خطب الجمـعة |
|
|
80 |
بسم الله الرحمن الرحيم
الإستعداد لشهر رمضان
كتبها : ش عمر علي
ترجمها إلى الإنجليزية: د . فهيم بوخطوة
29/شـعبان/1429 هـ
30 /أغـسطـس/2008 مم
أيها الإخوة المؤمنون:
إن الله منًّ على هذه الأمة بهذا الشهر من كل عام ، يزورها ضيفا كريما فمن الناس من يحسن وفادته.. من الناس من يكرمه ومن الناس من يخرج عنه رمضان وهو يحمل له أسوأ الأثر والذكريات.
فطوبى لمن شفع فيه رمضان وطوبى لمن شفع فيه القرآن "الصيام والقرآن يشفعان للعبد يوم القيامة، يقول الصيام: أي رب منعته الطعام والشهوة فشفعني فيه ويقول القرآن: منعته النوم بالليل فشفعني فيه فيشفعان" رواه أحمد والطبراني ورجاله محتج بهم في الصحيح
رمضان موسم للخيرات يتيحه الله تعالى للإنسان هو موسم المتقين ومتجر الصالحين. لكل بضاعة موسم ولكل تجارة موسم يترقبه أهله لماذا؟ ليزيدوا من نشاطهم ويضاعفوا من جهدهم عسى أن يزيد ربحهم وما قيمة الربح؟ إنهم يزيدون النشاط في سبيل ربح قد يكون وقد لا يكون وإذا كان فقد ينتفعون به وقد لا ينتفعون وإذا انتفعوا به يوما فإنهم عنه زائلون إن دام لهم فهم أنفسهم زائلون
هب الدنيا تساق إليك عفوا أليس مصير ذاك إلى انتقال
وما دنياك إلا مثـل ظـل أظـلك ثــم آذن بالزوال
أن للدنيا تجارا وللآخرة تجارا وإن للآخرة تجارا . تجار الدنيا يترقبون مواسمها ليربحوا وتجار الآخرة يترقبون مواسمها ليربحوا كذلك ، ولكن ربح هؤلاء غير ربح اولئك . إن ربحهم مغفرة من ربهم وجنات تجري من تحتها الأنهار تجار الآخرة هم كما وصفهم الله: (رجال لا تلهيهم تجارة ولا بيع عن ذكر الله وإقام الصلاة وإيتاء الزكاة ، يخافون يوما تتقلب فيه القلوب والأبصار).
يأتي رمضان كل عام فرصة للإنسان المسلم ليزداد من الخيرات ويقلل من السيئات. الخير مفتوحة أبوابه الجنة مفتحة ابوابها والنار مغلقة أبوابها والشياطين مقيدة مصفدة، دلالة على أن أبواب الخير كثيرة متوافرة وأسباب الشر قليلة محدودة.
فيا سعادة من استفاد من هذه الفرصة ، جاء في الصحيحين ان رسول الله صلى الله عليه وسلم قال : "إذا جاء رمضان فتحت أبواب الجنة وغلقت أبواب النار وصفدت الشياطين" وجاء في بعض الأحاديث : ".. وينادي مناد ياباغي الخير أقبل وياباغي الشر أقصر .. "ياباغي الخير أقبل فالفرصة أمامك بحسبك من الغفلة عن الله أحد عشرشهرا مضت، ضع يدك في يد الله عز وجل يا باغي الخير أقبل على الله بحسن الصيام وحسن القيام والإكثار من الطاعات.
حسن الصيام: ألاَّ يكون صيامك مجرد صيام البطن والفرج ، ولكن لسانك مفطر وعينيك مفطرتان وأذنيك مفطرتان ، وجوارحك مفطرة. قال صلى الله عليه وسلم: "من لم يدع قول الزور والعمل به فليس لله حاجة أن يدع طعامه وشرابه" لم يتأدب بأدب الإسلام مادام لم يحصن نفسه من المعاصي : ".. والصيام جنة .. فإذا كان يوم صوم أحدكم فلا يرفث ولا يصخب فإن سابه أحد أو قاتله فليقل إني صائم". لايقابل السيئة بالسيئة بل يقابل السيئة بالحسنة وليتذكر أنه في عبادة ينبغي أن لا تخدش ولا تجرح ، فيقول بقلبه ويقول بلسانه مخاطبا نفسه ومخاطبا من يسبّه ويشتمه يقول : "إني صائم إني صائم".
