خطب الجمـعة |
![]() |
|
169 |
بسم الله الرحمن الرحيم
تسبيح الله ـ العبادة
كتبها : الشيخ
ترجمها إلى الإنجليزية : د . فهيم بوخطوة
22 شوّال 1436
7 أغسطس 2015
إن الحمد لله نحمده ونستعينه ونستغفره ونتوب إليه ، ونعوذ بالله من شرورو أنفسنا وسيئات أعمالا. من يهده الله فلا مضل له، ومن يضلل فلا هادي له، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أنّ محمداً عبده ورسوله، صلى الله وسلم عليه وعلى آله وصحبه أجمعين.
أما بعد
معاشر المؤمنين ، عباد الله اتقوا الله تعالى. فإن من إتّقى الله وقاه، وأرشده إلى خير أمور دينه ودنياه،
أيها المؤمنون ، عباد الله ،، عبادةٌ جليلٌ شأنها، عظيم قدرها، حبيبة إلى الرَّب جلّ شأنه، يسيرةُ على الإنسان، ثوابها عند الله جلّ وعلا عظيم، وهي ثقيلة في الميزان يوم القيامة، ألا وهي تسبيح الله جل وعلا.
فالتسبيح عباد الله عبادة جليلة، وطاعة عظيمة، ورد في فضله نصوص متكاثرة، وأدلة متضافرة، وهو إحدى الكلمات الأربع التي هي أحبُّ الكلام إلى الله جلّ وعلا. ففي صحيح مسلم عن النبي صلى الله عليه وسلم أنّه قال: {أحبُّ الكلام إلى الله أربع، سبحان الله، والحمد لله، لا إله إلا الله، والله أكبر}.
ولقد تكرر ورود التسبيح في القرآن تكرارا يزيد على الثمانين مرّة بصيغ متعددة ومقامات متنوِّعة، مما يدل على مكانة التسبيح العليّة ومنزلته الشريفة.
والتسبيح عبادة خفيفة على اللسان، لكنها في الميزان ثقيلة، يقول عليه الصلاة والسلام كما في الصحيحين وغيرهما من حديث أبي هريرة رضي الله عنه، قال صلى الله عليه وسلم: {كلمتان خفيفتان على اللسان، ثقيلتان في الميزان، حبيبتان إلى الرحمن، سبحان الله وبحمده، سبحان الله العظيم}.
أيها المؤمنون،، والتسبيح عبودية الكائنات بأسرها. فالكائنات كلها تسبِّح الله جلّ وعلا: {تُسَبِّحُ لَهُ ٱلسَّمَـٰوَٲتُ ٱلسَّبۡعُ وَٱلۡأَرۡضُ وَمَن فِيہِنَّۚ وَإِن مِّن شَىۡءٍ إِلَّا يُسَبِّحُ بِحَمۡدِهِۦ وَلَـٰكِن لَّا تَفۡقَهُونَ تَسۡبِيحَهُمۡۗ إِنَّهُ ۥ كَانَ حَلِيمًا غَفُورً۬ا} 17 :44 .
والتسبيح ،، معاشر المؤمنين، عبادة أهل الجنّة. فأهل الجنّة، نسأل الله عزّ وجلّ بأن يكرمنا بأن نكون لها من الداخلين، فأهل الجنّة عباد الله يُلهمون في الجنّة التسبيح كما يُلهم الإنسان التنفّس في الدنيا، فيتكرر التسبيح على ألستنتهم، ويكن عليهم عملاً لا مشقّة فيه ولا كُلفة. بل إنهم يتلذّذون به تلذُّذاً أعظم من تلذُّذهم بالطعام والشراب. يقول الله تبارك وتعالى: { دَعۡوَٮٰهُمۡ فِيہَا سُبۡحَـٰنَكَ ٱللَّهُمَّ وَتَحِيَّتُہُمۡ فِيہَا سَلَـٰمٌ۬ۚ وَءَاخِرُ دَعۡوَٮٰهُمۡ أَنِ ٱلۡحَمۡدُ لِلَّهِ رَبِّ ٱلۡعَـٰلَمِينَ }10:10.
