| 
     خطب الجمـعة |   
  
		 | 
     | 111 | 
| 
 | |||
بسم الله الرحمن الرحيم
غزوة بدر الكبرى 2
كتبها ش. إبراهيم جابر
ترجمها: د . فهيم بوخطوة
14 رمضان 1430 هـ
04 ســبتمبر 2009 م
الحمدلله الذي تمت كلمته وعمّت نعمته وجمّت حكمته وجرى بما كان وما يكون قلمه . أوجد الأنام من العدم وجعل الضياء والظلم وجعل اللوح والقلم.
وأشهد أن لا إله إلا الله لا شريك له أعز الإسلام والمسلمين وأذللّ الشرك والمشركين .
وأشهد أنّ سيدنا محمد عبده ورسول رفع به عماد الدّين ، ورفع ذكره في عليين ، صلى الله عليه وعلى آله وأصحابه وعلى التابعين لهم بإحسان إلى يوم الدين،
أما بعد
إخوة الإسلام ، إذا كان شهر رمضان شهر الصوم والعبادة والتقرّب إلى الله عزّ وجلّ فإنه كذلك شهر النصر والصبر. وإن النصر مع الصبر ، وإن مع العسر يسراً، وإنّ يوم السابع عشر من رمضان سيظل نجما ساطعا في سماء الوجود ، ووسام شرف على صدر البشرية والإمّة المؤمنة.
لقد أوذي النبي صلى الله عليه وسلم إيذاءً شديداً وصبر فلى ذلك واحتسب ، وأمر أصحابه باصبر حتى نزلت أوّل آية في قتال المشركين ، وهي قوله تعالى: {أذن للذين يقاتلون بأنهم ظلموا وأن الله على نصرهم لقدير . الذين أخرجوا من ديارهم بغير حق إلا أن يقولوا ربّنا الله ولولا دفع النّاس بعضهم ببعض لهدمت صوامع وبيع وصلوات ومساجد يذكر فيها إسم الله كثيرا ولينصرن الله من ينصره إن الله لقوي عزيز} 22: 39ـ40 .
فصدع الرسول بالأمر ، ولمّا بلغه خبر العير المقبلة من الشّام لقريش في صحبة أبي سفيان قال لأصحابه إن الله أذن لي بالإستيلاء على تلك الأموال . فأجاب قوم وثقل آخرون ظـنّــاً منهم أن النبي صلى الله عليه وسلم لم يُرد حرباً. وقال: "من كان ظهره (أي فرسه) جاهزاً فليركب معنا" . ولم ينتظر من كان ظهره غائبا . وخرج النبي صلى الله عليه وسلم لثلاث ليال خلوف من رمضان من السّنة الثانية من الهجرة . وكان معه ثلاثمائة وثلاثة عشر رجلا . ومعهم فرسان: فرس للزبير العوّام ، وفرس للمقداد بن الأسود . وكان معه سبعون بعيرا يعتقبونها كل ثلاثة على بعير . وكان للنبيّ صلى الله عليه وسلم زميلان يقولان له "إركب نمشي عنك يا رسول الله" . فيقول صلى الله عليه وسلم: {ما أنتما بأقوى على المشي منيّ , وما أنا بأغنى عن الأجر منكما} .
