خطب الجمـعة |
![]() |
|
173 |
|
بسم الله الرحمن الرحيم
شمائل المصطفى
كتبها : صبحي الكتّاف
ترجمها إلى الإنجليزية : د . فهيم بوخطوة
09 المحرَّم 1436
23 أكتوبر 2015
أيها المسلمون : أمّا بعد: فإنّ الوصيّةَ المبذولة لي ولكم ـ عبادَ الله ـ هي تقوى الله سبحانه التي هي العزّ يومَ الذلّ، وهي النّجاة يومَ الهلاك ، ما خاب من تمسّك بها ، وما أفلحَ من ودّعها وقلاها، {فَٱتَّقُواْ ٱللَّهَ يٰأُوْلِى ٱلألْبَـٰبِ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ}. وتذكروا أنه كلما مر يوم من حياتكم فإنكم تقتربون من لقاء الله تعالى { واعلموا أنكم ملاقوه وبشر المؤمنين }
لياليك تفنى والذنوبُ تزيدُ *** وعمرك يَبْلَى والزمانُ جديدُ
وتحسبُ أنّ النقصَ فيك زيادةٌ *** وأنتَ إلى النقصان لست تزيدُ
ففكِّر ودبِّر كيف أنت فربّما *** تذكَّرَ فاستدعى الرّشادَ رشيدُ
عباد الله : مما لا يختلف فيه العقلاء أنه كلما كان المرء بالشيء الحسن أعلم كان له أحب وفيه أرغب , وكلما قلت المعرفة به قلت المحبة له والرغبة فيه , ولذا فإن من كان أعلم بالله تعالى كان له أحب وله أطوع , ومن كان أعلم بالنبي صلى الله عليه وسلم كان له أحب وله أتبع , وهذا أيها الأحبة حديث ذكرى وتذكير عن نبينا محمد صلى الله عليه وسلم في زمن كثرت فيه الفتن وتمنت فيه قلوب المؤمنين لو أنها تراه عليه الصلاة والسلام كيف لا وهو أفضل بشر تعطرت الأفواه بذكر اسمه , سيِّدُ ولَد آدم وفخرهم في الدنيا والآخرة محمّدُ بن عبد الله بن عبد المطلب عليه الصلاة والسلام , القائل { لَيَأْتِيَنَّ عَلَى أَحَدِكُمْ زَمَانٌ لَأَنْ يَرَانِي أَحَبُّ إِلَيْهِ مِنْ أَنْ يَكُونَ لَهُ مِثْلُ أَهْلِهِ وَمَالِهِ } رواه البخاري , وعند مسلم " مِنْ أَشَدِّ أُمَّتِي لِي حُبًّا نَاسٌ يَكُونُونَ بَعْدِي يَوَدُّ أَحَدُهُمْ لَوْ رَآنِي بِأَهْلِهِ وَمَالِهِ " .
عباد الله : معرفةُ نبيِّنا محمّد من الأصولِ الثلاثة التي يجِب على الإنسانِ معرفتُها، وكلُّ عبدٍ يُسأَل عنه في قبره وفي سنن أبي داوود مرفوعا " يُقَالُ لَهُ يَا هَذَا مَنْ رَبُّكَ وَمَا دِينُكَ وَمَنْ نَبِيُّكَ قَالَ هَنَّادٌ قَالَ وَيَأْتِيهِ مَلَكَانِ فَيُجْلِسَانِهِ فَيَقُولَانِ لَهُ مَنْ رَبُّكَ فَيَقُولُ رَبِّيَ اللَّهُ فَيَقُولَانِ لَهُ مَا دِينُكَ فَيَقُولُ دِينِيَ الْإِسْلَامُ فَيَقُولَانِ لَهُ مَا هَذَا الرَّجُلُ الَّذِي بُعِثَ فِيكُمْ قَالَ فَيَقُولُ هُوَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَيَقُولَانِ وَمَا يُدْرِيكَ فَيَقُولُ قَرَأْتُ كِتَابَ اللَّهِ فَآمَنْتُ بِهِ وَصَدَّقْتُ " ، قال ابن القيم رحمه الله: "اضطِرار العبادِ إلى معرفةِ الرسول وما جاءَ به وتصديقه فيما أَخبر وطاعَته فيما أمَر فوقَ كلِّ ضرورة" , اصطفَاه الله من بني هاشِم، واصطفى بني هاشِم من قريش، وهم من سلالة نبيِّ الله إبراهيمَ عليه السلام صفوَة الخلق، قال صلى الله عليه وسلم : أنا محمد بن عبد الله بن