Checkout

خطب الجمـعة

faheemfb@gmail.com

165

      

 

     

    


بسم الله الرحمن الرحيم

وخَالِقِ النَّاسَ بِخُلُقٍ حَسَنٍ

 

كتبها : الشيخ  عبد الرزّاق طاهر فارح

ترجمها إلى الإنجليزية : د . فهيم بوخطوة

 

6 رمضان  1435 هـ

3 يوليو 2014 م

 

 

أمَّا بعدُ: فَأُوصِيكُمْ عِبَادَ اللهِ وَنَفْسِي بِتَقْوَى اللهِ جَلَّ وَعَلا، قَالَ تَعَالَى:{يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِن تَتَّقُوا اللَّهَ يَجْعَل لَّكُمْ فُرْقَاناً وَيُكَفِّرْ عَنكُمْ سَيِّئَاتِكُمْ وَيَغْفِرْ لَكُمْ وَاللَّهُ ذُو الفَضْلِ العَظِيمِ} الأنفال 29.

 

أَيُّهَا الْمُسْلِمُونَ: الإنسانُ اجتماعِيٌّ بطبعِهِ يأنَسُ بالمخالطةِ، ويميلُ إلَى التآلُفِ فيمَا بينَهُ وبيْنَ المجتمع، وقَدْ عبَّرَ القرآنُ الكريمُ عنْ ذلكَ فِي قولِهِ تعالَى:{يَا أَيُّهَا النَّاسُ إِنَّا خَلَقْنَاكُمْ مِنْ ذَكَرٍ وَأُنْثَى وَجَعَلْنَاكُمْ شُعُوباً وَقَبَائِلَ لِتَعَارَفُوا إِنَّ أَكْرَمَكُمْ عِنْدَ اللَّهِ أَتْقَاكُمْ إِنَّ اللَّهَ عَلِيمٌ خَبِيرٌ} الحجرات 13.

 والمجتمعَ المثالِيَّ الحضارِيَّ هوَ الذِي يتمثلُ أفرادُهُ الأخلاقَ الحسنةَ فِي كلِّ سلوكياتِهِمْ، فبالأخلاقِ ينتشرُ الأمنُ والأمانُ، ويعُمُّ الرخاءُ والاستقرارُ والوئامُ، وتَهنأُ الأُسرُ والبلادُ، ويسعدُ العبادُ، وقَدْ قيلَ: ذَهَبَ حُسْنُ الْخُلُقِ بِخَيْرِ الدُّنْيَا وَخَيْرِ الآخِرَةِ.

وقد جعلَ اللهُ حُسْنَ الخلقِ أثقلَ شيءٍ فِي ميزانِ العبد يومَ القيامةِ، وجعلَ أقربَ الناسِ فِي الجنةِ مجلسًا مِنْ رسولِ اللهِ r أحاسِنَهُمْ أخلاقًا، قَالَ صلَّ الله عليه وسلَّم: «إِنَّ مِنْ أَحَبِّكُمْ إِلَىَّ وَأَقْرَبِكُمْ مِنِّي مَجْلِساً يَوْمَ الْقِيَامَةِ أَحَاسِنَكُمْ أَخْلاَقاً» الترمذي 2018.

نعم ايها الاخوة إنَّ للأخلاقِ فِي الإسلامِ منْزلةً شريفةً، ودرجةً عاليةً منيفةً، يرتقِي بِهَا المسلمُ فِي درجاتِ الإيمانِ، ويزدادُ فِي الإحسانِ، ومَا أثنَى اللهُ تعالَى علَى عبْدٍ مِمَّنْ خلَقَ بمثلِ مَا وصفَ بهِ نبيَّهُ صلَّ الله عليه وسلَّم فقالَ:{وَإِنَّكَ لَعَلَى خُلُقٍ عَظِيم} القلم 4. وقالَ صلَّ الله عليه وسلَّم: «إِنَّمَا بُعِثْتُ لأُتَمِّمَ مَكَارِمَ الأَخْلاَقِ» البيهقي في السنن الكبرى 10/192، والإسلامُ يدعُو إلَى البِرِّ، وقَدْ فسَّرَهُ رَسُولُ اللَّهِ صلَّ الله عليه وسلَّم فقالَ:«الْبِرُّ حُسْنُ الْخُلُقِ» مسلم : 2553.

