Checkout

خطب الجمـعة

faheemfb@gmail.com

110

      

 

     
 

     


بسم الله الرحمن الرحيم

أيّ رمضان هو رمضانك؟

 

الشيخ: عمر الخدراوي

ترجمها: د . فهيم بوخطوة

 

29 شعبان  1430 هـ

21 أغسطس 2009 م

إنَّ الحمدَ لِله نحمدهُ ونستعينهُ, ونستغفرهُ , ونعوذُ باللهِ من شرورِ أنفسنا , ومن سيِّئاتِ أعمالِنا، منْ يُهدهِ اللهُ فلا مُضلَ لـهُ, ومنْ يضلل فلا هاديَ له . وأشهدُ أنَّ لا إله إلا الله وحدهُ لا شريكَ له وأشهدُ أنَّ محمداً عبدهُ ورسوله .((يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ حَقَّ تُقَاتِهِ وَلا تَـمُوتُنَّ إِلَّا وَأَنْتُمْ مُسْلِمُونَ)) (آل عمران:102.((يَا أَيُّهَا النَّاسُ اتَّقُوا رَبَّكُمُ الَّذِي خَلَقَكُمْ مِنْ نَفْسٍ وَاحِدَةٍ وَخَلَقَ مِنْهَا زَوْجَهَا وَبَثَّ مِنْهُمَا رِجَالاً كَثِيراً وَنِسَاءً وَاتَّقُوا اللَّهَ الَّذِي تَسَاءَلُونَ بِهِ وَالْأَرْحَامَ إِنَّ اللَّهَ كَانَ عَلَيْكُمْ رَقِيباً)) (النساء:1) . ((يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَقُولُوا قَوْلاً سَدِيداً * يُصْلِحْ لَكُمْ أَعْمَالَكُمْ وَيَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ وَمَنْ يُطِعِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ فَقَدْ فَازَ فَوْزاً عَظِيماً)) (الأحزاب:70-71) .

أما بعد : فإن أصدقَ الحديثِ كتابُ الله , وخيرَ الهدي هديُ محمدٍ  وشرَّ الأمورِ مـُحدثاتُها , وكلَّ محدثةٍ بدعة , وكلَّ بدعةٍ ضلالة , وكلَّ ضلالةٍ في النار

أيها الأخوة المئمنون: بالأمس كنا نتحدث من على هذا المنبر المبارك عن الإستعداد لشهر رمضان وعن استقبال شهر رمضان.

وكنا نحدث أنفسنا بإستقبال فرصة رمضان، ولكم منيناها بصلاحها فيه ، ولطالما عاهدنا أنفسنا قبل دخوله بأوبةٍ حقةٍ، وتوبةٍ صادقةٍ،

وها نحن- أيها الأحبة في الله- يطالعنا شهرٌ وموسمٌ من الخير جديد فأيُ رمضانٍ يكونُ رمضانُنا هذه المرة ؟!.. هل هو رمضانُ المسوفين الكسلانين ؟! أم رمضان المسارعين المجدين ؟!

هل هو رمضان التوبة أم رمضان الشِقِوة، هل هو شهرُ النعمةِ أم شهرُ النقمة؟!

هاهو هلال رمضان قد حل ووجه سعده قد طل.

رمضان: المنحةُ الربانية، والهبةُ الإلهية، قال تعالى: ((شَهْرُ رَمَضَانَ الَّذِي أُنْزِلَ فِيهِ الْقُرْآنُ هُدىً لِلنَّاسِ وَبَيِّنَاتٍ مِنَ الْهُدَى وَالْفُرْقَانِ فَمَنْ شَهِدَ مِنْكُمُ الشَّهْرَ فَلْيَصُمْهُ وَمَنْ كَانَ مَرِيضاً أَوْ عَلَى سَفَرٍ فَعِدَّةٌ مِنْ أَيَّامٍ أُخَرَ يُرِيدُ اللَّهُ بِكُمُ الْيُسْرَ وَلا يُرِيدُ بِكُمُ الْعُسْرَ وَلِتُكْمِلُوا الْعِدَّةَ وَلِتُكَبِّرُوا اللَّهَ عَلَى مَا هَدَاكُمْ وَلَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ) (البقرة:185).

