Checkout

خطب الجمـعة

faheemfb@gmail.com

153

      

 

     
 

     


بسم الله الرحمن الرحيم

حفظ اللَّسان

 

كتبها : الشيخ  عبد الرزّاق طاهر فارح

ترجمها إلى الإنجليزية : د . فهيم بوخطوة

 

25 المحرّم 1432

31 ديسمبر 2010

 

الحمد لله رب العالمين ، والصلاة والسلام على نبينا محمد ، وعلى آله وصحبه أجمعين ، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له ، وأن محمدا عبده ورسوله ، وبعد :

أما بعد أيها الأخوة المؤمنون :موضوع حديثنا اليوم بإذن الله تعالى سيكون عن أدب الحديث وحفظ اللسان . فاتقوا الله عباد الله في كل ما تقولون وتفعلون (واتقوا يوما تُرجعون فيه إلى الله ثم تُوفى كل نفس ما كسبت وهم لا يُظلمون) البقرة 281 .

 

عباد الله : إن ديننا الإسلامي دين عظيم كامل في أحكامه ، شامل في تشريعاته ، إعتنى بتكوين الفرد المسلم عقيدة وشريعة وسلوكا وآدابا وأخلاقا . هدى الله بهذا الدين إلى أرقى الأخلاق ، وأرشد إلى أكمل الآداب ، ونهى عن السيئ من الأفعال والقبيح من الأقوال ، وإن مما دعا ووجه إليه الإسلام من الفضائل والآداب العناية بأدب الحديث ، وحسن المنطق وحفظ اللسان عن اللغو وفضول الكلام . فمن نعم الله العظيمة علينا ، نعمة اللسان ، الذي به فضلنا على جميع مخلوقاته فصرنا قادرين على التوضيح والبيان ، وامتن الله علينا بذلك فقال : (ألم نجعل له عينين . ولسانا وشفتين) البد 8 ـ 9 . وقال عز من قائل : ((أولم ير الإنسان أنا خلقناه من نُطفة فإذا هو خصيم مبين)) يس77 . فهذه النعمة حقها أن تُشكر لا أن تُكفر وأن يُراعى فيها حق الله تعالى وما يجب له فيها من حفظ عن الحرام ، وصيانة عن اللغو والآثام، فاللسان أيها الإخوة من أعظم الجوارح أثرا وأكثرها خطرا ، فإن استُعمِل فيما يُرضي اللهَ وينفع العباد كان سببا في السعادة والتوفيق لصاحبه في الدنيا والآخرة ، وإن استُعمِلَ في معصية الله والإضرار بالعباد كان سببا للهلاك في الدنيا والآخرة . لذلك عباد الله كانت عناية الإسلام بأمر اللسان فحث ربنا سبحانه وتعالى في مُحكم التنزيل وعلى لسان نبيه الصادق الأمين على حفظ اللسان وصيانته فقال عز شأنه : ((وقل لعبادي يقولوا التي هي أحسن . إن الشيطان ينزغ بينهم . إن الشيطان كان للإنسان عدوا مبينا)) الإسراء 53. ففي هذه الآية يأمر الله سبحانه وتعالى عباده المؤمنين أن يقولوا التي هي أحسن على كل حال وفي كل مجال ، فيختاروا أحسن مايُقال ليقولوه .. بذلك يتقون أن يُفسد الشيطان ما بينهم من مودة وألفة . فالشيطان ينزغ بين الأخوة بالكلمة الخشنة تنفلت من اللسان ، وبالرد الذي يتلوها ، فإذا جو الود والمحبة والوفاق مشوب بالخلاف ثم بالجفوة ثم بالعداء ، والكلمة الطيبة تأسوا جراح القلوب تندي جفافها ، وتجمعه على المحبة والود الكريم. فالكلمة الطيبة تسد على الشيطان الثغرات، وتقطع عليه الطريق وتحفظ حرم الأخوة آمنا من نزغاته ونفثاته . فإن المؤمن من صفاته أنه ينتقي أطايب الكلام كما يُنتقى أطايب الثمار. وقد قال النبي صلى الله عليه وسلم لما وعظ الناس: ((يأتي العبد يوم القيامة فينظر عن يمينه فلا يرى إلا النار، ثم ينظر عن شماله فلا يرى إلا النار، فليتقين أحدكم النار ولو بشق تمرة، فإن لم يجد فبكلمة طيبة)) فحث على الكلمة الطيبة.

