Checkout

خطب الجمـعة

faheemfb@gmail.com

189

      

 

     

 

     


بسم الله الرحمن الرحيم

العفو

 

كتبها : الشيخ  عبد الرزّاق طاهر فارح

ترجمها إلى الإنجليزية : د . فهيم بوخطوة

 

19  شعبان 1438 هـ

28  أبريل 2017 م

 

أحبتي في الله ،،،  

أمر الله تبارك وتعالى بالتّحلّي بمكارم الأخلاق. وحثَّ النبيّ صلى الله عليه وسلم على التّجمُّلِ بمحاسن الأعمال، فقال: {إنّما بُعِثْتُ لأتـمِّمَ مكارم الأخلاق}. ومن الأخلاق التي تحلَّى بها نبيُّنا صلى الله عليه وسلم، وحثَّ أُمَّتَه التحلِّي بها طلباً لرضوان الله ومغفرته، هي: خُلق العفو.

هذا الخلق العظيم الذي ينبعث من نفوس تقية، وقلوبٍ كريمة تُحِبُ الله عزّ وجلّ، والدّار الآخرة. يعفو العبد في الدنيا كَيِّمَا يعفو الله جلّ وعلا عنه في يوم لا ينفع فيه مال ولا بنون إلا من أتى الله بقلب سليم. يتخلق المسلم بخلق العفو لأنّه من الصِّفات التي إتَّصَفَ الله بها. فإنّ عفو الله علينا عظيم. لأنّ النفس في أصلها لأمَّارةٌ بالسوء، مُثَقَّلةٌ بالذنوب، مُحَمَّلةٌ بالأوزار. هذا شأنٌ عامٌ لبني آدم منذُ أن أكل آدم عليه السَّلام من الشجرة ثم كان أن أُهبِطَ إلى الأرض، ثم خلفته ذرِّيَّــته في الأرض بكثير من المعاصي والذُّنوب. لكن الله جلَّ وعلا بواسع رحمته، وعظيم فضله، وجليل مِنَّتِهِ على عباده لا يؤاخذ النَّاس بما كسبوا. ولو أخذهم بما كسبوا كما قال في كتابه: {وَلَوْ يُؤَاخِذُ اللَّهُ النَّاسَ بِمَا كَسَبُوا مَا تَرَكَ عَلَىٰ ظَهْرِهَا مِن دَابَّةٍ} 35:45.

ومن عظيم عفوه ورحمته جلّ جلاله، ستره كذلك في الدنيا والآخرة مَن تاب وآمن وعمل صالحاً. روى البخاري ومسلم من حديث عبد الله إبن هكر رضي الله عنهما أنّ النّبي صلى الله عليه وسلم قال: {يُدنَى المؤمن من ربِّه يوم القيامة حتى يَضَعَ ربُّ العِزَّةِ عليه كنَفَه (والكنف في اللغة هو السِّتر والرَّحمة). فيقول الرَّب جلَّ جلاله للعبد: أتعرفُ ذنب كذا وكذا؟ وفي رواية: لقد عَمِلْتَ كذا وكذا يوم كذا وكذا. (يعني عملت الذنب الفلاني في اليوم الفلاني، والمعصية الفلانية في اليوم الفراني). فيقول العبد المؤمن: ربِّي أعرف، ربِّي أعرف. (منكسر ويعرف أنّه أذنب، وأخطأ في حق ربِّه). فيقول الغفور الرحيم: ولكن سترتها عليك في الدنيا وأغفرها لك اليوم}. الله جلَّ ستر علينا في الدنيا ويسترنا في الآخرة. هذا عفو الله جلّ وعلا، وهذا حلم الله جلّ وعلا، وهذه رحمة الله جلّ جلاله بخلقه وعباده.

ثم شرع الله لعباده أن يتخلَّقوا بها وأن يعفوا عمن أساء إليهم، فقال جلَّ وعلا: {وَلْيَعْفُوا وَلْيَصْفَحُوا ۗ أَلَا تُحِبُّونَ أَن يَغْفِرَ اللَّهُ لَكُمْ ۗ وَاللَّهُ غَفُورٌ رَّحِيمٌ} 24:22. وبيَّن الله تبارك وتعالى أنَّ العفو عن النَّاس أقرب للتقوى، فقال: { وَأَن تَعْفُوا أَقْرَبُ لِلتَّقْوَىٰ ۚ وَلَا تَنسَوُا الْفَضْلَ بَيْنَكُمْ} 2:237.

والعفو من صفات المؤمنين المتَّقين الذين يدخلون جنّة ربِّ العالمين. وأنّ العفو يوجب مَحَبَّة الله تعالى. فإذا كُنتَ من العافين عن النَّاس، فإنَّ الله تعالى سيُحِبُّك، ويجعلك من أهل الإحسان الذي هم أعلى النّاس إيماناً، كما في قوله: {وَالْكَاظِمِينَ الْغَيْظَ وَالْعَافِينَ عَنِ النَّاسِ ۗ وَاللَّهُ يُحِبُّ الْمُحْسِنِينَ} 3:134.

إن تعفو ، يعفو الله عنك. إن تعفو في من يُسيئ إليك، ويقطعك، ويجحدك، ويظلمك، وأنت العكس، تعفو عنه ولا تُسئُ إليه وأنت قادرٌ على الإساءة والإنتقام منه، ولكن تعفو وتصفح، لا لأجل السمعة والمحمَدَةِ عند النّاس، بل لله، لتنال ثوابه وعفوه في الآخرة. وليرتاح قلبك في الدنيا من الحقد والحسد والكراهية والبغضاء لإخوانك المسملين، ولتكون عزيزاً كما قال النبي صلى الله عليه وسلم في الحديث الذي رواه أحمد في مسنده، والترمذي في سننه بسند صحيح من حديث كبشةَ الأنماري رضي الله عنه، أنه صلى الله عليه وسلم قال: {ثَلَاثَةٌ أُقْسِمُ عَلَيْهِنَّ وَأُحَدِّثُكُمْ حَدِيثًا فَاحْفَظُوهُ قَالَ: مَا نَقَصَ مَالُ عَبْدٍ مِنْ صَدَقَةٍ، وَلَا ظُلِمَ عَبْدٌ مَظْلَمَةً فَصَبَرَ عَلَيْهَا إِلَّا زَادَهُ اللَّهُ عِزًّا، وَلَا فَتَحَ عَبْدٌ بَابَ مَسْأَلَةٍ إِلَّا فَتَحَ اللَّهُ عَلَيْهِ بَابَ فَقْرٍ}. وقال الله تعالى: {فَمَنْ عَفَا وَأَصْلَحَ فَأَجْرُهُ عَلَى اللَّهِ ۚإِنَّهُ لَا يُحِبُّ الظَّالِمِينَ}  42:40.

 

أقولٌ قولي هذا واستغفر الله لي ولكم ولجميع المسلمين من كل ذنب، فاستغفروه إنَّه هو الغفور الرحيم.

 

 


faheemfb@gmail.com   فهيم أبوخـطـوة ،، البريد الإلكتروني