Checkout

خطب الجمـعة

faheemfb@gmail.com

 81


     


بسم الله الرحمن الرحيم

بعد رمضان ــ ثوابت الإيمان

  

كتبها : ش  عمر علي

ترجمها إلى الإنجليزية: د . فهيم بوخطوة

  

4 شوّال 1429 هـ

3 أكتوبر 2008 م

  

أما بعد:

أيها الأخوة المؤمنون  بالأمس القريب كان رمضان معنا، كنا نستنشق عطره، ونسعد في أفيائه لقد مضى ذلك كله، وطوي بساطه، ومرّ كأن لم يكن، وعاد ذكرى في النفس بعد أن  كان واقعًا يشهده الحسّ، وبقيت في النفس حزازاتُ أسى وألم على فراق راحل عزيز. أيها المسلمون، أحبتي في الله: ها هو رمضـان قد انتهى فمن كان يعبد رمضان فإن رمضان قد فات ومن كان يعبد الله فإن الله حي لا يمـوت، لقد انتهى شهر الصيام، انتهى شهر القيام والقرآن، انتهى شهر البر والجود والإحسان، ربح فيه من ربح وخسر فيه من خسر. فليت شعري من المقبول منا في رمضان فنهنيه ومن المطرود المحروم منا فنعزيه.  لقد كان ما كان وانقضى الشهر، وخرج الناس من رمضان وهم فريقان: فريق نصح فيه لنفسه وقام بحق ربه، فصامه إيمانًا، وقامه احتسابًا، وفريق آخر تمنى على الله الأماني، وأتبع نفسه هواها، حتى إذا ضاق به الوقت وخاف المقت ندم على التفريط حين لا ينفع الندم، وطلب الاستدراك في وقت العدم، وهيهات هيهات. وما أحوج الفريقين ـ أيها الأحبة ـ إلى المحاسبة الدقيقة والوقفة الصادقة، فأما المفرّط المقصّر فيندم ويتوب، ويستغفر ويؤوب، فعساه إن لم يدرك الخير كله أن يدرك بعضه، وعسى أن يعيش قابل أيامه في طاعة وبرّ منتظرًا عامًا جديدًا ورمضان آخر.  وأما المطيع المجد فيهتم لقبول عمله، ولقد كان السلف الصالح يجتهدون في إتمام العمل وإكماله، ثم يهتمون بعد ذلك بقبوله ويخافون من رده، وهؤلاء الذين وصفهم الله سبحانه بقوله: (وَٱلَّذِينَ يُؤْتُونَ مَا ءاتَواْ وَّقُلُوبُهُمْ وَجِلَةٌ أَنَّهُمْ إِلَىٰ رَبّهِمْ راجعون) المؤمنون 60 .  

روى الترمذي عن عبد الرحمن بن سعيد أن عائشة زوج النبي قالت: سألت رسول الله عن هذه الآية:  (http://www.alminbar.net/images/start-icon.gifوَٱلَّذِينَ يُؤْتُونَ مَا ءاتَواْ وَّقُلُوبُهُمْ وَجِلَةٌ) ، قالت عائشة: أهم الذين يشربون الخمر ويسرقون؟ قال: ((لا يا بنت الصديق، ولكنهم الذين يصومون ويصلون ويتصدقون وهم يخافون أن لا يُقبل منهم، أولئك الذين يسارعون في الخيرات)). وعن فضالة بن عبيد قال: "لأن أكون أعلم أن الله قد تقبل مني مثقال حبة من خردل أحب إلي من الدنيا وما فيها؛ لأن الله يقول: (إِنَّمَا يَتَقَبَّلُ ٱللَّهُ مِنَ ٱلْمُتَّقِينَ) [المائدة:27]"، وقال مالك بن دينار: "الخوف على العمل أن لا يُتقبل أشد من العمل"، وقال عبد العزيز بن أبي رَوّاد: "أدركتهم يجتهدون في العمل الصالح، فإذا فعلوه وقع عليهم الهمّ أيقبل أم لا؟"، وكان بعض السلف يظهر عليه الحزن يوم عيد الفطر، فيقال له: إنه يوم فرح وسرور! فيقول: "صدقتم، ولكني عبد أمرني مولاي أن أعمل له عملاً، فلا أدري أيقبله مني أم لا". ومثل هذه المحاسبة ومثل هذا الشعور مما ينبغي أن يكون لدى المسلم الصادق.

