خطب الجمـعة |
![]() |
|
164 |
بسم الله الرحمن الرحيم
حقُّ المسلم على المسلم
كتبها : الشيخ عبد الرزّاق طاهر فارح
ترجمها إلى الإنجليزية : د . فهيم بوخطوة
16 جمادى الأوّل 1431
30 أبريل 2010
إن الحمد لله، نحمده ونستعينه، ونستغفره، ونعوذ بالله من شرور أنفسنا ومن سيئات أعمالنا، من يهد الله فلا مُضل له، ومن يُضلل فلا هادي له، وأشهد أن لا إله إلا الله، وحده لا شريك له، وأشهد أن محمدا عبده ورسوله.
( ياأيها الذين ءامنوا إتقوا الله حق تُقاته ولا تموتن إلا وأنتم مسلمون)
( يا أيها الناس اتقوا ربكم الذي خلقكم من نفس واحدة وخلق منه زوحها وبث منهما رجالا كثيرا ونساء واتقوا الله الذي تساءلون به والأرحام، إن الله كان عليكم رقيبا)
( ياأيها الذين ءامنوا اتقوالله وقولوا قولا سديدا يُصلح لكم أعمالكم ويغفر لكم ذنوبكم ومن يُطع الله ورسوله فقد فاز فوزا عظيما)
أما بعد:
فإن أصدق الحديث كتاب الله، وأحسن الهدي هدي محمد صلى الله عليه وسلم، وشر الأمور مُحدثاتها، وكل محدثة بدعة، وكل بدعة ضلالة، وكل ضلالة في النار.
أيها الناس:
إن من أعظم مقاصد الشريعة، ومن أجل أهداف الإسلام، أن يُؤلف بين القلوب، وأن يجمع بين الصفوف، وأن يُوحد الكلمة، وأن يرأب الصدع، وأن يُزيل أسباب الخلاف والتدابر والتقاطع، ولذلك يقول الله تعالى ممتنا على هذه الأمة: ( وألف بين قلوبهم لو أنفقت ما في الأرض جميعا ما ألفت بين قلوبهم ولكن الله ألف بينهم إنه عزيز حكيم) فسبحان من ألف بين هذه القلوب وسبحان من وحد بين هذه الأجناس، وسبحان من جمع بين هذه الألوان واللغات والعادات.
جمع الله بين بلال الحبشي، وصهيب الرومي، وسلمان الفارسي، وعلي القرشي في وحدة وألفة وترابط أخوي لم يعرف التاريخ له مثيلا. فقد أمر الله سبحانه بالوحدة والترابط، والإعتصام بحبل الله تعالى يقول سبحانه: ( واعتصموا بحبل الله جميعا ولاتفرقوا واذكروا نعمة الله عليكم إذ كنتم أعداء فألف بين قلوبكم فأصبحتم بنعمته إخوانا وكنتم على شفا حفرة من النار فأنقذكم منها كذلك يبين الله لكم آياته لعلكم تهتدون) آل عمران 103 . ويقول رسول الله صلى الله عليه وسلم: " المسلم أخو المسلم لا يضلمه ولا يخذله، من كان في حاجة أخيه كان الله في حاجته، ومن فرج عن مسلم كربة فرج الله عنه بها كربة من كرب القيامة، ومن ستر مسلما ستره الله يوم القيامة" متفق عليه . وعن أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم:"كل سُلامى من الناس عليه صدقة، كل يوم تطلع فيه الشمس: تعدل بين الإثنين صدقة، وتعين الرجل في دابته فتحمله عليها، أو ترفع له عليها متاعه صدقة، والكلمة الطيبة صدقة، وبكل خطوة تمشيها إلى الصلاة صدقة، وتُميط الأذى عن الطريق صدقة " متفق عليه. ويقول النبي صلى عليه وسلم: " لا تدخلوا الجنة حتى تُؤمنوا، ولا تُؤمنوا حتى تحابوا، ألا أدلكم على شيئ إذا فعلتموه تحاببتم أفشوا السلام بينكم" وإفشاء السلام معناه التواضع لعباد الله، والمحبة لهم ومُسالمتهم، وعدم إضمار شيئ في نفسه لهم، فإذا إستهان الناس بهذه الشعيرة الغالية والعظيمة من شعائر الدين، فيمر أحدهم على بعض ولا سلام ولا تحية، إذا فعل الناس ذلك ظهرت الضغائن وانتشرت الأحقاد واستعرت العداوات وفشا الحقد والحسد والبغض بين الناس، وهذا ولا شك من فساد ذات البين الذي حذر منه نبينا صلى الله عليه وسلم بقوله " إياكم وفساد ذات البين، فإن فساد ذات البين الحالقة، لا أقول تحلق الشعر وإنما تحلق الدين"
فعليك أيها العبد المُسلم أن تُخرج من قلبك كل حقد، وكل حسد، وكل بغضاء لأحد من المسلمين، فإذا أويت إلى فراشك من الليل لتنام، فاسأل الله ـ عز وجل ـ أن ينزع من قلبك كل غش وضغينة، وحسد وبغضاء.
