| 
     خطب الجمـعة |  | 
     | 149 | 
بسم الله الرحمن الرحيم
7 ذو الحجَّـة 1431الإصلاح بين النَّاس
كتبها : الشيخ عمر علي
ترجمها إلى الإنجليزية : د . فهيم بوخطوة
2
03 ديسمـبر 2010
أما بعد :
فيا أيها الناس : اتقوا ربكم الذي خلقكم من نفسٍ واحدة ، واعلموا أن الشيطان لكم عدو فاتخذوه عدواً ، وأصلحوا ذات بينكم ، واعلموا أن الله تعالى يُحب الصالحين ، ويُجزل الأجر والثواب للمُصلحين الذين يسعون في الأرض للإصلاح بين الناس ، وتأليف قلوبهم ؛ فهم بذلك من مفاتيح الخير ومغاليق الشر .
فيا ايها الناس اتقوا ربكم حق التقوى : (قَدْ جَاءكُمْ بَصَائِرُ مِن رَّبّكُمْ فَمَنْ أَبْصَرَ فلنفسه ومن عمي فعليه و ما أنا عليكم بحفيظ) الأنعام 104 . و الكيس من دان نفسه و عمل لما بعد الموت . و العاجز من اتبع نفسه هواها و تمنى على الله الأماني.
عباد الله : يقول الله سبحانه وتعالى في محكم التنزيل: (واعتصموا بحبل الله جميعا ولا تفرقوا واذكروا نعمة الله عليكم إذ كنتم أعداء فألف بين قلوبكم فأصبحتم بنعمته إخوانا ...) ففي هذه الآية الكريمة يحث الله سبحانه وتعالى على موضوع وحدة المسلمين، وتضامن المسلمين ، وتآلف المسلمين الذي هو الدواء الذي شرد عنه المسلمون ، وإنه لمن المؤسف و المؤلم ما نراه اليوم من تفرق و تمزق بين الكثير من أبناء الأقلية المسلمة في هذه البلاد و لا حول ولا قوة إلا بالله. فهذه الاية (واعتصموا بحبل الله جميعا ) فيها أمر و نهي ، أمر بالإعتصام ، و نهي عن التفرق و الشتات . لذلك أيها الإخوة أردت أن أتحدث اليوم في هذه الخطبة عن موضوع يخدم هذا الهدف و هو الإصلاح بين الناس. فالتخاصم و النزاع و الخصام ، و التغاضب يوجب من الشر و الفرقة ما لا يمكن حصره و إنا لنشاهد آثاره المدمرة و نلمسه بين أيدينا كل يوم . فلذلك كان حث الشارع على الإصلاح بين الناس في الدماء و الأموال و الأعراض فيقول سبحانه ( وإن طائفتان من المؤمنين اقتتلوا فاصلحوا بينهما ....) الآية و يقول سبحانه : " و الصلح خير"
ويقول الله سبحانه وتعالى في كتابه العزيز : لا خَيْرَ فِي كَثِيرٍ مِنْ نَجْوَاهُمْ إِلا مَنْ أَمَرَ بِصَدَقَةٍ أَوْ مَعْرُوفٍ أَوْ إِصلاحٍ بَيْنَ النَّاسِ وَمَنْ يَفْعَلْ ذَلِكَ ابْتِغَاءَ مَرْضَاةِ اللَّهِ فَسَوْفَ نُؤْتِيهِ أَجْرًا عَظِيمًا . والنجوى هي المسارة بالحديث و المراد أنه لا خير فيما يتناجى به الناس و يخوضون فيه من الحديث إلا من أمر يصدقة أو معروف أو إصلاح بين الناس بأن يجتمع الرجل الخير بالرجل الخير و يقول هلم نتصدق على فلان فإنه يستحق الصدقة أو هلم ننهى فلانا عن منكر يفعله أو نأمره بمعروف أو هلم نصلح بين فلان وفلان المتخاصمين . ولما كان إصلاح ذات البين أمرا جليلا في الإسلام نبه الله سبحانه و تعالى على عظمته بتخصيصه في أكثر من موضع في كتاب الله كما ذكرنا ، و حث عليه رسول الله صلى عليه و سلم في الكثير من الأحاديث الشريفة ومن ذلك ما أورده الحافظ أبو يعلى رحمه الله في مسنده عن سعيد بن أنس عن أنس رضي الله عنه "قال: بينا رسول الله صلى الله عليه وسلم جالس إذ رأيناه ضحك حتى بدت ثناياه فقال عمر: ما أضحكك يا رسول الله بأبي أنت وأمي؟ فقال: ((رجلان من أمتي جثيا بين يدي رب العزة تبارك وتعالى فقال أحدهما: يا رب خذ لي مظلمتي من أخي. قال الله تعالى:أعط أخاك مظلمته قال: يا رب لم يبق من حسناتي شيء قال: رب فليحمل عني أوزاري قال: ففاضت عينا رسول الله صلى الله عليه وسلم بالبكاء ثم قال: إن ذلك ليوم عظيم يوم يحتاج الناس إلى من يتحمل عنهم من أوزارهم فقال الله تعالى للطالب: ارفع بصرك وانظر في الجنان فرفع رأسه فقال: يا رب أرى مدائن من فضة وقصورا من ذهب مكللة باللؤلؤ. لأي نبي هذا؟ لأي صديق هذا؟ لأي شهيد هذا؟ قال: هذا لمن أعطى ثمنه قال: يا رب ومن يملك ثمنه؟ قال: أنت تملكه قال: ماذا يا رب؟ قال: تعفو عن أخيك قال: يا رب فإنى قد عفوت عنه قال الله تعالى: خذ بيد أخيك فادخلا الجنة". ثم قال رسول الله صلى الله عليه وسلم "فاتقوا الله وأصلحوا ذات بينكم فإن الله تعالى يصلح بين المؤمنين يوم القيامة)). وعن أبي الدرداء رضي الله عنه قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ((ألا أخبركم بأفضل من درجة الصيام والصلاة والصدقة؟ قالوا بلى يا رسول الله قال: إصلاح ذات البين قال: وفساد ذات البين هى الحالقة)) ورواه أبو داود والترمذي من حديث أبي معاوية وقال الترمذي حسن صحيح. وفي رواية " قال هي الحالقة أما إنها لا تحلق الشعر و لكن تحلق الدين" .
أيها الإخوة المؤمنون: إن الإصلاح بين الناس عبادة عظيمة .. يحبها الله سبحانه وتعالى ..والساعي في الإصلاح بين الناس أفضل من القانت بالصلاة والصيام والصدقة. والمصلح لابد أن يصلح الله عمله ، كما أن الساعي في الإفسادلا يصلح الله عمله ابدا : ( إن الله لا يُصلح عمل المفسدين) فالمصلح قلبه من أحسن الناس قلوباً .. نفسه تحب الخيرو تشتاق إليه ..تجده يبذل المال و الوقت و يضع نفسه في الحرج أحيانا مع المتخاصمين.. ويحمل هموم إخوانه ليصلح بينهم.. فكم بيت كاد أن يتهدّم .. بسبب خلاف سهل بين الزوج وزوجه .. وكاد الطلاق .. فإذا بهذا المصلح بكلمة طيبة .. ونصيحة غالية .. يعيد المياه إلى مجاريها .. ويصلح بينهما .. كم من قطيعة كادت أن تكون بين أخوين بسبب زلة أو هفوة .. وإذا بهذا المصلح يرقّع خرق الفتنة ويصلح بينهما. فهنيئـاً عبـاد الله لمـن وفقـه الله للإصلاح بين متخاصمين أو زوجين أو شريكين. أخرج البيهقي عن أبي أيوب الأنصاري " أن النبي ثلى الله عليه و سلم قال له : "يا أبا أيوب ألا أدلك على صدقة خير لك من حمر النعم ؟ قال بلى يارسول الله ، قال : تُصلح بين الناس إذا تفاسدوا و تُقرب بينهم إذا تباعدوا" و عن عبدالله بن عمر قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : " أفضل الصدقة إصلاح ذات البين " ذكره السيوطي في الجامع الكبير. قال الإمام الأوزاعي : ما خطوة أحب إلى الله عز وجل من خطوة في إصلاح ذات البين ومن أصلح بين اثنين كتب الله له براءة من النار ..
