Checkout

خطب الجمـعة

faheemfb@gmail.com

212

      

 

     

     


بسم الله الرحمن الرحيم

أكرمكم عند الله أتقاكم                                       

كتبها : عبد الرزّاق طاهر فارح

ترجمها إلى الإنجليزية: د . فهيم بوخطوة

 

04 جمادى الآخرة  1440

08 فبراير 2019

 

 

أحبتي في الله

 

أحبتي في الله ،، يقول الله عزَّ وجل: {يَا أَيُّهَا النَّاسُ إِنَّا خَلَقْنَاكُم مِّن ذَكَرٍ وَأُنثَىٰ وَجَعَلْنَاكُمْ شُعُوبًا وَقَبَائِلَ لِتَعَارَفُوا ۚ إِنَّ أَكْرَمَكُمْ عِندَ اللَّهِ أَتْقَاكُمْ ۚ إِنَّ اللَّهَ عَلِيمٌ خَبِيرٌ } 49:13. هذا النِّداء عام للإنسانية كلها. "يَا أَيُّهَا النَّاسُ" أي يأيها المختلطون أجناساً وألواناً وألسِنَةً، يأيها المتفرِّقون شعوباً وقبائل، يأيّها النّاس من لّدُن آدم إلى أن يرث الله الأرض ومن عليها. يأيها النّاس، إنَّ أصلكم واحد، ولا تفتخروا على بعضكم البعض. ولا يتَعَالَ بعضكم على بعض. إنَّ ربَّكم واحد، وإنَّ أصلكم واحد وهو آدم معليه السلام. ولقد ذَكَرَ الإمام إبن الجوزي في زاد المسير في سبب نزول هذه الآية: أنَّ النَّبي صلى الله عليه وسلم يوم فّتْحِ مكَّة أمر بِلال رضي الله عنه أن يصْعَدَ على ظهر الكعبة ويُؤَذِّن. فلما صَعِدَ بلال رضي الله عنه ليرفع الأذان على ظهر الكعبة، في البلد الذي طُرِدَ منه النّبي صلى الله عليه وسلم، وشاء الله جلَّ وعلا أن يعود إليه رسوله عليه الصلاة والسلام ، لينشر فيه أنوار التوحيد والإيمان. لمّا قام بلالٌ رضي الله عنه ليرفع الأذان على ظهر الكعبة، قال الحارث إبن هشام: أما وَجَدَ محمّد غير هذا الغراب الأسود مؤذِّناً؟ فنزل قول الله جلَّ وعلا: يَا أَيُّهَا النَّاسُ إِنَّا خَلَقْنَاكُم مِّن ذَكَرٍ وَأُنثَىٰ. . . إلى آخر الآية. وله شاهدٌ عند الإمام السيوطي في الدُّرِّ المنثور، وعزي هذا الحديث إلى إبن المندرِ، وإبن أبي حاتم والبيهقي عن أبي ميكة. فنزلت هذه الآية لِتُرَبِّي القلوب وتُهذِّب الضَّمائر والأخلاق. لا مجال في الإسلام لعصبية العِرق، ولا عصبية الأرض، ولا لعصبية الوطن، ولا لعصبية الجِنس ولا لعصبية اللون، ولا لعصبية اللغة. لا مجال في الإسلام لهذه العصبيات الجاهلية العفنة. لذلك كان القرآن قد وضع قاعدة لبناء المجتمع الإسلامي من قبل مئات السنين، وهذا الأساس هو: (إن أكرمكم عند الله أتقاكم). لأن الميزان الحقيقي الذي يخفض ويرفع، إنَّما هو ميزان التقوى. {إنَّ الله لا ينظر إلى صوركم وأموالكم، ولكن ينظر إلى قلوبكم وأعمالكم}. والحديث رواه مسلم من حديث أبي هريرة رضي الله عنه. هذا هو الميزان، وهذا هو المقياس الذي يخفض ويرفع عند رَبِّ النَّاس جلَّ وعلا. وفي الحديث أن النّبي صلى الله عليه وسلم خطب النَّاس يوم فتح مكَّة فقال: {يأيهُّا النَّاس إنَّ الله قد أذهب عنكم عبِيَّة الجاهلية، وتعاظمها بآبائها. فالنَّاس رجلان: بِرٌّ تقي كريم على الله، وفاجر شقي هيِّن على الله}. ثم قال صلى الله عليه وسلم: {إنكم لآدم، وإنَّ الله خلق آدم من تُراب}، ثم تلى النَّبي صلى الله عليه وسلم قول اله جلَّ وعلا: يَا أَيُّهَا النَّاسُ إِنَّا خَلَقْنَاكُم مِّن ذَكَرٍ وَأُنثَىٰ. . . إلى آخر الآية.

فلا فخر بالأنساب ، ولا فخر بالجاه ولا بالكراسي. وهذا الحديث رواه الإمام الترمذي بسند حسن من حديث أبي هُريرة رضي الله عنه، ورواه أيضاً الترمذي من حديث عبد الله بن عمر، وقال: حديث عجيب.

وفي الحديث الآخر عن جابر بن عبد الله أَّه قال: خطبنا رسول الله صلى الله عليه وسلم في أوسط أيام التشريق، فقال: {أيُّها النَّاس، ألا إنَّ ربَّكم واحد، ألا إنَّ أباكم واحد، ألا لا فضل لعربي على عجمي، ولا لعجمي على عربي، ولا لأسود على أحمر، ولا لأحمر على أسود إلا بالتَّقوى: (إِنَّ أَكْرَمَكُمْ عِندَ اللَّهِ أَتْقَاكُمْ) 49:13}. والحديث رواه الإمام أحمد في مسنده بسند صحيح.