عبد المطلب إن الله تعالى خلق الخلق فجعلني في خيرهم ثم جعلهم فرقتين فجعلني في خيرهم فرقة ثم جعلهم قبائل فجعلني في خيرهم قبيلة ثم جعلهم بيوتا فجعلني في خيرهم بيتا فأنا خيركم بيتا و أنا خيركم نفسا .. رواه أحمد والترمذي وصححه الألباني , نشَأ يتيمَ الأبوين فاقدًا تربيتَهما وحنانهما، أَلَمْ يَجِدْكَ يَتِيمًا فَآوَى، متقلِّبًا بين أحضانٍ متوالِية برعايةٍ من الله وكَلاءة، بُغِّضت إليه عبادةُ الأوثان والخنوع للأصنام، حفِظه ربّه في صغره، وصانَه في شبابه، فما استَلَم صنمًا ولا مسَّ وثنًا. تزوَّج قبلَ البعثة بامرأةٍ نبيلة شريفةٍ لبيبة، هي أعظم النساء شرفًا، وأوفرهنّ عقلاً، خديجةُ بنت خويلد رضي الله عنها , بعثَه الله والأرضُ مملوءةٌ بعبادةِ الأوثان وأخبارِ الكهّان وسفكِ الدماء وقطيعةِ الأرحام، قال صلى الله عليه وسلم : إن الله نظر إلى أهل الأرض فمقتهم عربهم وعجمهم إلا بقايا من أهل الكتاب وقال : إنما بعثتك لأبتليك وأبتلي بك .... رواه مسلم , فدعا إلى عبادة الله وحدَه صابرًا على ما يلقَاه من تكذيبٍ وإعراض وجفاء , رفَع الله ذكرَه، وأعلى شأنه، معجزاتُه باهرة، ودلائلُه ظاهرة، منصورٌ بالرعب ، مغفورُ الذنب، أوّل من ينشقّ عنه القبر، وأوّلُ الناس يشفَع يوم القيامة، وأكثرُ الأنبياءِ تبَعًا، وأوّل من يقرَع بابَ الجنة، وأوّل من يعبر الصراطَ، كان عبدًا لله شكورًا، يقوم من الليلِ حتى تتفطّر قدماه، قرّةُ عينِهِ في الصلاة، يقوم لله مخلِصًا خاشعًا، قال عبد الله بن الشّخّير رضي الله عنه: أتيتُ رسولَ الله وهو يصلّي ولجوفِه أزيزٌ كأزيزِ المِرجَلِ من البكاء. رواه أحمد , وقال عن نفسه: ((والله، إني لأتقاكُم لله)) متفق عليه , معظِّمٌ لربّه، عظيم الأدَب مع خالقه، لا يدّعي لنفسِه شيئًا ممّا لا يملكه إلاّ الله، قال سبحانه: قُلْ لا أَمْلِكُ لِنَفْسِي نَفْعًا وَلا ضَرًّا إِلاَّ مَا شَاءَ اللَّهُ وَلَوْ كُنتُ أَعْلَمُ الْغَيْبَ لاسْتَكْثَرْتُ مِنْ الْخَيْرِ وَمَا مَسَّنِي السُّوءُ إِنْ أَنَا إِلاَّ نَذِيرٌ وَبَشِيرٌ لِقَوْمٍ يُؤْمِنُونَ. جَاءَه رَجل فقال له: ما شاءَ الله وشِئتَ، فقال له: ((أَجَعلتني لله ندًّا؟! قل: ما شاءَ الله وحده)) رواه النسائي , وقال الله له: قُلْ إِنِّي لا أَمْلِكُ لَكُمْ ضَرًّا وَلا رَشَدًا، قال ابن كثير رحمه الله: "أي: إنما أنا بشر مثلكم يوحى إليّ وعبدٌ من عبادِ الله، ليس إليّ من الأمر شيء في هدايتِكم ولا غِوايتكم، بل المرجِع في ذلك كلِّه إلى الله عز وجل" , أشدُّ الناسِ تَواضعًا وأحسنُهم بشرًا، يجالِس الفقراءَ، ويُؤاكل المساكينَ وهذا من براهين تواضعه فإن المتكبر يأنف من مجالستهم ومؤاكلتهم، يخصِف نعلَه، ويخدم أهلَه ونفسَه، شرَب من القِربة البالية، وحمل مع صحابتِه اللَّبِن في بناءِ المسجد، لا يعيبُ على الخدَم ولا يوبِّخُهم، قال أنس رضي الله عنه: خدمتُ رسولَ الله تسعَ سنين فمَا عابَ عليَّ شيئًا قط. رواه مسلم , يوقِّر الكبارَ ويتواضَع للصغار، إن مرَّ على صبيانٍ سلَّم عليهم ، كان يداعبهم ويحنو عليهم , رأى أبا عُميرٍ رضي الله عنه وكان صبيًّا فقال مداعِبًا له: ((أبَا عمير، ما فعل النّغير؟)) متفق عليه , قال أنس رضي الله عنه: ما رأيتُ أحدًا كان أرحمَ بالعيال من رسول الله. رواه مسلم