وحُسْنُ الْخُلُقِ هِبَةٌ مِنَ اللهِ تعالَى لِمَنْ يُحِبُّ،  قَالَ صلَّ الله عليه وسلَّم: «إِنَّ اللَّهَ قَسَمَ بَيْنَكُمْ أَخْلاَقَكُمْ كَمَا قَسَمَ بَيْنَكُمْ أَرْزَاقَكُمْ، وَإِنَّ اللَّهَ عَزَّ وَجَلَّ يُعْطِي الدُّنْيَا مَنْ يُحِبُّ وَمَنْ لاَ يُحِبُّ، وَلاَ يُعْطِي الدِّينَ إِلاَّ لِمَنْ أَحَبَّ، فَمَنْ أَعْطَاهُ اللَّهُ الدِّينَ فَقَدْ أَحَبَّهُ» أحمد : 3744.

 

عبادَ اللهِ: الإسلامُ شعائِرُ وأخلاقٌ، فالشعائرُ تتجلَّى فِي الصلاةِ والصومِ والزكاةِ والحجِّ وغيرِهَا مِمَّا أمرَ اللهُ تعالَى بهِ، ولاَ تستقيمُ الشعائرُ بدونِ حُسْنِ الْخُلُقِ، فجميعُ الشعائرِ تُثمِرُ الأخلاقَ الفاضلةَ، فالصلاةُ تَنْهَى عَنِ الفَحْشَاءِ وَالْمُنكَرِ قالَ عزَّ وجلَّ:{إِنَّ الصَّلاةَ تَنْهَى عَنِ الفَحْشَاءِ وَالْمُنكَرِ} العنكبوت: 45. والزكاةُ تُطَهِّرُ الإنسانَ وتُزَكِّيهِ، قالَ سبحانَهُ:{خُذْ مِنْ أَمْوَالِهِمْ صَدَقَةً تُطَهِّرُهُمْ وَتُزَكِّيهِم بِهَا} التوبة: 103، والصيامُ يُهذِّبُ النفْسَ، قَالَ صلَّ الله عليه وسلَّم: «مَنْ لَمْ يَدَعْ قَوْلَ الزُّورِ وَالْعَمَلَ بِهِ فَلَيْسَ لِلَّهِ حَاجَةٌ فِى أَنْ يَدَعَ طَعَامَهُ وَشَرَابَهُ» البخاري 1903. والحجُّ يرتقِي بأخلاقِ الإنسانِ، قالَ تعالَى: {الْحَجُّ أَشْهُرٌ مَّعْلُومَاتٌ فَمَن فَرَضَ فِيهِنَّ الحَجَّ فَلاَ رَفَثَ وَلاَ فُسُوقَ وَلاَ جِدَالَ فِي الحَجِّ} البقرة :197.

والعبادةُ مهمَا كَثُرَتْ لاَ تُغْنِي عَنْ حُسنِ الخلُقِ، فإنَّ سوءَ الخلُقِ يَمحَقُ ثوابَ الأعمالِ، فَعَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رضي الله عنه: أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صلَّ الله عليه وسلَّم قَالَ: «أَتَدْرُونَ مَا الْمُفْلِسُ؟». قَالُوا: الْمُفْلِسُ فِينَا مَنْ لاَ دِرْهَمَ لَهُ وَلاَ مَتَاعَ. فَقَالَ: «إِنَّ الْمُفْلِسَ مِنْ أُمَّتِي يَأْتِى يَوْمَ الْقِيَامَةِ بِصَلاَةٍ وَصِيَامٍ وَزَكَاةٍ، وَيَأْتِي قَدْ شَتَمَ هَذَا، وَقَذَفَ هَذَا، وَأَكَلَ مَالَ هَذَا، وَسَفَكَ دَمَ هَذَا، وَضَرَبَ هَذَا، فَيُعْطَى هَذَا مِنْ حَسَنَاتِهِ، وَهَذَا مِنْ حَسَنَاتِهِ، فَإِنْ فَنِيَتْ حَسَنَاتُهُ قَبْلَ أَنْ يُقْضَى مَا عَلَيْهِ أُخِذَ مِنْ خَطَايَاهُمْ فَطُرِحَتْ عَلَيْهِ ثُمَّ طُرِحَ فِى النَّارِ» مسلم: 2581.

