Checkout

خطب الجمـعة

faheemfb@gmail.com

 79


     


بسم الله الرحمن الرحيم

تجديد الإيمان

 

كتبها : ش عمر علي

ترجمها إلى الإنجليزية: د . فهيم بوخطوة

 

21/يونيو/2008 م

16/جمادة الثاني/1429 هـ

 

أما بعد: فإن أصدق الحديث كتاب الله وخير الهدي هدي محمد وشر الأمور محدثاتها وكل محدثة بدعة وكل بدعة ضلالة وكل ضلالة في النار.

 

أحبتي في الله ، "هيا بنا نؤمن ساعة" هذا هو عنوان لقائنا مع حضراتكم في هذا اليوم الكريم المبارك.. وحتى لا ينسحب بساط الوقت من تحت أقدامنا سريعًا فسوف أركز الحديث مع حضراتكم في العناصر التالية:

أولاً: جدد إيمانك.

ثانيا: قسوة القلوب وقلة الخوف من علاّم الغيوب.

ثالثا: إلى أين المصير؟!

وأخيرًا: متى ستتوب؟!

فأعيروني القلوب والأسماع، والله أسأل أن يجعلنا ممن يستمعون القول فيتبعون أحسنه، أولئك الذين هداهم الله ، وأولئك هم أولو الألباب.

 

أولاً: جدد إيمانك.

أخي الحبيب، إن الإيمان قول وعمل، الإيمان قول باللسان وتصديق بالجنان وعمل بالجوارح والأركان، والإيمان يزيد وينقص، يزيد بالطاعات وينقص بالعصيان والزلات قال جل وعلا: [هُوَ الَّذِي أَنْزَلَ السَّكِينَةَ فِي قُلُوبِ الْمُؤْمِنِينَ لِيَزْدَادُوا إِيمَانًا مَعَ إِيمَانِهِمْ] [الفتح:4].

 

أيها الأخوة المسلمون ، لا بد من تعهد القلب، ولابد من تجديد الإيمان في القلب وزيادته من آن لآخروقد كان الصحابة رضوان الله عليهم يتعهدون أنفسهم بتجديد الإيمان وتقويته في قلوبهم فهذا إبن رواحة رضوان الله عليه يقول لأبي الدرداء رضي الله عنه وهو آخذ بيده (تعال نؤمن ساعة إن القلب أسرع تقلبا من القدر إذا استجمعت غليانا)  وتجديد الإيمان يكون بتعويض القلب بمواد تقوية الإيمان بالله جل وعلا، ومن هذه المواد المقوية للإيمان قراءة القرآن، وذكر الرحمن، ومجالس الذكر والعلم الشرعي والصلاة على النبي عليه الصلاة والسلام، والاستغفار، وزيارة القبور، وزيارة المرضى والمحافظة على الصلوات في جماعة بالمساجد، والإنفاق على الفقراء والمساكين، والإنفاق في أوجه البر المختلفة وبناء المساجد والقيام عليها وتعهدها, والإحسان إلى الأرامل واليتامى والمحرومين.


هذه بعض الأعمال التي تقوي وتجدد الإيمان في القلب فإن القلب هو الملك والأعضاء والجوارح هم جنوده ورعاياه، فإن طاب الملك، طابت الجنود والرعايا، وإن خبث الملك خبثت الجنود والرعايا.


كما في الصحيحين من حديث النعمان بن بشير أن البشير النذير قال: ((... ألا وإن في الجسد مضغة إذا صلحت صلح الجسد كله وإذا فسدت فسد الجسد كله ألا وهي القلب)) رواه البخارى . فلا بد من تعهد حال الإيمان في القلب.. ولابد من تجديد الإيمان في القلب.في زمن مثل هذا الزمان الذي قست فيه القلوب وتراكمت فيه الذنوب على الذنوب، وقل الخوف من علام الغيوب ولا حول ولا قوة إلا بالله وهذا هو عنصرنا الثاني بإيجاز.


ثانيًا: قسوة القلوب وقلة الخوف من علاّم الغيوب.


قال تعالى: [أَلَمْ يَأْنِ لِلَّذِينَ ءَامَنُوا أَنْ تَخْشَعَ قُلُوبُهُمْ لِذِكْرِ اللَّهِ وَمَا نَزَلَ مِنَ الْحَقِّ وَلاَ يَكُونُوا كَالَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ مِنْ قَبْلُ فَطَالَ عَلَيْهِمُ الأَمَدُ فَقَسَتْ قُلُوبُهُمْ وَكَثِيرٌ مِنْهُمْ فَاسِقُونَ] [الحديد:16].