معاشر المؤمنين ،، والتسبيحُ عبادة جليلة. بل إنه يُعَدُّ أصلا عظيماً وأساساً متيناً تنبني عليه معرفة العبد لربِّه جلّ وعلا. فإنّ من الأسس العظيمة التي تُبنى عليها معرفة الله: تنزيه الربّ جلّ وعلا وتقديسه عن كلّ ما لا يليق به، وعن النقائص، وعن مُشابَهَة المخلوقات. وفي هذا يقول جلّ وعلا: { سُبۡحَـٰنَ رَبِّكَ رَبِّ ٱلۡعِزَّةِ عَمَّا يَصِفُونَ (١٨٠) وَسَلَـٰمٌ عَلَى ٱلۡمُرۡسَلِينَ (١٨١) وَٱلۡحَمۡدُ لِلَّهِ رَبِّ ٱلۡعَـٰلَمِينَ (١٨٢)} 37 :180-182.
ومن أسماء ربِّنا جلّ وعلا: السُّبُوح، أي المُنَزَّه المُقّدَّس عن النقائص والعيوب. وقد كان نبيِّنا صلوات الله وسلامه عليه يقول في ركوعه وسجوده: {سَبُّوحٌ قدُّوس ربُّ الملائكة والرُّوح}. ويقول في ركوعه: {سبحان ربي العظم}. وفي سجوده: {سبحان ربي الأعلى}.
عباد الله ،، وفي التسبيح والإكثار منه نجاةٌ من الشدائد والأهوال والكربات. {فَلَوۡلَآ أَنَّهُ ۥ كَانَ مِنَ ٱلۡمُسَبِّحِينَ (١٤٣) لَلَبِثَ فِى بَطۡنِهِۦۤ إِلَىٰ يَوۡمِ يُبۡعَثُونَ (١٤٤) } 37 : 143-144. يقول صلى الله عليه وسلم: {دعوة ذي النّون: لا إله إلا أنت سبحانك إنّي كنت من الظالمين، ما دعا بها مكروب إلا فرَّج الله عنه كربه}.
وفي الإكثار من ذكر الله وتسبيحه ، عباد الله، يفوز العب بصلاة الربّ عليه، وصلاة الملائكة. يقول الله جلّ وعلا: { يَـٰٓأَيُّہَا ٱلَّذِينَ ءَامَنُواْ ٱذۡكُرُواْ ٱللَّهَ ذِكۡرً۬ا كَثِيرً۬ا (٤١) وَسَبِّحُوهُ بُكۡرَةً۬ وَأَصِيلاً (٤٢) هُوَ ٱلَّذِى يُصَلِّى عَلَيۡكُمۡ وَمَلَـٰٓٮِٕكَتُهُ ۥ لِيُخۡرِجَكُم مِّنَ ٱلظُّلُمَـٰتِ إِلَى ٱلنُّورِۚ وَڪَانَ بِٱلۡمُؤۡمِنِينَ رَحِيمً۬ا (٤٣)}33 : 41-43.
عباد الله ،، ولقد جاء في السُّنَّة النبوية أحاديث عديدو تدل على مكانة التسبيح العظيمة، ومنزلته الجليلة. ففي صحيح مسلم من حديث أبي ذر رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم سُئِلَ: أيُّ الكلام أحبُّ إلى الله؟ فقال عليه الصّلاة والسلام: {ما اصطفى الله لملائكته أو لعباده: سبحان الله وبحمده}. وفي الصحيحين من نحديث أبي هريرة عن النّبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: {من قال: سبحان الله وبحمده في يوم مائة مرّة ، حُطّت عنه خطاياه، ولو كانت مثل زبد البحر}. وفي الترمذي، عن جابر رضي الله عنه أنّ النبي صلى الله عليه وسلم قال {من قال: سبحان الله وبحمده غُرست له نخلة في الجنّة}. وفي صحيح مسلم عن سعد بن وقّاص رضي الله عنه قال: كنّا جلوسا عند رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال: {أيعجز أحدكم أن يكسب في اليوم ألف حسنة؟} فقال له بعض جلسائه: وكيف يكسب أحدنا في اليوم ألف حسنة؟ فقال عليه الصلاة والسلام: {يُسبِّح مائة تسبيحة، فيُكتب له ألف حسنة، أو يُحطّ عنه ألف خطيئة}.
