Checkout

خطب الجمـعة

faheemfb@gmail.com

 68


     


بسم الله الرحمن الرحيم

الصدق 2

  

كتبها : ش  د . يونس صالح

ترجمها إلى الإنجليزية: د . فهيم بوخطوة

  

00 / ممممممم / 0000 هـ

00 / ممممممم  / 0000 م

  

الحمد لله رب العالمين ، والصلاة والسلام على أشرف المرسلين وبعد لازال الحديث عن الصدق يتلو بعضه بعضا لعلنا نتخلق بهذا الخلق العظيم .

يقول الله عز وجل: يا أيها الذين آمنوا اتقوا الله وكونوا مع الصادقين هذه الآية من سورة التوبة وهي من أواخر ما نزل على الرسول صلى الله عليه وسلم كما أخرج البخاري عن البراء قال: آخر آية نزلت: يستفتونك قل الله يفتيكم في الكلالة وآخر سورة نزلت براءة، وكان نزول هذه السورة في أعقاب غزوة مشهورة هي غزوة تبوك.

وكان المسلمون وقتها في عسرة وجدب وضيق وكان زمان حر شديد وبلاء، والناس ينتظرون الثمار التي قد أينعت ويستطيبون البقاء في الظل، فإذا بداعي الجهاد يؤذن للخروج لملاقاة الروم في بلادهم.

وتسابق المسلمون في التجهز للغزو والتصدق حتى خرج الجيش ولم يتخلف إلا رجل مغموس في النفاق أو رجل أعذره الله وثلاثة نفر جعلوا يتأخرون ويسوفون الخروج حتى فاتهم الجيش ولم يستطيعوا إدراكه ثم كان من أمرهم عند عودته صلى الله عليه وسلم أن صدقوه الحديث ولم يكذبوا كما فعل المنافقون الذين جاءوا يعتذرون عن تخلفهم بالأعذار الكاذبة وكان من أمرهم ما قصه الله عز وجل علينا في هذه السورة: (وعلى الثلاثة الذين خلفوا )إلى قوله: ( ما كانوا يعملون ).

والمتأمل في هذه الآية والمناسبة التي جاءت فيها يلفت انتباهه أمر جدير بأن يقف المرء أمامه ويتفكر فيه جيدا، فهذه الآية خطاب للمؤمنين بأن يكونوا مع الصادقين، فخرج من ذلك الخطاب: المنافقون.

ثم هؤلاء المؤمنون منهم المهاجرون والأنصار ممن خرج مع رسول الله صلى الله عليه وسلم، وهم من هم في الصدق، ومنهم أيضا الثلاثة الذين تخلفوا وهم أيضا صدقوا ولم يسلكوا مسلك المنافقين في الاعتذار الكاذب، فما الأمر إذن؟! ليست المسألة هي مسألة قول فقط ليكون الإنسان مع الصادقين، بل هناك حقيقة أخرى للصدق هي أعم من كونه مجرد صدق في القول وفقط، نلتمس جزءا من هذه الحقيقة من خلال التأمل في الآيات التي جاءت بعد هذه الآية: ( ما كان لأهل المدينة ومن حولهم من الأعراب أن يتخلفوا عن رسول الله ولا يرغبوا بأنفسهم عن نفسه ) هذا بعض وصف للصادقين الذين يأمرنا الله عز وجل أن نكون معهم بأنهم هم الذين لا يتخلفون عن رسول الله صلى الله عليه وسلم، لا يتخلفون عن نصرته ولا عن دعوته ولا يرغبون بأنفسهم عن نفسه، أوجع تأنيب يمكن أن يؤنب به مؤمن صادق أن يقال له أنه يرغب بنفسه عن مثل ما تعرضت له نفس رسول الله صلى الله عليه وسلم في سبيل هذه الدعوة ويؤثرون أنفسهم عن نفسه ويشفقون على أنفسهم أن تلقى شيئا مما لاقته نفسه الحبيبة صلى الله عليه وسلم فإذا كان هذا الخطاب وما يحمله من معان قد خوطب به هؤلاء النفر الذين رضي الله عنهم ورضوا عنه وأمرهم الله عز وجل أن يكونوا مع الصادقين ألا يلفت ذلك انتباهنا نحن للنظر في أنفسنا وحالنا هل نحن حقا مع الصادقين؟!

