Checkout

خطب الجمـعة

faheemfb@gmail.com

 95


   


بسم الله الرحمن الرحيم

حقوق الزوجة في الأسرة المسلمة

  

كتبها : ش  عمر علي

ترجمها إلى الإنجليزية: د . فهيم بوخطوة

  

22 ربيع الثاني 1430 هـ

17 أبـــريـل 2009 م

  

إن الحمد لله نحمده ونستعينه ونستغفره  ، ونتوب إليه ونستهديه ، ونعوذ بالله من شرور أنفسنا ومن سيئات أعمالنا ، أما بعد

كان حديثنا في الأسبوع الماضي عن الأسرة المسلمة ووظيفتها في الإسلام ، وموضوع حديثنا اليوم بإذن الله سوف يكون عن الحقوق داخل هذا الكيان الأساسي في المجتمع الإسلامي ، عن حقوق الزوجة على زوجها وحقوق الزوج على زوجته ومن ثم عن حقوق الأبناء على الأباء وحقوق الأباء على الأبناء ، وسأبدأ الحديث في هذه الجمعة عن الحقوق المتعلقة بالزوجة على زوجها فأقول وبالله التوفيق إن الإسلام إهتم بوضع العائلة والعلاقات بين أفرادها ، وسعى في تعاليمه وإرشاداته إلى العمل على استقرار الحياة الزوجية باعتبار ذلك عامل كبير من عوامل استقرار المجتمع الإسلامي ، ولتحقيق هذا الهدف النبيل وضع الإسلام لكل من الزوج والزوجة والأباء والأبناء ، حدودا واضحة يتميز فيها حق كل فئة عن حق الفئة الأخرى ، وهي حقوق متكافئة منسجمة تؤدي إلى ملء القلوب بالحب، وملء البيوت بالنعيم، وملء المجتمع بالنسل الصالح الذي يبني ولا يهدم، ويسمو ولا ينحدر.

 

ونبدأ أولا في هذه الخطبة بإذن الله تعالى بذكر طرف من حقوق الزوجة على زوجها:

 

1ـ فمن أول هذه الحقوق أن ينظر إليها على أنها سكن له تركن إليها نفسه ، وتكمل في جوارها طمأنينته، فهي ليست أداة للزينة ولا مطية للشهوة ، ولا غرضا للنسل فحسب ، بل إنها تكملة روحية للزوج يكون بدونها مفتقرا للإستقرار والطمأنينة ، وإلى هذا يُشير القرآن الكريم حين يقول :  (وَمِنْ ءايَـٰتِهِ أَنْ خَلَقَ لَكُم مّنْ أَنفُسِكُمْ أَزْوٰجاً لّتَسْكُنُواْ إِلَيْهَا وَجَعَلَ بَيْنَكُم مَّوَدَّةً وَرَحْمَةً إِنَّ فِى ذَلِكَ لآيَـٰتٍ لّقَوْمٍ يَتَفَكَّرُون).  الروم : الآية21.  فأساس كل حق للزوجة على زوجها أن يُعاملها على أنها سكنه الروحي والنفسي ، وعلى أنه ارتبط بها برباط عميق من المودة والرحمة هو أوثق الروابط واقواها على الإطلاق . وحين ينظر الزوج إلى زوجته بهذه النظرة الجميلة تزول من طريق الحياة الإسلامية كل ما يشوبه من أشواك وعثرات. في الحياة الزوجية التي لا يغيب فيها عن الزوج أبدا حاجته الروحية والنفسية والقلبية إلى زوجه . لا يقع الطلاق وإن أُبيح ولا يحصل التعدد وإن شُرع ، ولا يقف الزوجان أمام القضاء وإن اختلفا في البيت ، ولا يبغي أحدهما على الآخر في حقه مادام هذا المعنى أساس الحقوق الزوجية كلها.