وإن العجب كل العجب أننا ما إن نخرج من شهر رمضان حتى نكون كالذي ضمن القبول، فلا يفكّر أحد في عمله، ولا يراجعه، ولا يتأمل مدى إخلاصه فيه، ولا يلحّ على ربه أن يتقبل منه، حتى ذلك الدعاء الذي كنا نقوله كل ليلة في رمضان: "ربنا تقبل منا إنك أنت السميع العلم، وتب علينا إنك أنت التواب الرحيم"، حتى هذا الدعاء لم يعد له نصيب وحظ، وشتان ما بيننا وبين أسلافنا في هذا، فلقد كانوا يدعون الله ستة أشهر بعد رمضان أن يَتقبل منهم.

رَأى وهيب بن الورد أقوامًا يضحكون في يوم عيد فقال: "إن كان هؤلاء تُقبّل منهم صيامهم فما هذا فعل الشاكرين، وإن كان لم يُتقبّل منهم صيامهم فما هذا فعل الخائفين".

 

أيها المسلمون، إنها ليست دعوة للقنوط واليأس، ولكنها دعوة إلى محاسبة النفس؛ لأن محاسبة النفس على العمل والخوف من عدم قبوله من صفات المؤمنين وسمات أهل الصلاح المتقين، ومما ينبغي أن يكون في مثل هذه الأيام. أيها المسلمون، ولئن كان قبول العمل من الغيب الذي لا يعلمه إلا الله، فإن لكل أمر علامة، ولكل تجارة أمارة، ولقبول العمل علامات تدل عليه، وإن من علامة قبول العمل الصالح الاستمرار عليه والمداومة على أدائه، فقد قال بعض السلف: ثواب الحسنة الحسنة بعدها، وفي الحديث: ((أحب الأعمال إلى الله أدومها وإن قل))، وعن علقمة قال: قلت لعائشة رضي الله عنها: هل كان رسول الله (يختص من الأيام شيئًا؟ قالت: لا، كان عمله دِيمَة، وأيكم يطيق ما كان رسول الله يطيق). رواه البخاري.

أيها المسلمون، وكان السلف رحمهم الله في غاية الحرص على دوام العمل وإثباته وعدم تركه، فكانت عائشة رضي الله عنها تصلي الضحى ثماني ركعات ثم تقول: (لو نُشِر لي أبواي ما تركتهنّ)، وحين عَلّم رسول الله عليًا ما يقوله عند نومه قال علي: (والله ما تركتها بعد)، فقال له رجل: ولا ليلة صِفّين؟ قال علي: (ولا ليلة صِفّين)، وقال عفّان: "قد رأيت من هو أعبد من حماد بن سلمة، ولكن ما رأيت أشد مواظبة على الخير وقراءة القرآن والعمل لله تعالى منه". أيها المسلمون، أما إنه يقبح بالمسلم أن يبني في رمضان صرح إيمانه ويجمله ويزيّنه ثم إذا انقضى الشهر عاد فهدم ما بنى وأفسد ما شيّد، (وَلاَ تَكُونُواْ كَٱلَّتِى نَقَضَتْ غَزْلَهَا مِن بَعْدِ قُوَّةٍ أَنكَاثًا) [النحل:92]، فالله ينهانا أن نكون كهذه المرأة الحمقاء التي تنسج غزلها حتى إذا أبدعته وأحكمته نقضته، ثم عادت تغزل من جديد. وهذا وللأسف حال أكثرنا في كل عام، يعمل ويعمل ويعمل في رمضان، حتى إذا بلغ من الخير مبلغًا وبدأ يحسّ طعم العبادة ولذّة الخشوع هدم كل ذلك بعد رمضان، فإذا جاء رمضان آخر شرع يبني من جديد، فلا يكاد يبلغ منزله الأول حتى ينتكس .والتأمل في هذا كله يقتضي من المؤمن أن يستمر على ما كان عليه من طاعة في رمضان، وأن يواصل كفّه عما كفّ عنه من معاصي في هذا الشهر الكريم، وما أقبح الحَوْر بعد الكَوْر، وما أقبح أن يتدنّس بذنوب المعاصي من قد تطهّر منها، وما أشنع أن يرجع التائبون إلى حمأة الرذيلة، وأن يتلطّخوا بأوحال المعصية بعد أن توضّؤوا بنور الطاعة. فأنت ترى الناس تقبل على طاعة الله وعبادته بأريحية عجيبة، ولكن ما يحـزن القلب ويؤلم النفس أنك ترى كثـيراً ممن عطروا بأنفاسهم الزكية المساجـد في رمضان يعرضون عن طاعة الله رب البرية بعد رمضان، وكأنهم في رمضان يعبدون ربا أخر

