خطب الجمـعة |
|
|
72 |
بسم الله الرحمن الرحيم
الإستعداد للموت
كتبها : ش . عمر علي
ترجمها إلى الإنجليزية: د . فهيم بوخطوة
04 ربيع الثاني 1429
11 أبـريـل 2008
أما بعد ، فيا أيها الإخوة المؤمنون، يقول الحق تبارك وتعالى:
{كُلُّ نَفْسٍ ذَائِقَةُ الْمَوْتِ وَإِنَّمَا تُوَفَّوْنَ أُجُورَكُمْ يَوْمَ ٱلْقِيَٰمَةِ فَمَن زُحْزِحَ عَنِ ٱلنَّارِ وَأُدْخِلَ ٱلْجَنَّةَ فَقَدْ فَازَ وَمَا ٱلْحَيَوٰةُ ٱلدُّنْيَا إِلَّا مَتَٰعُ ٱلْغُرُورِ} آل عمران 185
{وَجَاءَت كُلُّ نَفس مَّعَهَا سَائِق وَشَهِيد} ق:21
{وَجَاءَت سَكرَةُ ٱلمَوتِ بِٱلحَقِّ ذَٰلِكَ مَا كُنتَ مِنهُ تَحِيدُ} ق:19.
جاءت بالحق، والحق أنك تموت. والله حيّ لا يموت. جاءت بالحق والحقُّ أنك ترى ملائكة الرحمة أو ترى ملائكة العذاب. وجاءت بالحق، والحق إما قبرك روضة من رياض الجنة أو حفرة من حفر النيران. وجاءت بالحق {ذلك ما كنت منه تحيد}. تحيد إلى الطبيب إذا جاءك المرض، تحيد إلى الطعام إذا أحسست بالجوع، تحيد إلى الشراب إذا أحسست بالظمأ. ثمّ ماذا؟
إنهما واعظان: ناطقٌ وصامت. ترك فينا رسول الله صلى الله عليه وسلم واعظين بليغين:
واعظاً ناطقاً، وواعظاً صامتاً. واعظان دائمان لا يكفّانِ عن الموعظة. فالنّاس في حاجة إلى عظةٍ بليغةٍ. فالقلوب تقسو، والعقول تغفل، والدنيا تَغُر، والنفسُ تأمر بالسوء والشيطان يُضِل النّاس. لابد من واعظ. والنبيُّ عليه الصلاة والسلام ترك لنا هذين الواعين الدائمين البليغين. الأوّل واعظ ناطق هو القرآن، والآخر واعظ صامت هو الموت.
القرآن يُصابحنا ويُماسينا بآيات الله، تُذَكِّر النّاس وتُنَبِّه الغافل، وتزيد المؤمن إيماناً. {فذكِّر بالقرآن من يخاف وعيد} ق:45.
الموت واعظٌ صامت. والموت كذلك يصابحنا ويماسينا، ويُراوحنا ويُغادينا. وهو واعظٌ بليغ. ولكنّا للأسف صمٌّ لا نسمع. مشغولون بدنيانا نلهث ورائها، ونتعارك عليها، ونتقاتل على أعراضها. ناسين هذا الذي يهددنا في كل يوم. بل في كل ساعة، بل في كل دقيقة، بل في كل لحظة. ناسين هذا الواعظ {وكفى بالموت واعظاً} جاء ذلك موفوقاً ومرفوعاً إلى النبي صلى الله عليه وسلم. أرأيتم أبلغ من هذا الواعظ: أن يكون الإنسان بين يديك صورة حيّة، جسداً حياً، وجهاً مشرقاً،، لساناً ناطقاً،، إرادة ترغب في الدنيا وتدبِّر لها.
فإذا بهذا الوجه المضيئ قد ذبل، وإذا بهذا الجسد الحيّ قد مات، وإذا بهذا اللسان الفصيح قد خرس، وإذا بالإنسانِ الذي كان ملءُ السمع والبصر قد أبح في لحدٍ من اللحود. نعم كفى بالموت واعظاً.
فبالأمس كانتا فتاتين صغيرتين تملآنن الدنيا على والديهما، وما هي إلا سويعات ما بين توديعهما وهما ذاهبتان إلى رحلتيهما، وبين أن يسمع الوالدان بخبر وفاتهما. وكأنما كان ذلك حلمٌ أو محض خيال. فتاتين في عمر الطفولة والشباب أتاهما الموتُ فجأة وعلى حين غُرَّة وغفلةٍ مِنَ النَّاس.