 

2ـ ومن واجبات الزوجة على زوجها: أن يُنفق عليها بالمعروف: وهو في حدود المسكن الصالح الذي تُصان فيه حرمة الزوجة وصحتها وكرامته ، واللباس الصالح الذي يصونها من الإبتذال ويدفع عنها أذى الحر والبرد ويعتاده أمثالها من قريبات أو جارات... والطعام الصالح الذي يُغذي الجسم ويدفع المرض، ويأكله الناس عادةمن غير إسراف ولا تقتير ، وكل ذلك في حدود الإستطاعة المالية للزوج،  ( لآ يُكلّف الله نفسا إلا وسعها) . ( وعلى المولود له رزقهن وكسوتهن بالمعروف). وفي صحيح مسلم عن أبي هريرة أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: " دينار أنفقته في سبيل الله، ودينار أنفقته في رقبة ، ودينار تصدقت به على مسكين ، ودينار أنفقته على أهلك، أعظمها الذي أنفقته على أهلك". وكل ذلك في حدود التوسط والإعتدال كما أسلفن، وأما أن تطلب الزوجة من النفقة أكثر مما تحتاج وفوق ما يُطيق الزوج فهذا عنت وإرهاق يُعرّض العائلة للفقر والحرمان ، لا تلجأ إليه زوجة عاقلة تريد أن تعيش في بيت الزوجية سعيدةً مُكّرمة ، وأما أن يُقصر الزوج عن الإنفاق على زوجته في الحدود التي تحتاجها كرامة الزوجية وسعادة الأسرة وهو قادر على ذلك، فهذا بخل يمقته الله وتكرهه المرؤة، وسبب كبير من إنحراف الزوجة وشقائه، واشد من هذا كرها ومقتاً: أن يضن الزوج على زوجته بالنفقة الواجبة، بينما هو يبذر أمواله يمينا وشمالا على أهوائه وملذاته وعلى رفاقه وأصدقائه، وفي الليالي الحمراء، وعلى الموائد الخضراء، كما يقع كثيرا ممن لا خلاق لهم ولا مرؤة...    ولهذا النوع من الزواج نقول حسبك قول رسولنا الكريم صلى الله عليه وسلم " كفى بالمرء إثما أن يُضيع من يقوت" رواه أبو داوود والنسائي والحاكم.

 

3- ومن واجبات الزوجة على زوجها: أن يُعلمها واجباتها الدينيه ، ويُرشدها إلى ماتحتاج إلى معرفته من دين أو ثقافة أو خلق كريم.. وإن كان ذلك حقا من من حقوق الزوجة، فإنه في الواقع في مصلحة الزوج نفسه ، فإن الزوجة التي تقف بين يدي الله خاشعة عابدة، تكون من أبر الزوجات بزوجه، وأحنى المهات على أولادها ، وأسعد النساء في بيتها وأسرته، ولذلك أباح الإسلام للمرأة التي يأبى زوجها أن يُعلمها ما تحتاج إليه من أحكام الشريعة أن تخرج لتسأل أهل العلم بدين الله عن ذلك ، فإنها هي وزوجها احوج إلى هذا من سعيها وسعيه للطعام والشراب ..

 

4- ومن حقوق الزوجة أن يغار الزوج عليها فلا يُعرضها للشبهة، ولايتساهل معها في كل ما يُؤذي شرف الأسرة أو يُعرضها لألسنة السوء ، والتساهل في هذا قبيح لا يُعد من مكارم الأخلاق في شيئ ولا يُعد من إكرام المرأة أو احترامها ، لما يجره هذا التسامح من شقاء لها ولزوجها  وأولادها ، وقد رُوي عن رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه قال : " ثلاثة لا يدخلون الجنة أبدا ، الديوث والرُجلة من النساء ، ومدمن الخمر. فقالوا يارسول الله أما مدمن الخمر فقد عرفناه فما الديوث ؟ قال: " الذي لايبالي من دخل على أهله" قلنا فما الرُجلة من النساء؟قال : التي تتشبه بالرجال"  وقد قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : " أتعجبون من غيرة سعد ، أنا والله أغير منه والله أغير مني"  رواه البخاري ومسلم. وكانت اسماء بنت أبي بكر رضي الله عنهما زوجة للزبير بن العوام ، وكان في بدء أمره فقيرا تنقل النوى على رأسها من مسافة بعيدة لتعلف به  بعيرها. فرآها رسول الله صلى الله عليه وسلم ذات مرة وهي تحمل النوى فأحب أن يُركبها معه على بعيره ، فرغبت في ذلك ، ولكنها تذكرت غيرة زوجها الزبير فأعرضت واعتذرت، ثم حدثت بذلك زوجها حين قدم البيت فقال لها: والله لحملك النوى على رأسك أهون علي من ركوبك مع رسول الله صلى الله عليه وسلم ! ولم يُنكر عليه رسول الله صلى الله عليه وسلم وهو المأمون الحبيب ذو الخلق العظيم .. والغيرة المحمودة هي ما كانت في محلها وفي حدود الإعتدال .. أما ما جاوز الحد وكان ظنا باطلا لا أساس له إلا وسوسة الشيطان ، فهو من الغيرة المكروهة التي تحدث عنها صلى الله عليه وسلم  بقوله : " إن من الغيرة غيرة يُبغضها الله عز وجل ، وهي غيرة الرجل على اهل بيته من غير ريبة" رواه أبو داوود والنسائي.

