدسة أن يُسلموا مفاتيح المدينة إلى أبي عبيدة بن الجرّاح وأصر رئيس الكنيسة الرومانية صفرنيوس أن يُسلم المفاتيح لعمر بن الخطاب. فجاء عمر من المدينة إلى القدس في الموكب المهيب الجليل المتواضع، يركب دابته مع خادمه فقط. واستلم مفاتيح بيت المقدس وكتب لهم العهدة العمرية المعروفة لأهل إيلياء. وظلت مدينة القدس في أيد المسلمين والعرب من هذا الزمان. ثم انتقلت الخلافة بعد ذلك إلى بني أميّة بعد الخلفاء الراشدين فشيَّد عبد الملك بن مروان المسجد الأقصى، وقبّة الصخرة تشييداً رائعاً. ثم مانتقلت الخلاقة إلى بني العبّاس.

 

مدينة القدس ومسجدها تنعم بالمكانة والكرامة، وظلت القدس في أيدي المسلمين حتى بدأت شرارة الصراع الصليبي الحاقد. فقد وقعت القدس في أيدي الصليبيين عام 1099م وقام الصليبيون في المسجد الأقصى بمذبحة رهيبة حيث لجأ إلى المسجد الأقصى سبعو ألفاً من المسلمين يحتمون بهذا المسجد ظنّاً من هؤلاء الطيبيين أن الصليبيين يعرفون لهذه الأماكن حرمة أو قداسة. فقام الصليبيون بالتذبيح والتقتيل في هذا العدد الكبير حتى بلغت الأشلاء وبرك الدماء في المسجد الأقصى ومدينة القدس إلى ركب الخيل. وظلت القدس في أيدي الصليبيين واحد وتسعين عاماً. ووضعت الصلبان على كل جوانت المسجد الأقصى. منعوا أن تقام صلاةُ الجماعة في المسجد الأقصى المبارك. إلى أن منَّ الله على الأمّة بصلاح الدين. أسأل الله أن يرزق الأمة الصلاح لتكون أهلا من جديد لصلاح. فاسترد صرح الدين مدينة القدس من الصليبيين بعد موقعة حطّين في عام 1187. ثم حلّ الضعف بالملوك والأمراء مرّةً أخرى حينما اشتغلوا بالشهوات والكراسي الزائلة. وتركوا ذروة وسنام الإسلام. فقامت الحملات الصليبية الثانية، فاسترد الصليبين القدس مرّة أخرى بعد تنازل مخزٍ مهين ذليل مِنَ السلطانالأيّوبي الملك الناصر في عام 1228م. ثمّ منَّ الله على المسلمين فاستردّ المصريون مدينة القدس مرّة أخرى بعد معركة طاحنة بالقرب من مدينة غزّة بقيادة السلطان الأيوبي الملك الناصر في عام 1239م. وظلت القدس من هذا الزمان في أيدي المسلمين أيضا إلى بدايات القرن العشرين. حيث صدر الوعد المشؤوم الملعون، وعد بلفور في يوم 2 نوفمبر1917م الذي وعد بإنشاء وطن قومي لليهود فوق الثرى الطاهر والأرض المقدّسة. وفي عام 1948 استطاع اليهود أن يحتلوا الأرض المقدسة، بل احتلوا على ما يزيد من 78% من مساحة أرض فلسطين. ويومها وقف أول رئيس للوزراء وهو بن جوريون في الأمم المتحدة ليعلن للعالم كله عقيدة يهود في تملك فلسطين ومدينة القدس. فقال بالحرف: "قد لا يكون لنا الحق في أرض فلسطين من منظور سياسي أو قانوني، ولكن فلسطين حق لنا من منظور ديني. فهي الأرض التي وعدنا الله إياها من النيل إلى الفرات". ثم قال: "وإنه يجب الآن على كل يهودي بعد إنشاء دولة أسرائيل أن يهاجر إليها وإلا فإنه يكفر بتعاليم التوراة". ثم قال: "ولا معنى لإسرائيل بدون القدس، ولا معنى للقدس بدون الهيكل، ولا معنى لقيام دولة إسرائيل على غير أرض فلسطين". هذه هي عقيدة اليهود في مُلك أرض فلسطين.

 

أيها الإخوة المسلمون،، إن فلسطين أرض إسلامية من الناحية التاريخية، ومن الناحية الدينية. وأن لا حق لليهود، لا ديني ولا تاريخي في القدس وفلسطين.

 

وللقدس والمسجد الأقصى في عقيدتنا وفي شريعتنا وأفكارنا مكانٌ كبير. المقدس هي القبلة الأولى. صلى المسلمون بعد فرض الصلاة ليلة الإسراء والمعراج قبل الهجرة بثلاث سنوات، صلوا ثلاث سنوات وقبلتهم بيت المقدس. وبعد الهجرة ظلوا ستة عشر شهراً يصلون إلى بيت المقدس حتى حوَّل الله القبلة للبيت الحرام.

 

والقدس هي أرض الإسراء والمعراج. هذا ما ذكره القرآن الكريم في سورة سُمِّيَت بسورة الإسراء.

 

أيها الإخوة المسلمون،، إن قضية بيت المقدس لا تنفصل البتّة عن قضية الإسلام كله! إنها ليست أرضاً فلسطينية أو عربية فحسب بل هي أرض جميع المسلمين. وإن لا سبيل لعودتها إلى حضن الإسلام إلا حينما يعتصم المسلمون بحبل الله ويرجعون لدين الله.

 

والله غالبٌ على أمره ولكن أكثر النّاس لا يعلمون.

 

وآخر دعوانا الحمد لله رب العالمين

.