عظيمُ التواضع، بعيدًا عن الفخرِ والخيلاء والكبرِ والاستعلاء، يقول: ((إنما أنا عبد، فقولوا: عبد الله ورسوله)) رواه البخاري , كريمُ النفس، سخيّ اليد، غزير الجود، ينفِق سخاء وكرمًا وتوكلاً، شهدت ابنت حاتم الطائي أن النبي صلى الله عليه وسلم أكرم من أبيها , ما سئِل شيئًا من متاعِ الدنيا مما يملِك فرد طالبَه، يقول أنس رضي الله عنه: ما سئِل رسول الله على الإسلامِ شيئًا إلا أعطاه ... أخرجه مسلم , لا تغضِبه الدّنيا وما كانَ لها، أعرض عن هذه الدار وعمِل لدار القرار، كانَ يقول: ((ما لي وللدنيا؟! ما أنا والدّنيا إلاّ كراكب استظلّ تحتَ شجرةٍ ثم راح وتركها)) رواه الترمذي , كان يمرّ به هلالٌ وهلال وما يوقَد في بيوتِه نار، ويبيتُ اللياليَ المتتابعة طاويًا وأهلُه لا يجِدون عشاءً، قال عمر بنُ الخطاب رضي الله عنه: لقد رأيت النبيَّ يلتوي من الجوعِ ما يجِد من الدّقل ـ أي: رديء التّمر ـ ما يملأ بطنه. رواه مسلم, خرَج من بيته من حرارةِ الجوع، وربط على بطنهِ الحجرَ من ألم الجوع، ووهو الذي لو شاء لسير الله له جبال تهامة ذهبا وفضة , كان الصحابة رضي الله عنهم يعرفون الجوعَ فيه من تغيُّر صوته، قال أبو طلحة رضي الله عنه: سمعت رسول الله ضعيفًا أعرِف فيه الجوع , رواه البخاري , وتأتي أيّام على بيتِ النبوّة وما فيها إلا الماء، جاء رجل إلى النبيِّ فقال: إني مجهود، فأرسل إلى بعضِ نسائه، فقالت: والذي بعثَك بالحقّ، ما عندي إلا ماء، ثم أرسلَ إلى أُخرى فقالت مثل ذلك، حتى قلنَ كلّهنّ مثل ذلك , رواه البخاري ومسلم , كامِلُ الخوفِ من ربّه مع ما لاقاه من الجوعِ، فقد كان يجِد التمرَ على فراشه فيقول: ((لولا أني أخشَى أن تكونَ منَ الصدقة لأكلتها)) رواه البخاري , لقي من الحياة مشاقَّها، ومن الشدائدِ أحلَكها، نشأ يَتيمًا فاقدًا حنانَ الأمومة، وتوفِّيَ والده ولم تأنَس عينه برؤيته، وآذاه قومُه بالقولِ والفعل، قال أنس رضي الله عنه: ضربوا رسول الله مرّةً حتى غُشِي عليه, أخرجه البزار وأبو يعلى وصححه الحاكم , اتَّهموه بالجنون، ورمَوه بالسِّحر، ووصفوه بالكذب، وقال الكافرون: هذا ساحِر كذّاب. وفي الغارِ كربٌ وهمّ، خوف وحزن، إِذْ يَقُولُ لِصَاحِبِهِ لا تَحْزَنْ إِنَّ اللَّهَ مَعَنَا, وفي أحُد كُسِرت رَباعيّته وشُجّ في وجهه وسالَ دمُه، لاقى من الجوعِ حرارَتَه، ومن العدوّ بأسَه، وضَعوا السّمَّ في طعامه وسَحَروه في أهله , سحره لبيد بن عاصم اليهودي , توالَت عليه المصائبُ، وتوالَت عليه المحَن، فجاءه الأمر من اللطيف الخبير: فَاصْبِرْ كَمَا صَبَرَ أُوْلُوا الْعَزْمِ مِنْ الرُّسُلِ, يبثُّ أشجانَه وأحزانَه إلى زوجته، يقول: ((يا عائشة، لقد لقيتُ من قومِك ما لقيتُ)) رواه