لا ميزان في الإسلام إلا للتَّقوى، ولا لِوَاء يُرفَعُ إلا لواء التقوى {إِنَّ أَكْرَمَكُمْ عِندَ اللَّهِ أَتْقَاكُمْ} 49:13. وهذا اللواء الذي رفعه محمد صلى الله عليه ووسلم سَاوَى بين بلال الحبشي، وصهيب الرُّومي، وسلمان الفارسي، وحمزة القرشي، ومُعَاذ الأنصاري. فلا تفاضل إلى بالتقوى. ولذلك فَخَرَ وتَفَاخَرَ بهذا النَّسب سلمان الفارسي رضي الله عنه فقال:

أبي الإسلام لا أب لي سواه        إذا افتخروا بقيس أو تميم

 

وعن أبي هريرة رضي الله علنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: {إذا كان يوم القيامة، أمر الله مُنادياً يقول هذا المنادي: إني قد جعلت لكم نسباً، وجعلت أكرمكم أتقاكم، فأبيتم إلا أن تقولوا: فلان بن فلان خير من فلان بن فلان، فاليوم أضع نسبكم، وأرفع نسبي، أين المُتَّقون}. والحديث رواه البيهقي، ورواه الإمام إبن المنذ، والحاكم وصحَّحه، نقلاً عن الإمام السيوطي في الدُّرِّ المنثور. وله شاهد من حديث أبي هريرة الطويل في فضل العلم الذي رواه مسلم وأبو داود التمرذي وابن حيَّان وصحَّحه الحاكم في المستدرك وقال: صحيح على شرط الشيخين: البخاري ومسلم، وفيه قول النّبي صلى الله عليه وسلم: {مَنْ أبطَأَ به عمله، لم يُسرِع به نَسَبُه}. وصدق الله جلَّ وعلا إذ يقول: {فَإِذَا نُفِخَ فِي الصُّورِ فَلَا أَنسَابَ بَيْنَهُمْ يَوْمَئِذٍ وَلَا يَتَسَاءَلُونَ } 23:101. ينقطع كلُّ نسب إلا نسب التقوى: { فَإِذَا نُفِخَ فِي الصُّورِ فَلَا أَنسَابَ بَيْنَهُمْ يَوْمَئِذٍ وَلَا يَتَسَاءَلُونَ فَمَن ثَقُلَتْ مَوَازِينُهُ فَأُولَـٰئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ * وَمَنْ خَفَّتْ مَوَازِينُهُ فَأُولَـٰئِكَ الَّذِينَ خَسِرُوا أَنفُسَهُمْ فِي جَهَنَّمَ خَالِدُونَ * تَلْفَحُ وُجُوهَهُمُ النَّارُ وَهُمْ فِيهَا كَالِحُونَ 23:101، إلى آخر الآيات. نعم، إنَّ الميزان الحقيقي الذي يرفع ويخفض هو: ميزان التقوى. {يَا أَيُّهَا النَّاسُ إِنَّا خَلَقْنَاكُم مِّن ذَكَرٍ وَأُنثَىٰ وَجَعَلْنَاكُمْ شُعُوبًا وَقَبَائِلَ لِتَعَارَفُوا ۚ إِنَّ أَكْرَمَكُمْ عِندَ اللَّهِ أَتْقَاكُمْ ۚ إِنَّ اللَّهَ عَلِيمٌ خَبِيرٌ } 49:13.

قال علماؤنا: لقد خلق الله الخلق على أربعة أصناف: خلق الله عزَّ وجلّ آدم من غير أب ومن غير أم، وخلق الله حوّاء من أب دون أم، وخلق الله عيسى من أم دون أب، وخلق الله سائر النَّاس من الأب ومن الأم. وهذا دليل على كمال قدرة الله جلَّ وعلا. {يَا أَيُّهَا النَّاسُ إِنَّا خَلَقْنَاكُم مِّن ذَكَرٍ وَأُنثَىٰ وَجَعَلْنَاكُمْ شُعُوبًا وَقَبَائِلَ لِتَعَارَفُوا ۚ إِنَّ أَكْرَمَكُمْ عِندَ اللَّهِ أَتْقَاكُمْ ۚ إِنَّ اللَّهَ عَلِيمٌ خَبِيرٌ } 49:13.

قال النّبي صلى الله عليه وسلم: {دعوها فإنَّها منتنة}. هذه العصبيات الجاهلية الممقوتة. لا راية في الإسلام إلا للتقوى، ولا ميزان في الإسلام يخفض ويرفع إلا للتقوى. {إِنَّ أَكْرَمَكُمْ عِندَ اللَّهِ أَتْقَاكُمْ} 49:13.

وأختم بهذا الحديث العظيم الذي إذا سمعه كُلُّ من كان في قلبه إيمان يتَّعظ به. والحديث رواه الترمذي وأبو يعلى من حديث أبي هريرة: {من دعا بدعوى الجاهلية فإنّه من جُثَاءِ جهنَّم . قال رجلٌ: يا رسول الله، وإن صام؟ وإن صلّى؟ قال رسول الله: وإن صام وإن صلَّى وزَعَمَ أَنَّه مسلم}. أي أنه يدخل جهنَّم على رُكبَتَيه.

 

 

 


faheemfb@gmail.com   فهيم أبوخـطـوة ،، البريد الإلكتروني