وكم من صغار يُرتجى طول عمرهم وقد أدخلت أجسادهم ظلـمة الـقبر
وكم من صحيح مات من غير عِلـةٍ وكم من مريض عاش حيناً من الدهر
يأيها الإخوة المسلمون، هذه هي الحقيقة الفانية الحاضرة. حاضرة نشهدها في كل يوم، وغائبة لأننا لا نريد أن نذكرها. ألا لا يأمننَّ بعد اليوم أحد، فالموت ياتي بغتةً. والقبر صندوق العمل.
الموت أقرب من لمح البص، فلا يظننَّ أحدٌ أن الموت عنه بعيد، لا والله، الموت أقرب ما يكون إلى الإنسان.
كلُّ امرئ مصبح في أهله والموت أدنى من شراك نعله
{وما أمر الساعةِ ذا الجسم قد أصبح جُثَّة هامدة.
حكم المنيّة في البرية جارٍى ما هذه الدنيا بـدار قـرار
بينا يُرى الإنسان فيها مخبراً حتى يُرى خبراً من الإخبار
بعد أن كان يُخبر ويقول حدث كذا وكذا، إذا هو نفسه أصبح خبراً من الإخبار يتناقله النّاس: "مات فلان". ما ايسرها من كلمة، وما أعظمها من حقيقة واء هذه الكلمة: (فلان مات)! أي إنتهىكل شيئ. لم يعد أمامه فرصة ليُراجع رصيده أو يتوب من سيِّئاته أو يزيد من حسابه عند الله.
حينما يأتي الموت يتمنى النّاس لو أمهلوا شهرا من مزن، أو أسبوعا من نشهر، أويوماً من أسبوع. أو ساعةً من يوم، أو دقيقة من ساعة، لعله في هذه الدقيقة يقول: تبتُ إلى الله. لعله يُسبِّح أو يُهلل أو يُصي بوصيّة لم يوصها في حياته وصحته، وهيهات، هيهات. {يأيها الذين ءامنوا لا تلهكم أموالكم ولا أولادكم عن ذكر الله ومن يفعل ذلك فأولئك هم الخاسرون. وأنفقوا مما رزقناكم من قبل أن يأتي أحدكم الموتُ فيقول ربِّ لولا أخرتني إلى أجل قريب فأصدَّق وأكن من الصالحين. ولن يؤخِّر الله نفساً إذا جاء أجلها، والله خبير بما تعملون} المنافقون:9-11. {إن أجل الله إذا جاء لا يُؤخَّر لو كنتم تعلمون} نوح:4. {ولكلِّ أمّةٍ أجل، فإذا جاء أجلهم لا يستأخرون ساعةً ولا يستقدمون} الأعراق:34.
فالأجل أيّها الإخوة معلوم، والعمر محدود. أيّامٌ محدودة وأنفاسٌ محدودة. بل لحظات معدودة وأنفاسٌ محدودة. {كلُّ نفسٍ ذائقة الموت، وإنَّما تُوَفَّون أجوركم يوم القيامة، فمن زُحزِح عن النّار وأدخل الجنّة فقد فاز. وما الحياة الدنيا إلا متاع الغّرور} آل عمران 185. {كلُّ من عليها فان، ويبقى وجه ربِّك ذو الجلال والإكرام} الرحمن.
أذكروا هادم اللذَّات الموت. هكذا أوصانا النبيُّ صلى الله عليه وسلم فقال: {أكثروا ذكر هادم اللذّات، الموت} رواه الترمذي والنسائي والحاكم والبيهقي في شُعَب الإيمان. فالموت يقطع اللذّات، وينغص على الإنسان إستمتاعه بها. إذا ذكرت الموت،، إذا ذكر أنَّ هذا الذي ه فيه لن يدوم لأنّه لو دام لمن قبله لدام له.
سأل أحد الخلفاء أحد العلماء فقال له: عظني. قال: إعلم إنّك لست أوَّل خليفة يموت، لم لم يمت من قبلك ما وصلت الخلافة إليك. قال: زدني. قال: ليس بينك وبين آدم إلا أبٌّ ميِّت. وإن إمرءٍ ليس بينه وبين آدم إلا أبٌ ميت لمعرق في الموت (أي أصيل في الموت).
إذا امتحنَ الدني لبيبٌ تكشَّفت له عين عدوٍ في ثياب صديق
وما النَّاس إلا هالك وابن هالك وذو نسبٍ في الهالكين عريق
ميِّت ابن ميِّت ابن ميِّت. . ذو نسبٍ في الهالكين عريق! فهل تُخلِّد أنت بعد هؤلاء؟ لا والله لن تُخلِّد.