شهرٌ يفوق على الشهور بليلةٍ         من ألف شهر فُضّلت تفضيلا

طوبى لعبدٍ صـحَ فيه صيامه       ودعا المهيمنَ بكـرةً وأصيلا

وبليله قـد قـامَ يختـم وردَه       متبتـلاً لإلهـــه تبتيــلا

رمضان: أشرُف الشهور، وأيامُه أحلى الأيام ، يعاتبُ الصالحونَ رمضانَ على قلة الزيارة، وطول الغياب ، فيأتي بعد شوقٍ ويَفِدُ بعد فراق فيجيبه لسان الحال قائلاً:

أهـلاً وسـهلاً بالصيام        يا حبيبا زارنا في كل عـامْ

قد لقيناك بحبٍ مفعم كُل        حب في سوى المولى حرامْ

فاقبل اللهم ربي صومنا        ثم زدنا من عطاياك الجسامْ

لا تعاقــبنا فقد عاقبنا        قلق أسهرنا جـنح الـظلام

أخي الحبيب. إن رمضانَ فرصةٌ من فرصِ الآخرةِ التي تحمل في طياتها غفرانَ الذنوب وغسلَ الخطايا..!! وكم تمر بنا الفرص ونحن لا نشعر.. هذه فرصة وما أعظمها، تحملُ سعادةَ الإنسان الأبدية فأين المبادرون، وأين المسارعون ..

إن الصيام هو المدرسة التي يتعلمُ منها المسلمون, ويتهذب فيها العابدون ويتحنث فيها المتنسكون..

جاء شهرُ الصيام بالبركات* فأكرم به من زائرٍ هو آت

نعم إنه شهر البركات والرحمات: فرمضان شهر الطاعة والقربى، والبر والإحسان، والمغفرة والرحمة والرضوان ، والعتق من النيران: ففي الصحيحين عن أبي هريرة رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: ((إذا دخل رمضان فُتحت أبواب الجنة وغُلقت أبواب جهنم وسُلسُلت الشياطين)) .

وعنه -رضي الله عنه- قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : ((إذا كان أولُ ليلةٍ من رمضانَ صفدت الشياطين ومردة الجن وغُلقت أبواب النيران فلم يفتح منها باب وينادي مناد: ياباغي الخير أقبل وياباغي الشر أقصر، ولله عتقاء من النار وذلك كُلَ ليلة)) رواه الترمذيُ وابنُ ماجةَ والنسائيُ وحسنهُ الألبانيُ.

الصيامُ يُصلح النفوسَ، ويدفع إلى اكتساب المحامد, والبعد عن المفاسد، به تُغفر الذنوبُ وتكفَّر السيئات وتزدادُ الحسنات، يقول المصطفى صلى الله عليه وسلم: ((من صام رمضان إيماناً واحتساباً غفر له ما تقدم من ذنبه)) متفق عليه.

نعم ياعبد الله : رمضانُ سببٌ لتكفير الذنوب والسيئات إلا الكبائر قال صلى الله عليه وسلم: ((الصلوات الخمس والجمعة إلى الجمعة ورمضان إلى رمضان مكفرات لما بينهنّ إذا اجتنبت الكبائر)) رواه مسلم .

وقال صلى الله عليه وسلم :   ((فتنة الرجال في أهله وماله وجاره تكفرها الصلاة والصوم والصدقة)) متفق عليه.

رمضان فيه إجابةُ الدعوات وإقالةُ العثرات قال صلى الله عليه وسلم: ((لكل مسلمٍ دعوةٌ مستجابةٌ يدعو بها في رمضان)) ويقول صلى الله عليه وسلم : ((ثلاثة لاترد دعوتهم: الصائم حتى يفطر، والإمام العادل، ودعوة المظلوم)) رواه أحمد. 