عباد الله:
وهذا النبي صلى الله عليه وسلم أراد ان يبين لأصحابه فضل محبة المسلمين، وسلامة الصدر بينهم فبينا هو جالس مع أصحابه ذات مرة، إذ قال صلى الله عليه وسلم: " يطلع عليكم الآن رجل من أهل الجنة" فطلع رجل من الأنصار، يتساقط ماء الوضوء من لحيته، وقد علق نعليه في شماله، فلما كان من الغد قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: " يطلع عليكم الآن رجل من أهل الجنة" فطلع ذلك الرجل على مثل حالته الأولى فلما قام رسول الله صلى الله عليه وسلم ،قام عبدالله بن عمرو بن العاص وتبع ذلك الرجل وقال له: إني خاصمت أبي فأقسمت أن لا أدخل عليه ثلاث ليال، فإن رأيت أن تُؤويني إليك حتى تحل يميني فعلت، فقال: نعم، فكان عبدالله بن عمرو بن العاص يُحدث أنه بات معه ليلة أو ثلاث ليال، فلم يره يقوم من الليل بشيئ، غير أنه إذا انقلب على فراشه ذكر الله وكبر حتى يقوم لصلاة الفجر، فيُسبغ الوضوء، قال عبدالله: غير أني لا أسمعه يقول إلا خيرا، فلما مضت الثلاث ليال كدت أحتقر عمله، قلت يا عبدالله إنه لم يكن بيني وبين والدي غضب، ولكني سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم ثلاث مرات في ثلاث مجالس يقول: "يطلع عليكم الآن رجل من أهل الجنة" فطلعت أنت تلك الثلاث مرات، فأردت آوي إليك فأنظر عملك، فلم أراك تعمل كبير عمل، فما الذي بلغ بك ما قال رسول الله صلى الله عليه وسلم؟ قال: ما هو إلا ما رأيت . فانصرف عنه فلما وليت دعاني فقال: ما هو إلا ما رأيت، غير أني لا أجد في نفسي لأحد من المسلمين، ولا أحسده على خير أعطاه الله إياه . قال عبدالله بن عمرو: " هذه التي بلغت بك وهي التي لا نُطيق". فانظروا إخوتي الكرام إلى هذه القصة العظيمة البليغة ولنأخذ منها العبرة والعظة ما الذي بلغ بهذا الرجل تلك المنزلة الرفيعة إنها سلامة الصدر لإخوانه المسلمين شهد الله له بالجنة والفضل وهو على هذه الأرض ينام وليس في قلبه غش ولا حسد ولا بغضاء ولا غل على أحد، وهذا أيها الأخوة ليس بالأمر اليسير ولذلك قال عبدالله بن عمرو: " هذه التي بلغت بك وهي التي لا نُطيق".
أيها الأخوة المسلمون:
إن من الناس من يتصدق ويقوم الليل ويصوم النهار، ولكنه يُؤذي جيرانه، ويأكل لحوم إخوانه بالغيبة والنميمة والوقوع في أعراضهم. فكثرت بين الناس في الجالية المسلمة التخاصم والعداوة والبغضاء والحقد على بعض والقطيعة بين المسلمين وإنا لنرى ذلك يكثر ويعظم خاصة بين الشركاء في المال والأعمال الذين لا يلتزمون أحكام الإسلام في البيع والشراء والشركة والقراض والمثضاربة وغير ذلك.
