خطب الجمـعة |
![]() |
|
206 |
|
بسم الله الرحمن الرحيم
حقوق الأطفال في الإسلام
كتبها : د . عبد الحي يوسف
ترجمها إلى الإنجليزية: د . فهيم بوخطوة
06 رجب 1439 هـ
23 مارس 2018 م
أحبتي في الله ،،
ليس منّا من أحد إلا ويشغله هَمُّ أولاده. كيف يربيهم؟ كيف يزكيهم؟ كيف يرقيهم؟ كيف ينشِّأهم على مكارم الأخلاق ومحاسن العادات؟ كيف يؤدِّبهم على حبِّ الله عزَّ وجلّ؟ وحب رسوله صلى الله عليه وسلم؟ وحبِّ القرآن؟ كيف يجعلهم أبناءً صالحين وبناتٍ صالحات؟ في القرآن الكريم ذكر لمعالم تلك التربية الناجحة. في وصايا لقمان، ذلك العبد الذي آتاه الله الحكمة. ومن يؤتي الحكمة فقد أوتي خيراً كثيراً. لقمان عليه السلام أوصى ولده بجملة من الوصايا. بعضها يتعلق بالمعتقد، وبعضها يتعلق بالعبادات، وبعضها يتعلق بالأخلاق، وبعضها يتعلق بنفع خلق الله عزَّ وجلَّ. ولو تأملنا هذه الوصايا فإننا نستطيع أن نتبيَّن معالم التربية الناجحة التي يرجوها كلٌّ منَّا لأولاده.
أوَّل هذه المعالم أيها المسلمون عباد الله أن تكون التربية قائمة على الحكمة. {وَلَقَدْ آتَيْنَا لُقْمَانَ الْحِكْمَةَ أَنِ اشْكُرْ لِلَّهِ ۚ وَمَن يَشْكُرْ فَإِنَّمَا يَشْكُرُ لِنَفْسِهِ ۖ وَمَن كَفَرَ فَإِنَّ اللَّهَ غَنِيٌّ حَمِيدٌ } 31:12. ليست التربية أمراً إعتباطياً كيفما كان. ليست التربية جلسات عابرة نجلسها مع أولادنا ذكوراً وإناثاً. بل التربية عملية تراكمية، تقوم على جلسات ممتدّة، وملاحظات متتابعة يُبديها الوالد حينا بعد حين، مع رفقٍ ورحمة. لقمان عليه السلام صدرت وصاياه عن حكمة تامة. هذه الحكمة أيها المسلمون نستطيع الآن أن نتحصَّل عليها عن طريق القراءة في كتب التربية، أو حضور الدورات المتخصِّصة، أو متابعة البرامج الهادفة التي تُعنَى بأمر التربية، من أجل أن نُحَصِّل الحكمة التي نعكسها لأولادنا. هذه واحدة.