هذه هي فرصة رمضان فأيُ رمضانٍ يكونُ رمضانك، وتلك هي نعمة رمضان فماذا أنت فاعل وما ذا أنت صانع:

أتى رمـضانُ مـزرعةُ العباد       لتطهيرالقلوب من الفساد

فأد حـقوقه قـولاً وفـعـلاً         وزادكَ فاتـخـذهُ للمعاد

فمن زرع الحبوبَ وما سقاها         تأوه نادماً يـومَ الحصادِ

إن شهراً بهذه الصفات وتلك الفضائل والمكرمات لحرى بالاهتبال والاهتمام ، فهل هيأت نفسك أخي المسلم لاستقباله وروضتها على اغتنامه ؟!

عن أبي هريرةَ قال: قال: رسول الله صلى الله عليه وسلم: ((قد جاءكم شهر رمضان ، شهر مبارك ، افترض الله عليكم صيامه يفتحُ فيه أبوابُ الجنة ويغلقُ فيه أبواب الجحيم ، وتغلُ فيه الشياطين ، فيه ليلةٌ خير من ألف شهر من حُرِمَ خيرها فقد حُرِمْ)). رواه أخرج أحمدُ والنسائيُ وصححه الألباني. 

لقد كان الرسولُ صلى الله عليه وسلم يبشر أصحابه بقدوم رمضان وإتيانه كُل ذلك شحذاً للهمم وإذكاءًا للعزائم وتهيئةً للنفوس، حتى تُحسنَ التعامل مع فرصةِ رمضان، وحتى لا تفوتها ، وهذا شأن السلف الصالح - رحمهم الله تعالى- قال معلى ابنُ الفضلِ عن السلف أنهم كانوا يدعون الله جل وعلا ستة أشهر أن يبلغهم رمضان ويدعونه ستةً أخرى أن يتقبله منهم ، وقال يحيى بنُ كثيرٍ – رحمه الله – كان من دعائهم : اللهم سلمني إلى رمضان وسلم لي رمضان وتسلمه مني فتقبله .

أيها الأحبة في الله : قدوم رمضان تلو رمضان يدل على تعاقب الأيام، فالأيام تمضي والسنون تجري وكُلٌ إلى داع الموت سيصغي:

تمر بنـا الأيـام تتـرى وإنمـا *** نساقُ إلى الآجال والعينُ تنظرُ

فلا عائدٌ ذاك الشبابُ الذي مضى *** ولا زائلٌ هذا المشيبُ المكـدرُ

أتى رمضان يا عبد الله فأيُ رمضان يكون رمضانك؟ وما هو استعدادك وما هي مراسم استقبالك له.  فالناس في استقباله أقسام: فهل أنت - يا أخي - من القسم الفرح بقدومه لأنه يزداد به قربى وزلفى إلى ربه جل وعلا، وهذا شأن المؤمنين: ((يَا أَيُّهَا النَّاسُ قَدْ جَاءَتْكُمْ مَوْعِظَةٌ مِنْ رَبِّكُمْ وَشِفَاءٌ لِمَا فِي الصُّدُورِ وَهُدىً وَرَحْمَةٌ لِلْمُؤْمِنِينَ* قُلْ بِفَضْلِ اللَّهِ وَبِرَحْمَتِهِ فَبِذَلِكَ فَلْيَفْرَحُوا هُوَ خَيْرٌ مِمَّا يَجْمَعُونَ)) (يونس:57،58) .

ونبينا محمد صلى الله عليه وسلم على رأس هؤلاء يقول ابن عباس رضي الله عنهما : ((كان رسول الله صلى الله عليه وسلم أجودَ الناس، وكان أجودَ ما يكون في رمضان، حين يلقاه جبريل في كل ليلة، فيدارسه القرآن، فلرسول الله صلى الله عليه وسلم أجود بالخير من الريح المرسلة))  متفق عليه.