 ووصف الله ذوي الإيمان وأرباب التُقى والإحسان بالإعراض عن اللغو ومجانبة الباطل من القول فقال جل وعلا : ((قد أفلح المؤمنون الذين هم في صلاتهم خاشعون . والذين هم عن اللغو مُعرضون)) المؤمنون 1ـ3 . وقال سبحانه : ((وإذا سمعوا اللغو أعرضوا عنه وقالوا لنا أعمالنا ولكم أعمالكم . سلام عليكم لا نبتغي الجاهلين)) القصص :55. فحفظ اللسان عن الحرام عنوان على استقامة الدين ، وكمال الإيمان ، واتزان الأخلاق ففي الحديث الذي عند أحمد وغيره أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال : {لا يستقيم إيمان عبد حتى يستقيم قلبه ، ولا يستقيم قلبه حتى يستقيم لسانه} بل ولأهمية اللسان وارتباط الجوارح به في الإستقامة والإعوجاج استمعوا معي لهذا الحديث العظيم فعن أبي سعيد الخذري رضي الله عنه ، عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال : {إذا أصبح إبن آدم فإن الأعضاء كلها تُكفِّرُ اللسان ، تقول : اتق الله فينا ، فإنما نحن بك ، فغن استقمت استقمنا ، وإن اعوججتِ ، اعوججنا} رواه الترمذي . قال الإمام النووي رحمه الله : " معنى ((تُكفِّرُ اللسان)) : أي تذل له وتخضع" .

 

فحفظ اللسان دليل على نفاسة المعدن ، وقلة الكلام عنوان الأدب ، ورفعة النفس ، ورجحان العقل وكما قيل في الحكم : " إذا تم العقل نقص الكلام" وقال بعض الحكماء : " كلام المرء بيان فضله ، وتُرجمان عقله ، فاقصره على الجميل ، واقتصر منه على القليل" .

 

وزن الكلام إذا نطقت فإنما      يبدي عيوب ذوي العيوب المنطق

 

أيها الإخوة الكرام : إن المسلم الواعي يحمله عقله ويدفعه إيمانه إلى الإعتناء بحُسن اللفظ وجميل المنطق ، فهو لا يتكلم إلا بخير ولا يتحدث إلا بمعروف فإذا رأى المُقام يدعو إلى الكلام تكلم ، وإلا آثر الصمت وكف لسانه طلبا للسلامة وطمعا في الأجر من الله سبحانه وتعالى ، عملا بوصية النبي صلوات الله وسلامه عليه عندما قال : {من كان يؤمن بالله واليوم الآخر فليقل خيرا أو ليصمت} متفق عليه .

 

وحُسن التعبير خُلق وأدب دعا الله إليه أهل الديانات السابقة وأخذ عليهم به العهد والميثاق فقال عز وجل : (وإذ أخذنا ميثاق بني إسرائيل لا تعبدون إلا الله وبالوالدين إحسانا وذي القربى واليتامى والمساكين وقولوا للناس حُسنا) البقرة 83 . فالناس كل الناس يحتاجون إلى الرفق ولين القول ، وإن الطيب من القول ليجمل ويحسن مع كل أحد من الناس بلا استثناءٍِِ ، سواء كانوا أعداء أو أصدقاء ، فالكلام الحسن مع الأصدقاء سبب لاستدامة المحبة والألفة ، وأما حسن الكلام مع الأعداء فإنه كما قيل : " يُذهب وحر الصدور ، ويسل السخائم والضغائن ، ويُطفئ الخصومات" .، وإن المتتبع للكثير من المشاكل الخطيرة التي تنشأ في محيط الأسرة والمجتمع يرى أن مصدرها في كثير من الأحيان الكلام السيء الذي يصدر عن المرء بدون روية ولا تفكير فيقع عند الغير موقع الإستهجان والكره لصاحبه .. وكثيرا ما يولِّدُ منازعات وعداوات كان في غنى عنها. فالشيطان متربص بالبشر يريد أن يُوقع العداوة والبغضاء ، وأن يجعل من النزاع التافه عراكا داميا ولن يسد الطريق أمامه كالقول الجميل والكلمة الطيبة كما قال سبحانه وتعالى : ((ادفع بالتي هي أحسن فإذا الذي بينك وبينه عداوة كأنه ولي حميم . وما يُلقِّاها إلا الذين صبروا ومايُلقَّاها إلا ذو حظ عظيم)) فصلت 34ـ 35 .

 

