خطب الجمـعة |
![]() |
|
158 |
بسم الله الرحمن الرحيم
الظلم ونهاية الظالم
كتبها : الشيخ
ترجمها إلى الإنجليزية : د . فهيم بوخطوة
30 صفر 1432
04 فببراير 2011
أيها الأخوة المؤمنون : موضوع حديثنا اليوم عن الظلم الذي حرّمه الله على نفسه وجعله بين عباده محرمًا كما جاء عن أبي ذر الغفاري أن رسول الله صلَّ الله عليه وسلم قال فما يرويه عن ربه عز وجل: ((يا عبادي، إني حرّمت الظلم على نفسي وجعلته بينكم محرمًا فلا تظالموا..)) رواه مسلم والظلم: هو التعدّي بوضع الأمور في غير موضعها. والظلم يُعد من الكبائر التي أجمعت على ذمّها الأديان والتي حاربها الإسلام على مرور الأزمان، قال عنه النبي صلَّ الله عليه وسلم: ((اتقوا الظلم، فإن الظلم ظلمات يوم القيامة)) رواه مسلم.
ولأن الله حرم الظلم على نفسه وجعله بين عباده مُحرما فقد تعهد بأخذ الحق للمظلوم من الظالم, كما قال الله سبحانه في الحديث الإلهي: ((وعزتي لأنصرنّك ولو بعد حين)). وقد أجاد من قال:
لا تظلـمن إذا ما كنت مقتدرًا فالظلم ترجع عقباه إلى الندم
تنام عينـاك والمظلوم منـتبه يدعو عليك وعين الله لم تنم
فاتقوا الظلم لأن النبي صلَّ الله عليه وسلم أخبر أن الدنيا تملأ في آخر الزمان ظلمًا وجورًا، وها نحن نشهد صدق ما أخبر به صلَّ الله عليه وسلم ، بأم أعيننا فإن الظلم قد فشا وشاع بين الناس، في الدماء والأموال والأبضاع والأعراض، حتى صدق في سلوك كثير من أبناء هذا الزمان ما قاله الشاعر الجاهلي:
والظلم من شيم النفوس فإن تجد ذا عـفةٍ فلـعلةٍ لا يظلـم
إن العالم باتت تحكمه شريعةُ الغاب وسياسات التهديد والإرهاب ولغة التحدّي والإرعاب، مصالح ذاتية، ونظمٌ أُحاديّة، وإدارة فرديّة، تتعامل مع الغير معاملةَ السيّد للمسود والقائد للمقود، سياسةُ مصالح لا قيم، سياسة لا تحكم بالسويّة، ولا تعدل في قضيّة، ولا تتعامل إلا بحيف وازدواجية.
إنها صورةٌ واضحة المعالم جليّةُ الأبعاد للواقع المرّ الذي تأباه نفسُ كلّ أبيّ حرّ، وقد سقط القناع اليوم عن كل تلك الوجوه التي كانت تتشدق بالحرية والعدل والمساواة وتتغنى بحقوق الإنسان أين هي حقوق الإنسان مما يجري اليوم لإخواننا في مصر البطولة والإيمان حيث يمارس الظلم بشكل منظم على أيدي مليشيات تابعة للحكومة وللنظام الحاكم الذي رفضه الناس ولفظوه ولا نسمع إلا بعض الإستنكار من بعض الحكومات الغربية على استحياء ، فليس عند القوم للعدل حظٌّ ولا معنى. يتشدقون بالحرية ولكنهم لايرضونها لشعوبنا، وينادون بالديمقراطية ولكنهم يستكثرونها على شعوبنا، يكيلون بمكيالين ويزنزون بميزانين. ولكنها الأيام دول وها هوالإسلام يصحو في قلوب أبنائه من جديد ليحيي هذه الأمة التي هي خير أمة أخرجت للناس، تهدي وتصلح وترشد ، وتقوم وتأمر بالمعروف وتنهى عن المنكرفتأخذ مكانه بين الأمم ، عزة ومنعة ورقيا وتقدا وحضارة.