وهناك صنف ثان- وأعيذك بالله من حاله- لا يعرف ربه إلا في رمضان فلا يصلي ولا يقرأ القرآن إلا في رمضان, وهذه توبةٌ زائفةٌ ومخادعةٌ وتسويلٌُ من الشيطان وبئس القوم الذين لا يعرفون الله إلا في رمضان.. ويا حسرة على أقوام تعساء يستقبلونه بالضجر والتضايق والحرج على أنه شهر جوع نهاري وشبع ليلي .. إن بعض العصاة يرونه مانعاً لهم من شهواتهم ومن مأربهم الباطلة فهم كالذئاب في الليل تعوي وكالجيف في النهار تخور كما يخور الثور.

وياعجباً هل يتأفف من شهر الرضوان والرحمة !!  لا والله بل هو شهر الخير والنعمة والبركة، إن الواحد من هؤلاء هداهم الله يُحس بالحرمان من الشهوات ولذلك تراهم إذا قدم رمضان غيرَ فرحين بقدومه لأن هؤلاء يريدون أن يغترفوا من حمأة اللذة المحرمة حتى لقد قال بعض التعساء من أولاد الخلفاء كما ذكره الحافظ ابن رجب في الوظائف: 

دعاني شهر الصوم لا كان من شـهر **  ولا صمت شهراً بعده آخر الدهر

فلو كان يعديني الأنام بقوة على الشهر**  لاستعـديت قومي على الـشهر

والذي حصل لهذا الشاب أن ابتلاه الله بمرض الصرع فكان يُصْرَعُ في اليوم مراتٍ وكراتٍ ومازال كذلك حتى مات قبل أن يصوم رمضان الآخر، نسأل الله تعالى حسن الختام .

أيها المسلم : إن من نعم الله تعالى عليك أن مدّ في عمرك ومدّ في أنفاسك وجعلك تدرك خيرات هذا الشهر العظيم، فاحمدوا الله - عباد الله- أن بلَّغكم، واشكروه على أن أخَّركم إليه ومكَّنكم، فكم من طامعٍ بلوغَ هذا الشهر فما بلغه، كم مؤمِّل إدراكَه فما أدركه، فاجأه الموت فأهلكه.

أيها المسلمون: بلغناه وكم حبيب لنا فقدناه، أدركناه وكم قريبٍ لنا أضجعناه، صُمناه وكم عزيز علينا دفناه.

يا ذا الذي ما كفاه الـذنب في رجب *** حتى عصى ربه في شهر شعبان

لقد أظـلك شهر الصـوم بعـدهما ***  فلا تصـيره أيضاً شهر عصيان

واتل الـقرآن وسبّـح فيه مجتهداً ***  فـإنـه شهـر تسـبيح وقـرآن

كم كنت تعرف ممن صام في سلف ***  من بـين أهل وإخوان وجـيران

أفناهم الموت واستبقاك بعدهم حياً ***  فما أقـرب القاصي مـن الدانـي

يا عبدًَ الله : يا أمةََ الله ، هل يأتي عليكما رمضان وأنتما في قوةٍ وعافيةٍ ؟ فكم من إنسان صام رمضان الفائت في عافيةٍ وصحة وقوة يأتي عليه رمضان القابل وهو قعيدُ الفراش أسيرُ المرضِ، هل يأتي عليك رمضان وأنت في أمن وأمان على نفسك واهلك ومالك.

يا عبد الله يا من تعيش آمناً مستقراً تتلذذ بخيرات الله خِل نفسك واحداً من هؤلاء الذين يصومون وهم أُسارى أو يتسحرون ويفطرون على الحدود وفي الملاجئ ، خِل نفسك واحداً من أولئك الذين يحتاجون إلى الفطر دفاعاً عن الملة والدين، خِل نفسك جائعاً مطرداً شريداً كما يحصل للمسلمين الفلسطينين وغيرهم من المسلمين في غير ما مكان الذين يعانون آلآم الحصار والتشرذم والشتات وتسلطَ الكفار والفجار.