ولمّا علم أبو سفيان بخروج النبي وأصحابه لطلب الأموال أخذ طريقه نحو الساحل . وخرجت قريش بخيلها ورجلها لحماية أموالهم . وكانوا تسعمائة وخمسين رجلا . قال الله تعالى: {وإذ يعدكم الله إحدى الطائفتين إنها لكم وتودون أنّ غير ذات الشوكة تكون لكم ويريد الله أن يُحق الحق بكلماته ويقطع دابر الكافرين (7) ليحق الحق ويبطل الباطل ولو كره المجرمون (8) إذ تستغيثون ربكم فاستجاب لكم أني ممدكم بألف من الملائكة مردفين} 8: 7ـ8 . والتقى الجمعان على ماء بدر . وأقبل الرسول يختبر أصحابه فوجد منهم إيمانا قوياً . فقام القداد بن الأسود وقال: "يا رسول الله إمضي لما أمرك الله فنحن معك . والله ما نقول لك كما قال بنو إسرائيل لموسى إذهب أنت وربّك فقاتلا إنّا ها هنا قاعدون . ولكن إذهب أنت وربّك فقاتلا ، إنا معكما مقاتلون . فوالذي بعثك بالحق لو سرت بنا إلى برك الغماد لجالدنا معك من دونه حتى تبلغه" . ثم قال النبي صلى الله عليه وسلم: {أشيروا علي أيّها الناس} . فقال سعد بن معاذ: "كأنّك تريدنا يا رسول الله" . فقال: "نعم" . فقال: "يا رسول الله ، صل من شئت ، واقطع من شئت ، وسالم ن شئت ، وعاد من شئت ، وخذ من أموالنا ما شئت ، وأعفنا ما شئت . وما أخذت منا أحب إلينا مما تركت ، وما أمرت به فأمرنا نتبع لأمرك . فوالذي بعثك بالحق لو خضت بنا هذا البحر لخضناه معك ما تخلف منا رجل واحد . وما نكره أن تلقى عدوّنا غدا . إنا لصبر في الحرب ، صدق في اللقاء . ولعلّ الله يريك ما تقرّ به عينك . فسر بنا على بركة الله" . فجعل الله من إيمان المؤمنين جُـنّـة ومن خوفهم أمنة ومن ضعفهم قوّة ومن قلتهم كثرة ومن صبرهم نصرة .
ونزل المسلمون على مكان تسوخ (تغوص) فيه أقدام الدواب . وسبقهم المشركون إلى الماء فجعلوه لأنفسهم . وأصبح المسلمون بعضهم جُنُباً وبعضم مُحْدِثْ . ووسوس لهم الشيطان وقال: "تزعمون أنكم على الحق وفيكم رسول الله وأنكم أولياء الله وقد سبقكم المشركون إلى الماء وما ينظر أعدائكم إلا أن يقطع العطش رقابكم فيتحكموا فيكم" . ولكن أيّد الله رسوله والمؤمنين فألقى الله النوم عليهم وأنزل مطراً فسال منه الوادي فشربوا ، وتوضّؤا ، وسقوا أنعامهم وثبّت الله به الأرض تحت أقدامهم ، ووحل به الأرض تحت أقدام المشركين . وأزال عنهم وسوسة الشيطان ، وربط على قلوبهم . قال تعالى: {إذ يغشيكم النعاس أمنة منه وينزل عليكم من السماء ماء ليطهركم به ويذهب عنكم رجز الشيطان وليربط على قلوبكم ويثبت به الأقدام} 8: 11 . وجعل الرسول صلى الله عليه وسلم يدعو ربّه وتوجّه إليه لينصره قائلاً: {اللهم هذه قريش قد أقبلت بخيلائها وفخرها تحادّك وتكذّب رسولك ، اللهم فنصرك الذي
