خطب الجمـعة |
![]() |
|
185 |
|
بسم الله الرحمن الرحيم
القرآن ـ المعجزة الأعظم
كتبها : الشيخ عبد الرزّاق طاهر فارح
ترجمها إلى الإنجليزية : د . فهيم بوخطوة
22 ربيع الثاني 1438
20 يناير 2017 - وأيضا: 02 سبتمبر2022
أحبتي في الله ،،،
المعجزة العظيمة التي آتاها الله لنبينا عله الصلاة والسلام التي تبقى إلى قيام الساعة، التي أبهر الله بها الأولين والآخرين، تلك المعجزة العظيمة التي أعجزت البلغاء وحيّرت الشعراء وأذلّت كثيرا من الحكماء، هذه المعجزة التي لا تزال إلى اليوم لها أثر على من يفهمون العربية ومن لا يفهمونها. هذه المعجزة التي قال الله تبارك وتعالى عنها: {وَقَالُوا لَوْلَا أُنزِلَ عَلَيْهِ آيَاتٌ مِّن رَّبِّهِ قُلْ إِنَّمَا الْآيَاتُ عِندَ اللَّهِ وَإِنَّمَا أَنَا نَذِيرٌ مُّبِينٌ} 29:50. ثم قال تعالى: {أَوَلَمْ يَكْفِهِمْ أَنَّا أَنزَلْنَا عَلَيْكَ الْكِتَابَ يُتْلَىٰ عَلَيْهِمْ إِنَّ فِي ذَٰلِكَ لَرَحْمَةً وَذِكْرَىٰ لِقَوْمٍ يُؤْمِنُونَ} 29:51. أما يكفيهم القرآن وتصديقاً معجزةً وبيِّنةً تُبيِّن بأنّك نبيٌّ مبعوث من ربِّه جلّ وعلا. ولقد جعل الله القرآن معجزةً ظاهرةً تبقى إلى قيام الساعة. ولقد وصف كتابه بأنّه نورٌ فقال جلّ وعلا: {وَكَذَٰلِكَ أَوْحَيْنَا إِلَيْكَ رُوحًا مِّنْ أَمْرِنَا مَا كُنتَ تَدْرِي مَا الْكِتَابُ وَلَا الْإِيمَانُ وَلَـٰكِن جَعَلْنَاهُ نُورًا نَّهْدِي بِهِ مَن نَّشَاءُ مِنْ عِبَادِنَا وَإِنَّكَ لَتَهْدِي إِلَىٰ صِرَاطٍ مُّسْتَقِيمٍ} 42:52. وبيَّن الله في كتابه أن من أعرض عنه فإنّ له معيشةً ضنكا. قال تعالى: {وَمَنْ أَعْرَضَ عَن ذِكْرِي فَإِنَّ لَهُ مَعِيشَةً ضَنكًا وَنَحْشُرُهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ أَعْمَىٰ} 20:124. قال إبن عبّاس: "ذكر الله" هنا هو القرآن. تكفّل الله بمن آخذ بالقرآن أن لا يضل في الدنيا ولا يشقى في الآخرةز ولقد جعل الله كتابه رفعةً لمن أخَذَ به. فقال جلّ وعلا: {وَإِنَّهُ لَذِكْرٌ لَّكَ وَلِقَوْمِكَ وَسَوْفَ تُسْأَلُونَ} 43:44. سوف تُسألون عن القرآن، هل فهمتوه؟ هل تلوتموه؟ هل طبَّقتموه؟ هل حكّمتموه؟ هل تدبّرتم في آياته ودلائله؟ هل تعلتموه؟ وعلمتموه؟ {وَإِنَّهُ لَذِكْرٌ لَّكَ وَلِقَوْمِكَ وَسَوْفَ تُسْأَلُونَ}
وأثنى الله على أصنافا من أهله، فقال جلّ علا عنهم: {الَّذِينَ آتَيْنَاهُمُ الْكِتَابَ يَتْلُونَهُ حَقَّ تِلَاوَتِهِ أُولَـٰئِكَ يُؤْمِنُونَ بِهِ} 2:121. وصنف آخر يقول الله عنهم:
{فَاقْرَءُوا مَا تَيَسَّرَ مِنَه} 73:20. وصنف يقولون أنَّهم لا يستطيعون أن يقرأوا القرآن فيقول الله لهم: {وَإِذَا قُرِئَ الْقُرْآنُ فَاسْتَمِعُوا لَهُ وَأَنصِتُوا لَعَلَّكُمْ تُرْحَمُونَ} 7:204. وإذا لم نكن من هذه الأصناف، فنخشى على أنفسنا أن نكون من هؤلاء الذين قال الله عنهم: {وَقَالَ الرَّسُولُ يَا رَبِّ إِنَّ قَوْمِي اتَّخَذُوا هَـٰذَا الْقُرْآنَ مَهْجُورًا} 25:30. "اتَّخَذُه مَهْجُورًا" أي يمضي يومٌ ويومان وثلاثة ولا يقرأ. هذا من هجران القرآن. إن من هجران القرآن عدم معرفةِ معانيه. من هجران القرآن عدم التَّحاكم إليه. قال تعالى: {وَمَنْ أَحْسَنُ مِنَ اللَّهِ حُكْمًا لِّقَوْمٍ يُوقِنُونَ} 5:50. من هجران القرآن عدم العمل بأوامره. فيقرأ قول الله تبارك وتعالى: {وَقُولُوا لِلنَّاسِ حُسْنًا} 2:83، ثم يتكلم بأقبح الكلام، هذا هجران القرآن. يقرأ قول الله تبارك وتعالى: {وَلَا يَغْتَب بَّعْضُكُم بَعْضًا} 49:12، ثم يغتاب النَّاس. ويقرأ قول الله تبارك وتعالى: {وَلَا تَجَسَّسُوا} 49:12، فيتجسس على النَّاس. يقرأ قول الله تبارك وتعالى: {وَلَا تُلْقُوا بِأَيْدِيكُمْ إِلَى التَّهْلُكَةِ} 2:195، ويتعاطى ما يقتله من دُخّان (سجائر) ومسكرات ومخدِّرات وغير ذلك . هذا من هجران القرآن.