ثاني هذه المعالم أيها المسلمون عباد الله: القدوة الحسنة. الناس في حاجة إلى القدوة الحسنة قبل الموعظة الحسنة. إلى الأفعال الطيبة قبل الأقوال الجميلة. ولذلك بعض الحكماء ينصح أخاه قال له: إذا أردت أن تُصلح ولدك فليكن أوَّلُ ما تبدأ به: إصلاحَ نفسك. فإنَّ حالَ رجلٍ في ألفِ رجل أفضلُ من قولِ ألف رَجُلٍ لرَجُل. لو أنَّ إنسانًا واحداً صالحاً فإنَّه يؤثِّرُ على ألفِ رجل. ولو أن ألف رجل قاموا خطباءَ في رجل واحد وأفعالهم تُخالفُ أقوالهم، وحالهم يُعارض مقالهم، فإنَّه لا تأثير لهذا الكلام. {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لِمَ تَقُولُونَ مَا لَا تَفْعَلُونَ} 61:02 ، {أَتَأْمُرُونَ النَّاسَ بِالْبِرِّ وَتَنسَوْنَ أَنفُسَكُمْ وَأَنتُمْ تَتْلُونَ الْكِتَابَ ۚ أَفَلَا تَعْقِلُونَ} 2:44. إنَّ والِداً يأمر ولده بالصلاة وهو لا يُصلِّي، هل سيُؤثِّر قوله في ولدِهِ؟ إنَّ والِداً ينهى ولده عن شُربِ المسكرات أو فِعْلِ المنكرات ثم يراهُ الولد مقيماً على ذلك المنكر، أو شارباً لذلك المسكر، هل يتأثَّر بقوله؟ إنَّ أُمّاً تأمر بنتها بالعفاف أو بالحجاب، ثم بعد ذلك واقعها يُخالف قولها. هل تُصدِّقها بنتها؟ اللهم لا. ولذلك إذا أردنا أن نُصلح أولادنا، أن نُصلح أنفسنا أولاً. القدوة الحسنة. {لَّقَدْ كَانَ لَكُمْ فِي رَسُولِ اللَّهِ أُسْوَةٌ حَسَنَةٌ} 33:21. كان عليه الصلاة والسلام يدعو الناس إلى الله بحاله، قبل أن يدعوهم بمقاله. بأخلاقه الحسنة، بصدقه، بأمانته، بعفته، بشجاعته، بتواضعه، ببره بإحسانه، بحلمه، بصفحه، بلسانه العف الذي لا ينطق بالفحش. هذا هو المعلم الثاني: القدوة الحسنة. ثم إيَّاك إيَّاك أيُّها المسلم أن تكون دالاً على الله في مقالك، ثم تُخاف بأفعاك.
يأيها الرجـــــــــل المــــعلِّمُ غيرَهُ هلَّا لنفسِك كان ذا التعليمُ
تصفُ الدَّواءَ لذي السِّقامِ وذي الضَّنى كيما يصِحُّ به وأنت سقيم
إبدأ بنفسك فانهَهَا عن غيِّها فإذا إنتهت عنهُ فأنت حكيم
وأراك تُصلِح بالرَّشادِ عقولنا أبداً، وأنتَ مِنَ الرَّشَاد عديم
ثم ثالث هذه المعالم، أيُّها المسملون عباد الله: أن تكون تربيةً متكاملةً. هذا لقمان عليه الصلاة والسلام يقول لولده: {يَا بُنَيَّ لَا تُشْرِكْ بِاللَّهِ ۖ إِنَّ الشِّرْكَ لَظُلْمٌ عَظِيمٌ} 31:13. يأمره بسلامة المعتقد. يأمره بحسن التوجُّه إلى الله وحده جلَّ جلاله. ثم يأمره بِبِرِّ والديه: {أَنِ اشْكُرْ لِي وَلِوَالِدَيْكَ إِلَيَّ الْمَصِيرُ} 31:14. ثم يأمره بالعبادة: { يَا بُنَيَّ أَقِمِ الصَّلَاةَ وَأْمُرْ بِالْمَعْرُوفِ وَانْهَ عَنِ الْمُنكَرِ وَاصْبِرْ عَلَىٰ مَا أَصَابَكَ ۖ إِنَّ ذَٰلِكَ مِنْ عَزْمِ الْأُمُورِ} 31:17. ثم يأمره بمحاسن الأخلاق، بالأخلاق الكريمة فيقول له: {وَلَا تُصَعِّرْ خَدَّكَ لِلنَّاسِ وَلَا تَمْشِ فِي الْأَرْضِ مَرَحًا ۖ إِنَّ اللَّهَ لَا يُحِبُّ كُلَّ مُخْتَالٍ فَخُورٍ (18) وَاقْصِدْ فِي مَشْيِكَ وَاغْضُضْ مِن صَوْتِكَ ۚ إِنَّ أَنكَرَ الْأَصْوَاتِ لَصَوْتُ الْحَمِيرِ} 19- 31:18. لا بد أن تكون التربية متكاملة. إنَّ والداً يأمُر ولدهُ بالصلاة، لكنه بعد ذلك لا يُبالي بأن يكون ولده سليط اللِّسان. لا يُوقِّر كبيراً، ولا يعرِفُ لعالمٍ حقَّا. ولا يرحمُ صغيراً. والوالد لا يُبالي بذلك، بل يعتبرها شجاعة. ما أحسن التربية. لابد أن تكون التربية متكاملة فيها القيام بحقوق الله جلَّ جلاله، فيها القيام بحق الوالدين، فيها القيام بحقوق خلق الله عزَّ وجلَّ.
