Checkout

خطب الجمـعة

faheemfb@gmail.com

174

      

 

     
 

     


بسم الله الرحمن الرحيم

عذاب القبر ونعيمه

 

كتبها : عبد الرحمن الحدّاد

ترجمها إلى الإنجليزية :  د . فهيم بوخطوة

 

23 المحرَّم 1436

06 نوفمبر 2015

 

إن الحمد لله نحمده ونستعينه ونستغفره، ونعوذ الله من شرور أنفسنا وسيئات أعمالنا ..

أما بعد ،،

فهناك الكثير من الحقائق الإيمانية، والتي يعتقد بها المسلم، ويعلم علما يقينا أنه سيمر بها. لكنه مع زحمة الحياة، والتناسي والإنشغالات يغفل عن هذه الحقائق. وإن كان يعتقد بها.

وهذه الغفلة يا عباد الله، يجب أن لا تطولبل لا بد بين كل آونة وأخر، أن يقف مع نفسه ويتذكر ويتأمّل. تلك اللحظات التي سوف يمر بها، ويفكر بعد ذلك بحاله ومآله. هل سيكون من الذين يقال في حقهم: {يُثَبِّتُ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا بِالْقَوْلِ الثَّابِتِ فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَفِي الْآخِرَةِ} 14:27. أم يكون من الذين قال الله تعالى فيهم: {... وَلَوْ تَرَىٰ إِذِ الظَّالِمُونَ فِي غَمَرَاتِ الْمَوْتِ وَالْمَلَائِكَةُ بَاسِطُو أَيْدِيهِمْ أَخْرِجُوا أَنفُسَكُمُ ۖ الْيَوْمَ تُجْزَوْنَ عَذَابَ الْهُونِ بِمَا كُنتُمْ تَقُولُونَ عَلَى اللَّهِ غَيْرَ الْحَقِّ وَكُنتُمْ عَنْ آيَاتِهِ تَسْتَكْبِرُونَ} 6:93.

أيها المسلمون ، إن القبر أول منزل من منازل الآخرة. القبر ذلك المكان المظلم الضيق، الذي لا بد لكل منا أن يلجه. ويسكن فيه ما شاء الله له أن يسكن ثم يذهب بعد ذلك إلى مستقره، فإم إلى جنّة أو إلى نار.

فكر يا أخي في القبر، هل وقفنا مع أنفسنا يا عباد الله، وحاولنا أن نتذكر القبر وضمته، وضيقه وظلمته؟ أم أننا مشغولن بدنيانا ؟ حتى لم نجد لحظة واحدة نتذكلا فيها هذا الموقف العظيم. في كل يوم نفقد أحد الأحباب،وندفن بعض الأصحاب. وكأن هذه المواقف عمر بغيرنا، ونحن بعيدون عنها.

الموت في كل يوم ينشر الكفنا           ونحن في غفـلة عــما يــراد بنــا

لا تطمئن إلى الدنيا وبهجتهــــا            وإن توشحت من أثوابها الحسنا

أين الأحبة والجيران ما فعلوا             أين الذين هم كانوا لنا سكنا

سقاهم الموت كأسا غير صافية          فصيرتهم لأطباق الثرى رهنا

أيها الإخوة ،، والله إن القبر له هول عظيم. وإن فظاعته لشجيجة. قال عليه الصرلاة والسلام: {ما رأيت منظرا قط إلا القبر أفظع منه}

 

إن القبر له ظلمة شديدة. قال عليه الصلاة والسلام ذلك كما في الحديث المتفق عليه، عندما ماتت المرأة التي كانت تَقُم المسجد في عهد رسول الل صلى الله عليه وسلم. ففقدها الرسول صلى الله عليه وسلم. فأخبروه أنها ماتت من الليل ودفنوها، وكرهوا إيقاظه. فطلب من أصحابه أن يدلوه على قبرها. فجاء إلى قبرها، فصلى عليها، ثم قال: {إن هذه القبور مليئة ظلمة على أهلها. وإن الله عزّ وجل منوِّرها لهم بصلاتي عليهم}.

 

إن للقبر لضمّة، لا ينجو منها أحداً. كبيراً أو صغيراً، صالحاً أو ظالماً. ولو نجى منها أحد، لنجى منها سعد بن معاذ. كما قال عليه الصلاة والسلام، ذلك الذي اهتزّ له عرش الرحمن، وفتحت له أبواب السماء، وشهده سبعون ألفاً من الملائكة رضى الله عنه.

