Checkout

خطب الجمـعة

faheemfb@gmail.com

194

      

 

     

 

     


بسم الله الرحمن الرحيم

أسباب الخشوع في الصلاة

 

كتبها: الشيخ : صبحي الكتّاف

ترجمها إلى الإنجليزية : د . فهيم بوخطوة

 

05 / ذي القعدة / 1438 هـ

28 / يوليو / 2017 م

 

الحمد لله رب العالمين والصلاة والسلام على أشرف المرسلين ... وبعد:

فإن الصلاة أعظم أركان الدين العملية  والخشوع فيها من المطالب الشرعية، وعدو الله إبليس قد أخذ العهد على نفسه بإضلال بني آدم وفتنتهم، وقال:{ثم لآتينهم من بين أيديهم ومن خلفهم وعن أيمانهم وعن شمائلهم} 7:17 وقد صار من أعظم كيده صرف الناس عن الصلاة بشتى الوسائل، والوسوسة لهم فيها لحرمانهم لذة هذه العبادة وإضاعة أجرهم وثوابهم، وقد ثبت عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: أول شيء يرفع من هذه الأمة الخشوع حتى لا ترى فيها خاشعا..  رواه الطبراني بإسناد حسن... فالخشوع أول ما يرفع من الأرض ونحن في آخر الزمان يكاد يصدق علينا قول عبادة ابن الصامت رضي الله عنه: يوشك أن تدخل مسجد جماعة فلا ترى فيه رجلا خاشعا، ويروى عن حذيفة أيضا أول ما تفقدون من دينكم الخشوع، وآخر ما تفقدون من دينكم الصلاة، ورُبّ مصلٍّ لأخير فيه، ويوشك أن تدخل المسجد فلا ترى فيهم خاشعا. ونظرا لما نلمسه من أنفسنا جميعا من التقصير في الخشوع و الوساوس في الصلاة ؛ فهذا حديث ذكرى وتذكير عن أهمية الخشوع في الصلاة الذي هو لبها وروحها والمقصد الأساس منها، عباد الله قال الله تعالى جل في علاه: {قد أفلح المؤمنون الذين هم في صلاتهم خاشعون} فالخشوع من علامات الفلاح وصفة من صفات المؤمنين، فهم في صلاتهم خاشعون أي خائفون ساكنون و" الخشوع هو السكون والطمأنينة والتؤدة والوقار والتواضع والحامل عليه الخوف من الله ومراقبته. " هو قيام القلب بين يدي الرب بالخضوع والذل، الخشوع من القنوت الذي أمرنا به في قوله تعالى (وقوموا لله قانتين) قال مجاهد في هذه الآية عن القنوت: هو الخشوع، وخفض الجناح، وسكون الأطراف، وترك الالتفات من هيبة الله...، بالخشوع تغفر الذنوب وتكفر السيئات، وتكتب الصلاة في ميزان الحسنات، كما ثبت في صحيح مسلم أن رسول الله قال: ((ما من امرئ مسلم تحضره صلاة مكتوبة، فيحسن وضوءها وخشوعها وركوعها إلا كانت كفارة لما قبلها من الذنوب، ما لم يأت كبيرة وذلك الدهر كله))، والصلاة إذا زينها الخشوع وترسخ في أقوالها وأفعالها الذُّلُ والانكسار، والتعظيم لله، نهت صاحبها عن الفحشاء والمنكر، فيستنير قلبه ويتطهر فؤاده ويزداد إيمانه، وتقوى رغبته في الخير وتنعدم في الشر. بالخشوع يزداد إقبال المصلي على ربه، فيكون اقتراب ربه منه بقدر خشوعه، فقد أخرج أحمد وأبو داود والنسائي أن رسول الله قال: ((لا يزال الله عزّ وجلّ مقبلاً على العبد في صلاته ما لم يلتفت، فإذا صرف وجهه انصرف عنه)) الخشوع أمرٌ عظيم شأنه، سريع فقده، نادر وجوده خصوصًا في زماننا وحاضرنا، وحرمان الخشوع من أكبر المصائب، والعلل وخطبٌ جَلل، كان يستعيذ منه النبي صلى الله عليه وسلم، ويقول في دعائه: ((اللهم إني أعوذ بك من قلب لا يخشع)) رواه الترمذي، وما أصاب بعض المسلمين من ضعف في الأخلاق، وانحراف في السلوك، إلا لأن الصلاة غدت جثة من غير روح وحركات مجرّدة خالية من الخشوع، أيها المسلمون حالنا مع الصلاة والخشوع حال محزن وعجيب كثير منا يصلون بأجسامهم وأعضائهم، يحركون ألسنتهم وأفواههم بالكلم، نحني ظهورنا راكعين، ونهوي إلى الأرض ساجدين، لكن القلوب لم تتحرك نحو بارئها الأعلى، الأبدان ظاهرها الخضوع ولكن القلوب نافرة، نقرأ القرآن من غير تدبر، نسبح ولا نفقه التسبيح، زيّنا ظواهرنا وغفلنا عن بواطننا، وقوف أمام الله وفي بيته ولكن في الحقيقة واقفون أمام مشاغلنا ومقيمون بأرواحنا في مساكننا، ترى الرجل قد شاب عارضاه في الإسلام، وصلّى زمانًا طويلاً لكنه ربما لم يكمل صلاته يومًا؛ لأنه لا يتم ركوعها ولاسجودها