رمضان شهر الشعور بإخوانك المسلمين فأي رمضان رمضانك: هل شعرت بإخوانك في أقاصي الأرض ومغاربها لابد للمسلم الصائم أن يشعر بآلام المسلمين ، وأن يستشعر حال إخوانه في كل مكان، فإذا جاع تذكر أن آلاف البطون جوعى تنتظر لقمةً فهل من مطعم ، وهو إذا عطش تذكر أن آلاف الأكباد عطشى تنتظر قطرةً من الماء فهل من ساقي، وهو إذا لبس تذكر أن آلاف الأجساد قد لحقها العري فهل من كاسي ، يشعر بنعمة الله جلا وعلا عليه أن أعطاه السحور والإفطار وغيره محروم ، أن ألبسه وغيره عارٍ، فالحمد لله على نعمائه.

رمضان شهر العبادة فأيُ رمضان رمضانك هل اتخذت منه فرصة لتربية نفسك على العبادة :  فالصيام يربينا على العبادة فلئن كان المسلم يعبد ربه جلا وعلا في سائر شهوره وأيامه إلا أنه يأخذ في رمضان دورةً عباديةً يزيد فيها من جرعات الطاعة ونكهاتِ الإيمان والإخلاص حتى يقوى على ما تبقى من الشهور ويجعل هذه الفرصة منطلقاً إلى فعل الخيرات تقول عائشة رضي الله عنها: " كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يجتهد في رمضان ما لا يجتهد في غيره " أخرجه مسلم.

وليالي رمضان تاج ليالي العام، ودجاها ثمينة بظلمائها، فيها تصفو الأوقات وتحلو المناجاة، قال صلى الله عليه وسلم: ((أفضلُ الصلاة بعد الفريضة صلاةُ الليل)), ورمضانُ شهر القيام يقول النبي صلى الله عليه وسلم : ((من قام رمضان إيماناً واحتساباً غُفر له ما تقدم من ذنبه)) متفق عليه.

وقيام رمضان أمر مشروع فعلى المسلم أن يحرص على أداء صلاة التراويح وأن يكملها مع الإمام حتى ينصرف ، قال صلى الله عليه وسلم : ((من قام مع إمامه حتى ينصرف كتب له قيام ليلة)) ، رواه أهل السنن وهو صحيح .

فلله الحمد والمنة يقومُ المصلي ساعةً من الليل مع الإمام فكأنما قام الليل كله.

ولا ننسى أيها الإخوة الاهتمام بالفرائض أولاً والمواظبة عليها في المساجد جماعة، فالله عز وجل يحب التقرب إليه بالفرائض، فلا ننسى الفرض ونهتم بالنوافل والمستحبات.

رمضان شهر النفحات والبركات : فلماذا لا نقوم رمضان ، لماذا لا نجرب لذة القران ، ولذة المناجاة والدعاء ، لماذا لا نجرب وقت الأسحار وهجيع الليل لماذا لا ننطرح بين يدي مولانا ، فربنا ينزل في ثلث الليل الأخير نزولاً يليق بجلاله وعظمته يعرض نفحاته ورحماته فلماذا لا نتعرض لرحمات الله!!

قـم في الدجى واتل الكتـاب *** ولا تنم إلا كنومة حائر ولهان

فلربما تأتى المنيـة بغتـــة *** فتساق من فرش إلى أكفـان

يا حبذا عينان في غسق الدجى ***  من خشية الرحمن باكيتـان

فالله ينـزل كُلَ آخـر ليـلـة *** لسمائه الدنيا بلا نـكـران

فيقولُ هل من سائـلٍ فأجيبَـه *** فأنا القريبُ أجيبُ منْ ناداني

ولكن يا حسرةً على المحرومين ، ويا حسرةً على المفتونين الذين يجعلون وقت السحر ووقت الاستغفار وقت نزول الإلهي فرصةً للعب واللهو ومشاهدة القنوات وتقليب الأبصار في الغانياتِ والمومساتِ يا حسرةً على العباد!! .