ألم يأنِ لقلوب من وَحّدوُا الله وآمنوا برسوله أن تخضع لعظمة الله تبارك وتعالى، وأن تذعن لأمره، وأن تجتنب نهيه، وأن تقف عند حدوده تبارك وتعالى.


إخوتي الكرام: إن قلة الخوف من الله جل وعلا ثمرةٌ مرةٌ لقسوة القلب وظلمته ووحشته، فمنا الآن من يستمع لكلام الرحمن يتلى ولا تدمع عينيه، ولا يتحرك قلبه، ولا تلين جوارحه، ولا يقشعر جلده!!! يقول الله تعالى [لو أنزلنا هذا القرآن على جبل لرأيته خاشعا متصدعا من خشية الله و تلك الأمثال نضربها للناس لعلهم يتفكرون] نعم الجبال تخشع وتتصدع إذا سمعت الذكر إذا أنزل عليها القرآن فإذا نزل هذا القرآن على القلوب فلم تتحرك فاعلم أن تلك القلوب قد أغلقت بأقفال وهذه الأقفال قد ضاعت مفاتيحها [أفلا يتدبرن القرآن أم على قلوب أقفالها] نعم إن القلوب قست، لأن القلوب في وحشة وأن القلوب في ظلمه، لقلة الخوف من الله وإن الخوف من الرحمن ثمرة حلوة للإيمان، فعلى قدر إيمانك بالله، وعلى قدر حبك لله ، وعلى قدر علمك بالله، وعلى قدر معرفتك بالله جل وعلا يكون حياؤك، وخوفك ، ومراقبتك لله تبارك وتعالى، قف على هذه القاعدة ليتبين كل واحد منا الآن: هل يحمل في صدره قلبًا رقيقًا أم قلبًا قاسيًا وهو لا يدري؟!! قال تعالى:[إِنَّمَا يَخْشَى اللَّهَ مِنْ عِبَادِهِ الْعُلَمَاءُ إِنَّ اللَّهَ عَزِيزٌ غَفُورٌ] [فاطر:28]. فعلى قدر علمك ومعرفتك بالله يكون خوفك من الله ، وعلى قدر علمك بالله يكون حياؤك.


فالذي يعرف الله إن زلت قدمه في المعصية وارتكب كبيرة من الكبائر في حالة ضعف بشري منه تجده سرعان ما يجدد التوبة والأوبة والندم وهو الذي سرعان ما يطرح قلبه بين يدي الله بذل وانكسار وهو يعترف بفقره وعجزه وضعفه. وكان النبي يُصلي ولصدره أزيز كأزيز المرجل من البكاء، وهو الذي غفر الله له ما تقدم من ذنبه وما تأخر.


وفي الصحيحين من حديث أنس قال: خطبنا رسول الله خطبة ما سمعت مثلها قط فقال: ((والله لو تعلمون ما أعلم لضحكتم قليلاً، ولبكيتم كثيرًا))، قال: فغطىَّ أصحاب رسول الله وجوههم، ولهم خنين (الخنين: شبيه بالبكاء مع مشاركة في الصوت من الأنف).


ورد في مسند الإمام أحمد وسنن الترمذي بسند صحيح بالشواهد من حديث أبي سعيد الخدري أن النبي قال: ((كيف أنعم وقد التقم صاحب القرن وحنا جبهته وأصغى سمعه، ينتظر أن يؤمر فينفخ؟ فكأن ذلك ثَقُلَ على أصحابه))، فقالوا: فكيف نفعل يا رسول الله أو نقول؟ قال: ((قولوا: حسبنا الله ونعم الوكيل، على الله توكلنا))، وربما قال: ((توكلنا على الله)).


والله لو وقفت على خوف النبي من ربه وهو أعرف الناس به، وأتقى الناس له، وأخشى الناس منه، لرأيت العجب العجاب.


وهذا فاروق الأمة الأوّاب عمر بن الخطاب الذي أجرى الله الحق على لسانه لمّا نام على فراش الموت دخل عليه شاب فقال: أبشر يا أمير المؤمنين ببشرى الله لك وصحبة رسول الله وقدمٍ في الإسلام ما قد علمت، ثم وليت فعدلت، ثم شهادة فقال عمر: وددت أن ذلك كفافٌ لا عليّ ولا لي.


