Checkout

خطب الجمـعة

faheemfb@gmail.com

175

      

 

     

     


بسم الله الرحمن الرحيم

الدُّعاء

 

كتبها : الشيخ  عبد الرزّاق طاهر فارح

ترجمها إلى الإنجليزية : د . فهيم بوخطوة

 

07  ربيع الأوّل 1436

18  ديسمبر 2015

 كذلك بتاريخ:

29  شوَّال 1439

13  يوليو 2018

 

أحبتي في الله ،، الدعاء هو عنوان خطبتنا في هذه الجمعة المباركة . الدعاء لغةً: هو أن تميل وتنادي الشيء إليك بصوت وكلام يكن منك . أمّا إططلاحاً: هو إظهار غاية التذلُّل والإفتقار والإضطرار إلى العزيز الغفّار. فهو لسان الإفتقار المعبّر عن حال الإضطرار. والدّعاء نوعان : دعاء عبادة وثناء ، ودعاء مسئلة وطلب ورجاء .

 

وقد جمع الله جلّ وعلا هذين النوعين من أنواع الدّعاء في قوله سبحانه: { وَإِذَا سَأَلَكَ عِبَادِي عَنِّي فَإِنِّي قَرِيبٌ أُجِيبُ دَعْوَةَ الدَّاعِ إِذَا دَعَانِ  فَلْيَسْتَجِيبُوا لِي وَلْيُؤْمِنُوا بِي لَعَلَّهُمْ يَرْشُدُونَ } 2 – 186. وقال شيخ الإسلام إبن تيمية وإبن القيِّم: إشتملت هذه الآية على نوعي الدعاء معاً : على دعاء عبادة وعلى دعاء الحاجة والمسئلة.

 

عباد الله ،، لقد جاءت نصوص كثيرة في الكتاب والسنّة مبيّنة فضل الدعاء ومكانته العظيمة. بل إنّ الله عزّ وجل افتتح كتابه العزيز بالدعاء . فسورة الفاتح أوّل سورة في القرآن حمد وثناء وتمجيد ، ثم دعاء وسؤال لله لأجَلِّ وأعظم سؤال مسؤول . وهو سؤال الهداية إلى الصراط المستقيم ، والإعانة على العبادة. واختتم الله القرآن أيضا بدعاء. فسورة النّاس التي هي خاتمة القرآن وآخر سورة منه متضمِّنة للإستعاذة بالله من شرّ الوسواس الخنّاس ، وهو نوع من الدعاء. وهذا دليل على شريف منزلة الدعاء. حتث أفتتح واختتم به القرآن العظيم.

 

ويقول الله جل وعلا آمراً عباده بالدعاء: { وَقَالَ رَبُّكُمُ ادْعُونِي أَسْتَجِبْ لَكُمْ ۚ إِنَّ الَّذِينَ يَسْتَكْبِرُونَ عَنْ عِبَادَتِي سَيَدْخُلُونَ جَهَنَّمَ دَاخِرِينَ } 40 – 60. فإمّا أن تدعو وقد وُعِدْت بالإجابة، أو أنّك من المتكبرين عن عبادة الله تعالى . وقال الكريم جل جلاله: { ادْعُوا رَبَّكُمْ تَضَرُّعًا وَخُفْيَةً}   7 – 55 . وقال : { فَادْعُوا اللَّهَ مُخْلِصِينَ لَهُ الدِّينَ وَلَوْ كَرِهَ الْكَافِرُونَ} 40 – 14. وقال: { وادْعُوهُ خَوْفاً وَطَمَعاً }. فهذه الأوامر تدل على عظم شأن الدّعاء ، وأنّه محبوب إلى الله . بل إنّ الدعاء أساس العبودية وروحها ، وعنوان التذلل والخضوع والإنكسار بين يدي الرّب سبحانه ، وإظهار الإفتقار إليه .

لقد إمتدح الله الأنبياء والرّسل – عليهم الصلاة والسّلام – بكثرة دعائهم فقال في بعضهم: { إِنَّهُمْ كَانُوا يُسَارِعُونَ فِي الْخَيْرَاتِ وَيَدْعُونَنَا رَغَبًا وَرَهَبًا ۖ وَكَانُوا لَنَا خَاشِعِين} 21 – 90. وذكر تبارك وتعالى نماذج من دعوات الأنبياء والرّسل – عليهم الصلاة والسلام – وكيف أنّه استجاب لهم ذلك الدعاء ترغيبا للداعين .

وامتدح الله المؤمنين الصادقين الصالحين بكثرة دعائهم فقال: { تَتَجَافَىٰ جُنُوبُهُمْ عَنِ الْمَضَاجِعِ يَدْعُونَ رَبَّهُمْ خَوْفًا وَطَمَعًا وَمِمَّا رَزَقْنَاهُمْ يُنفِقُونَ} 32 – 16.