روى سهل بن سعد أنَّ جبريل جاء إلى النبيّ صلى الله عليه وسلم فقال: {يا محمّد عش ما شئت فإنّك ميِّت، واعمل ما شئت فإنّك مُجزى به، واحبب من شئت فإنّك مفارقه..} رواه أبو نعيم في الحلية والحاكم وصحح إسناده وحسّنه العراقي.
عش ما شئت فإنّك ميِّت، عش أربعين أو خمسين أو ستين أو سبعين أو مائة سنة. أو هب أنّك عُمِّرْتَ ما عُمِّرَ نوح (ألف سنة أو يزيد) ما النهاية؟ النهاية هي الموت. حكوا أنَّ نوحاً عليه السّلام بعثه الله إلى قومه. فلبث فيهم ألف سنة إلا خمسين عاماً. ثم أخذهم الطوفان. وعاش ما شاء الله له أن يعيش بعد الطوفان. فلما جاء ملك الموت يقبض روحه سأله: يا أطول الأنبياء عمراً، كيف وجدت الدنيا؟ قال وجدتها كدار لها بابان. دخلت من أحدهما وخرجت من الآخر.
وإذا كان آخر العمر موتاً فسواءً قصيره والطويل
أيها الإخوة المسلمون،، قال رجلٌ من النصار: يا نبيّ الله من أكيس النّاس وأحزمُ النّاس؟ قال صلى الله عليه وسلم: {أكثرهم ذكراً للموت، وأكثرهم إستعداداً للموت. أولئك الأكياس ذهبوا بشرف الدنيا وكرامة الآخرة} رواه الطبراني بإسناد حسن. وعن البراء رضي الله عنه قال: كنّا مع رسول الله صلى الله عليه وسلم في جنازة فجلس على شفير القبر وقال:{لمثل هذا فأعدّوا يا إخواني، لمثلهذا فأعدّوا، وظلّ يكررها عليهم} رواه ابن ماجه بإسناد حسن.
وعن معاذ رضي الله عنه قال قلت: يارسول الله أوصني قال: {أعبدِ الله كأنّك تراه، وأعدد نفسك في الموتى. واذكر الله عند كل حجر، وعد كل شجر. وإذا عملت سيِّئة فاعمل بجانبها حسنة. السرُّ بالسرِّ، والعلانيةُ بالعلانية} الطبراني بإسناد جيِّد.
{الكيِّس من دان نفسه وعمل لما بعد الموت}
وعن ابن عمر رضي الله عنه: أنَّ النبيّ صلى الله عليه وسلم سُئِل: أي المومنين أكيس؟ قال: {أكثرهم للموت ذكراً، وأشدّهم إستعداداً له. أولئك همُ الأكياس} أخرجه ابن ماجه.
لابُدَّ من الموت مهما طال العمر، ومهما استمتعت يا عبد الله بالحياة فإنَّك مُفارقها. وإذا كان هذا شأن الدنيا فما أهونها وما أتفهها؟ ما دام الإنسان معرضاً في كلّ يوم وكل ساعة وكل لحظة. النعمة زائلة أو لمصيبةٍ نازلة، أو لمنيَّةٍ قاتلة، فما قيمة هذه الدنيا؟!
جبلت على كدرٍ وأنت تريدها صفواً من الآلام والأكـدار
ومكلف الأيام ضد طباعها متطلّب في الماء جذوة نارِ
هذه هي الدنيا وتلك طبيعتها.
بنى أحد الملوط داراً فجملها وزينها وزخرفها وفرشها بفاخر الأثاث. ووضع فيها من الزينات والتحف والنفائس ما لا يخطر ببال. فقال لأحد جلسائه وكان من الصالحين: هل ترى من عيب في هذه الدّار فأحاول أن أصلحه؟ قال: نعم، أرى فيها عيباً ولكن لا يمكنك إصلاحه. قال: كيف؟ عندي المال. قال: عيبُ هذه الدّار أنّ لك منها خرجةً لا عودة بعدها إليها، أو دخلة لا خروج لك منها! وهكذا كل دارٍ مهما زينتها وزخرفتها فإنّ لك خرجة لا دخول بعدها أو دخلة لا خروج منها.