فإلاما الخُلف بينكموا إلاما *** وهذي الضجة الكبرى علاما
وفيما يكيد بعضكموا لبعض *** وتُبدون العداوة والخصام
لماذا التقاطع في الإسلام بينكموا *** وأنتم يا عباد الله إخوانا
إخوة الإيمان والعقيدة:
لقد بين الرسول الأكرم صلى الله عليه وسلم حق المسلم على المسلم فيقول: " المسلم أخو المسلم، لا يظلمه ولا يخذله ولا يحقره، التقوى ههنا"، ويُشير إلى صدره ثلاث مرات: " بحسب امرئ من الشر أن يحقر أخاه المسلم، كل المسلم على المسلم حرام، دمه وماله وعرضه". أخي المسلم هذه هي الحقوق التي على المسلم لأخيه المسلم وما أعظمها من حقوق وما أجلها من توجيهات، فلا يظلم المسلم أخاه، ولا يخذل المسلم أخاه بأن يترك إعانته ونصرته والدفاع عنه في موطن يستطيع أن ينصره فيه، ولا يحقر المسلم أخاه بأن يستهزئ به ويستصغر من شأنه فهذا ليس من أخلاق المسلمين.
فاتقوا الله عباد الله، واحذروا واجتنبوا كل ما من شأنه إيذاء المسلمين من غيبة ونميمة وهتك للأعراض والتفكه بالحرمات . وليعلم من يفعل ذلك ويتعاطاه بأنه يُحارب الله تعالى، ويُعلن الهدم في صدر هذه الرسالة الخالدة، فليتق الله تعالى في نفسه وعاقبته ومصيره واعلموا يرحمكم الله بأن هذه أمتنا أمة واحدة (إنما المؤمنون إخوة) الحجرات 10 . واعلم يامن تعتدي على حُرمات المسلمين بأن الله سيقتص منك لا محالة، وسوف يأخذ من حسناتك لتُجعل في موازين من اغتبت ومن ظلمت ومن شتمت حتى إذا فنيت حسناتك أخذ من سيئاتهم لتُجعل في موازين من اغتبت ومن ظلمت، حتى إذا فنيت حسناتك أُخذ من سيئاتهم لتُجعل في ميزانك حتى تُطرح في النار . ( إن الله يُدافع عن الذين آمنوا إن الله لا يُحب كل خوان كفور) الحج 38.
أيها الأخوة المؤمنون:
لقد نرى ونلحط جميعا هذا التشتت في الأسر في مجتمعاتنا، يوم أن قطعنا أرحامنا وحصل الفساد فيما بيننا: ( فهل عسيتُم إن توليتم أن تُفسدوا في الأرض وتقطعوا أرحامكم) محمد 22.
إن من الأرحام من يحقد على رحمه، ويتعرض له بالكيد والدسائس ويمشي بين أقربائه وذوي رحمه بالنميمة وبث الفرقة وإيقاد نار الفتنة والكراهية والبغضاء والعياذ بالله، ولذلك فترى القسوة في القلوب، والجفاف في العيون، والغلظة بدل الرحمة وقلة المشاعر الدافئة بين أبناء البيت الواحد والأسرة الواحدة وإن كانوا إخوة أشقاء من أم واحدة وأب واحد، فتقل بسبب ذلك الأرزاق وتذهب البركة وإلى الله المُشتكى، ولا حول ولا قوة إلا بالله . أين نحن أيُها الإخوة من قول النبي صلى الله عليه وسلم: "حق المُسلم على المسلم ست: إذا لقيته فسلم عليه، وإذا دعاك فأجبه، وإذا استنصحك فانصحه، وإذا عطس فحمد الله فشمته، وإذا مرض فعده، وإذا مات فاتبعه" رواه مسلم. وأين هذا من الذين جعلوا السلام بالمزاج، فيجعل السلام على المعرفة والمكانة، فلا يُسلم أحدهم إلا على الكبار، وذوي المكانة والنبي صلى الله عليه وسلم يقول: "إذا لقي أحدكم أخاه فليُسلم عليه" ررواه مسلم. فالأمر يدل على وجوب الإبتداء بالسلام إلا أنه نُقل عن إبن عبدالبر وغيره أن الإبتداء بالسلام سنة وأن رده فرض. قال عمار: ثلاث من جمعهن فقد جمع الإيمان: إنصاف من نفسك، وبذل السلام للعالم، والإنفاق من الإقتار، ويا لها من كلمات ما أجمعها للخير. ولتعلم أخي المؤمن أن السلام إسم من أسماء الله فقوله السلام عليكم أي أنتم في حفظ الله.
أقول ما تسمعون وأستغفر الله العظيم الجليل لي ولكم ولسائر المسلمين من كل ذنب فاستغفروه وتوبوا إليه إنه هو الغفور الرحيم.