 

أيها المسلمون، يا من تقدمون على قبوركم، وليس بينكم وبين ذلك إلا مفارقة الروح للبدن. إعلموا أن للقبر فتنة، وإن هذه الأمة تفتن في قبورها. كما أخبر بذلك الصادق المصدوق. صلوات ربي وسلامه عليه، كما في حديث البراء بن عازب رضي الله عنه أنه قال: {فيأتيه ملكان شديدا الإنتهار، فينتهرانه ويجلسانه، فيقولان له: من ربُّك؟ ما دينك؟ من نبيك؟ وهي آخر فتنة تعرض على المؤمن. فذلك حين يقول الله عزّ وجل: {يُثَبِّتُ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا بِالْقَوْلِ الثَّابِتِ فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا} 14:27. فيقول: ربي الله، وديني الإسلام، ونبيِّي محمد صلى الله عليه وسلم. فينادي منادٍ من السماء أن صدق عبدي}. وقال في العبد الكافر أو الفاجر: {ويأتيه ملكن شديدا الإنتهار، فينتهرانه ويجلسانه، فيقولان له: من ربُّك؟ فيقول: هاه هاه، لا أدري، فيقولان له ما دينك؟ فيقول: هاه هاه، لا أدري، فيقولان فما تقول في هذا الرجل الذي بُعث فيكم؟ فلا يُهتدى لإسمه، فيقولان لا دريت ولا تليت، فينادى أن كذب عبدي}

 

اللهم إنا نسألك بأنك أنت الله لا إله إلا أنت، أن تجعلنا من الذين تثبتهم بالقول الثابت في الياة الدنيا وفي الآخرة. اللهم اجعل قبورنا، وقبور آبائنا وأمهاتنا، وقبور من له ق علينا، وجميع المسمين، روضة من رياض الجنّة، وتجعلها حفرة من فر النيران، يا أرحم الراحمين.

أيها الأحبّة في الله، تفكروا في الموت وسكرته، وصعوبة كأسه ومرارته. فيا للموت من وعد ما أصدقه، ومن حاكم ما أعدله. كفى بالموت مفزعاً للقلوب ومبكياً للعيون، ومفرقاً للجماعات، وهادماً للذات، وقاطعاً للأمنيات.

 

هل فكرت يا عبد الله في يوم مصرعك؟ وانتقالك من موضعك إلى قبرك؟ إذا نقلت من سعة إلى ضيق، وخانك الصاحب والرفيق، وهجرك الأخ والصديق، وأخذت من فراشك وغطائك إلى غرر، وغطوك من بعد لين لحافها بتراب ومدر. فيا جامع المال، والمجتهد في البنيان، ليس لك من مالك إلا الأكفان، بل هي للخراب والذهاب، وجسمك للتراب والمآب. فأن الذي جمعته من مال؟ فهل أنقذك من الأهوال؟ كلا بل تركته لمن لا يحمدك، وقدِمت بأوزارك على من سيحاسبك.

 

أيها المؤمنون، ألا تبكون وتنوحون على أنفسكم باقي حياتكم. من كان القبر طلبه، والقبر بيته، والتراب فراشه، والدود أنيسه، وهو مع هذا ينتظر الفزع الأكبر، فكيف يكون حاله؟

مثِّل لنفسك با عبد الله وقد حلت بك السكرات، ونزل بك الأنين والغمرات، فمكن قائل إن فلاناً قد أوصى، وماله قد أحصى،ومن قائل إن فلاناً ثقل لسانه، فلا يعرف جيرانه، ولا يكلم إخوانه، فكأني أنظر إليك تسمع الخطاب، ولا تقدر على رد الجواب. فتخيَّل نفسك يا عبد الله، إذا أُخِذت من فراشك إلى لوح مُغسلك، وغسلك الغاسل، وألبست الأكفان، وأوحش منك الأهل والجيران، وبكت عليك الأصحاب والإخوان.

