خطب الجمـعة |
|
|
75 |
بسم الله الرحمن الرحيم
مُهِمَّة الأنبياء والرُّسُل
كتبها : ش
د . يونس صالحترجمها إلى الإنجليزية: د . فهيم بوخطوة
25 / ربيع الثاني/ 1424 هـ
02/ مــايــو/
2008 م
والسلام على أشرف الأنبياء والمرسلين وعلى آله وصحبه أجمعين ، وبعد مازال الحديث موصولا حول فهم دين الله تعالى عبر حديث عمر بن الخطاب رضي الله عنه عندما ذكر لنا حديث جبريل عليه السلام الذي جاء يسأل فيه رسول الله عن الإسلام والإيمان والإحسان ولقد أتممنا الحديث عن شهادة ألا إله إلا الله بعد أن تحدثنا عن ماهيتها وحقيقتها وفضلها وشروطها وها نحن ندخل في الحديث عن الدائرة الثانية من دوائر الإسلام وهى شهادة أن محمد رسول الله . وقبل الحديث عن هذه الشهادة نمهّد في هذه الخطبة مهمة الأنبياء والرسل . وقبل أن نبدأ نلخص الأمور في نقاط :
أولا : أصل العداوة بين آدم والشيطان .
ثانيا : بداية الشرك ، وسببه .
ثالثا : مهمة الأنبياء والرسل .
أولا : أصل العداوة بين آدم والشيطان
لما خلق الله آدم ونفخ فيه الروح، أمر ملائكته بالسجود له، وكان إبليس من الجن، وليس من الملائكة، وإنما دخل في خطابهم؛ لتوسمه بأفعال الملائكة، لم يسجد إبليس اللعين: "وَإِذْ قُلْنَا لِلْمَلائِكَةِ اسْجُدُوا لِآدَمَ فَسَجَدُوا إِلَّا إِبْلِيسَ أَبَى وَاسْتَكْبَرَ وَكَانَ مِنَ الْكَافِرِينَ" [البقرة:34]، ويقول سبحانه في سورة الكهف: "وَإِذْ قُلْنَا لِلْمَلائِكَةِ اسْجُدُوا لِآدَمَ فَسَجَدُوا إِلَّا إِبْلِيسَ كَانَ مِنَ الْجِنِّ فَفَسَقَ عَنْ أَمْرِ رَبِّهِ" الآية،[الكهف: 50] أبي أن يسجد لآدم كبراً وحسداً وبغياً، فكان عقابه أن طرد من رحمة الله، وحلت عليه لعنة الله، لكن الخبيث أزداد بغيه، وعظم حقده على آدم وذريته، وطلب من الله الإنظار إلى يوم القيامة فأنظره الله، عند ذلك قال – كما قص الله خبرة -: " قَالَ فَبِمَا أَغْوَيْتَنِي لَأَقْعُدَنَّ لَهُمْ صِرَاطَكَ الْمُسْتَقِيمَ ثُمَّ لَآتِيَنَّهُمْ مِنْ بَيْنِ أَيْدِيهِمْ وَمِنْ خَلْفِهِمْ وَعَنْ أَيْمَانِهِمْ وَعَنْ شَمَائِلِهِمْ وَلا تَجِدُ أَكْثَرَهُمْ شَاكِرِينَ [لأعراف:16-17] ، والمعنى: أنه أقسم أن يضل عباد الله من بني آدم عن طريق الحق وسبيل النجاة؛ لئلا يعبدوا الله ولا يوحدوه، ويسلك شتى الطرق لصدهم عن الخير وتحبيب الشر لهم.
ومثله قوله تعالى قاصاً خبره: " قَالَ رَبِّ بِمَا أَغْوَيْتَنِي لَأُزَيِّنَنَّ لَهُمْ فِي الْأَرْضِ وَلَأُغْوِيَنَّهُمْ أَجْمَعِينَ إِلَّا عِبَادَكَ مِنْهُمُ الْمُخْلَصِينَ"[الحجر:39-40] .
ثانيا : بداية الشرك ، وسببه .
لم يزل الشيطان بآدم عليه السلام وذريته؛ وسوسة وإغواء وإضلالاً، حتى تسبب في إهباط آدم من الجنة، وقتل ابن آدم لأخيه، ولم يكفه هذا، فلما مر ببني آدم الزمان، وطال عليهم العهد بالنبوة – حسن إليهم الشرك، وأغواهم، فكان له ما أراد، وصدق عليهم إبليس ظنه فاتبعوه، ووقعوا في الشرك، وكان أول ذلك زمن قوم نوح حين عبدوا الأصنام: وداً وسواعاً ويغوث ويعوق ونسراً، وكانت هذه أسماء رجال صالحين من قوم نوح عليه السلام، فلما هلكوا أوحى الشيطان إلى قومهم أن انصبوا لهم تماثيل تذكركم بهم ، فلما تقادم العهد صاروا يعبدونهم ويقربون لهم القرابين من دون الله تعالى .
ثالثا : مهمة الأنبياء والرسل .