ليس الأمر إذن كما يفعل كثير من سفهاء الناس ، يتطاول أحدهم بلسانه على الخلق ثم يقول: "أعذرني فإني صائم" . كأن الله شرع الصيام ليفسد أخلاق الناس. لا بل ينبغي للصائم أن ينضبط ، أن يهذب نفسه ، أن يصون لسانه كما يصون أذنيه كما يصون عينيه كما يصون جوارحه كلها. "رب صائم ليس له من صيامه إلا الجوع". أتعب نفسه وأجهد جسمه وأجاع بطنه ولكنه لم يقم للصيام بحقه. ذهبت عائشة رضي الله عنها والأوزاعي والظاهرية وعدد من فقهاء السلف إلى أن الغيبة والنميمة والكذب والمعاصي كلها تفطر الصائم ومن فعل شيئا من ذلك فعليه أن يقضي يوما بدل ذاك اليوم. وقال سائر الصحابة والفقهاء وجمهور العلماء إنها لا تفطر الصائم ولكنها تذهب بثوابه لا بل وأجره عند الله. وهل هذا هين يا أخي الكريم؟ أن تجوع وتظماء ويجف ريقك يوما كاملا ثم بعد ذلك لا يكون لك مثوبة عند الله تخرج خاوي الوفاض ليس لك شيء. صن نفسك واحفظ جوارحك حاول أن تتطهر في هذا الشهر الكريم . فالصيام فرصة لا تعوّض للارتقاء والسمو بالنفس إلى أفق الملائكة . ليرتقي فينا الجزء الرباني السماوي على الجزء الأرضي. فالإنسان المسلم في رمضان يرتقي ويتطهر. جاء في الحديث الصحيح: "من صام رمضان إيمانا واحتسابا غفر له ما تقدم من ذنبه" و"من قام رمضان إيمانا واحتسابا غفر له ما تقدم من ذنبه" . وفي الصحيح "الصلوات الخمس والجمعة إلى الجمعة ورمضان إلى رمضان مكفرات لما بينهن إدا اجتنبت الكبائر".
عباد الله على كل منا أن يتهيأ للقيام كما يتهيأ للصيام وينبغي علينا أن نرغب أنفسنا وأزواجنا للذهاب إلى المساجد لصلاة التراويح للمشاركة في الأجر .
عباد الله فطوبى لمن هو قائم آناء الليل ساجداً وراكعاً يحذر الآخرة ويرجو رحمة ربه قلوب خاشعة وأعين دامعة وألسن بذكر الله وتلاوة كلامه لاهجة ﴿فَلا تَعْلَمُ نَفْسٌ مَا أُخْفِيَ لَهُمْ مِنْ قُرَّةِ أَعْيُنٍ جَزَاءً بِمَا كَانُوا يَعْمَلُونَ﴾ فيا باغي الخير أقبل ويا باغي الشر أقصر ولله عتقاء من النار وذلك كل ليلة.
أيها المؤمنون إنه من سبل البر والإحسـان في شهر رمضان قيام ليلة القـدر وما أدراك ما ليلة القدر ﴿ليلة القدر خـير من ألف شهر (3) تَنَزَّلُ الْمَلائِكَةُ وَالرُّوحُ فِيهَا بِإِذْنِ رَبِّهِمْ مِنْ كُلِّ أَمْرٍ (4) سَلامٌ هِيَ حَتَّى مَطْلَعِ الْفَجْر﴾ ليلة القدر ليلة عتق ومباهاة وقربة ومناجاة يفرق فيها كل أمر حكيم وفي الصحيحين قال صلى الله عليه وسلم : ((من قام ليلة القدر إيماناً واحتساباً غفر له ما تقدم من ذنبه)) فيا باغي الخير أقبل ويا باغي الشر أقصر ولله عتقاء من النار وذلك كل ليلة .