جاء رجل إلى أحد الصالحين وقد اشترى داراً فاخرةً، وأراد أن يُسجِّل له العقد. فأراد الرّجل العالم الصالح أن يلقنه درساً فكتب في العقد: أما بعد ،، فهذا ما اشترى ميِّت من ميِّت: داراً في بلد الغافلين وسكّة المذنبين، لها أربعة حدود: الحد الأوّل ينتهي إلى الموت، والثاني إلى القبر، والثالث إلى الحساب، والرابع إمّا إلى الجنّة وإمّا إلى النّار! ثم أنشد وهو يبكي:
النفسُ تبـكي على الدنيا وقد علمت أنّ السلامة فـيها ترك ما فـيها
لا دار للمرء بعد الموت يسكنهــا إلا التي كان قـبل الموت يبنيها
فإن بنـاها بخـير طاب مـسكنه وإن بنـاها بشـرٍّ خاب بانـيها
أيـن الملوك التي كانت مسلـطنة حتى سقاها بكأس الموت ساقيها
أموالنا لـذوي المـيراث نجمعها ودُورُنا لـخراب الـدهر نبنيها
كم من مـدائن في الآفاق قد بُنِيتْ أمست خراباً وأفنى الموت أهليها
لكل نفـسٍ وإن كانت على وجلٍ مـن المـنيَّـة آمـالُ تقــويها
فالمرء يبـسطها والدهر يقضيها والنفس تنشرها، والموت يطويها
هذه هي الدنيا وهذا حالها.
قال الحسن البصري رضي الله عنه: فضح الموت الدنيا فلم يترك لِذِي لب فيها فرحاً. وما ألزم عبد قلبه ذكر الموت إلاّ صغرت الدنيا عليه. وهان عليه جميع ما فيها. وكا بن عمر رضي الله عنه إذا ذُكِر الموت انتفض انتفاض الطير. وكان يَجمع كلَّ ليلة الفقهاء، فيتذاكرون الموت والقيامة ثم يبكون حتى كأنّ بين أيديهم جنازة.
وكان حامد القيصري يقول: كلنا قد أيقن الموت، وما ترى له مستداً. وكلنا قد أيقن الجنّة وما نرى لها عاملاً. وكلنا قد أيقن بالنّار وما ترى لها خائفاً. فعلام تفرحون؟ وما عسيتم تنتظون؟! الموت، فهو أوّل وارد عليكم من أمر الله بخبر أو بشر. فيا إخوتاه! سيروا إلى ربِّكم سيراً جميلاً.
وقف سليمان بن عبد الملك ـ أحد خلفاء بني أميّة ـ أمام المرآة فأعجبته نفسه. ونظر في شبابه وجماله وقال: أنا الملك الفتى. وكانتت له جارية صالحة شاعرة فقالَ لها ما تقولين فيَّ؟ قالت له منشدةً:
أنت يُعْمَ المناعُ لو كنت تبقى غير أنْ لا بـقاءَ للإنـسانِ
ليس فيما رأيته فيك عيبــاً كان في النّاس غير أنّك فانٍ!
ما دمت فانياً فهذا عيبك، هذه هو العيب الذي لا يُصْلَح.
كلّ نفسٍ ذائقة الموت: الموت نهاية كلّ حي. حوض مورود لكلُّ النَّاس. {كلُّ نفسٍ ذائقةُ الموت} آل عمران 185، الأنبياء 35، العنكبوت 57. قرّر ذلك القرآن في آياتٍ ثلاث.
{كلُّ نفسٍ ذائقةُ الموت} كلّ نفس .. الأنبياء والصديقون والشهداء والصالحون .. يذوقون الموت.
الرُسُل المصطفون الإخيار قبل رسول الله صلى الله عليه وسلم ذاقوا الموت.
محمّد رسول الله، وخيرةُ الله تعالى من خلقه ، ذاق الموت. حينما مات ذهل الصحابة رضوان الله عليهم، وأنكر منهم من أنكر. وقال عمر: من قال ذلك ضربتُ عنقه. ولكن الله ثبَّت رجلين وألهمهما الحق:
1. العبّاس عم الرسول صلى الله عليه وسلم الذي قرأ على النّاس قوله تعالى: {إنّك ميِّت وإنهم ميتون. ثم إنكم يوم القيامة عند ربكم تختصمون} الزمر 30. {وما جعلنا لبشر منْ قبلك الخلد أفإنْ مِتَّ فهم الخالدون} الأنبياء 34.
2. وأبوبكر رضي الله عنه الذي خطب خطبته البليغة: "أيها النّاس منكان يعبد محمداً فإنّ محمداً قد مات. ومن كان يعبد الله فإنّ الله حي لا يموت". ثم تلا الآية الكريمة: {وما محمد إلا رسول قد خلت مِنْ قبله الرسل)
كل مَنَ ضاق الفضاءُ بجيشه وحواه بعد الموت لحدٌ ضيِّق
هذه هي النهاية متر في متر أو متر في مترين. هذا هو مصير الإنسان. الكل استوى حين ضمته تلك اللحود، وأكله الدود. دخل بعضهم على عبد الملك بن مروان في مرض موته، وسأله كيف تجدك؟ قال أجدني كما قال الله تعال: {ولقد جئتمونا فُرادى كما خلقناكم أوَّل مرَّة وتركتم ما خولناكم وراء ظهوركم} الأنعام 94.