فالإيمان أيها الأخوة له ثوابت لا يستغني عنها المؤمن حتى يلقى الكبير المتعال، فمثلاً الصلاة: من من المؤمنـين الصادقين يستغني عن الصلاة بعد رمضان؟! انظر إلى المساجد في رمضان، وانظر إلى ذات المساجد بعد رمضان.

أيها الموحدون: هل يستغني مؤمن صادق مع الله عن هذا الأصـل الأصيل وعن هذه الثوابت الإيمانية حتى يلقى رب البرية وهو الركن الثاني من أركان هذا الدين قال تعالى: http://www.islamdoor.com/k2/start-icon.gif حَافِظُوا عَلَى الصَّلَوَاتِ وَالصَّلاَةِ الْوُسْطَى وَقُومُوا لِلَّهِ قَانِتِينَ http://www.islamdoor.com/k2/end-icon.gif[البقرة:238] وحذر الله أشد التحذير من تضييع الصلاة ومن تركها في رمضان أو غير رمضان فقال جل وعلا: http://www.islamdoor.com/k2/start-icon.gifفَخَلَفَ مِنْ بَعْدِهِمْ خَلْفٌ أَضَاعُوا الصَّلاَةَ وَاتَّبَعُوا الشَّهَوَاتِ فَسَوْفَ يَلْقَوْنَ غَيًّا http://www.islamdoor.com/k2/end-icon.gif  [مريم:59].

فيا من هيأ الله له صيام شهر رمضان لا تضع الصـلاة، فالصلاة صلة لك بالله، ومعين لك يطهرك من المعاصي والذنـوب، وفي الصحيحين من حديث أبي هريرة أن النبي http://www.islamdoor.com/k2/salla-icon.gifقال: ((من غدا إلى المسجد أو راح أَعَدَّ الله له نُزلاً في الجنة كلما غدا أو راح)).

وفى صحيح مسلم من حديث أبى هريرة أن النبي http://www.islamdoor.com/k2/salla-icon.gifقال: ((ألا أدلكم على ما يمحوا الله به الخطايا ويرفع به الدرجات؟)) قالوا: بلى يا رسول الله  قال: ((إسباغ الوضوء على المكاره، وكثرة الخُطا إلى المساجد، وانتظار الصلاة بعد الصلاة فذلكم الرباط، فذلكم الرباط، فذلكم الرباط )).

افترض الله على المؤمنين الصـلاة وتعبدهم بها في كل زمان ومكان حتى يلقى العبد ربه ليُسأل أول ما يُسأل عن الصلاة. فعن أبي هريرة http://www.islamdoor.com/k2/radia-icon.gifقال: ((إن أول ما يحاسب به العبد يوم القيامة من عمله صلاته، فإن صلحت فقد أفلح وأنجح، وإن فسدت فقد خاب وخسر)).