 

5- ومن حق الزوجة على زوجها أن ينبسط معها في البيت ، فيهش للقائها ، ويستمع إلى حديثها ويُمازحها ويُداعبها تطيبا لقلبه، وإيناسا لها في وحدتها ، وإشعار لها بمكانتها من نفسه وقربها من قلبه .. وقد كان رسول الله صلى الله عليه وسلم وهو العابد الخاشع والقائد الحاكم من أفكه الناس مع زوجاته وأحسنهم خُلقا ، كان يمزح معهن بما يُدخل السرور إلى قُلوبهن ، ويقص لهن القصص ويستمع إلى قصصهن .. ومن المعروف في سيرته عليه السلام أنه كان يُسابق عائشة رضي الله عنها ، وكان يُريها اللعب في باحة المسجد فيضع كفه على الباب ويمد يده وتضع وجهها على كتفه .. رواه البخاري ومسلم. ومن هنا قال عليه السلام : " أكمل المؤمنين إيمانا أحسنهم خُلقا وألطفهم بأهله" رواه الترمذي والنسائي والحاكم. وكان مما يقول عمر وهو القوي الشديد الجاد في حكمه المرهوب في سطوته: ينبغي للرجل أن يكون في أهله كالصبي – أي في الأنس والبشر والسهولة- فإذا كان في القوم وُجِد رجلا.

 

6- ومن حق الزوجة على زوجها: أن يُحسن خلقه معها ، فيكلمها برفق ، ويتجاوز عن بعض الهفوات ، ويُقدم لها النصح بلين تبدو فيه المودة والرحمة، وقد قال صلى الله عليه وسلم " إنََّ أقربكم مني مجلسا يوم القيامة : أحاسنكم أخلاقا ، الموطؤون أكنافا ، الذين يألفون ويُؤلفون" البخاري ومسلم . وإذا كان حُسن الخلق مع الناس مرغوبا فيه وهو مقياس القرب من الله أو البعد منه ، فكيف بحسن الخلق مع الزوجة وهي ألصق الناس بالزوج ، وأشدهم حاجة إلى مودته وحسن معاملته؟

 

هذه أيها الأخوة بعضا من حقوق الزوجة على زوجها شرعها الإسلام وجعلها أساسا لقيام الحياة السعيدة في السرة المُسلمة التي هي اللبنة الأولى والركن الساس في بناء المجتمع الأسلامي المنشود الذي تسوده الرحمة والمحبة والإحترام المتابدل بين أفراده وإن كان في العمر بقية بإذن الله تعالى سنتناول في خطب قادمة حقوق الزوج على زوجته حتى نعلم حدود واحل الله لنا وما حرم علينا فنأتي ما أُمرنا به ونجتنب عما نُهينا عنه .

وأقول قولي هذا وأستغفر الله لي ولكم من كل ذنب فاستغفروه إنه هو الغفور الرحيم وأقم الصلاة.   

 

.


faheemfb@gmail.com   فهيم أبوخـطـوة ،، البريد الإلكتروني