وفى رواية: دخل عليه ابن عباس فقال: أليس قد دعا رسول الله أن يعز الله بك الدين والمسلمين إذ يخافون بمكة ، فلما أسلمت كان إسلامك عزًا ، وظهر بك الإسلام ، وهاجرت فكانت هجرتك فتحًا ، ثم لم تغب عن مشهد شهده رسول الله من قتال المشركين ، ثم قُبض وهو عنك راض ، ووازرت الخليفة بعده على منهاج رسول الله فضربت من أدبر بمن أقبل ، ثم قبض الخليفة وهو عنك راضٍ ، ثم وليت بخير ما وُلّيَ الناس ، مصَّر الله بك الأمصار ، وجبا بك الأموال ونعى بك العدو وأدخل بك على أهل البيت من سيوسعهم دينهم وأرزاقهم ثم ختم لك بالشهادة فهنيئًا لك. فقال عمر: والله إن المغرور من تغرونه). وعن عبد الله بن عامر بن ربيعة رأيت عمر أخذ تبنة من الأرض فقال: ليتني هذه التبنة ليتني لم أك شيئًا ، ليت أمي لم تلدني.
وهذا حب المصطفى معاذ بن جبل الذي أقسم له النبي فقال: ((يا معاذ والله إني لأحبك)).


يبتلى معاذ بطاعون الشام وينام على فراش الموت وهو الشاب الذي لم يبلغ الثالثة والثلاثين من عمره فيقول لأصحابه: هل أصبح الصباح؟ فيقولون: لا بعد فيقول أخرى: هل أصبح الصباح؟ فيقولون: لا بعد فيقول ثالثة: هل أصبح الصباح؟ فيقولون: لا بعد فيقول معاذ: أعوذ بالله من ليلة صباحها إلى النار!!! وهذا سفيان الثوري إمام الدنيا في الزهد والورع والحديث، ينام على فراش الموت ويدخل عليه حماد بن سلمة فيقول له: أبشر يا ـ أبا عبد الله ـ أنك مقبل على ما كنت ترجوه، وهو أرحم الراحمين فيبكى سفيان ويقول: أسألك بالله يا حماد أتظن أن مثلي ينجو من النار؟!!!


وهذا إمام الدنيا الشافعي يدخل عليه الإمام المزني وهو على فراش الموت فيقول له: كيف أصبحت يا إمام فيقول: أصبحت من الدنيا راحلا وللإخوان مفارقا، ولعملي ملاقيا، ولكأس المنية شاربا وعلى الله واردا، ثم بكى وقال: فلا أدري والله يا مُزني أتصير روحي إلى الجنة فأهنيها أم إلى النار فأعزيها؟!!! وهذا مالك بن دينار وهو من أئمة السلف الأخيار كان يصلي للعزيزِ الغفار ويقبض على لحيته ويبكى ثم يقول: لقد علمت مساكن الجنة ومساكن النار ففي أي الدارين منزل مالك بن دينار؟!!


فهل فكرت يا عبد الله في هذا المصير، أتصير إلى جنة أم إلى نار؟!! وهذا هو عنصرنا الثالث من عناصر اللقاء.


ثالثا: أين المصير؟!!


وهذا سؤال يجب على كل واحد منا أن يسأله لنفسه في الليل والنهار، يا من بارزت الله بالزنا قل لنفسك أين المصير؟

يا من أكلت الربا قل لنفسك أين المصير؟!!

يا من أكلت الحرام قل لنفسك أين المصير؟!!

يا من تظلم الناس قل لنفسك أين المصير؟!!