البخاري , مات ستّةٌ من أولاده في حياتِه، فلم تثنِه تلك الكروبُ عن الدّعوة إلى الله، صبَر على كمَد الحياة ولأوائِها، قال عن نفسه: ((لقد أوذِيتُ في الله وما يؤذَى أحَد، وأخِفتُ في الله وما يخاف أحَد)) رواه أحمد , رقيقُ القلب مليءٌ بالرحمة، كان إذا سمِعَ بكاءَ الصبيّ في الصّلاة تجوّز في صلاته؛ مما يعلَم من شدّةِ وَجدِ أمّه مِن بكائه , متفق عليه من حديث أنس , يزور البقيعَ فيتذكّر الآخرةَ ويبكي، كان يزور ابنَه إبراهيمَ عند مرضِعَته وهو رضيع، فيأتيه إبراهيمُ عليه أثَر الغُبار، فيلتزمه النبي ويقبّله ويشمّه من عَطفِ الأبوّة عليه. والحديث في البخاري , ولمّا مات إبراهيم دمَعَت عيناه وقال: ((إنَّ العينَ لتدمع، وإنّ القلب ليحزن، ولا نقول إلاّ ما يرضي ربَّنا، وإنا على فراقك ـ يا إبراهيم ـ لمحزونون)) متفق عليه , كامِلُ العقلِ سامِي الأخلاق، لم يضرِب أحدًا بيده، قالت عائشة رضي الله عنها: ما ضَرَب رسول الله شيئًا قطّ بيده ولا امرأةً ولا خادمًا. رواه مسلم , والنسائي وزاد ( إلا أن يجاهد في سبيل الله ) أعَفُّ الناس وأشرفهم تام المروءة ، لم تمسّ يدُه امرأةً لا تحلّ له قط وقال ( إني لا أصافح النساء ) رواه ابن ماجة ، كاملُ الوفاءِ مع أهل بيته وصحابتِه رضي الله عنهم، كان يذبَح الشاة ثم يقطِّعها أعضاءً، ثم يبعَثها إلى صواحِبِ خديجة بعد وفاتها وفاءً لها , أخرجه البخاري ومسلم ، ومن وفائه لأصحابه أنه صلّى على قتلَى أحُدٍ بعد ثماني سنين من الغزوةِ كالموَدِّع لهم , ، يُكرِم صحابتَه ولا يؤثِر لنفسه شيئًا دونهم، قال عثمان رضي الله عنه: كان رسول الله يواسينَا بالقليلِ والكثير , أخرجه أحمد ، وسِعَ الناسَ بخُلُقه، حليمٌ لا يجزى بالسيئة، ولكن يعفو ويصفَح، لا يغضَب لنفسه ولا ينتصِر لها، يجذبه الأعرابيّ يريد مالاً، فيلتفِتُ إليه مبتسِمًا ويعطيه سؤلَه، عفا عمّن سحره، ولم يثرِّب على من وضَع السمَّ في طعامه، وصفح عمّن قاتله، وقال لهم في فتح مكة: ((اذهبوا فأنتم الطلقاء)), رواه ابن إسحاق مرسلا ، قالت عائشة رضي الله عنها: ما نِيلَ منه شيء قطّ فينتقِمَ مِن صاحبه , رواه مسلم .ليّنُ الجانِب دائم البِشر، قال جرير بن عبد الله رضي الله عنه: ما رآني رسول الله إلا تبسَّم. رواه البخاري , يتفقّد أصحابَه، ويؤثِر أهلَ الفضل بأدبه، جميلُ المعاشرة، حسَن الصّحبة، يصِل ذوي رحمه ولا يجفو على أحد، عَفّ اللسان، لم يكن فاحِشًا ولا متفحِّشًا، بل كان أشدَّ حياءً من العَذراء في خِدرها، خِلاله على سجيّته لا حسب التكلف (قُلْ مَا أَسْأَلُكُمْ عَلَيْهِ مِنْ أَجْرٍ وَمَا أَنَا مِنَ الْمُتَكَلِّفِينَ ) ونهى أصحابه عن التكلف , قال بن عمر نهينا عن التكلف . أخرجه البخاري ، لا يحِبّ تعظيمَ الألفاظ ولا تشدّقَها، جاءه ناسٌ فقالوا: يَا سَيِّدَنَا وَابْنَ سَيِّدِنَا وَيَا خَيْرَنَا وَابْنَ خَيْرِنَا فَقَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: يَا أَيُّهَا النَّاسُ قُولُوا بِقَوْلِكُمْ وَلَا