أيها الأخوة المسلمون ألا وإن من بوابات البر الكبرى التي ازدان بها هذا الشهر كثرة قراءة القرآن الكريم فهذا شهر القرآن ﴿شَهْرُ رَمَضَانَ الَّذِي أُنْزِلَ فِيهِ الْقُرْآنُ هُدىً لِلنَّاسِ وَبَيِّنَاتٍ مِنَ الْهُدَى وَالْفُرْقَانِ﴾ فاستكثروا عباد الله من تلاوته وتدبره وسماعه والاهتداء بنوره ﴿إِنَّ هَذَا الْقُرْآنَ يَهْدِي لِلَّتِي هِيَ أَقْوَمُ﴾ ومن المحفوظ من هدي النبي صلى الله عليه وسلم أنه كان يختم القرآن في رمضان ففي الصحيحين من حديث أبي هريرة قال: ((كان جبريل يعرض على النبي صلى الله عليه وسلم القرآن كل عام مرة فعرض مرتين في العام الذي قبض فيه)) فيا باغي الخير أقبل ويا باغي الشر أقصر ولله عتقاء من النار وذلك كل ليلة .
معاشر المسلمين إن من أبرز سمات شهر رمضان الإحسان قولاً وفعلاً ، جوداً وبراً وكرماً فالنفوس زاكية بالصيام والقيام وقراءة القرآن فإن الحسنات من الأعمال يذهبن السيئات ومن جزاء الحسنة الحسنة بعدها روى البخاري ومسلم من حديث ابن عباس رضي الله عنه قال: ((كان رسول الله صلى الله عليه وسلم أجود الناس وكان أجود ما يكون في رمضان حين يلقاه جبريل وكان يلقاه كل ليلة في رمضان فيدارسه القرآن ، فلرسول الله صلى الله عليه وسلم حين يلقاه جبريل أجود بالخير من الريح المرسلة)) فأحسنوا عباد الله إن الله يحب المحسنين أحسنوا في طاعة الله وأحسنوا ببذل ما تحبون فلن تنالوا البر حتى تنفقوا مما تحبون وإياكم والبخل والشح ووساوس الشيطان ﴿الشَّيْطَانُ يَعِدُكُمُ الْفَقْرَ﴾ يمنعكم من البر والإحسان ﴿وَاللَّهُ يَعِدُكُمْ مَغْفِرَةً مِنْهُ وَفَضْلاً وَاللَّهُ وَاسِعٌ عَلِيمٌ﴾ فيا باغي الخير أقبل ويا باغي الشر أقصر ولله عتقاء من النار وذلك كل ليلة
أيها المؤمنون إن من طرائق التقوى في هذا الموسم الكريم ما داوم عليه نبينا صلى الله عليه وسلم من اعتكاف العشر الأخير من هذا الشهر ففي الصحيحين أن النبي صلى الله عليه وسلم كان يعتكف العشر الأخير من رمضان والاعتكاف أيها الناس لزوم بيت من بيوت الله طاعة لله ورغبة في الدار الآخرة، فيا باغي الخير أقبل ويا باغي الشر أقصر ولله عتقاء من النار وذلك كل ليلة فـ:
طوبى لمن كانت التقوى بضاعته في شهره وبحبل الله معتصما
اللهم أعنا على الطاعة والإحسان ووفقنا إلى ما تحب وترضى من الأقوال والأعمال .
الخطبة الثانية
أما بعد
فاتقوا الله أيها الناس {يا أيها الذين آمنوا كتب عليكم الصيام كما كتب على الذين من قبلكم} فيا باغي الخير أقبل ويا باغي الشر أقصر .