أيها الموحدون: ومن الثوابت الإيمانية: القرآن

إن القـرآن حياة القلوب والأرواح، القرآن حياة النفوس والصدور، القرآن حياة الأبدان، القرآن شراب النفس وطعامها، فهل يستغني مؤمن عن روحه؟! هل يستغني مؤمن عن أصل حياته، إن القرآن يهدى للتي هي أقوم فلا تضيعوا هذا الطريق ولا تنصرفوا عنها.

إن طرف القـرآن بيد الله، وإن طرفه بأيديكم فإذا تمسكتم بهذا الحبل المتين لن تضلوا، ولن تهلكوا أبداً، وهـل يستغني أحد عن أن يكلمه الله في اليوم مرات، فمن أراد أن يكلم الله فليدخل في الصلاة ومن أراد أن يكلمه الله فليقرأ القرآن، وهل تستغن عن ربك أيها الموحد؟!، لا تضيع القرآن  بعد رمضان ،واعلم أن الله قد مَنَّ عليك بالقرآن في رمضان فجعلت لنفسك ورداً يومياً، فلماذا بعد رمضان تركت هـذا الورد ووضعت المصحف في علبته كأنك لن تحتاج إليه إلا في رمضان المقبل؟!

فيا أيها الأخ الحبيب الكريم:

اقرأ القرآن واعمل بما فيه، فإنه يأتي يوم القيامة شفيعاً لأصحابه، ففي صحيح مسلم عن أبي أمامة الباهلي http://www.islamdoor.com/k2/radia-icon.gifقال: سمعت رسول الله http://www.islamdoor.com/k2/salla-icon.gifيقول: ((اقرؤوا القرآن، فإنه يأتي يوم القيامة شفيعاً لأصحابه)) ((اقرؤوا الزهراوين: البقرة، وآل عمران، فإنهما تأتيان يوم القيامة كأنهما غمامتان أو غيايتان أو كأنهما فرقان من طير صواف تحاجان عن صاحبهما)) ((اقرؤوا سورة البقرة، فإن أخذها بركة، وتركها حسرة، ولا تستطيعها البطلة)).

ويقول http://www.islamdoor.com/k2/salla-icon.gifكما في الصحيحين من حديث ابن عمر رضي الله عنهما: ((لا حسد إلا في اثنتين رجل أتاه القرآن فهو يتلوه آناء الليل وآناء النهار، ورجل أعطاه الله مالاً، فهو ينفقه آناء الليل وآناء النهار)).

((رجل أتاه القرآن فهو يقرأه آناء الليل وآناء النهار)) أي في سائر العام فلا تهجروا القرآن يا أمة القرآن بعد رمضان،

 ومن الثوابت التي لا غنى عنها للمؤمن بعد رمضان: ذكر الرحيم الرحمن.

أخي الكريم:  إذا كنت تحافظ على الأذكار والاستغفار في رمضان،  فهل تستغني عن هذا الزاد بقية العام، إن الذكر شفاء من الأسـقام ومرضاة للرحمن ومطردة للشيطان، فرطِّب لسانك دوماً بذكـر الرحيم الرحمـن جل وعلا، واسمع لحبيبك المصطفى http://www.islamdoor.com/k2/salla-icon.gifكما في الحديث الذي رواه أحمد والترمـذي وصححه الألبانـي من حديث معاذ بن جبل يقول http://www.islamdoor.com/k2/salla-icon.gif: ((ألا أخبركم بخير أعمالكم وأزكاها عند مليككم وأرفعها لدرجاتكم، وخير لكم من إعطاء الذهب والفضة، وخير لكم من أن تلقوا عدوكم فتضربوا أعناقهم ويضربوا أعناقكم))؟ قالوا: بلى يا رسول الله قال: ((ذكر الله عز وجل)). فلنذكر  الله جلا وعـلا لنكون دوماً في معيتـه سبحانه وتعالى، والمعية نوعان: معية عامة، ومعية خاصة، أما المعية العامة فهي معية العلم والمراقبة والإحاطة والمعية الخاصة فهي معية الحفظ والنصر والعـون والمدد والتأييد، فهل تستغني أيها المؤمن عن معية الله جل وعلا؟!! إذاً لابد لك من هذا الزاد لأن فيه الخير العظيم، فالذكر من الثوابت التي لا غنى عنها بحال لا في رمضان ولا في غير رمضان.