     

لعلها أيها الأحبة في الله أن تكون بداية النهاية- إن شاء الله - لكل شيء يبعد عن الله ويسخطه، ولعلها أن تكون بداية الانطلاقة الحقيقية في المسارعة إلى الخيرات وإرضاء رب الأرض والسماوات.

رمضان شهر التوبة فأي رمضان يكون رمضانك : صعد رسول الله صلى الله عليه وسلم المنبر فقال: (("آمين، آمين، آمين " فقيلُ: يا رسول الله ، إنك صعدت المنبر فقلت: آمين آمين آمين !! فقال صلى الله عليه وسلم : " إن جبريل عليه السلام أتاني فقال: من أدرك شهرَ رمضان فلم يُغفر له فدخل النار فأبعده الله قل: آمين، قلت: آمين)) أخرجه ابنُ خزيمة وابنُ حبان انظر صحيح الترغيب والترهيب(2/625).

فالبدار البدار قبل أن لا توبة تُنال، ولا عثرةَ تُقال، ولا يُفدى أحد بمال، فحُثوا حزم جزمكم، وشدوا لبَد عزمكم، وأروا الله خيراً من أنفسكم، فبالجد فاز من فاز، وبالعزم جاز من جاز، واعلموا أن من دام كسله خابَ أمله، وتحقَّق فشله..

يا عبد الله : هذا أوان الجد إن كنت مجداً، هذا زمان التعبّد إن كنت مستعداً ، هذا نسيم القبول هبّ ، هذا باب الخير مفتوح لمن أحب، هذا زمان الإياب، رحمة من الكريم الوهاب، فأسرعوا بالمتاب ، قبل إغلاق الباب.

فبادر الفرصة، وحاذر الفوتة، ولا تكن ممن أبى، وخرج رمضان ولم ينل فيه الغفران والمنى .

هاهو موسم التوبة والإنابة، فباب التوبة مفتوح، وعطاء ربنا ممنوح، فمتى نتوب من إسرافنا في الخطايا وأكثارنا من المعاصي إن لم نتب في شهر رمضان؟! ومتى نعود إن لم نعد في شهر الرحمة والغفران؟! فلنبادر بالعودة إلى الله، ونطرق بابَه، ونكثر من استغفاره، ونغتنم زمنَ الأرباح، فأيام المواسم معدودة، وأوقات الفضائل مشهودة، وفي رمضان كنوز غالية، فلا نضيِّعها باللهو واللعب وما لا فائدة فيه، فإننا لا ندري متى نرجع إلى الله، وهل ندرك رمضان الآخر أو لا ندركه؟ وإن اللبيب العاقل من نظر في حاله، وفكَّر في عيوبه، وأصلح نفسه قبل أن يفجأه الموت، فينقطع عمله، وينتقل إلى دار البرزخ ثم إلى دار الحساب.

جعل الله صيامنا صياما حقيقيا مقبولاً وجعله إيمانا واحتسابا إيمانا بما عنده، واحتسابا لثوابه، كما أسأله تعالى أن يجعلنا وإياكم وسائر المسلمين ممن صام الشهر، واستكمل الأجر، وفاز بليلة القدر، كما أسأله أن يجعلنا ممن يصومونه ويقومونه إيماناً واحتساباً. اللهم اكتب صيامنا في عداد الصائمين وقيامنا في عداد القائمين .

وبالله التوفيق وصلى الله وسلم على نبينا محمد.

 


faheemfb@gmail.com   فهيم أبوخـطـوة ،، البريد الإلكتروني