ماذا تقول لربك غدًا إذا وقفت بين يديه عارٍٍ: أين المنصب؟! أين الجاه؟! أين السلطان؟!! أين الأموال؟!! أين القوة؟!!: [فَمَنْ يَعْمَلْ مِثْقَالَ ذَرَّةٍ خَيْرًا يَرَهُ وَمَنْ يَعْمَلْ مِثْقَالَ ذَرَّةٍ شَرًّا يَرَهُ] أين المصير؟! وجِّه لنفسك اليوم هذا السؤال: هل أنت ممن عمل الطاعة وتنتظر من الله الجنة أم أنك مسرف على نفسك بالمعصية؟ ومع ذلك تتمنى على الله الأماني وترجو الجنة . ما أقل حياء من طمع في الجنة وهو لم يعمل بالطاعة ولم يمتثل لأوامر الله.. إننا لا نقوى على النار ومن يقوى عليها؟! ومن يقوى على نار الدنيا وهى: ((ناركم هذه التي توقد يا ابن آدم جزء من سبعين جزءًا من نار جهنم)). رواه البخارى


فاتقوا النار أيها المسلمون فإن حرها شديد، وقعرها بعيد، ومقامعها من حديد، إن الطعام في النار نار، وإن الشراب في النار نار، وإن الثياب في النار نار، وطعام أهل النار من الزقوم والغسلين والضريع.


هل تعلم عن الزقوم والغسلين والضريع شيء؟!!

الزقوم شجرة تنبت في أصل الجحيم طلعها كأنه رؤوس الشياطين. يقول ابن عباس رضي الله عنهما: لو أن قطرة منها قطرت على أهل الدنيا لأفسدت على أهل الدنيا معايشهم فكيف بمن يكون الزقوم طعامه. [أَذَلِكَ خَيْرٌ نُزُلاً أَمْ شَجَرَةُ الزَّقُّومِ إِنَّا جَعَلْنَاهَا فِتْنَةً لِلظَّالِمِينَ إِنَّهَا شَجَرَةٌ تَخْرُجُ فِي أَصْلِ الْجَحِيمِ طَلْعُهَا كَأَنَّهُ رُءُوسُ الشَّيَاطِينِ فَإِنَّهُمْ لآَكِلُونَ مِنْهَا فَمَالِئُونَ مِنْهَا الْبُطُونَ] [الصافات:62-65].


أما الضريع!! فهو نوع من أنواع الشَّوْك..

قال تعالى:[هَلْ أَتَاكَ حَدِيثُ الْغَاشِيَةِ وُجُوهٌ يَوْمَئِذٍ خَاشِعَةٌ عَامِلَةٌ نَاصِبَةٌ تَصْلَى نَارًا حَامِيَةً تُسْقَى مِنْ عَيْنٍ ءَانِيَةٍ لَيْسَ لَهُمْ طَعَامٌ إِلاَّ مِنْ ضَرِيعٍ لاَ يُسْمِنُ وَلاَ يُغْنِي مِنْ جُوعٍ] [الغاشية:1-7].


أما الغسلين!! فهو عصارة أهل النار من قيح وصديد.

قال تعالى:[وَأَمَّا مَنْ أُوتِيَ كِتَابَهُ بِشِمَالِهِ فَيَقُولُ يَا لَيْتَنِي لَمْ أُوتَ كِتَابِيَهْ وَلَمْ أَدْرِ مَا حِسَابِيَهْ يَا لَيْتَهَا كَانَتِ الْقَاضِيَةَ مَا أَغْنَى عَنِّي مَالِيَهْ هَلَكَ عَنِّي سُلْطَانِيَهْ خُذُوهُ فَغُلُّوهُ ثُمَّ الْجَحِيمَ صَلُّوهُ ثُمَّ فِي سِلْسِلَةٍ ذَرْعُهَا سَبْعُونَ ذِرَاعًا فَاسْلُكُوهُ إِنَّهُ كَانَ لاَ يُؤْمِنُ بِاللَّهِ الْعَظِيمِ وَلاَ يَحُضُّ عَلَى طَعَامِ الْمِسْكِينِ فَلَيْسَ لَهُ الْيَوْمَ هَاهُنَا حَمِيمٌ وَلاَ طَعَامٌ إِلاَّ مِنْ غِسْلِينٍ] [الحاقة:25-36].


إذا استغاث أهل النار يغاثون بماء ولكن ما هذا الماء؟ قال تعالى: ... [وَسُقُوا مَاءً حَمِيمًا فَقَطَّعَ أَمْعَاءَهُمْ] [محمد:15].