وأمر بصحبة الكثرين من الدعاء والمداومين فقال: {وَاصْبِرْ نَفْسَكَ مَعَ الَّذِينَ يَدْعُونَ رَبَّهُم بِالْغَدَاةِ وَالْعَشِيِّ يُرِيدُونَ وَجْهَهُ ، وَلَا تَعْدُ عَيْنَاكَ عَنْهُمْ تُرِيدُ زِينَةَ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا } 18 – 28.

ونهى عن صحبة الغافلين عن الدعاء {وَلَا تُطِعْ مَنْ أَغْفَلْنَا قَلْبَهُ عَن ذِكْرِنَا وَاتَّبَعَ هَوَاهُ وَكَانَ أَمْرُهُ فُرُطًا } 18 – 28.

أحبتي في الله ،، الدعاء شأنه في الإسلام عظيم ، ونفعه عميم، ومكانته عالية ورفيعة. وهو أجل العبادات، وأعظم الطاعات وأنفع القربات. وفي الحديث الذي صححه شيخنا الألباني في صحيح الجامع من حديث النعمان بن بشير أن البشير النذير صلى الله عليه وسلم قال: {الدعاء هو العبادة}. بل يقول النبي صلى الله عليه وسلم كما في الحديث الذي رواه أحمد ورواه الإمام البخاري في الأدب المفرد: {ليس شيئ أكرم على الله من الدّعاء}. واسمعو عباد الله لهذا الحديث الذي يُنبتُ الوِدَّ والأمن والطمأنينة في قلوب المؤمنين. والحديث رواه أحمد وأبو داوود، وحسّنه شيخنا الألباني في صحيح الجامع أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: {إنَّ الله حيِيْ كريم، يستحي إذا رفع الرجل إليه يديه أن يردهما صفراً خائبتين}. الله يستحي منك ، وأنت لا تستحي من الله؟ فارفع أكف الضراعة إلى الله جلّ وعلا، وقل لربك وخالقك ورازقك: [اللهم إنّي أبرأ من الثقة إلا بك، ومن الأمل إلا فيك، ومن التسليم إلا لك، ومن التفويض إلا إليك، ومن التوكل إلا عليك، ومن الصبر إلا على بابك، ومن الذّلِّ إلا في طاعتك، ومن الرجاء إلا لما في يديك الكريمتين، ومن الرّهبة إلا لجلالك العظيم ]. إذا سألت فاسأل الله، وإذا استعنت فاستعن بالله، واعلم أنّ الله يغضب إن تركت سؤاله كما في الحديث الذي رواه الترمذي وغيره وحسّنه شيخنا الألباني في صحيح الجامع أنّ النبي صلى الله عليه وسلم قال: {من لم يسأل الله يغضب الله عليه}. الله يريد منك أن تتذلل إليه، وأن تعلِنَ عجزك وفقرك وحاجتك، وأن تلجأ إلى الله القوي العزيز الحكيم .

 

من ندعو إن لم ندعو الله { قُلْ أَرَأَيْتَكُمْ إِنْ أَتَاكُمْ عَذَابُ اللَّهِ أَوْ أَتَتْكُمُ السَّاعَةُ أَغَيْرَ اللَّهِ تَدْعُونَ إِن كُنتُمْ صَادِقِينَ.  بَلْ إِيَّاهُ تَدْعُونَ فَيَكْشِفُ مَا تَدْعُونَ إِلَيْهِ إِن شَاءَ وَتَنسَوْنَ مَا تُشْرِكُونَ}  6 - 40..41

قُلْ مَن يُنَجِّيكُم مِّن ظُلُمَاتِ الْبَرِّ وَالْبَحْرِ تَدْعُونَهُ تَضَرُّعًا وَخُفْيَةً لَّئِنْ أَنجَانَا مِنْ هَـٰذِهِ لَنَكُونَنَّ مِنَ الشَّاكِرِينَ (63)  قُلِ اللَّهُ يُنَجِّيكُم مِّنْهَا وَمِن كُلِّ كَرْبٍ ثُمَّ أَنتُمْ تُشْرِكُونَ (64) } 6 - 63..64.

مما يرغّبنا في الإجتهاد بالدعاء أننا وُعِدنا بالإجابة من القريب المجيب القادر على الإجابة، { وَإِذَا سَأَلَكَ عِبَادِي عَنِّي فَإِنِّي قَرِيبٌ ۖ أُجِيبُ دَعْوَةَ الدَّاعِ إِذَا دَعَانِ ۖ فَلْيَسْتَجِيبُوا لِي وَلْيُؤْمِنُوا بِي لَعَلَّهُمْ يَرْشُدُونَ}  2 – 186. ولا يجيب المضطرين غيره: {أَمَّن يُجِيبُ الْمُضْطَرَّ إِذَا دَعَاهُ وَيَكْشِفُ السُّوءَ ..}  27 – 62، لا أحد سواه.