أيها الأخوة المسلمون، الدهرُ طعمان حلو ومرّ، والأيام طرفان عسرٌ ويُسر، وكلّ شدّة إلى رخاء، وكل غمرة فإلى انجلاء، وإنَّ بعد الكدر صفوًا، وبعد المطر صحوًا، والشمس تغيب ثم تشرق، والروض يذبل ثم يورق، ولله أيام تنتصر من الباغي وتنتقم من العاثي، ومن عرف الله في الرخاء عرفه في الشدائد، وصرف عنه المكائد، وحفظه وهو نائم وقائم وصاحٍ وراقد. يقول تعالى: {يٰأَيُّهَا ٱلَّذِينَ ءامَنُواْ إِن تَنصُرُواْ ٱللَّهَ يَنصُرْكُمْ وَيُثَبّتْ أَقْدَامَكُمْ .وَٱلَّذِينَ كَفَرُواْ فَتَعْساً لَّهُمْ وَأَضَلَّ أَعْمَـٰلَهُمْ .ذَلِكَ بِأَنَّهُمْ كَرِهُواْ مَا أَنزَلَ ٱللَّهُ فَأَحْبَطَ أَعْمَـٰلَهُمْ .أَفَلَمْ يَسِيرُواْ فِى ٱلأَرْضِ فَيَنظُرُواْ كَيْفَ كَانَ عَـٰقِبَةُ ٱلَّذِينَ مِن قَبْلِهِمْ دَمَّرَ ٱللَّهُ عَلَيْهِمْ وَلِلْكَـٰفِرِينَ أَمْثَـٰلُهَا .ذَلِكَ بِأَنَّ ٱللَّهَ مَوْلَى ٱلَّذِينَ ءامَنُواْ وَأَنَّ ٱلْكَـٰفِرِينَ لاَ مَوْلَىٰ لَهُمْ} [محمد:7-11].
أيها المسلمون، قوموا بما أوجب الله عليكم من نصرة دينكم وإخوانكم في مصر، ومن أهم الوسائل لنصرتهم :
الدعاء : فمن حق إخواننا في مصر علينا أن نجتهد في الدعاء لهم حتى يُفرج الله كربتهم ويخرجهم من محنتهم وينصرهم على عدو الله وعدوهم. فلا ينبغي لنا أيها الأخوة أن نغفل عن هذه العبادة، التي ربما يغفل عنها الكثير من الناس اليوم في خضم هذه الاحداث الأليمة المتلاحقة، التي يمر بها المسلمون في مصر. فننصرف عن الدعاء والتضرع والخضوع لله عز وجل، بكثرة الأحاديث، وسرد الأحداث، وتتبع الأخبار وقالت الجزيرة وقالت الحوار ونرى أحدنا مصغياً إلى الإذاعة بأذنيه، وشاخصاً إلى التلفاز بعينه طيلة ساعات ليله أو نهاره، فأين وقت دعاء الله سبحانه وتعالى.
أيها الأحباب إنّ الدعاء مقام عظيم، وشعيرة جليلة، وعبادة فاضلة، وهو من أفضل العبادات، ومن أعظم مقامات الألوهية، ومن أعظم ما يرفع البلاء والعقوبات بإذن الله سبحانه وتعالى، يقول سبحانه: (وَقَالَ رَبُّكُمُ ادْعُونِي أَسْتَجِبْ لَكُمْ إِنَّ الَّذِينَ يَسْتَكْبِرُونَ عَنْ عِبَادَتِي سَيَدْخُلُونَ جَهَنَّمَ دَاخِرِينَ). [سورة غافر، الآية: 60]. وقد سأل أعرابي الرسول صلى الله عليه وسلم فقال: يا رسول الله، أقريب ربنا فنناجيه، أم بعيد فنناديه؟! فسكت النبي صلى الله عليه وسلم، فأنزل الله: (وَإِذَا سَأَلَكَ عِبَادِي عَنِّي فَإِنِّي قَرِيبٌ أُجِيبُ دَعْوَةَ الدَّاعِ إذا دَعَانِ فَلْيَسْتَجِيبُواْ لِي وَلْيُؤْمِنُواْ بِي لَعَلَّهُمْ يَرْشُدُونَ). [سورة البقرة، الآية: 186].