أيها المسلمون ، إنّ من أوسع الطرق الموصلة إلى الله تعالى وأقصرها في هذا الشهر وفي بقية العمر هو دعاء الله تعالى وسؤاله وإنزال الحوائج به فـ (الدعاء هو العبادة) . (وقال ربكم ادعوني إستجب لكم إن الذين يستكبرون عن نعبادتي سيدخلون جهنم داخرين) وفي الحديث: {من لم يسأل الله يغضب عليه} . فأكثروا أيها المسلمون سؤال الله ودعاؤه في الشدّة والرخاء ، في السرّاء والضرّاء . إسألوه من خير الدنيا والآخرة {ربنا آتنا في الدنيا حسنة وفي الآخرة حسنة وقنا عذاب النار}.
أيها المسلمون تحرّوا مواطن الإجابة . فإن للصائم دعوة مستجابة ، وأرجى ما تكون عند فطره . وفي كل ليلة ساعة لا يوافقها عبد مسلم يسأل الله شيئا إلا أعطاه الله إياه ، وذلك كل ليلة . وفي آيات الصيام قال الله تعالى: {وإذا سألك عبادي عني فإني قريب أجيب دعوة الداع إذا دعان ، فليستجيبوا لي وليؤمنوا بي لعلهم يرشدون} فادعوا الله بقلوب خاشعة منكسرة ذليلة ملحة ، سلوا الله كل شئ ، سلوه الدقيق والجليل . فإنه لا مانع لما أعطى ولا معطي لما منع اعلموا أن خير ما تسألونه الله تعالى في الدنيا والآخرة الهداية {اهدنا الصراط المستقيم} . فيا باغي الخير أقبل ويا باغي الشر أقصر. أيها المؤمنون هذه أبواب الخير مشرعة وسبله ممهدة ، فاستبقوا الخيرات فبل فواتها.
فما هي إلا ساعة ثم تنقضي ويصبح ذو الأحزان فرحان جاذلاً
اللهم يسرنا لليسرى وجنّبنا العسرى .
اللهم اجعلنا في هذا الشهر الكريم من المقبولين .
اللهم أخرجنا من هذا الشهر مغفورا لنا .
اللهم اجعل حظنا منه الرحمة والمغفرة والعتق من النار .
اللهم أعنا على أن نصوم نهاره إيمانا واحتسابا ، وأن نقوم ليله إيمانا واحتسابا .
اللهم إجعل يومنا خيرا من أمسنا واجعل غدنا خيرا من يومنا وأحسن عاقبتنا في الأمور كلها وأجرنا من خزي الدنيا وعذاب الآخرة .
اللهم اجعل كلمة الإسلام هي العليا واجعل كلمة أعداء الإسلام هي السفلى .
اللهم انصرنا على أعدائك ، أعداء الإسلام
اللهم رد عنا كيدهم وفل حدّهم ، وخذهم أخذ عزيز مقتدر
{ربنا أغفر لنا ذنوبنا وإسرافنا في أمرنا ، وثبت أقدامنا وانصرنا على القوم الكافرين}
{ربنا اغفر لنا ولإخواننا الذين سبقونا بالإيمان ، ولا تجعل في قلونا غلا للذين آمنوا، ربنا إنك رءوف رحيم}
ربنا واجعلنا مقيمي الصلاة ومن ذرياتنا ، ربنا وتقبل دعاء
ربنا اغفر لنا ولوالدينا وللمؤمنين يوم يقوم الحساب
عباد الله .. يقول الله تبارك وتعالى: {إن الله وملائكته يصلون على النبي ، يأيها الذين آمنوا صلوا عليه وسلموا تسليما. اللهم صلي وسلم وبارك على عبدك ونبيك محمد وعلى آله وصحبه والتابعين.
أقول قولي هذا وأستغفر الله لي ولكم والحمد لله ربِّ العالمين ، وآخر دعوانا الحمد لله رب العالمين
.
faheemfb@gmail.com فهيم أبوخـطـوة ،، البريد الإلكتروني