أيها الإخوة المؤمنون : إعلموا أن الإصلاح بين الناس باب من أبواب الخير يُثيب الله عليه الأجر العظيم بهذا جاء حث النبي صلى الله عليه و سلم في الحديث المتفق على صحته عن أبي هريرة رضي الله عنه قال : قال رسول الله صلى الله عليه و سلم : " كل سُلامى من الناس عليه صدقة ، كلّ يوم تطلع فيه الشمس ، تعدل بين اثنين صدقة ، وتعين الرجل في دابته فتحمله عليها أو ترفع له عليها متاعه صدقة ،و الكلمة الطيبة صدقة، و بكل خطوة تمشيها إلى الصلاة صدقة ، و تميط الأذى عن الطريق صدقة" . فليغتنم كل مؤمن هذا الخير و يعمل على الصلح بين المتخاصمين و يكون مفتاحا لآبواب الخير مغلاقا لأبواب الشر, فالصلح و خلق العفو و التسامح أفضل من التحاكم و القضاء فقد ورد عن عمر بن الخطاب رضي الله عنه أنه كتب إلى أبي موسى الأشعري رضي الله عنه: رُدًّ الخصوم حتى يصطلحوا ، فإن فصل القضاء يُورث الضغائن. قال محمد بن المنكدر رضي الله عنه : تنازع رجلان في ناحية المسجد فملت إليهما ، فلم ازل بهما حتى اصطلحا. فقال أبو هريرة وهو يراني إني سمعت رسول الله صلى الله عليه و سلم يقول : "من أصلح بين اثنين استوجب ثواب شهيد" .
عباد الله أن الخلاف بين الناس أمر طبيعي .. ولا يسلم منه أحد من البشر ..و خيرة البشر من الجيل الأول الذي حظي بصحبة النبي صلى الله عليه و سلم حصل بينهم الخلاف فكيف بغيرهم !! فهـاهم أهل قباء .. صحابة رسول الله صلى الله عليه وسلم .. هؤلاء القوم حصل بينهم خلاف .. حتى رمى بعضهم بعضاً بالحجارة .. فذهب إليهم النبي ليصلح بينهم !! فعَنْ سَهْلِ بْنِ سَعْدٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ أَنَّ أَهْلَ قُبَاءٍ اقْتَتَلُوا حَتَّى تَرَامَوْا بِالْحِجَارَةِ فَأُخْبِرَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِذَلِكَ فَقَالَ: (اذهَبُوا بِنَا نُصْلِحُ بَيْنَهُمْ). فليس العيب أن يُخطئ الإنسان فكل ابن آدم خطاء و لكن العيب أن يتمادى الإنسان في الخطأ . فعلينا عباد الله أن نتخلق بخلق الصلح ، والمصافحة ، والمصالحة ، والتنازل ،والمحبة ، والأخوة حتى تعود المياه إلى مجاريها ..قال نبينا صلى الله عليه وسلم .. وتأمل لهذا الحديث " تُفتح أبواب الجنة يوم الاثنين ويوم الخميس فيُغفر لكل عبد لا يشرك بالله شيئا إلا رجلا كانت بينه وبين أخيه شحناء .. فيقال : انظروا هذين حتى يصطلحا .. انظروا هذين حتى يصطلحا .. انظروا هذين حتى يصطلحا". فلنتق الله عباد الله ، و لنصلح ذات بيننا ، و أن نعتصم بحبل الله جميعا كما أمرنا سبحانه بذلك
اللهم طهر قلوبنا من الغل والحسد والغش .. اللهم أصلح بيننا وبين أقاربنا .. اللهم أصلح بيننا وبين أحبابنا ، وإخواننا.. اللهم اجعل الحياة زيادة لنا في كل خير والموت راحة لنا من كل شر برحمتك يا أرحم الراحمين . و لاحول ولا قوة إلا بالله العلي العظيم .