ثم رابع تلك المعالم أيُّها المسلمون عباد الله: زرع الرقابة في نفس الطفل، في نفس الإبن، في نفس الإبنة. فيما مضى من الزمان، كان آباؤنا وأمهاتنا يمنعوننا فنمتنع، ينهوننا فننتهي. لماذا؟ لأنَّ التحكُّم عندهم. يستطيعون أن يتحكموا في وسائل الإعلام. يُراقِبوننا فيما نقرأ، فيمن نُصاحب. أما الآن فقد كثرت الفِتَن، لا تستطيع أن تراقب ولدك. تلفازه في جيبه. أفلامه معه. يرى ما لا نرى. ويعلم ما لا نعلم. ويستعمل ما لا نُحسن. ولا يُمكن أن تكون رقيباً على ولدك أربعاً وعشرين ساعة. ولذلك لقمان يزرع مخافة الله في نفس ولده، يقول له: { يَا بُنَيَّ إِنَّهَا إِن تَكُ مِثْقَالَ حَبَّةٍ مِّنْ خَرْدَلٍ فَتَكُن فِي صَخْرَةٍ أَوْ فِي السَّمَاوَاتِ أَوْ فِي الْأَرْضِ يَأْتِ بِهَا اللَّهُ ۚ إِنَّ اللَّهَ لَطِيفٌ خَبِيرٌ } 31:16. كأنَّه يقول له: يا بني، إعلم أن الله جلَّ جلاله يرى مكانك، ويسمع كلامك، ويطَّلعُ على ما في نفسك، ولا يخفى عليه شيء من أمرك، فاتَّقي الله. ليكن خوفك من الله. ليس خوفك من أبيك ولا من أمِّك. ولا خوفك من الشرطي ولا من الحاكم ولا من القاضي. وإنَّما خوفك من الله الذي لا تخفى عليه خافية في الأرض ولا في السَّماء. زرع مخافة الله في نفوس أبنائنا وبناتنا من أعظم المعالم التي تنجح بها التربية.
ثم خامس تلك المعالم أيُّها المسلمون عباد الله، تعليل الأمر والنهي. فيما مضى كان آبائنا وأمهاتنا يقولون لنا إفعل كذى، ولا تفعل كذى. اليوم، لا بد من التعليل. الواحد منهم يقول لك أنا أريد أن أقتنع، أريد أن أفهم. ولذلك لقمان عليه السلام حين يأمر ولده وحين ينهاه فإنَّه يُعلِّل. {أَنِ اشْكُرْ لِي وَلِوَالِدَيْكَ} يُعلِّل {إِلَيَّ الْمَصِيرُ}. يُبيِّن لهم أنَّ هناك مرجِعاً، هناك حِساباً، هناك وقوفاً بين يدي الله عزَّ وجلَّ.
حين ينهاهم عن مساوئ الأخلاق يقول له: {وَلَا تُصَعِّرْ خَدَّكَ لِلنَّاسِ وَلَا تَمْشِ فِي الْأَرْضِ مَرَحًا} يُعلِّل {إِنَّ اللَّهَ لَا يُحِبُّ كُلَّ مُخْتَالٍ فَخُورٍ}. أنت إذا صعّرتَ خدَّك، إذا مشيت في الأرض متبختراً، الله جلَّ جلاله سيغضبك.