سؤال جدير أن يوجهه كل واحد منا إلى نفسه، ولكن قبل أن نعجل بالإجابة لنتريث قليلا حتى ندرك أولا حقيقة ذلك الصدق وعلامات أصحابه وصفاتهم الذين أمرنا الله عز وجل أن نكون معهم، فكثر من الناس يظن أن ركن الصدق الوحيد هو صدق اللسان فقط، وهذا الصدق لاشك في أهميته ومنزلته، ولكنه يمثل جانبا فقط من جوانب الصدق، والإنسان لا يبلغ مرتبة الصديقية حتى تتحقق فيه أركانها جميعا، فحقيقة الصدق تشمل صدق النية والإرادة وصدق القول وصدق الأعمال وصدق الأحوال يقول ابن تيمية رحمه الله: ومما ينبغي أن يعرف أن الصدق والتصديق يكون في الأقوال وفي الأفعال.

فأما صدق النية والإرادة: فيستلزم أن تكون بواعث الأعمال والسكنات كلها لله عز وجل، وأن يكون الظاهر معبرا عن الباطن، فإن تكلم العبد بلسانه خلاف ما في قلبه فهذا يدل على عدم الصدق في النية كما قال الله عز وجل في وصفه المنافقين: (يقولون بألسنتهم ما ليس في قلوبهم ).

ومن صدق النية: الصدق في العزيمة على الفعل إذا تمكن منه فمن ذلك أن يعاهد الإنسان ربه لئن آتاه مالا ليصدقن أو لئن عافاه الله من مرضه أو نحوه فإنه سيداوم على طاعته ولن يعود إلى معصيته إلى غير ذلك من الوعود والعهود التي يأخذها على نفسه، فإذا كانت هذه العزيمة ضعيفة أو مترددة كان هذا نوعا من الكذب كما وصف الله تعالى المنافقين بذلك فقال: (ومنهم من عاهد الله لئن آتانا من فضله لنصدقن ولنكونن من الصالحين * فلما آتاهم من فضله بخلوا به وتولوا وهم معرضون * فأعقبهم نفاقاً في قلوبهم إلى يوم يلقونه بما أخلفوا الله ما وعدوه وبما كانوا يكذبون ) فالصدق في العزم يستلزم الوفاء به عند التمكن منه ثم الاستمرار على ذلك الوفاء.

وأما الركن الثاني من أركان الصديقية فهو الصدق في الأقوال: وهذه المرتبة من الصدق من أعظم المراتب وتكميلها من أعظم الأمور وأشقها على النفس، لكن ليس الصدق منحصرا فيها كما يظن كثير من الناس، وهذا النوع من الصدق يستلزم أمورا ثلاث:

الصدق في نقل الأخبار: وهذا بدوره يتطلب من الناقل التثبت فيما يقال واجتناب الظنون والأوهام والحذر من التحدث بكل ما يسمع كما قال عليه الصلاة والسلام: ((كفى بالمرء كذبا أن يحدث بكل ما سمع)) وكما قال: ((إياكم والظن، فإن الظن أكذب الحديث)) ومن ذلك لمز الدعاة والمصلحين وترديد الأباطيل والأراجيف الكاذبة التي يروجها المغرضون والمفسدون بهدف تشويه دعاة الحق الذين يصدعون به ولا يخافون لومة لائم ولا يتزلفون طاغوتا أو ظالما فيرمونهم تارة بالبدعة وأخرى بالضلال وثالثة ورابعة، ويتلقف هذه التهم أناس لا علم لهم ولا تثبت فتلوكها ألسنتهم، وكأنها قضية مسلمة لا مرية فيها، وقد حذر سبحانه من هذا المسلك المنحرف فقال: ( إذ تلقونه بألسنتكم وتقولون بأفواهكم ما ليس لكم به علم وتحسبونه هيناً وهو عند الله عظيم * ولولا إذ سمعتموه قلتم ما يكون لنا أن نتكلم بهذا سبحانك هذا بهتان عظيم ) قال ابن عباس: أي لا تقل، وقال: لا ترم أحدا بما ليس لك به علم، وهذا النوع من الصدق في القول يحتم على الصادق أن يراعي معنى الصدق في ألفاظه التي يناجي بها ربه جل وعلا كقوله مثلا: وجهت وجهي للذي فطر السماوات والأرض، فإن قلبه إذا كان منصرفا عن الله تعالى مشغولا بأماني الدنيا وشهواته فهو كذب.