وهنا يستغيث أهل النار بخزنة جهنم:[وَقَالَ الَّذِينَ فِي النَّارِ لِخَزَنَةِ جَهَنَّمَ ادْعُوا رَبَّكُمْ يُخَفِّفْ عَنَّا يَوْمًا مِنَ الْعَذَابِ قَالُوا أَوَ لَمْ تَكُ تَأْتِيكُمْ رُسُلُكُمْ بِالْبَيِّنَاتِ قَالُوا بَلَى قَالُوا فَادْعُوا وَمَا دُعَاءُ الْكَافِرِينَ إِلاَّ فِي ضَلاَلٍ] [غافر:49، 50]. فإن يئس أهل النار من خزنة جهنم نادوا على رئيس الخزنة: [وَنَادَوْا يَا مَالِكُ لِيَقْضِ عَلَيْنَا رَبُّكَ قَالَ إِنَّكُمْ مَاكِثُونَ] [الزخرف:77].


فيتذكر أهل النار أهل التوحيد ممن كانوا يعرفونهم في الدنيا فينادونهم ليغيثونهم بشيء من الماء أو مما رزقهم الله:[ وَنَادَى أَصْحَابُ النَّارِ أَصْحَابَ الْجَنَّةِ أَنْ أَفِيضُوا عَلَيْنَا مِنَ الْمَاءِ أَوْ مِمَّا رَزَقَكُمُ اللَّهُ قَالُوا إِنَّ اللَّهَ حَرَّمَهُمَا عَلَى الْكَافِرِينَ الَّذِينَ اتَّخَذُوا دِينَهُمْ لَهْوًا وَلَعِبًا وَغَرَّتْهُمُ الْحَيَاةُ الدُّنْيَا فَالْيَوْمَ نَنْسَاهُمْ كَمَا نَسُوا لِقَاءَ يَوْمِهِمْ هَذَا وَمَا كَانُوا بِآيَاتِنَا يَجْحَدُونَ] [الأعراف:50، 51].


فإن يئس أهل النار من الخلق أجمعين استغاثوا بالملك الكريم. قال تعالى:[ قَالُوا رَبَّنَا غَلَبَتْ عَلَيْنَا شِقْوَتُنَا وَكُنَّا قَوْمًا ضَالِّينَ رَبَّنَا أَخْرِجْنَا مِنْهَا فَإِنْ عُدْنَا فَإِنَّا ظَالِمُونَ قَالَ اخْسَئُوا فِيهَا وَلاَ تُكَلِّمُونِ] [المؤمنين:106-108]. الطعام نار، والشراب نار، والثياب من نار.


قال تعالى:[ هَذَانِ خَصْمَانِ اخْتَصَمُوا فِي رَبِّهِمْ فَالَّذِينَ كَفَرُوا قُطِّعَتْ لَهُمْ ثِيَابٌ مِنْ نَارٍ يُصَبُّ مِنْ فَوْقِ رُءُوسِهِمُ الْحَمِيمُ يُصْهَرُ بِهِ مَا فِي بُطُونِهِمْ وَالْجُلُودُ وَلَهُمْ مَقَامِعُ مِنْ حَدِيدٍ] [الحج:19-21].


أما الذين سعدوا ففي الجنة خالدين.. جنة لا يعلم ما أُعدَّ فيها من كرامة لأوليائه - إلا العزيز الغفار: ((فيها ما لا عين رأت ولا أذن سمعت ولا خطر على قلب بشر)).


ففي الصحيحين من حديث أبى هريرة أنه قال: ((إن أول زمرة يدخلون الجنة على صورة القمر ليلة البدر ثم الذين يلونهم كأشد كوكب إضاءة، لا يبولون ولا يتغوطون، ولا يتفلون، ولا يمتخطون، أمشاطهم الذهب، ورشحهم المسك، ومجامرهم الألوة ـ عود الطيب ـ أزواجهم الحور العين على خلق رجل واحد، على صورة أبيهم آدم ستون ذراعًا في السماء)).


ويكفى ـ أخي الكريم ـ أن تقف على أدنى أهل الجنة منزلة لتعلم قدر أعلى أهل الجنة ففي صحيح مسلم من حديث المغيرة بن شعبة أن النبي قال: ((سأل موسى ربه جل وعلا فقال: يا رب ما أدنى أهل الجنة منزلة؟ فقال هو: رجل يجيء بعدما أُُدخل أهل الجنة الجنة، فيقال له: ادخل الجنة، فيقول: أي رب كيف وقد نزل الناس منازلهم وأخذوا أخذاتهم؟! فيقال: له أترضى أن يكون لك مثل مُلْك مَلِكٍ من ملوك الدنيا؟ فيقول رضيت رب، فيقال: لك ذلك ومثله ومثله ومثله ومثله، فيقول في الخامسة: رضيت رب، فيقول هذا لك وعشرة أمثاله ولك ما اشتهت نفسك ولذت عينك، فيقول موسى: يا رب هذا أدنى أهل الجنة منزلة فما أعلاهم منزلا؟ قال الله: ذلك الذي أردت غرست كرامتهم بيدي وختمت عليهم فلم ترى عين، ولم تسمع أذن، ولم يخطر على قلب بشر)).