والتسبيح سبب في إستجابة الدعاء وثبت في صحيح البخاري منحديث عبادة بن الصامت رضى الله عنه: أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: {إذا تعار المرء من الليل فقال: لا إله إلا الله، وحده لا شريك له، له الملك وله الحمد وهو على كل شيئ قدير، الحمد لله وسبحان الله ولا إله إلا الله والله أكبر ولا حول ولا قوّة إلا بالله، ثم قال: ربِّ إغفر لي، غُفِر له، وإن دعا، اُستُجِب له، وإن توضّأ فصلى، قُبِلت صلاته}. وهذا الحديث في الصحيح.
والتسبيح، عباد الله كفّارة للمجلس وطابع له بالخير. فمن جلس مجلساً كثر فيه لغطه فسبَّح الله جلّ وعلا وحمده. قام من مجلسه وقد كُفِّر عنه ما كان في مجلسه. ففي الترمذي وغيره ، عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: {من جلس ملساً كثر فيه لغطه، فقال قبل أن يقوم منمجلسه: (سبحانك اللهم وبحمدك، أشهد أن لا إله إلا أنت، استغفرك وأتوب إليك) إلا غُفر له ما كان في مجلسه ذلك}.
وفضائل التسبيح عباد الله كثيرة، وفوائده عديدة لا تُعد ولا تُحصى. فلنكثر عباد الله من التسبيح بحمد الله، ولنكثر من الثناء علي الله جلّ وعلا.
وإنّا لنسأل الله عزّ وجل ونرجوه أن يجعلنا من عباده المسبِّحين، من عباده الذّاكرين، من عباده الشاكرين.
أقول قولي هذا وأستغفر الله لي ولكم ولسائر المسلمين من كل ذنب، فاستغفروه يغفر لكم، إنه هو الغفور الرحيم.
الخطبة الثانية:
الحمد لله عظيم الإحسان، واسع الفضل والجود والإمتنان. وأشهد أن لا إله إلا الله، وحده لا شريك له، وأشهد أن محمداُ عبده ورسوله، صلى الله عليه، وعلى آله وصحبه أجمعين.
أما بعد ، معاشر المؤمنين ، عباد الله،،
واعلموا رعاكم الله أن الكيِّس من عباد الله من دان نفسه وعمل لما بعد الموت. والعاجز من اتبع نفسه هواها، وتمنّى على الله الأماني.
عن جويرية بن الحارث أم المؤمنين رضي الله عنها، أنّ النبي صلى الله عليه وسلم خرج من عندها بكرة حتى صلى الصبح وهي في مسجدها. ثم رجع بعد أن أضحى وهي جالسة في مسجدها، فقال: {ما زلت على الحال التي فارقتك عليها؟} قالت: نعم. فقال النبي صلى الله عليه وسلم: {لقد قلت بعدك أربع كلمات، ثلاث مرّات. لو وُزِنت بما قُلتِ منذ اليوم لوزنتهن: : سبحان الله وبحمده، عدد خلقه، ورضا نفسه، وزنة عرشه، ومداد كلماته}.
التسبيح المضاعف الذي له أجر عظيم هو هذا القول (سبحان الله وبحمده عدد خلقه ورضى نفسه وزنة عرشه ومداد كلماته) وهو من أذكار الصباح والمساء. وكان رسول الله يردِّد ذلك ثلاثاً.