وهذا هارون الرشيد إنتقى أكفانه بيده ثمَّ جلس يقول على فراشه: {ما أغنى عنّي ماليه * هلك عنّي سلطانية} الحاقّة 28-29. وابنه المأمون جلس على الرّماد وهو يدعو ويقول: يا من لا يزول ملكه، إرحم من قد زال ملكه!
لا يبقى ملك أحد، ولا يبقى ما أحد. الكل زائل. والكل ميِّت. {ويبقى وجه رِّك ذو الجلال والإكرام} الرحمن.
الموت كأس يشربها الجميع، ويذوقها الجميع. أهل الدِّين وأهل الدنيا. الأنبياء والصالحون، والملوك والأمراء والأغنياء وأصحاب المال والجاه. كلٌّ سينال نصيبه من هذه الكأس لا فرار منها "عش ما شئت فإنَّك ميِّت".
كان الحسن البصري يقول للشيوخ أهل المشيب: أيها الشيوخ ماذا وراء لزرع إذا بلغ إلاّ الحصاد! وينظر إلى الشباب ويقول: أيها الشباب أما رأيتم زرعاً أهلكته الآفة قبل أن يبلغ؟!
لا نجاة من الموت إذا جاء الأجل:
ما أكثر من يموتونبالسكتةِ القلبية، أوالذبحة الصدرية. وفي حوادث السيارات، بل قد تكون ماشيا على رجليك فيأتي من يدوسك بسيارته ويقتلك.
فالموت آتٍ لا ريب فيه لا يفرِّق بين كبير أو صغير، غني أو فقير، قو أو ضعيف ولن يفر من الموت أحد {قل إنَّ الموت الذي تفرّون منه فإنّه ملاقيكم} الجمعة 8.
نزل طاعون ببعض البرد، ففرَّ أحد الشباب خشية أن يصيبه. قال له أبوه:إبق معنا يصيبك ما يصيبنا، وقدر الله نافذ. قال: لا، أريد أن أهرب، فذهب وفي سفره أدركته القيلولة فقال تحت شجرة (نام) فجائت افعى فلدغته فمات. فلما بلغ الخبر والده قال:
راح يبـغي نـجوةً من هلاك فهلك
والـمنايا راصدات للفتى حيث سلك
كـل شـيئ قاتـلٌ حين تلقى أجلك
إذا جاء الأجل ستُقتل بأي شيء ولو بعثرة تعثرها.
ومن لم يمت بالسيف مات بغيره تعددت الأسباب والموت واحد
الموت أيها الناس آتٍ لا ريب فيه. ولكننا وا أسفاه في غفلةٍ عن هذه الحقيقة الخطيرة.
فلنستعد أيها الإخوة للموت قبل أن يفاجأنا. فلنعد العدّة ونتزوَّد بالزّاد. لقد كان الصِّديقون والصالحون يبكون على أنفسهم من قِلة الزّاد. علي بن أبي طالب رضي الله عنه يدخل عليه أصحابه فيجدوه يبكي بكاء اليتيم، ويتململ تململ السليم ويقول: إليكِ عنّي يا دنيا غُرِّي غيري، قد طلقتك ثلاثاً لا رجعة فيها. عمرك قصير، وعشيك حقير، ومتاعك قليل. آه من قلة الزّاد، وبُعد السفر ووحشة الطريق!
هذا علي بن أبي طالب إبن الإسلام يشتكي من قلة الزّاد وبعد السفر ووحشة الطريق، فماذا أعددنا نحن كم الزّاد ليوم المعا؟!
تــزود للـذي لابـد منه فإن الموتَ ميقات العباد
أترضى أن تكون رفيق قوم لهم زادٍ وأنت بغير زاد
وقال تعالى: {وتزودوا فإنّ خير الزّاد التقوى واتقونِ يا أولي الألباب} البقرة 197.
اللهم زودنا التقوى واجعلنا من أهل الآخرة، واجعلنا من الأكياس الذين يستعدون لما بعد الموت. اللهم آمين.
أقول قولي هذا وأستغفر الله لي ولكم فاستغفروه إنّه هو الغفور الرحيم. وادعوه يستجب لكم. .