أيها الإخوة الكرام أن للسان آفات عظيمة وآثار ومساوئ كثيرة فالواجب على المسلم أن يحترز في كلامه وأن يُحاسب على منطقه فيعيش في حذر دائم من فلتات لسانه فيجعل عمله كثيراً، وكلامه قليلاً، وذلك خيرٌ له، وقد قال أمير المؤمنين عمر بن الخطاب رضي الله عنه : "من كثر كلامه كثر سقطه ، ومن كثر سقطه قل حياؤه ، ومن قل حياؤه قل ورعه ، ومن قل ورعه مات قلبه" . وقال بعض السلف: "أطول الناس شقاء وأعظمهم بلاء من ابتُلي بلسان منطلق وفؤاد منطبق" فكثير الكلام يندم على كثرة كلامه ، ولن يندم صامت على صمته في الغالب ، فالعمل يكثر أو يقل بمقدار كثرة الكلام أو قلته ، فكثير الكلام قليل العمل ، وقليل الكلام كثير العمل ، فعلى المؤمن إن تكلم أن يتكلم بما يعود بالفائدة عليه في دينه ودنياه ، قال لقمان لابنه: ((يا بني إذا افتخر الناس بحسن كلامهم، فافتخر أنت بحسن صمتك))، وروي عن النبي - صلى الله عليه وسلم- أنه قال: ((رحم الله من قال خيراً فغنم، أو سكت فَسَلِم)). إن الكلام التافه أيها الأخوة مضيعة للعمر، وهدرٌ للوقت، في غير ما خلق الإنسان له من جِدٍ وإنتاج، روي أن أعرابياً تكلم عند رسول الله - صلى الله عليه وسلم- وطوَّل، فقال: ((كم دون لسانك من حجاب؟ قال: شفتاي وأسناني، قال: فإن الله عز وجل يكره الإنبعاق في الكلام -أي الانصباب فيه بشدة- فنضَّر الله وجه امرئ أوجز في كلامه، فاقتصر على حاجته))، فمن الحكمة والرشاد اجتناب فضول الكلام ، وحفظ اللسان عن كل ما لا ينفع في أمر دين او دنيا، وبهذا وصى النبي الأكرم صلوات الله وسلامه عليه أمته فقال في الحديث الذي يرويه الترمذي في سننه من حديث معاذ رضي الله عنه أنه سال النبي صلى الله عليه وسلم عن عمل يُقربه من الجنة ويُبعده عن النار فأخبره النبي صلى الله عليه وسلم براس الأمر وعموده وذروة سنامه، ثم قال : {ألا أخبرك بملاك ذلك كله ؟} قلت بلى يانبي الله ، قال : فأخذ بلسانه وقال : {كُف عليك هذا} فقلت: يانبي الله ، وإنا لمؤاخذون بما نتكلم به ؟ فقال : {ثكلتك أمك يا مُعاذ ، وهل يكب الناس في النار على وجوههم ـ أو على مناخرهم ـ إلا حصائد ألسنتهم} وقال الترمذي هذا حديث حسن صحيح. فانظروا إلى عظيم جناية اللسان على صاحبه إن جنايات اللسان ، من غيبة ونميمة ، وكذب وبهتان ، وفظاظة وسوء خلق كل ذلك يكون سببا في دخول النار ، وسخط الجبار : ولله در القائل :

 

احفـــــظ لسانك أيها الإنسان **** لا يلدغنك إنــــــــــه ثُعبان

كم في المقابر من قتيل لسانه **** كانت تهاب لقـانه الشجعان

و يقول الأخر :

احفظ لسانك لا تقول فتُبتلى **** إن البلاء موكل بالمنطق

 

ولقد كان السلف الصالح رضوان الله عليهم وخيار هذه الأمة يخشون خطر اللسان ، ويحذرونه غاية الحذر ، فهذا ابوبكر الصديق يُخرج لسانه ويقول : "هذا الذي أوردني شر الموارد" وقال عبدالله بن مسعود : "والله الذي لا إله غيره ، ما على ظهر الأرض شيئ أحوج إلى طول سجن من لسان" . وقال الحسن: [ اعقل لسانك إلا عن حق تقيمه ، أو باطل تدحضه ، أو حكمة تنشرها ، أو نعمة تذكرها] فعل المؤمن أن يُلجم لسانه بلجام التقوى ، ولا يُطلق له العنان ، فإنه يورده موارد الهلاك، ويوقعه في كبائرالإثم والموبقات ، من غيبة ، ونميمة ، وفُحش ، وكذب وافتراء ، وخوض في أعراض الناس ، بالإستهزاء ، والإزدراء ، وذكر المعايب ، وتلفيق التُهم ، وترويج الإشاعات والأكاذيب من غير رادع من دين ولا واعز من ضمير ، متناسيا قوله تعالى : ((ما يلفظ من قول إلا لديه رقيب عتيد)) ق: 18. وقول النبي صلى الله عليه وسلم : "ليس المؤمن بالطعان ولا اللعان ، ولا الفاحش البذئ" رواه الترمذي وحسنه. وقوله صلى الله عليه وسلم في الحديث الذي يرويه البخاري في صحيحه : "إن العبد ليتكلم بالكلمة من سخط الله لا يُلقي لها بالا يهوي بها في جهنم" .

 

فاتقوا الله عباد الله ، واحفظوا ألسنتكم عما حرم الله تعالى عليكم ، وتذكروا قول الله تعالى : (يا أيها الذين ءامنوا اتقوا الله وقولوا قولا سديدا يُصلح لكم أعمالكم ويغفر لكم ذنوبكم ومن يطع الله ورسوله فقد فاز فوزا عظيما) الأحزاب 70 ـ 71 .

نفعني الله وإياكم بالقرآن الكريم ، وبهدي سيد المرسلين ، أقول قولي هذا وأستغفر الله لي ولكم من كل ذنب فاستغفروه إنه هو الغفور الرحيم .

 


faheemfb@gmail.com   فهيم أبوخـطـوة ،، البريد الإلكتروني