 

عباد الله ، يناديكم ربكم في الحديث القدسي فيقول: {يا عبادي كلكم ضالٌّ إلا من هديته، فاستهدوني أهدكم، ياعبادي كلكم جائع إلا من أطعمته، فاستطعموني أطعمكم، يا عبادي كلك عارٍّ إلا من كسوته فاستكسوني أكسكم}. بل وفي كلّ ليلة ينزل إلى سماء الدنيا ويناديكم : {هل من سائل فأعطيه؟ هل من داعٍ فأستجب له؟ هل من مُستغفرٍ فأغفر له؟}. ويخبركم أن خزائنه ملأ لا يُنقِصها إجابة الداعين، ويده سخّاء الليل والنّهار لا يغيضها الإنفاق. {يا عبادي لو أنّ أوّلكم وآخركم، وإنسكم وجِنّكم قاموا في صعيد واحد فسألوني فأعطيت كلّ إنسان مسألته ما نقص ذلك مما عند إلا كما ينقص المخيط إذا دخل البحر . . . }.

أيها المسلمون .. أنتم الرّابحون مع الدعاء. ثمرة الدعاء مضمونة بإذن الله. يُبشرنا رسولنا صلى الله عليه وسلم فيقول: {ما من مسلم يعدعو بدعوة ليس فيها إثم ولا قطيعة رحم إلا أعطاه الله بها إحدى ثلاث: إمّا أن يعجل له دعوته، وإمّا أن يدّخرها له في الآخرة، وإمّا أن يصرف عنه من السوء مثلها}. قالوا: يا رسول الله إذن نكثر، قال: {الله أكثر}. حديث صحيح أخرجه أحمد والبخاري في الأدب المفرد وغيرهم.

أحبتي في الله ،،، الدعاء له شروط،، وشروط الدّعاء التي لابد منها هي:

1)  إخلاص النيّة

2)  إطابة المطعم

3)  اليقين والثقة بالله جلّ وعلا

4)  تجنّب الإستعجال

5)  حضور القلب

6)  عدم الإعتداء في الدّعاء.

 

وأمّا الأوقات والأحوال الشريفة التي يستجيب الله تعالى فيها الدعاء، هي بحمد الله وفضله كثيرة في هذه الأمّة الميمونة المباركة، ومنها:

1)  كما قال النَّبي صلى الله عليه وسلم: {ثلاثة لا تُرد دعوتهم (وذكر منهم) الصائم حين يُفطر}.

2)  ومن الأيام يوم عرفة: {إنَّ أكرم الدعاء يوم عرفة، وهو مستجاب} كما ورد في حديث الترمذي وحسّنه.

3)  وكذلك يوم الجمعة ، فإنَّ في يوم الجمعة ساعة إذا سأل العبد ربّه فيها حاجة إستجاب الله جل وعلا وأعطاه إياها.

4)  وساعات الثلث الأخير من الليل، كما ورد في البخاري ومسلم من حديث أبي هريرة.

5)  وفي أوقات الإجابة أيضا: الدعاء بين الأذان والإقامة. كما في الحديث الذي رواه الترمذي وأحمد وصححه ابن خزيمة وابن حبان من حديث أبي هريرة أنه صلى الله عليه وسلم قال: {الدعاء بين الأذان والإقامة لا يُرد}.

6)  وقال النبي صلى الله عليه وسلم، والحديث رواه مسلم: {أقرب ما يكون العبد من ربّه وهو ساجد، فأكثروا من الدعاء}.

 

فأكثروا من دعاء الغني { يَا أَيُّهَا النَّاسُ أَنتُمُ الْفُقَرَاءُ إِلَى اللَّهِ ۖ وَاللَّهُ هُوَ الْغَنِيُّ الْحَمِيدُ} 35 - 15، وادعوا لأنفسكم فليس بينك وبين الله واسطة. وادعوا لأولادكم، فدعوة الوالد مُستجابة. وادعوا لإخوانكم فالدعاء في ظهر الغيب مُجاب. ادعوا لإخوةٍ لكم في الدِّين وقع عليهم الظلم والطغيان وسُفكت دماؤهم ورُوِّعت نفوسهم، وسُلبت أموالهم وشُرِّدوا من بيوتهم، فأقل حقوقهم عليكم الدعاء لهم.

 

 

 


faheemfb@gmail.com   فهيم أبوخـطـوة ،، البريد الإلكتروني