خطب الجمـعة |
![]() |
|
210 |
|
بسم الله الرحمن الرحيم
أبواب الخير ـ العبادة 2 (( هذه نسخة مصغرة من خطبة 168 ))
كتبها : ش . عبد الرزّاق طاهر فارح
ترجمها إلى الإنجليزية: د . فهيم بوخطوة
24 صفر 1440
1 نوفمبر 2018
أحبتي في الله، ألا أدلكم على أبواب الخير؟ الجواب على هذا السؤال هو عنوان خطبتنا في هذا اليوم المبارك. وهذا السؤال الذي إخترت عنواناً لهذه الخطبة إنما هو سؤال رسول ربِّ الأرض والسماء لصحابي جليل أحبّه المصطفى صلى الله عليه وسلم وأعلن له ذلك. ألا وهو معاذ إبن جبل رضي الله عنه. روى الإمام أحمد الترمذي والنسائي والبيهقي والطربي وإبن حيّان وإبن أبي شيبة وغيرهم، وهو حديث صحيح من حديث معاذ إبن جبل رضى الله عنه أنه سأل النّبي صلى الله عليه وسلّم سؤالاً يحتاج إليه الآن كل مسلم ومسلمة. (إسمع السؤال، وتعرّف على الجواب). قال معاذ : "يا رسول الله، أخبرني بعمل يُدخلني الجنّة ويباعدني من النّار". هل نحتاج جواب على هذا السؤال؟ بالطبع نعم. وهل صلّى المصلون، وبكى الباكون وجاهدالمجاهدون وزكّا المزكُّون وحجّ الحّاجون وأنفق المنفقون ووحّد الموحِّدون إلا من أجل الجنّة؟ وأن يقيهم الله جلّ وعلا من النّار؟ والجواب: بلى.
إسمع ماذا قال النبي المختار لمعاذ إبن جبل : {
لقد سألت عن عظيم، وإنّه ليسير على من يسّر الله عليه}. تعرَّف على طريق النجاة من النّار، في كلمات مختصرة مِمَّن أتاه الله جوامع الكلم.
قال صلى الله عليه وسلّم: {
تعبد الله ولا تشرك به شيئا، وتقيم الصلاة وتؤت الزكاة وتصوم رمضان وتحج البيت}. ثم قال صلى الله عليه وسلّم بنفسه لمعاذ: {ألا أدلك على أبواب الخير؟} قال معاذ: بلي يا رسول الله. قال صلى الله عليه وسلّم: {الصوم جُنّة، والصدقات تطفئ الخطيئة كما يطفئ الماء النّار، وصلاة الرجل في جوف الليل}. وتلى النبي قول رب العُلى: {تَتَجَافَىٰ جُنُوبُهُمْ عَنِ الْمَضَاجِعِ يَدْعُونَ رَبَّهُمْ خَوْفًا وَطَمَعًا وَمِمَّا رَزَقْنَاهُمْ يُنْفِقُونَ ﴿16﴾ فَلَا تَعْلَمُ نَفْسٌ مَا أُخْفِيَ لَهُمْ مِنْ قُرَّةِ أَعْيُنٍ جَزَاءً بِمَا كَانُوا يَعْمَلُونَ ﴿17﴾} سورة السجدة ﴿17،16﴾. ثم قال صلى الله عليه وسلّم لمعاذ: {ألا أخبرك برأس الأمر وعموده وذروة سنامة؟} قال مُعاذ: بلى يا رسول الله. قال صلّى الله عليه وسلّم: {رأس الأمر الإسلام، وعموده الصّلاة، وذروة سنامه الجهاد في سبيل الله}. ثم قال صلى الله عليه وسلم : {ألا أخبرك بملاك ذلك كلّه؟} قال مُعاذ: بلى يا رسول الله. فأخذ الرسوم صلّى الله عليه وسلم بلسانه وقال: {كفّ عليك هذا}. فقال مُعاذ: "أوإنّا لمؤاخذون بما نتكلم به يا رسول الله؟" قال صلى الله عليه وسلم: {ثكلتك أمك يا معاذ (وهذه دعوة لا يُقصد منها معناها جريا على عادة العرب). قال: {ثكلتك أمك يا مُعاذ، وهل يُكب النّاس في النّار على وجوههم (أو على مناخرهم) إلا حصائد ألسنتهم}.
والله الذي لا إله غيره، حديث يحتاج إلى جُمَعٍ عديدة. لأن النبي صلّى الله عليه وسلّم أتاه الله جوامع الكلم. قال معاذ : يا رسول الله أخبرني بعمل يدخلني الجنّة ويباعدني من النّار. ماذا قال النبي النبي صلّى الله عليه وسلّم؟ تعبد الله ولا تشرك به شيئا. عباد الله هذه هي الخطوة العملية الأولى على طريق الجنّة والنجاة من النّار. أن تعبد الله ولا تشرك به شيئا. العبادة، إسم جامع لكل ما يحبّه الله ويرضاه من الأقوال والأعمال الظاهرة والباطنة كالصلاة والزكاة والصيام والحج والأمر بالمعروف والنهي عن المنكر والصدقة وقيام الليل والذِكْرِ والإستغفار والدعوة إلى الله والتوكل والإنابة والخشية والتفويض والرجاء والإستعانة والإستغاثة. كُلّ هذه الأعمال وغيرها من العبادة. فالعبادة ليست أمراً على هامش الطريق. بل هي الصيحة الأولى لكلِّ رسالة، والدعوة الأولى لكل نُبوّة.