 

ألا أيها المغرور مــالك تلعب             تؤمل آمالاً وموتك أقرب

وتعلم أن الموت ينقض مسرعا           عليك يقينا طعمه ليس يُعذب

كأنك توصي والنّاس تراهم              وأمهم الثكلى تنوح وتندب

وأقبل بالأكفان نحوك قاصد             ويحثى عليك التراب والعين تسكب

 

يا غافلاً عن هذه الأحوال، يا غافلاً عن قبرك والمآل، إلى كم هذه الغفلة، أتحسب أن الأمر سهل؟ وتزعم أنه يسير؟ وتظن أن سينفعك حالك إذا آن إرتحالك؟ أو ينتقذك مالك حين تُوبِقُك أعمالك؟ أو يفنى عنك ندمك إذا زلت بك قدمك؟ أو يعطف عليك عشيرتك؟

 

كلا والله ساء ما تتوهم. ولا بد أن ستعلم ،، لا بالكفاف تقنع، ولا من الحرام تشبع، ولا للعظات تسمع، ولا بالوعيد ترتدع. دأبك أن تتقلب مع الأهواء، وتخبط خبط عشواء. يُعجبك التكاثر بما لديك، ولا تذكر ما بين يديك. أتزعم أن ستُتْرَك سُدى؟ وأن لا تُحاسب غداً؟ أم تحسب أن الموت يقبل الرِشا؟

 

كلا ، لن يُدفع عنك الموت بمال ولا بنون، ولا ينفع أهل القَبول إلا العمل المبرور. فطوبى لمن سمع ووعى، وحقق ما ادعى، ونهى النفس عن الهوى، وعلم أن الفائز من ارعوى، وأن ليس للإنسان إلا ما سعى، وأو سعيه سوف يُرى، ثم يُجزاه الجزاء الأوفى. فانتبه من هذه الرقدة، واجعل العمل الالح لك عدَّة ولا تتمن منازل الأبرار، وأنت مقيم على الأوزار، عملٌ بعمل الفُجّار.

راقب الله يا عبد الله في الخلوات، ولا يغرنّك الأمل، فتزهد عن العمل

تزود من معاشك للمعا         وقم لله واعمل خير زاد

ولا تجمع من الدنيا كثيرا         فإن المال يُجمع للنفاد

أترضى أن تكون رفيق قوم       لهم زاد وأنت بغير زاد

 

اللهم ارحمنا برحمتك فإنّك بنا راحم ، ولا تعذبنا فإنك علينا قادر، وبارك الله لي ولكم ..

الخطبة الثانية
الحمد لله رب العالمين، الرحمن الرحيم ، مالك يومخ الدِّين ، ولا عدوان إلا على الظالمين، وأشهد أن لا إله إلا الله وليّ الصالحين .. أما بعد معاشر المؤمنين،،

فقد قال لى الله عليه وسلم: {إن القبر أوّل منزل من منازل الآخرة، فإن نجا منه صاحبه فما بعده أيسر منه، وإن لم ينج منه فما بعده أشدّ منه}

 

معاشر المسلمين ، في بعض الحديث تكرار، وغالبه معروف وليس بجديد، لكن نحن بحاجة إليه. بحاجة أن يذكر بعضنا بعضاً بين فترة وأخرى بمثل هذا الحديث.

وهذا من أجل أن يتنبّه الإنسان ويحاسب نفسه. نحاسب غيرنا وننسى محاسبة أنفسنا. فقفوا الوقفة الصادقة مع النفس محاسبةً ومسائلة. فوالله لتموتنّ ثم لتبعثنّ، ولتجزون بما كنتم تعملون. فجنّة للمطيعين، ونار جهنم للعاصين {... أَفَمَن يُلْقَىٰ فِي النَّارِ خَيْرٌ أَم مَّن يَأْتِي آمِنًا يَوْمَ الْقِيَامَةِ ۚ اعْمَلُوا مَا شِئْتُمْ ۖ إِنَّهُ بِمَا تَعْمَلُونَ بَصِيرٌ} 41:40.

 

من غفل عن نفسه تصرَّمت أوقاته، ثم اشتدت عليه حسراته. وأي حسرة على العبد أعظم من أن يكون عمره عليه حُجّة، وتقوده أيامه إلى المزيد في الردى والشقوة. إن الزمان وتقلباته من أنصح المؤدِّبين، وإن الدهر بقوارعه من أفصح المتكلمين. فانتبهوا بإيقاظه، واعتبروا بألفاظه.

 

معاشر الإخوة ، من حاسب نفسه في الدنيا خف في القيامة حسابه، وحَسُنَ في الآخرة منقلبه. ومن أهمل المحاسبة دامت حسرته وساء مصيره، وما كان شقاء الأشقياء إلا لأنهم كانوا لا يرجون حساباً. وقعوا ضحايا خداع أنفسهم، وأحابيل شياطينهم. وافتهم المنايا وفهم في غمرة ساهون.

 

 

 


faheemfb@gmail.com   فهيم أبوخـطـوة ،، البريد الإلكتروني