يَسْتَهْوِيَنَّكُمْ الشَّيْطَانُ أَنَا مُحَمَّدُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ وَرَسُولُ اللَّهِ وَاللَّهِ مَا أُحِبُّ أَنْ تَرْفَعُونِي فَوْقَ مَا رَفَعَنِي اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ)) رواه أحمد و النسائي , في طعامِه لضيفهِ لا يتكلَّف موجودًا، ولا يطلب معدومًا. أحبّه الصحابة حبًّا جمًّا، إن قال استمَعَوا لقوله، وإن أمَر تبادروا إلى أمرِه، قال أنس رضي الله عنه: لم يكن شخصٌ أحبَّ إليهم من رسولِ الله , أخرجه أحمد والبخاري في الأدب المفرد , جمع من الأخلاق أطيَبَها ومن الآدابِ أزكاها، قال شيخ الإسلام رحمه الله: "لا تحفَظ له كِذبةٌ واحدة، ولا ظلمٌ لأحد، ولا غدرٌ بأحد، بل كان أصدَقَ الناس وأعدَلَهم وأوفاهم بالعهد، مع اختلافِ الأحوال عليه مِن أمنٍ وخوف وتمكّنٍ وضَعف" , يبجِّل أهلَ بيته ويحسِن معاملتهم، إذا قدِمت إليه ابنته فاطمةُ رضي الله عنها قام إليها وقال لها: ((مرحبًا بابنتي ثم يجلسها ))، رواه البخاري في الأدب المفرد وابن ماجه وقال: ((خيركم خيرُكم لأهله، وأنا خيركم لأهلي)) رواه الترمذي شهد له خالقُه بعلوِّ خُلُقه، فقال: وَإِنَّكَ لَعَلى خُلُقٍ عَظِيمٍأبهى الناس وأنضرُهم منظرًا، يتلألأ وجهُه تلألُؤَ القمَر ليلةَ البدر، قال البراء رضي الله عنه: لم أر شيئًا قطّ أحسن منه. رواه البخاري , قال جابر بن سمرة : قال : ( رأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم في ليلة إضحيان ( مضيئة مقمرة ) وعليه حلة حمراء فجعلت أنظر إليه وإلى القمر فلهو عندي أحسن من القمر ) رواه الترمذي , طيِّبُ الجسَد زكيّ الرائحة، قال أنس رضي الله عنه: ما شممتُ عنبرًا قطّ ولا مسكًا ولا شيئًا أطيب من ريحِ رسول الله . رواه مسلم , فصيحٌ بليغ باهِرُ البيان، كلامُه يأخذ بمجامعِ القلوب، قال صلى الله عليه وسلم : يا أيها الناس إني أوتيت جوامع الكلم وخواتيمه واختصر لي اختصارا ولقد أتيتكم بها بيضاء نقية ولا تتهوكوا ولا يغرنكم المتهوكون , أخرجه الضياء في المختارة , بهذا اللفظ وأصله في مسلم , أوقاتُه كلّها معمورة بطاعةِ الله ومرضاتِه، قُلْ إِنَّ صَلاتِي وَنُسُكِي وَمَحْيَاي وَمَمَاتِي لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ لا شَرِيكَ لَهُمن بعثتِه إلى مماته , منذ أن أرسل حين نزل عليه قوله تعالى ( يا أيها المدثر قم فأنذر ) قام ثلاثة وعشرين عاما يدعو إلى عبادةِ ربّه من غير ملل ولا كسل ، وينهى أمته عن الوقوع في الشرك، لا خيرَ إلا دلَّ الأمةَ عليه، ولا شرَّ إلا حذّرها منه، فالزَموا طريقَه واستمسِكوا بهديه وسنّته، واحذروا مخالفته تفوزوا في الدنيا والآخرة , أعوذ بالله من الشيطان الرجيم، لَقَدْ جَاءَكُمْ رَسُولٌ مِنْ أَنفُسِكُمْ عَزِيزٌ عَلَيْهِ مَا عَنِتُّمْ حَرِيصٌ عَلَيْكُمْ بِالْمُؤْمِنِينَ رَءُوفٌ رَحِيمٌ, أقول ما تسمعون وأستغفر الله لي ولَكم ولجميع المسلمين من كلّ ذنب فاستغفروه، إنه هو الغفور الرحيم .
