Checkout

خطب الجمـعة

faheemfb@gmail.com

211

      

 

     
 

     


بسم الله الرحمن الرحيم

الحب في الله (خطبة طويلة)                                      

كتبها : عبد الرزّاق طاهر فارح

ترجمها إلى الإنجليزية: د . فهيم بوخطوة

 

29 رجب  1440

07 ديسمبر 2018

 

 

أحبتي في الله

 

الحب في الله هو من أقوى عُرى الإيمان. وقد قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: {مَنْ أَحَبَّ فِي اللَّهِ وَأَبْغَضَ فِي اللَّهِ وَأَعْطَى لِلَّهِ وَمَنَعَ لِلَّهِ فَقَدِ اسْتَكْمَلَ الإِيمَانَ}. والحديث رواه أبوداود من حديث أبي أُمامة وهو الصحيح، وفي صحيح مسلم من حديث أبي هُريرة أنَّ النبي صلى الله عليه وسلم قال: {يقول الله عزَّ وجل يوم القيامة: أين المتحابون بجلالي، اليومَ أظلُّهم بظلِّي يوم لا ظلَّ إلا ظلِّي}. ما أجمل هذا الحديث وقد لا يستوعبُ كثيرٌ منَّا هذا المعنى الجليل إلا إذا وُفِّق، على هوْلِ لحظات على بِساطِ العدل بين يديْ الله تدنو فيها الشمسُ من الرؤوس، ويُؤتَى بجهنَّم إلى أرض المحشر لها سبعون ألف زمام، مع كلُّ زمام سبعون ألف ملاك يجُرُّونها. ترى الرَّجل عارٍ وترى المرأة عارية، في زحامٍ قاتلٍ خانق. ومع ذلك لا يُفكِّر أن ينظُر إليها، ولا تُفكر هي الأخرى مجرَّد أن تنظر إليه. روى البخاري ومسلم من حديث عائشة أنَّ النبي صلى الله عليه وسلم قال: {يُحشر النَّاس يوم القيامة حُفاةً عُراةً غُرلاً}. قالت عائشة: يا رسول الله الرِّجال والنِّساء  ينْظر بعضهم إلى بعض؟ قال: {يا عائشة الأمرُ أشد من أن يهمُّهُم ذلك}.

 

تصوَّر هذه الحظات، وجهنّم تزفُر وتُزمجر والملك قد غضب غضباً لم يغضب قبله مثله، ولن يغضب بعده مثله. وفي هذه اللحظات يُنادَى على أهل الحبِّ في الله: {أين المتحابون بجلالي، اليومَ أظلُّهم بظلِّي يوم لا ظلَّ إلا ظلِّي}. بل ولن تنال خلاقة الإيمان إلا بالحب في الله، والبُغض في الله، كما في الصحيحين من حديث أنس أنّه صلى الله عليه وسلم قال: {ثلاثٌ من كُنَّ فيه وجد بهِنَّ حلاوة الإيمان، أن يكون الله ورسوله أَحَبَّ إليه مِمَّا سواهما، وأن يُحب المرءَ لا يُحبّه إلا لله، وأن يكره أن يعود في الكفر بعد إذ أنقذه الله منه كما يكره أن يُقذَف به في النّار}. بل وفي الحديث الصحيح الذي رواه مسلم من حديث أبو هريرة أنَّ النبي صلى الله عليه وسلم قال: {أن رَجُلا زَارَ أَخًا لَهُ فِي قَرْيَةٍ ، فَأَرْصَدَ اللَّهُ عَلَى مَدْرَجَتِهِ مَلَكًا ، فَقَالَ : أَيْنَ تُرِيدُ ؟ فَقَالَ : أُرِيدُ أَخًا لِي فِي هَذِهِ الْقَرْيَةِ . فَقَالَ : هَلْ لَك مِنْ نِعْمَةٍ تَرُبُّهَا عليه؟ أي تريد زيادتها؟ قَالَ : لا ، غير أَنِّي أحببته فِي اللَّهِ . فقَالَ المَلَك: فإِنِّي رَسُولُ اللَّهِ إِلَيْكَ أن أخبرك أَنَّ اللَّهَ تَبَارَكَ وَتَعَالَى قد أَحَبَّكَ كَمَا أَحْبَبْتَهُ فيه}. أنظروا إلى فضل الحبِّ في الله تنال به حب الله جلَّ وعلا.

 