ثم يسَّر الله لنا القرآن فقال تبارك وتعالى: {وَلَقَدْ يَسَّرْنَا الْقُرْآنَ لِلذِّكْرِ فَهَلْ مِن مُّدَّكِرٍ} 54:17. أي والله لقد سهل لنا القرآن للحفظ والتَّدَبُّر والإتِّعاظ. فهل من متعظ بمواعظه؟ ومعتبرٍ بقصصه وزواجره؟ قال الخازن في تفسره وفيه (أي هذه الآية) الحثُّ على تعليم القرآن والإشتغال به لأنّه قد يسَّره الله وسهَّله على من يشاء من عباده بحيث يسهلُ حفظه للصغير والكبير، والعربي والأعجمي. وقال سعيد إبن جبير: يسَّرناه للحفظ والقراءة، وليس شيء من كتب الله جلّ وعلا يُقرأ كله ظاهراً (يُحفظ عن ظهر قلب) إلا القرآن. وبالجُملة فقد جعل الله القرآن مُهيَّـــئاً ومُسهَّلاً لمن أراد حفظه وفهمه أو الإتعاظ به. فهو رأس سعادة الدنيا والآخرة.
أحبَّتي في الله قال الله جلّ وعلا: {كِتَابٌ أَنزَلْنَاهُ إِلَيْكَ مُبَارَكٌ لِّيَدَّبَّرُوا آيَاتِهِ وَلِيَتَذَكَّرَ أُولُو الْأَلْبَابِ} 38:29. القرآن بركة في البيوت، وبركة في الأعمار، وبركة في الرزق، وشفاءٌ لما في الصُّدور والأبدان. فيه هدًى ورحمةً ونوراً، وبلاغاً وبصائراً وذِكراً وفُرقاناً وموعظة. كتاب ربنا نمراسٌ ودستور. حقَّهُ علينا عظيم، تعلماً لمعانيه، وتلاوةً كما أنزله الله، وعملاً به، وتدبراً مدارسةً وتعليماً وحفظاً. وأهله خير النَّاس كما قال صلى الله عليه وسلم: {خيركم من تعلّم القرآن وعلّمه}. وقال رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : {إِنَّ لِلَّهِ أَهْلِينَ مِنْ النَّاسِ} قَالُوا : يَا رَسُولَ اللَّهِ ، مَنْ هُمْ ؟ قَالَ: {هُمْ أَهْلُ الْقُرْآنِ، أَهْلُ اللَّهِ وَخَاصَّتُهُ}.
السؤال الآن: من هم أهل القرآن؟ هم المشتغلون بالقرآن، الحريصون بالقرآن، الذين ينطلقون من القرآن ويعملون بالقرآن، ويفيئون إلى القرآن، يتعلّمون القرآن ويعلمون القرآن، يُتاجرون مع الله جلّ وعلا. قال تعالى: {إِنَّ الَّذِينَ يَتْلُونَ كِتَابَ اللَّهِ وَأَقَامُوا الصَّلَاةَ وَأَنفَقُوا مِمَّا رَزَقْنَاهُمْ سِرًّا وَعَلَانِيَةً يَرْجُونَ تِجَارَةً لَّن تَبُورَ} 35:29. ويأتي القرآن يوم القيامة شفيعاً لأصحابه، كما قال عليه الصلاة والسلام: {ويُقَال لقارئ القرآن: إقرأ وارتَقِى، ورتِّل كما كنت تُرتِّل في الدنيا، فإنَّ منزلتك عند آخر آية تقرؤها}.
أقول قولي هذا وأستغفر الله لي ولكم ولجميع المسملين من كل ذنب ، فاستغفروه إنه هو الغفور الرحيم. وأشهد أن لا إله إلا الله وأن محمداً رسول الله.
faheemfb@gmail.com فهيم أبوخـطـوة ،، البريد الإلكتروني