الصدق في الوعد والوفاء به:

سواء كان هذا الوعد على مكان معين أو في زمان معين أو على أعطية أو زواج أو أي أمر آخر يعد به الرجل أخاه، فالصدق في القول يستلزم الوفاء بها وعدم إخلافها مهما كانت الظروف، وللأسف الشديد فإن هذا النوع من الصدق في القول لازلنا نفتقده كثيرا في واقعنا وقل من يحرص عليه.

الصدق في الوفاء بالعقود والعهود :

سواء كان عهدا مع الله عز وجل أو مع رسوله صلى الله عليه وسلم أو مع أي أحد فالوفاء بكل ذلك من لوازم الصدق كما أن إخلاف أي منها من لوازم الكذب والنفاق (وأوفوا بعهد الله إذا عاهدتم ولا تنقضوا الأيمان بعد توكيدها وقد جعلتم الله عليكم كفيلا إن الله يعلم ما تفعلون ).

فالوفاء بعهد الله عز وجل يقتضي توحيده وإفراده بالعبادة، كما يقتضي التحاكم إلى شرعه وحده والكفر بالطاغوت، وهذا هو مقتضى الصدق في شهادة أن لا إله إلا الله التي يرددها الإنسان بلسانه.

كما أن الوفاء بعهده صلى الله عليه وسلم يقتضي إحياء سنته والذب عنها وتقديم قوله على قول كل أحد، وهذا مقتضى شهادة أن محمدا رسول الله، فمن أخل بشيء من ذلك المقتضى فهو كاذب في هذه الشهادة كما قال الله عز وجل مكذبا المنافقين عندما قالوا: نشهد إنك لرسول الله فقال: ( إذا جاءك المنافقون قالوا نشهد إنك لرسول الله والله يعلم إنك لرسوله والله يشهد إن المنافقين لكاذبون ) .

وأما الوفاء بعهد الناس فقد جعل الشرع إخلافه والغدر فيه من أشد أنواع الكذب بل جعله من أركان النفاق وآيات المنافقين كما قال عليه الصلاة والسلام فيما رواه الشيخان: ((أربع من كن فيه كان منافقا خالصاً، ومن كانت فيه خصلة منهم كانت فيه خصلة من النفاق: إذا حدث كذب، وإذا وعد أخلف، وإذا عاهد غدر، وإذا خاصم فجر)) وقال عليه الصلاة والسلام فيما رواه عنه أحمد من حديث أبي هريرة: ((لا يجتمع الإيمان والكفر في قلب امرئ، ولا يجتمع الكذب والصدق جميعا، ولا تجتمع الخيانة والأمانة جميعا)).

ولذا كان حرص السلف على الوفاء بالعهد بل بما هو دونه فأخرج الفريابي عن عبد اله بن عمرو لما حضرته الوفاة قال: انظروا فلانا لرجل من قريش. فإني كنت قلت له في ابنتي قولا يشبه العدة وما أحب أن ألقى الله تعالى بثلث النفاق، وأشهدكم أني قد زوجته.