واسمعوا معي واقرأوا قصة النبي صلى الله عليه وسلم عند غزوة الأحزاب، وفي بدر لما خرج لملاقاة المشركين، فقد بات ليلته والناس نائمون، بات ليلته كلها وهو يدعو الله عزّ وجل، وقد وعده الله عزّ وجل أن ينصره، ومع ذلك بات يدعو الله طيلة تلك الليلة، يدعو الله بقلب خاشع، وبكف ضارع يجأر إلى الله عز وجل، ويبكي ويتضرع، ويمرّغ وجهه بين يدي رب العالمين في ظلمات الليالي صلوات الله عليه، ففي الحديث "لَمَّا كَانَ يَوْمُ بَدْرٍ نَظَرَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إِلَى الْمُشْرِكِينَ وَهُمْ أَلْفٌ وَأَصْحَابُهُ ثَلَاثُ مِائَةٍ وَتِسْعَةَ عَشَرَ رَجُلًا فَاسْتَقْبَلَ نَبِيُّ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ الْقِبْلَةَ ثُمَّ مَدَّ يَدَيْهِ فَجَعَلَ يَهْتِفُ بِرَبِّهِ: اللَّهُمَّ أَنْجِزْ لِي مَا وَعَدْتَنِي اللَّهُمَّ آتِ مَا وَعَدْتَنِي اللَّهُمَّ إِنْ تُهْلِكْ هَذِهِ الْعِصَابَةَ مِنْ أَهْلِ الْإِسْلَامِ لَا تُعْبَدْ فِي الْأَرْضِ. فَمَا زَالَ يَهْتِفُ بِرَبِّهِ مَادًّا يَدَيْهِ مُسْتَقْبِلَ الْقِبْلَةِ حَتَّى سَقَطَ رِدَاؤُهُ عَنْ مَنْكِبَيْهِ فَأَتَاهُ أَبُوبَكْرٍ فَأَخَذَ رِدَاءَهُ فَأَلْقَاهُ عَلَى مَنْكِبَيْهِ ثُمَّ الْتَزَمَهُ مِنْ وَرَائِهِ وَقَالَ يَا نَبِيَّ اللَّهِ كَفَاكَ مُنَاشَدَتُكَ رَبَّكَ فَإِنَّهُ سَيُنْجِزُ لَكَ مَا وَعَدَكَ فَأَنْزَلَ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ: (إِذْ تَسْتَغِيثُونَ رَبَّكُمْ فَاسْتَجَابَ لَكُمْ أَنِّي مُمِدُّكُم بِأَلْفٍ مِّنَ الْمَلآئِكَةِ مُرْدِفِينَ). [سورة الأنفال، الآية: 9]." وقد ذُكر عن بعض الصالحين وغيرهم أنهم دعوا الله عز وجل وقت الشدة، وقد صدقوا اللجأ والاضطرار إلى الله عز وجل، فرفع الله عز وجل عنهم البلاء.