وعدتني . اللهم إن تهلك هذه العصابة المؤمنة فلن تُعبد بعد اليوم} . وحرض النّاس على القتال وشجّعهم عليه ، وقال: {إن الصبر في مواطن البأس مما يفرّج الله به الهم وينجي به من الغم} . وأخذ يعدل الصفوف فمر بسواد بن غزيه وهو خارج من الصف فضربه النبي صلى الله عليه وسلم بقضيب في بطنه وقال: {إستقم يا سواد} . فقال: "أوجعتني يارسول الله وقد بعثك الله بالحق والعدل فأريد حقي من نفسك ، فكشف الرسول صلى الله عليه وسلم عن بطنه وقال: {استقد ياسواد} . فاعتنق سواد بطن النبي صلى الله عليه وسلم وقبله . فقال له الرسول صلى الله عليه وسلم: {ما حملك علي هذا} . فقال: "يارسول الله قد حضر ما تري فأردت أن أن يكون آخر العهد أن يمسّ جلد جلدك" . فدعا له النبي صلى الله عليه وسلم بخير. وأخذ النبي صلى الله عليه وسلم حفنة من التراب وألقى بها في وجوه المشركين قائلا: {شاهت الوجوه ، اللهم أرعب قلوبهم وزلزل أقدامهم} . قال تعالى: {فلم تقتلوهم ولكن الله قتلهم ، وما رميت إذ رميت ولكن الله رمى وليبلي المؤمنين منه بلاء حسنا إنّ الله سميع عليم} 8: 17 . ثم قال الرسول صلى الله عليه وسلم: {والذي نفس محمد بيده ، لا يقاتلهم اليوم رجل فيُقتل صابراً محتسباً مقبلاً غير مدبر إلا أدخله الله الجنّة} . فقال عمير بن الحمام وبيده تمرات بأكلهن "بخ بخ ، ما بيني وبين أن أدخل الجنّة إلا أن يقتلني هؤلاء" . ثم ألقى التمرات من يده وقاتل حتى قتل .واشتدت المعركة ، وحمى الوطيس ، وعلا الغبار ، وأنزل الله فوجا من الملائكة بشرى للمؤمنين. فقال تعالى: {إذ يوحي ربّك إلى الملائكة أنّي معكم فثبتوا الذين آمنوا سألقي في قلوب الذين كفروا الرعب واضربوا منهم كل بنان} 8: 12 .
ولم تغرب شمس يوم السابع عشر من رمضان حتى إنتهت المعركة بنصرة المسلمين وهزيمة المشركين . وقتل من المشركين سبعين وأسر سبعين وأنزل الله قوله: {ولقد نصركم الله ببدر وأنتم أذلة فاتقوا الله لعلكم تشكرون (123) إذ تقول للمؤمنين ألن يكفيكم أن يمدكم ربكم بثلاثة آلاف من الملائكة منزلين (124) بلى إن تصبروا وتتقوا ويأتوكم من فورهم هذا يمددكم ربكم بخمسة آلاف من الملائكة مسومين (125) وما جعله الله إلا بشرى لكم ولتطمئن قلوبكم به وما النصر إلا من عند الله العزيز الحكيم} 3: 123ـ126.
ثم أخذ الرسول صلى الله عليه وسلم يشاور أصحابه في أمر الأسرى . فقال سيدنا أبوبكر: "يا رسول الله هم أهلك وبنو عمّك وإخوانك ، أرى أن تأخذ منهم الفدية" . وقال سيدنا الفاروق عمر: "يا رسول الله لقد آذوك وأخرجوك من بلدك . أرى أن تسلم كل واحد منهم إلى أحد أقاربه من المسلمين فيضرب عنقه" . فقال النبي عليه الصلاة والسلام: {إنّ مثلك يا أبابكر كمثل إبراهيم عليه السلام إذ قال: {ربّ إنهن أضللن كثيرا من الناس فمن تبعني فإنه مني ومن عصاني فإنك غفور رحيم} 14: 36. وإنّ مثلك يا عمر كمثل نوح عليه السلام إذ قال: {وقال نوحٌ ربّ لا تذر على الأرض من الكافرين ديّارا (26) إنّك إن تذرهم يضلوا عبادك ولا يلدوا إلا فاجراً كفّاراَ (27) ربّ اغفر لي ولوالدي ولمن دخل بيتي مؤمنا وللمؤمنين والمؤمنات ولا تزد الظالمين إلا تباراَ}} 71: 26ـ28 . وأخذ النبي برأي أبي بكر الصديق ولكن نزل القرآن معاتبا للنبي صلى الله عليه وسلم ، وكان عليه أن يأخذ برأي عمر رضي الله عنه ، فقال تعالي:{ما كان لنبي أن يكون له أسرى حتى يثخن في الأرض تريدون عرض الدنيا والله يريد الآخرة والله عزيزحكيم} 8: 67.