وأما الركن الثالث فهو الصدق في الأعمال:

وهذا يستلزم أن يجاهد الإنسان نفسه لتكون سريرته وعلانيته واحدة، وألا تدل أعماله الظاهرة على أمر باطن لا يتصف به حقيقة كمن يتظاهر بالخشوع في الظاهر، والقلب ليس كذلك، ولذا كان بعض السلف يقول: أعوذ بالله من خشوع النفاق قالوا: وما خشوع النفاق؟ قال: أن ترى الجسد خاشعا والقلب غير خاشع. وقال يزيد بن الحارث: إذا استوت سريرة العبد وعلانيته فذلك النصف، وإن كانت سريرته أفضل من علانيته فذلك الفضل، وإن كانت علانيته أفضل من سريرته فذلك الجور.

وأما الركن الرابع فهو الصدق في مقامات الدين:

وهو كما يقول صاحب الإحياء: أعلى الدرجات وأعزها، وهو صدق أحوال القلب من الصدق والرجاء والحب والتوكل والرضا واليقين وسائر هذه الأمور التي لها مبادئ ينطلق الإسم بظهورها وغايات لمن نال حقيقتها، والناس يتفاوتون فيها تفاوتا عظيما ولنضرب مثلا لأحدها الخوف مثلا: ما من عبد يؤمن بالله واليوم الآخر إلا وهو خائف من الله خوفا ينطلق عليه الاسم، ولكنه خوف غير صادق أي غير بالغ درجة الحقيقة، ولا يظهر عليه شيء من ذلك عند جريان معصية عليه!! في حين أنه إذا خاف حاكما ظالما أو قاطع طريق فإنه يصفر لونه وترتعد فرائصه ويتنغص عليه عيشه.

انظر إلى أولئك الذين يتخلفون عن الجمعة وعن الصلاة أو ربما لا يصلون بالمرة ألا يزعم كل واحد منهم انه يخاف الله رب العالمين؟! وهذا الذي يفطر في نهار رمضان من غير عذر ألا يزعم أنه يخاف الله رب العالمين؟! وذلك الذي يسرق ويغش ويزني ويرابي ألا يزعم كل واحد منهم أنه يخاف الله رب العالمين؟! وهؤلاء النسوة المتبرجات السافرات الكاسيات العاريات ألا يزعمن أنهن يخفن الله رب العالمين؟! مثال آخر محبة الله عز وجل … كم من مدع لها وهو كاذب في دعواه وواقعه يناقض هذه الدعوة ويكذبها، وقد فضح الله هؤلاء بآية واحدة فقال لهم: قل إن كنتم تحبون الله فاتبعوني يحببكم الله وقال الشاعر:

تعصي الإله وأنت تزعم حبه              هذا لعمري في القياس شنيع

لو كان حبك صادقا لأطعته              إن المحب لمن يحب مطيـع

فهذه أخوة الإسلام هي حقيقة الصدق وأركانه، وهي كما رأينا لا تقتصر على مجرد صدق الحديث فحسب وإن كان هذا أحد أركانها، وقد جاء القرآن بما يدل على هذا المعنى في غير آية في وصف الصدق والصادقين، ومن ذلك قوله عز وجل: (ليس البر أن تولوا وجهكم قبل المشرق والمغرب ولكن البر من آمن بالله واليوم الآخر )وهذا صريح في أن الصدق يكون بالأعمال الظاهرة والباطنة، ومنه قول عز وجل: ( إنما المؤمنون الذين آمنوا بالله ورسوله ثم لم يرتابوا وجاهدوا بأموالهم وأنفسهم في سبيل الله أولئك هم الصادقون *ومنه قوله جل وعلا: *للفقراء المهاجرين الذين أخرجوا من ديارهم وأموالهم يبتغون فضلاً من الله ورضواناً وينصرون الله ورسوله أولئك هم الصادقون *.

أقول قولي هذا واستغفر الله لي ولكم من كل ذنب وإن كان عي العمر بقية تحدثنا عن مظاهر الصدق وثمراته .

 


نسأل الله سبحانه وتعالى أن يرزقنا علما نافعا ، وعملا صالحا متقبلا ، والحمد لله رب العالمين .

أقول قولي هذا وأستغفر الله لي ولكم.

 وآخر دعوانا الحمد لله رب العالمين

.


faheemfb@gmail.com   فهيم أبوخـطـوة ،، البريد الإلكتروني