الخطبة الثانية
أما بعد: أيها المسلمون، نبيُّنا محمّد بشَرٌ من البشَر، مرض وجاع وحزن ونام ، ليس له من خصائصِ الربوبيّة ولا الألوهيّة شيء، وإنما هو رسولٌ يبلِّغ رسالةَ ربّه ، رسول يطاع ولا يعصى ولا يكذب , وعبد لله تعالى لا يعبد قال عز وجل: قُلْ إِنَّمَا أَنَا بَشَرٌ مِثْلُكُمْ يُوحَى إِلَيَّ أَنَّمَا إِلَهُكُمْ إِلَهٌ وَاحِدٌ فَمَنْ كَانَ يَرْجُوا لِقَاءَ رَبِّهِ فَلْيَعْمَلْ عَمَلاً صَالِحًا وَلا يُشْرِكْ بِعِبَادَةِ رَبِّهِ أَحَدًا لا يُرفَع إلى مقام الربوبية والإلهية ، ولا ينقَص مِن المنزلة الرفيعة، واجبٌ اتّباعه وامتثال أمره، أوحى الله إليه بشريعة وأمره باتباعها وحذره من مخالفتها فقال { ثُمَّ جَعَلْنَاكَ عَلَى شَرِيعَةٍ مِنَ الْأَمْرِ فَاتَّبِعْهَا وَلَا تَتَّبِعْ أَهْوَاءَ الَّذِينَ لَا يَعْلَمُونَ إِنَّهُمْ لَنْ يُغْنُوا عَنْكَ مِنَ اللَّهِ شَيْئًا وَإِنَّ الظَّالِمِينَ بَعْضُهُمْ أَوْلِيَاءُ بَعْضٍ وَاللَّهُ وَلِيُّ الْمُتَّقِينَ } تعظيمه فرض على كل مسلم , و "يحصُل تعظيمُ الرسول بتعظيمِ أمرِه ونهيه والاهتداء بهديِه واتّباع سنته" بطاعتِه تتنزّل الرحمات وتتوالى الخيرات، وَأَطِيعُوا اللَّهَ وَالرَّسُولَ لَعَلَّكُمْ تُرْحَمُونَ، محبّته وطاعتِه مقدَّمةٌ على الوالد والولد، قال عليه الصلاة والسلام: ((لا يؤمِنُ أحدُكم حتى أكونَ أحبَّ إليه من وَلَده ووالده والناس أجمعين)) رواه البخاري , باتِّباعه يرغد العيش وتهنأ الأمة وتهتدي ، قال جل وعلا: وَإِن تُطِيعُوهُ تَهْتَدُوا وسعادةُ العبد في الدّارين معلّقةٌ بالتّمسّك بهديِه، والعِزّةُ على قدرِ متابعته، والفلاحُ باقتفاء أثره ، قال صلى الله عليه وسلم : وَجُعِلَ الذُّلُّ وَالصَّغَارُ عَلَى مَنْ خَالَفَ أَمْرِي .... رواه أحمد , وقد حذرنا الله في كتابه من مخالفة أمر سوله فقال {فَلْيَحْذَرِ الَّذِينَ يُخَالِفُونَ عَنْ أَمْرِهِ أَنْ تُصِيبَهُمْ فِتْنَةٌ أَوْ يُصِيبَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ } وما أكثر ما يخالف الناس أمره صلى الله عليه وسلم , اللهم صل على محمد .....