ومن الثوابت الإيمانية أيضاً: الإحسان إلى الناس.  إننا نرى كثيراً منا لا تظهر عليهم علامات الجـود والكرم إلا في رمضان فقط، فإذا ما انتهى رمضان لا نجد إلا العبوس في وجه الفقراء ولا نجد إلا البخل والشح ولا حول ولا قوة إلا بالله. أنت قد منَّ الله عليك بالإنفاق على الفقراء والمساكين وكثير من أوجه الخير في رمضان فهلا عودت نفسك على الإنفاق حتى ولو بالقليل.  ففي الصحيحين من حديث عدي أن الحبيب النبي http://www.islamdoor.com/k2/salla-icon.gifقال: ((ما منكم من أحد إلا وسيكلمه ربه، ليس بينه وبينه تُرجمان، فينظر أيمن منه فلا يرى إلا ما قدم، وينظر أشأم منه فلا يرى إلا ما قدم وينظر بين يديه فلا يرى إلا النار تلقاء وجهه، فاتقوا النار ولو بشق تمرة)).  فالإحسان من الثوابت الإيمانية التي لا يستغني عنها مؤمن في رمضان ولا في غير رمضان حتى يلقى ربه جلا وعلا

 ومن هذه الثوابت الإيمانية أيضاً: قيام الليل.

في رمضـان وُفقت بفضل الله ورحمته ومنته إلى صـلاة التراويح والقيام فلماذا لا تستمر على هذا الدرب المنير؟.. لماذا تضيع القيام بالليل. اسمع للنبي http://www.islamdoor.com/k2/salla-icon.gifوهو يقول في الحديث الذي رواه الحاكم وابن خزيمة والترمذي وحسنه الألباني في صحيح الترغيب والترهيب من حديث أبي أمامة يقول http://www.islamdoor.com/k2/salla-icon.gif: ((عليكم بقيام الليل فإنه دأب الصالحـين قبلكم وقربة إلى الله تعالى ومنهاة عن الإثم وتكفير للسيئات))

فاعمل أخي المسلم على أن تكتب من القائمين الليل ولو بركعة واعمل جاهداً أن تكون من أصحاب هذه الآية: http://www.islamdoor.com/k2/start-icon.gifتَتَجَافَى جُنُوبُهُمْ عَنِ الْمَضَاجِعِ يَدْعُونَ رَبَّهُمْ خَوْفًا وَطَمَعًا وَمِمَّا رَزَقْنَاهُمْ يُنْفِقُونَ http://www.islamdoor.com/k2/end-icon.gif[السجدة:16].  يا عبد الله، لا تكن مثل فلان كان يقوم الليل فترك قيام الليل. يا من وفّى في رمضان على أحسن حال، لا تتغير بعده في شوال. يا من أصلح في رمضان وعزم على الزلل في شوال، ويحك فإن ربّ الشهرين واحد.

ومن الثوابت الإيمانية: التوبة.