قال الله جلّ وعلا: {
إِنَّآ أَرۡسَلۡنَا نُوحًا إِلَىٰ قَوۡمِهِۦٓ أَنۡ أَنذِرۡ قَوۡمَكَ مِن قَبۡلِ أَن يَأۡتِيَهُمۡ عَذَابٌ أَلِيمٞ قَالَ يَٰقَوۡمِ إِنِّي لَكُمۡ نَذِيرٞ مُّبِينٌ أَنِ ٱعۡبُدُواْ ٱللَّهَ وَٱتَّقُوهُ وَأَطِيعُونِ } 71 : 1-3.وقال جلّ وعلا: {
وَإِلَىٰ عَادٍ أَخَاهُمْ هُودًا ۚ قَالَ يَا قَوْمِ اعْبُدُوا اللَّهَ مَا لَكُمْ مِنْ إِلَٰهٍ غَيْرُهُ ۖ إِنْ أَنْتُمْ إِلَّا مُفْتَرُونَ 11: 50.وقال تعالي: {وَإِلَىٰ ثَمُودَ أَخَاهُمْ صَٰلِحًا ۚ قَالَ يَٰقَوْمِ ٱعْبُدُواْ ٱللَّهَ مَا لَكُم مِّنْ إِلَٰهٍ غَيْرُهُۥ ۖ } 11: 61.
وقال تعالى: {وَإِلَىٰ مَدْيَنَ أَخَاهُمْ شُعَيْبًا ۚ قَالَ يَٰقَوْمِ ٱعْبُدُواْ ٱللَّهَ مَا لَكُم مِّنْ إِلَٰهٍ غَيْرُهُۥ ۖ }11 : 84-85.
وبالجملة قال جلّ جلاله: {وَمَا أَرْسَلْنَا مِنْ قَبْلِكَ مِنْ رَسُولٍ إِلَّا نُوحِي إِلَيْهِ أَنَّهُ لَا إِلَٰهَ إِلَّا أَنَا فَاعْبُدُونِ } 21 : 25.
عباد الله، أيها المؤمنون،، ما خُلقنا إلاّ من أجل هذه الغاية. لا ينبغي ان نجعل الدنيا غاية، وأن نجعل العبادة وسيلة للحصول على هذه الغاية، بل الغاية هي العبادة، ويجب توظيف الدنيا كلها من أجل هذه الغاية. يجب توظيف مالك وزوجتك وولدك وبناتك وعقلك وفكرك ومنصبك من أجل هذه الغاية. من أجل أن يُفرد الله بالعبادة. والله لو عشنا آلاف السنين دون تحقيق هذه الغاية فلا سعادة لنا في الدنيا ولا في الآخرة، ولا نُصرة لنا ولا تمكين. بل هذه هي الخطوة الأولى إلى النُصرة في الدنيا والإستخلاف والتمكين، وهي الخطوة الأولى على طريق دخول الجنّة والنّجاة من النّار بإذن العزيز الغفّار.
أحبتي في الله، فاعلموا أن الله ما فرض علينا العبادة من أجل أن نشقى أو من أجل أن نتألم، أو من أجل أن نَسُبّ أو ننتحب. بل ما فرض الله علينا العبادة إلا ليهيّـئنا للوقوف بين يديه. لا أدري هل إنتبهت إليها، فهي والله عظيمة. يا أخي هل فكّرت في ساعةٍ تُدعى فيها للوقوف بين يي وزيرٍ أو رئيسٍ أو ملكٍ من ملوك الدنيا ليكرمك. لن تنسى هذه الساعة ما حييت. فمالك الملوك وجبّار السماوات الأرض والرحمن الرحيم فرض علينا العبادة ليشرِّفنا للوقوف بين يديه. فالعبادة لنا نحن، ليست لربنا. كما قال صلى الله عليه وسلّم في الحديث القدسي الذي رواه مسلم من حديث أبي ذر الغفاري رضي الله عنه: {يا عبادي لو أن أولكم وآخركم وإنسكم وجنّكم كانوا على أتقى قلب رجل واحد منكم ما زاد ذلك في مُلكي شيئا. يا عبادي لو أن أولكم وآخركم وإنسكم وجنّكم كانوا على أفجر قلب رجل واحد منكم ما نقص ذلك في مُلكي شيئا}. بمعنى أن الله جلّ وعلا غنيّ عنا وغنيّ عن أعمالنا وأفعالنا. لا تضرّه معصية، ولا تنفعه الطاعة. يا أيها النّاس أنتم الفقراء إلى الله، والله هو الغنيّ الحميد. إن يشأ يُذهبكم ويأت بخلق جديد، وما ذلك على الله بعزيز. فالعبادة تطهير لقلوبنا، وتزكية لنفوسنا، وشرح لصدورنا. وتطهير للمعاصي والأوزار والآثام.