 

وقَدْ بيَّنَ النبِيُّ صلَّ الله عليه وسلَّم أنَّ مِنْ حُسنِ خُلقِ المسلمِ أَنْ لاَ يتكبَّرَ علَى عبادِ اللهِ، أَوْ يقطَعَ رحمَهُ، أو يسعَى بينَ الناسِ بالنميمةِ والفسادِ، فإنَّ كفَّ الأذَى عَنِ الناسِ مِنْ حُسنِ الأخلاقِ، قَالَ صلَّ الله عليه وسلَّم: «الْمُسْلِمُ مَنْ سَلِمَ الْمُسْلِمُونَ مِنْ لِسَانِهِ وَيَدِهِ» أحمد : 3744.

 

أيهَا المسلمونَ: ولإكتسابِ الخلُقِ الحَسَنِ أسبابٌ. ومِنْ أعظمِهَا: الإقتداءُ برسولِ اللهِ صلَّ الله عليه وسلَّم، فهُوَ أحسَنُ الناسِ خُلُقاً، وأرجَحُهُمْ عقلاً، وأزكَاهُمْ نفْساً. فمَا مِنْ صفةٍ مِنْ صفاتِ الكمالِ البشرِيِّ إلاَّ وقَدْ أودعَهَا اللهُ تعالَى فيهِ، قالَ سبحانَهُ: {لَقَدْ كَانَ لَكُمْ فِي رَسُولِ اللَّهِ أُسْوَةٌ حَسَنَةٌ لِّمَن كَانَ يَرْجُو اللَّهَ وَالْيَوْمَ الآخِرَ وَذَكَرَ اللَّهَ كَثِيراً} الأحزاب 21. ومنْهَا صُحبةُ الأخيارِ والصالحينَ، قالَ عزَّ وجلَّ: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَكُونُوا مَعَ الصَّادِقِينَ} التوبة: 119. وقَدْ قالَ العلماءُ: اصْحَبْ مَنْ ينهضُكَ حَالُهُ، ويدُلُّكَ علَى اللهِ مقالُهُ.

ومنْهَا مُطالعةُ سِيَرِ أهْلِ الفضلِ والصَّلاحِ، وأَرْبَابِ الخيرِ والفَلاحِ، ففِي سِيرتِهِمْ مَا يُعينُ علَى تَمَثُّلِ أخلاقِهِمْ، وإتِّباعِ نَهْجِهِمْ. فاحرصُوا عبادَ اللهِ علَى أَنْ تُعَلِّمُوا أولادَكُمْ سيرةَ الصَّحَابةِ والتَّابعينَ. وعلى المسلم أن يُقَابل الإساءة بالإحسان. قال تعالى (واذا خاطبهم الجاهلون قالوا سلاما)

فعلى المسلم ان يكثر من  الضراعةِ والدعاءِ للهِ بأَنْ يهدِيَهُ لأَحْسَنِ الأَخْلاَقِ، فقد كان صلَّ الله عليه وسلَّم يَقُولُ في دعاء استفتاح صلاته: «اللَّهُمَّ... اهْدِنِى لأَحْسَنِ الأَخْلاَقِ لاَ يَهْدِى لأَحْسَنِهَا إِلاَّ أَنْتَ وَاصْرِفْ عَنِّي سَيِّئَهَا لاَ يَصْرِفُ عَنِّي سَيِّئَهَا إِلاَّ أَنْتَ» مسلم 771.

 

أيهَا المؤمنونَ: إنَّ حُسنَ الخلُقِ مِنْ أعظمِ مَا ينفَعُ المؤمِنَ يومَ القيامةِ ويُثقِّلُ موازينَ حسناتِهِ، قالَ رسولُ اللهِ صلَّ الله عليه وسلَّم: «مَا شَىْءٌ أَثْقَلُ فِي مِيزَانِ الْمُؤْمِنِ يَوْمَ الْقِيَامَةِ مِنْ خُلُقٍ حَسَنٍ» الترمذي: 2002.

فعلَى المسلمِ أَنْ يقتدِيَ برسولِ اللهِ صلَّ الله عليه وسلَّم حيثُ كانَ يتمثَّلُ أخلاقَ القرآنِ وآدابَهُ فِي معاملتِهِ معَ جميعِ الناسِ حتَّى قَالَتْ عنْهُ السيدةُ عائشةُ رضيَ اللهُ عنْهَا: (كَانَ خُلُقُهُ الْقُرْآنَ) أحمد: 25338.

وعليه أيضا ان يكون سفيرا للإسلام بأخلاقه وتعامله مع الناس فالإسلام دين الأخلاق ودين السماحة ودين السلام.

 

 


faheemfb@gmail.com   فهيم أبوخـطـوة ،، البريد الإلكتروني