ما منا أحد إلا وتاب وأناب إلى الله في رمضان، فهل معنى ذلك أنه إذا انتهى رمضان انتهى زمن التوبة ولا نحتاج إلى توبة وأوبة إلى الله جل وعلا؟! وانظر إلى حال الكثير من المسلمين تجد أن الكثير منهم ينفلتون يوم العيد إلى المعاصي والشهوات وكأنهم كانـوا في سجن وبمجرد أن تم الإفـراج عنهم مغرب اليوم الأخـير من رمضان انطلقوا وكأنهم خرجـوا من هذا السجن وسرعان ما انكبوا على أنواع المعاصي والشهوات كجائع انكب على الطعام من شدة الجـوع الذي أَلَمَّ به، ولا حول ولا قوة إلا بالله، ذلك ليس بحال  المؤمن الموحـد، فإن المؤمن الموحـد عمره كله عنده عبادة لرب الأرض والسماوات فتجـده ينتقل من عبودية إلى عبودية، ومن طاعـة إلى طاعة ومن فضل إلى فضل، لذا يجب عليك أن تكون دائماً في عبودية حـتى تلقى رب البرية، يقول النبي http://www.islamdoor.com/k2/salla-icon.gifكما في صحيح البخاري من حديث أبى هريرة: ((والله إني لأستغفر الله وأتوب إليه في اليوم أكثر من سبعين مرة)). النبي صلوات الله عليه وسلامه يقسم بالله، أنه يتـوب ويستغفر الله في اليوم أكثر من سبعين مرة وهو الذي غفر الله له ما تقدم من ذنبه وما تأخر، بل وفي رواية مسلم قال ((يا أيها الناس توبوا إلى الله واستغفروه فإني أتوب إليه واستغفره في اليوم مائة مرة)  هذا حال سيد الخلق أجمعـين وإمام المرسلين فما حالنا؟!  فالتوبة من الثوابت الإيمانية التي لا غنى عنها لمؤمن بعد رمضان، وهذه بعض الثوابت التي نحافظ عليها في رمضـان، ويتخلى عنها أكثرنا بعد رمضـان، فأحببت أن أذكر نفسي وأحـبابي وأخواتي بهذه الثوابت الإيمانيـة التي لا يستغني عنها  مؤمن بحال حتى يلقى رب البرية جل وعلا.

اللهم تقبل منا إنك أنت السميع العليم، وتُب علينا إنك أنت التواب الرحيم.

 

الخطبة الثانية

 

أما بعد: أيها المسلمون، إن رمضان كان مدرسة تعلمنا فيها الكثير,  لقد علّمنا شهر رمضان أننا نستطيع أن نبكي من خشية الله،وعلّمنا أننا نستطيع أن نقوم الليل ونصوم النهار ونكثر من قراءة القرآن، وعلّمنا أننا نستطيع أن نديم المكث في المساجد، وعلّمنا أننا نستطيع أن نترك كثيرًا من شهواتنا ورغباتنا. عباد الله، ما أسرع ما يتقضّى الزمن، وما أعجل ما تمضي الأيام، كنا بالأمس نستقبل رمضان، ونحن اليوم نودّعه ونبكي عليه، ولم يكن بين استقبالنا ووداعنا إلا أيام قلائل مرّت مرور الطيف ولمعت لمعان البرق الخاطف، ثم غادرتنا مُقَرِّبة إلينا آجالنا مُقَصِّرة من آمالنا. وعما قريب تتقضّى الأيام المقدّرة، وتدنو الآجال المكتوبة، ويفارق المرء دنياه، غير حامل زادًا إلا زاد العمل الصالح، ولا لابسًا لباسًا إلا لباس التقوى، فأيّنا أعدّ لذلك اليوم عدّته واتخذ له أهبته؟! (أَيْنَمَا تَكُونُواْ يُدْرِككُّمُ ٱلْمَوْتُ وَلَوْ كُنتُمْ فِى بُرُوجٍ مُّشَيَّدَةٍ) [النساء:78] فالله الله في ساعة لا شكّ في مجيئها، واجعلوا في تصرّم شهركم عبرة تذكّركم بتصرّم أعماركم.

 

أيها المسلمون أذكّركم أيضًا بصيام ستة أيام من شوال، فعن أبي أيوب الأنصاري أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: ((من صام رمضان ثم أتبعه ستًا من شوال كان كصيام الدهر)) رواه مسلم.

 

اللهم أعد علينا رمضان أعوامًا عديدة وأزمنة مديدة.

 

أقول قولي هذا وأستغفر الله لي ولكم والحمد لله ربِّ العالمين ، وآخر دعوانا الحمد لله رب العالمين


faheemfb@gmail.com   فهيم أبوخـطـوة ،، البريد الإلكتروني