أيها المسلمون، إن أعلى نعيم أهل الجنة هو النظر إلى وجه الله جل وعلا قال تعالى: وُجُوهٌ يَوْمَئِذٍ نَاضِرَةٌ إِلَى رَبِّهَا نَاظِرَةٌ[القيامة:22، 23]. ففي صحيح مسلم من حديث أبي سعيد الخدري أنه قال: ((إذا دخل أهل الجنة الجنة قال الله تعالى: يا أهل الجنة فيقولون: لبيك ربنا وسعديك والخير بين يديك، فيقول: هل رضيتم؟! فيقولون: يا ربنا قد أعطيتنا ما لم تعط أحد من خلقك، وما لنا لا نرضى؟ فيقول: ألا أعطيكم أفضل من ذلك، فيقولون: أي شيء أفضل من ذلك، فيقول: أحل عليكم رضواني فلا أسخط عليكم بعده أبدًا)).


وفى رواية: (فيكشف الحجاب فما أعطوا شيئًا أحب إليهم من النظر إلى الله عز وجل: قال تعالى: لِلَّذِينَ أَحْسَنُوا الْحُسْنَى وَزِيَادَةٌ). والزيادة هي النظر إلى وجه الله تعالى


والسؤال الأخير: إذا كان الأمر كذلك فمتى ستتوب؟!!


الحمد لله رب العالمين وأشهد أن لا إله إلا الله، وأشهد أن سيدنا محمدًا عبده ورسوله اللهم صلِّ وسلم وبارك عليه وعلى آله وأصحابه وأحبابه و أتباعه وعلى كل من اهتدى بهديه واستن بسنته واقتفى أثره إلى يوم الدين. أما بعد: فيا أيها الأحبة الكرام، أيها الآباء الفضلاء،متى سنتوب؟! متى سنرجع إلى علام الغيوب؟!


أما آن لقلوبنا أن تخشع، وأن ترجع وأن تخضع لله رب العالمين إن الموت يأتي بغتة،

والموت يأتي بغتة           والقبر صندوق العمل

 

وإن أقرب غائب ننتظره هو الموت فلا نسوف التوبة، ولنعاهد الله من الآن أن نقف عند حدوده وأن نراقبه في سرنا وعلانيتنا.. في خلواتنا وجلواتنا، وأن نحرص ياإخوتي على مجالس العلم وحلق القرآن وأن نفرغ لها من الوقت والجهد والمال فإن مجالس العلم تجدد الإيمان في القلب، وتحول بينك وبين معصية الله عز وجل لأن مجلس العلم طريق إلى الجنة وطريق يبعدك عن النار كما قال نبيك المختار: ((ومن سلك طريقًا يلتمس فيه علمًا سَهَّلَ الله له طريقًا إلى الجنة)).


أحبتي في الله، فلنرجع ونتوب من الآن إلى الله تعالى توبة صادقة مهما بلغت ذنوبنا ونعاهد الله تعالى من الآن على أن نعود إليه و أن نجدد التوبة والأوبة ونحن على يقين أنه سبحانه يفرح بتوبة عبده المؤمن وهو الغنى عنا الذي لا ينفعه الطاعة ولا تضره المعصية قال تعالى: قُلْ يَا عِبَادِيَ الَّذِينَ أَسْرَفُوا عَلَى أَنْفُسِهِمْ لاَ تَقْنَطُوا مِنْ رَحْمَةِ اللَّهِ إِنَّ اللَّهَ يَغْفِرُ الذُّنُوبَ جَمِيعًا إِنَّهُ هُوَ الْغَفُورُ الرَّحِيمُ [الزمر:53].

وأقول قولي هذا وأستغفر الله لي ولكم من كل ذنب فاستغفروه إنه هو الغفور الرحيم


faheemfb@gmail.com   فهيم أبوخـطـوة ،، البريد الإلكتروني