لا أحد أحب إليه المدح من الله – عز وجل -؛ ولذلك مدح نفسه" صحيح البخاري (5/194) وفي لفظ لمسلم: "من أجل ذلك أنزل الكتاب وأرسل الرسل" مسلم (2760)، وفي [الصحيحين] من حديث سعد بن عبادة – رضي الله عنه -: "ولا شخص أحب إليه العذر من الله، من أجل ذلك بعث الله المرسلين مبشرين ومنذرين" صحيح البخاري (8/174).
فأرسل الله الرسل؛ إقامة للحُجَّة على عباده، وإعذاراً لهم، وهذه الرسالات من نعم الله على خلقه أجمعين؛ إذ حاجة العباد إليها فوق كل حاجة، وضرورتهم إليها فوق كل ضرورة، فهم في حاجة إلى الرسالة أعظم من حاجتهم إلى الطعام والشراب والدواء، إذ قصارى نقص ذلك أو عدمه تلف الأبدان، أما الرسالة ففيها حياة القلوب والأديان، بل الرسالة ضرورية في إصلاح العبد في معاشه ومعادة، فكما أنه لا صلاح له في أخرته إلا باتباع الرسالة، فكذلك لا صلاح له في معاشه ودنياه إلا باتباع الرسالة، كما قرر ذلك شيخ الإسلام ابن تيمية – رحمه الله- "أرسل الله الرسل، وجعلهم بشراً من أقوام المرسل إليهم، وبلسانهم؛ ليبينوا لهم الدين الحق: " وَمَا أَرْسَلْنَا مِنْ رَسُولٍ إِلَّا بِلِسَانِ قَوْمِهِ لِيُبَيِّنَ لَهُمْ فَيُضِلُّ اللَّهُ مَنْ يَشَاءُ وَيَهْدِي مَنْ يَشَاءُ وَهُوَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ" [إبراهيم:4].
وكل أمة بعث فيها رسول، قال عز وجل: " وَلِكُلِّ أُمَّةٍ رَسُولٌ" الآية، [يونس:47] ، وقال سبحانه: "َإِنْ مِنْ أُمَّةٍ إِلَّا خَلا فِيهَا نَذِيرٌ" [فاطر:24]. بعثوا جميعاً بدين واحد، وهو الإسلام؛ وإخلاص الدين لله، وتجريد التوحيد له سبحانه، واجتناب عبادة ما سواه : "وَلَقَدْ بَعَثْنَا فِي كُلِّ أُمَّةٍ رَسُولاً أَنِ اعْبُدُوا اللَّهَ وَاجْتَنِبُوا الطَّاغُوتَ" الآية،[النحل:36] ، وقال سبحانه : "وَمَا أَرْسَلْنَا مِنْ قَبْلِكَ مِنْ رَسُولٍ إِلَّا نُوحِي إِلَيْهِ أَنَّهُ لا إِلَهَ إِلَّا أَنَا فَأعْبُدُونِ" [الأنبياء:25]. وفي الحديث عنه صلى الله عليه وسلم : "الأنبياء إخوة لعلات ، أمهاتهم شتى ودينهم واحد" متفق عليه . وكذلك أيضاً كل رسول يأمر قومه بطاعته إذ هذا مقتضى الرسالة يقول عز وجل: "وَمَا أَرْسَلْنَا مِنْ رَسُولٍ إِلَّا لِيُطَاعَ بِإِذْنِ اللَّهِ" الآية، [النساء:64]. ولم تزل الرسل تتابع إلى أقوامهم لدعوتهم إلى التوحيد ونبذ الشرك " ثُمَّ أَرْسَلْنَا رُسُلَنَا تَتْرَا" الآية،[المؤمنون:44] ، إلى أن جاء موسى وبعده عيسى عليهما السلام ، وظهرت في كتبهما البشارة بالنبي محمد صلى الله عليه وسلم يقول الله عز وجل: "الَّذِينَ يَتَّبِعُونَ الرَّسُولَ النَّبِيَّ الْأُمِّيَّ الَّذِي يَجِدُونَهُ مَكْتُوباً عِنْدَهُمْ فِي التَّوْرَاةِ وَالإنْجِيلِ" الآية ، [الأعراف:157] ، ويقول عز وجل : "وَإِذْ قَالَ عِيسَى ابْنُ مَرْيَمَ يَا بَنِي إِسْرائيلَ إِنِّي رَسُولُ اللَّهِ إِلَيْكُمْ مُصَدِّقاً لِمَا بَيْنَ يَدَيَّ مِنَ التَّوْرَاةِ وَمُبَشِّراً بِرَسُولٍ يَأْتِي مِنْ بَعْدِي اسْمُهُ أَحْمَدُ" الآية، [الصف:6]. وبعد أن رفع عيسى عليه السلام، وطال ببني آدم العهد قبل بعثة النبي صلى الله عليه وسلم حمل إبليس بخيله ورجله على بني آدم، فأضلهم ضلالاً بعيداً، وأوقعهم في الكفر والشرك والضلال بصنوفه إلا قليلاً منهم ، وبلغ من حالهم أن مقتهم الله سبحانه، عربهم وعجمهم إلا القليل.
بعد هذه المقدمة سوف نقوم في الجمعة القادمة بالحديث عن الشهادات التي يجب أن نشهد بها لنبي الرحمة محمد صلى الله عليه وسلم . .
faheemfb@gmail.com فهيم أبوخـطـوة ،، البريد الإلكتروني