وحين يأمره بمكارم الأخلاق يقول له: {وَاقْصِدْ فِي مَشْيِكَ وَاغْضُضْ مِن صَوْتِكَ} يعلِّل فيقول له: { إِنَّ أَنكَرَ الْأَصْوَاتِ لَصَوْتُ الْحَمِيرِ}. أنت إذا رفعت صوتك، وأزعجت النَّاس، وآذيت مسامعهم، فقد شابهت الحمار الذي ما ضرب الله به المثل إلا في الغباء. {مَثَلُ الَّذِينَ حُمِّلُوا التَّوْرَاةَ ثُمَّ لَمْ يَحْمِلُوهَا كَمَثَلِ الْحِمَارِ يَحْمِلُ أَسْفَارًا} 62:5. هذا كلام ربِّ النَّاس.
يا أيها الإخوة الكرام، أختم هذه الموعظة فأقول لكم: لا تستغنوا عن الدعاء. الإنسان ما يُعَوِّل، ما يعتمد على فهمه، ولا على قُوَّته. ولا يعتمد على أنّه كان بارًّا بوالديه فلابد أن يكون أولاده أبرارا. بل لابد أن يلجأ إلى الله عزَّ وجلَّ بالدعاء. كما قال إبراهيم عليه السلام: {رَبِّ اجْعَلْنِي مُقِيمَ الصَّلَاةِ وَمِن ذُرِّيَّتِي ۚ رَبَّنَا وَتَقَبَّلْ دُعَاءِ} 14:40. وكما قال العبد الصالح: {رَبِّ أَوْزِعْنِي أَنْ أَشْكُرَ نِعْمَتَكَ الَّتِي أَنْعَمْتَ عَلَيَّ وَعَلَىٰ وَالِدَيَّ وَأَنْ أَعْمَلَ صَالِحًا تَرْضَاهُ وَأَصْلِحْ لِي فِي ذُرِّيَّتِي} 46:15. {وَأَصْلِحْ لِي فِي ذُرِّيَّتِي}، دائما الإنسان يدعو الله عزَّ وجلَّ بصلاح الولد.
أسأل الله عزَّ وجلَّ أن يصلح أولادنا، وأن يبارك لنا في أزواجنا، وأن يجعلهم قُرَّة عين لنا. ربَّنا هب لنا من أزواجنا وذرِّياتنا قُرَّة أعين ، واجعلنا للمتَّقين إماما. وتوبوا إلى الله يغفر لكم.
الحمد لله رب العالمين، والعاقبة للمتقين. وأشهد أن لا إله إلا الله، إله الأولين والآخرين. وأشهد أن سيدنا ونبينا محمدا عبد الله ورسوله النبي الأمين. اللهم صلى وسلم وبارك عليه وعلى إخوانه وآله وصحبه أجمعين.
وأحسن الله ختامي وختامكم وختام المسلمين
أما بعد
فمن أراد أن يبَرَّه ولده، فلابد أن يكون باراً بولده. بأن يُحسن تربيته وتوجيهه. وقد جاء رجل إلى عمر إبن الخطاب يشكو أن ولده عاق. فسأل عمر ذلك الولد: لما تعق أباك؟ قال: يا أمير المؤمنين ما حق الولد على الوالد؟ قال: أن يختار له أمٌّ طيبة، وأن يُسمِّيه إسماً حسنا، وأن يعلمه القرآن. فقال: ما فعل أبي شيئاً من هذا، أمّا أمّي فهي إمرأة خرقاء، وأما إسمي، فقد سمَّاني "جُعلى" (والجُعل دُوَيِّبة من دواب الأرض)، وما علمني من القرآن حرفا. فعمر رضي الله عليه قال للأب: قم فقد عققت ولدك قبل أن يعُقَّك.
الأب الذي يُهمل ولده. يظن أن مهمته قاصرة على أن يوفر له الطعام والثياب والمأوى، وقد إنتهى الأمر عند هذا الحد، لا شك أنّه مُقصِّر.
أَقُولُ قُولِيَ هَذَا وَأَسْتَغْفِرُ اللهَ العَظِيمَ
فَاسْتَغْفِرُوهُ.
فهيم أبوخـطـوة ،، البريد الإلكتروني
|