والحاصل - يا عباد الله - أن المسلم في مثل هذه الأحوال، وفي مثل هذه الظروف عليه أن يلجا إلى الله بالدعاء والتضرع، فإن الله عز وجل يحب الملحّين من عباده في الدعاء. وفي الحديث: "إن الله يحب الملحّين في الدعاء" وفي الآخر: "من لم يسأل الله يغضب عليه"
واعلموا عباد الله: إن مما لا بد منه أمام هذه النازلة أن يذكر المسلم أن من حكمة الله تعالى ومن بديع تدبيره أنه يمهل للظالم ويملي له، لكنه يأخذه في النهاية أخذاً أليماً شديداً، لا نجاة له منه، كما جاء في الحديث الذي أخرجه الشيخان في صحيحيهما عن أبي موسى الأشعري رضي الله عنه أن رسول الله صلَّ الله عليه وسلم قال: ((إن الله تعالى ليملي للظالم حتى إذا أخذه لم يفلته)) ثم قرأ النبي صلَّ الله عليه وسلم : وَكَذٰلِكَ أَخْذُ رَبّكَ إِذَا أَخَذَ ٱلْقُرَىٰ وَهِىَ ظَـٰلِمَةٌ إِنَّ أَخْذَهُ أَلِيمٌ شَدِيدٌ [هود:102]
وأخيرا نقول لإخواننا في مصر ما قاله الله سبحانه وتعالى: {إِن يَمْسَسْكُمْ قَرْحٌ فَقَدْ مَسَّ ٱلْقَوْمَ قَرْحٌ مّثْلُهُ وَتِلْكَ ٱلأيَّامُ نُدَاوِلُهَا بَيْنَ ٱلنَّاسِ وَلِيَعْلَمَ ٱللَّهُ ٱلَّذِينَ ءامَنُواْ وَيَتَّخِذَ مِنكُمْ شُهَدَاء وَٱللَّهُ لاَ يُحِبُّ ٱلظَّـٰلِمِينَ}{وَلِيُمَحّصَ ٱللَّهُ ٱلَّذِينَ ءامَنُواْ وَيَمْحَقَ ٱلْكَـٰفِرِينَ} {أَمْ حَسِبْتُمْ أَن تَدْخُلُواْ ٱلْجَنَّةَ وَلَمَّا يَعْلَمِ ٱللَّهُ ٱلَّذِينَ جَـٰهَدُواْ مِنكُمْ وَيَعْلَمَ ٱلصَّـٰبِرِينَ}[آل عمران:140-142]. فأقول لإخواننا الصابرين المجاهدين في مصر الذين يجوبون شوارع البلاد بصوت واحد كفى ظلما وآن للظالم أن يرحل، أقول لهم :اصبروا فإن العاقبة دائماً للمتقين، والنصر والتمكين والغلبة للصابرين الصامدين، الذين يستيقنون أن النصر مع الصبر، وأن الفرج مع الكرب، وأن مع العسر يسراً. وإنما هي صبر ساعة. أعوذ بالله من الشيطان الرجيم: {أَمْ حَسِبْتُمْ أَن تَدْخُلُواْ ٱلْجَنَّةَ وَلَمَّا يَأْتِكُم مَّثَلُ ٱلَّذِينَ خَلَوْاْ مِن قَبْلِكُم مَّسَّتْهُمُ ٱلْبَأْسَاء وَٱلضَّرَّاء وَزُلْزِلُواْ حَتَّىٰ يَقُولَ ٱلرَّسُولُ وَٱلَّذِينَ ءامَنُواْ مَعَهُ مَتَىٰ نَصْرُ ٱللَّهِ أَلا إِنَّ نَصْرَ ٱللَّهِ قَرِيبٌ}[البقرة:214]، {أَلا إِنَّ نَصْرَ ٱللَّهِ قَرِيبٌ}، {أَلا إِنَّ نَصْرَ ٱللَّهِ قَرِيبٌ}.
نفعني الله وإياكم بهدي كتابه، وبسنة نبيه صلَّ الله عليه وسلم ، أقول قولي هذا، وأستغفر الله العظيم الجليل لي ولكم ولسائر المسلمين من كل ذنب، فاستغفروه إنه هو الغفور الرحيم اللهم صل وسلم على عبدك ورسولك محمد، وارض اللهم عن الخلفاء الراشدين...