بل وفي موطّأ مالك وأحمد في مسنده بسندٍ صحيح والحاكم، وصحَّحه ووافقه الذهبي أنَّ أبا إِدريس الخَولانيِّ وهو تابعيٌ رَحِمَهُ اللَّهُ قَالَ: دَخَلْتُ مَسْجِدَ دِمَشْقَ، فَرأيتُ فَتًى بَرَّاقُ الثَّنَايَا، وَإِذَا النَّاسُ مَعهُ، يسألونه وَصَدَرُوا عَنْ رَأْيهِ، فَسَأَلْتُ عَنْهُ، فَقِيلَ: هَذَا مُعَاذُ بْنُ جَبَلٍ رضي الله عنه. فَلَمَّا كَانَ مِنَ الْغَدِ هَجَّرْتُ إلى المسجد (أي بكَّرتُ إلى المسجد)، فَوَجَدْتُهُ قَدْ سَبَقَنِي بِالتَّهْجِيرِ، ووَجَدْتُهُ يُصَلِّي، فَانْتَظَرْتُهُ حَتَّى قَضَى صلاتَهُ، ثُمَّ جِئْتُهُ مِنْ قِبَلِ وَجْهِهِ، فَسَلَّمْتُ عَلَيْهِ، ثُمَّ قُلْتُ: وَاللَّهِ إِنِّي لأُحِبُّكَ للَّهِ، فَقَالَ: آللَّهِ؟ فَقُلْتُ: آللَّهِ، فَقَالَ: آللَّهِ؟ فَقُلْتُ: آللَّهِ، فَأَخَذَني بِحَبْوَةِ رِدَائي، فَجَبَذَني إِلَيْهِ، فَقَالَ: أَبْشِرْ، فَإِنِّي سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّه ﷺ يقول :{قالَ اللَّهُ تَعَالَى: وَجَبَتْ مَحبَّتِي لِلْمُتَحَابِّينَ فيَّ، والمُتَجالِسِينَ فيَّ، وَالمُتَزَاوِرِينَ فيَّ، وَالمُتَباذِلِينَ فيَّ}.

الحمد لله الذي هدانا لهذا، وما كنَّا لِنَهتدي لولا أن هدانا الله، وصلى الله عليه وسلم وزِدْ وبارك عليه وعلى آله وأصحابه وأحبابه وأتباعه وعلى كُّل من إهتدى بهديه واستنَ بسُنَته واقتفى بأثره إلى يوم الدِّين.

ومن السُّنَّةِ إن أحبَبْتَ أخاك أن تُخبره لِتُحقِّق معنى الآخرة لِتُشعِرَه بأُخُوَّتك، ولِتَشعُرَ أنتَ بأُخُوَّته. لقد أخذ النّبي صلى الله عليه وسلم معاذاً رضي الله عنه يوماً بيده، والحديث رواه الترمذي وأبو داود بسندٍ صحيح، فقال له المصطفى:  يَا مُعَاذُ،  فقال معاذ: لبَّيك وسعديك يا رسول الله. فقال له المصطفى: {يا مُعاذ واللَّهِ إِنِّي لأُحِبُّكَ}. هل فكَّرتَ أخي في هذا القَسَم؟ لاحظ أنَّ المتكلم هو المصطفى. لو قالها مُعاذ لكان الأمرُ هَيِّناً. لكن الذي يقول ذلك هو رسول الله، ويُقسِم وهو الصَّادق الذي لا يحتاج كلامه إلى قَسَم. {يا مُعاذ واللَّهِ إِنِّي لأُحِبُّكَ} فقال معاذ: بأبي أنت وأمي يا رسول الله فوالله إني لأحبك. فقال: {لا تَدَعنَّ في دُبُرِ كُلِّ صلاةٍ تَقُولُ: اللَّهُم أَعِنِّي عَلَى ذِكْرِكَ وَشُكْرِكَ وحُسنِ عِبَادتِك}. وفي الحديث الذي رواه أبو داود من حديث المقدام إبن كرَبْ أن النَّبِيِّ ﷺ قَالَ: {إِذَا أَحَبَّ الرَّجُلُ أَخَاهُ فَلْيُخْبِرْه أَنَّهُ يُحِبُّه}

وفي سند أبي داوود بسندٍ صحيح من حديث أنس:  أَنَّ رَجُلًا  مرَّ على مجلس  لرسول الله صلى الله عليه وسلم فقال رجُلٌ في المجلس: يا رسول اللَّهِ، إِنِّي لأُحِبُّ هَذا، فَقَالَ لَهُ النبيُّ ﷺ: {أَأَعْلَمْتَهُ؟} قَالَ: لا، قَالَ: {فأَعْلِمْهُ}. فَانطلق الرجل خلف أخيه وَقَالَ له: إِنِّي أُحِبُّكَ في اللَّه، فقالَ: أَحَبَّكَ الَّذِي أَحْبَبْتَنِي لَهُ.  

أحبتي في الله ،، المرءُ يوم القيامة يُحشرُ مع من يُحبّ. قال عبد الله إبن عمر: والله لو قُمتُ الليل لا أرقده، وصُمتُ النّهار ل أفطره، وأنفقت مالي كله في سبيل الله، أموت يوم أموت وليس في قلبي حبٌّ لأهلِ طاعة الله، وبُغضٌ لأهل معصية الله، ما نفعني ذلك كله. أين الولاء لله ولرسله وللمؤمنين؟ وأين البراء من الشرك والمشركين.

وهذا عبد الله إبن مسعود رضي الله عنه يقول: والله لو قام رجُلٌ بين الرُّكن والمقام (أي في الكعبة) يعبدُ الله سبعين سنة، لحُشِرَ  يوم القيامة مع من يُحب. اللهم إننا نُشهِدُك أنّنا نُحبُّ نبيَّك، نحب أصحاب نبيك فاحشرنا معهم وإن لم نعمل بمثل أعمالهم، يا رب العالمين.

 

 

Faheem Bukhatwa, my email address is : faheemfb@gmail.com