ولاخشوعها، ومن كان هذا حاله لا ينتفع بالصلاة، لذا قد يقوم بأعمال تتنافى مع الدين والأخلاق، إخوة الإسلام، هذا الحديث للمحاسبة، وليس للتوبيخ، فينبغي لنا أن نقف مع أنفسنا وقفة صادقة، ليرى كل منا موقعه، أيها المسلمون لقد عاتب الله تعالى عباده على  عدم الخشوع فقال (أَلَمْ يَأْنِ لِلَّذِينَ آمَنُوا أَن تَخْشَعَ قُلُوبُهُمْ لِذِكْرِ اللَّهِ وَمَا نَزَلَ مِنَ الْحَقِّ وَلا يَكُونُوا كَالَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ مِن قَبْلُ فَطَالَ عَلَيْهِمُ الأَمَدُ فَقَسَتْ قُلُوبُهُمْ وَكَثِيرٌ مِّنْهُمْ فَاسِقُون)، وثبت عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه  قال: ((إن الرجل لينصرف وما كتب له إلا عُشر صلاته، تُسعها، ثُمنها، سُبعها، سُدسها، خُمسها، رُبعها، ثُلثها، نصفها)) رواه أبو داود، قال بن عطية رحمه الله: "إن الرجلين ليكونان في الصلاة الواحدة، وإن ما بينهما من فضل كما بين السماء والأرض". إذ ليس حظ القلب العامر بمحبة الله وخشيته وتعظيمه من الصلاة، كحظ القلب الخالي من ذلك، وليس حظ القلب المخبت الخاشع كحظ القلب الذي لملذات الدنيا وشهواتها خاضع، عباد الله الخشوع محله القلب وثمرته على الجوارح. والأعضاء تابعة للقلب فإذا فسد خشوعه بالغفلة والوساوس فسدت عبودية الأعضاء والجوارح فإن القلب كالملك والأعضاء كالجنود له فبه يأتمرون وعن أمره يصدرون فإذا عُزل الملك وتعطّل بفقد القلب لعبوديته ضاعت الرعية وهي الجوارح وخشوع الجوارح دون خشوع القلب خشوع لا يسمن ولا يغني من جوع، كان حذيفة رضي الله عنه يقول: إياكم وخشوع النفاق فقيل له: وما خشوع النفاق قال: أن ترى الجسد خاشعا والقلب ليس بخاشع. وقال الفضيل بن عياض: كان يُكره أن يُري الرجل من الخشوع أكثر مما في قلبه. ورأى بعضهم رجلا خاشع المنكبين والبدن فقال: يا فلان، الخشوع هاهنا وأشار إلى صدره، لا هاهنا وأشار إلى منكبيه، قال ابن القيم رحمه الله تعالى مبيّناً الفرق بين خشوع الإيمان وخشوع النفاق: " خشوع الإيمان هو خشوع القلب لله بالتعظيم والإجلال والوقار والمهابة والحياء، فينكسر القلب لله كسرة ملتئمة من الوجل والخجل والحب والحياء و شهود نعم الله وجناياته هو، فيخشع القلب لا محالة فيتبعه خشوع الجوارح. وأما خشوع النفاق فيبدو على الجوارح تصنعا وتكلفا والقلب غير خاشع، و كان بعض الصحابة يقول: أعوذ بالله من خشوع النفاق، قيل له: وما خشوع النفاق ؟ قال: أن يرى الجسد خاشعا والقلب غير خاشع.، أيها المسلمون: الخشوع في الصلاة إنما يحصل لمن فرّغ قلبه لها، واشتغل بها عما عداها، وآثرها على غيرها،وحيئذ تكون راحة له وقرة عين كما كانت كذلك للنبي صلى الله عليه وسلم حيث قال (..جعلت قرة عيني في الصلاة) " رواه أحمد، ومن جرى على منهاج النبي صلى الله عليه وسلم، وسلك طريقته في الصلاة تحقق له الخشوع، والأسباب المعينة على الخشوع و التي جاءت في الكتاب والسنة كثيرة منها الاستعداد للصلاة والتهيؤ لها ويحصل ذلك بالترديد مع المؤذن والإتيان بالدعاء المشروع بعده " اللهم رب هذه الدعوة التامة والصلاة القائمة، آت محمدا الوسيلة والفضيلة وابعثه المقام المحمود الذي وعدته "، والدعاء بين الأذان والإقامة، وإحسان الوضوء والتسمية قبله والذكر والدعاء بعده والاعتناء بالسواك وهو تنظيف وتطييب للفم الذي سيكون طريقا للقرآن والذكر في الصلاة : (طهروا أفواهكم للقرآن) رواه البزار، ومنها أخذ الزينة باللباس الحسن النظيف، قال الله تعالى:{يا بني آدم خذوا زينتكم عند كل مسجد} والله عز وجل أحقّ من تُزيِّن له، كما أن الثوب الحسن الطيب الرائحة يعطي صاحبه راحة نفسية بخلاف ثوب النوم والمهنة. وكذلك الاستعداد بالتبكير وانتظار الصلاة، وكذلك تسوية الصفوف والتراص فيها لأن الشياطين تتخلل الفُرَج بين الصفوف. ومن الأسباب الطمأنينة في الصلاة، فقد كان النبي صلى الله عليه وسلم يطمئن في حركات صلاته حتى يرجع كل عظم إلى موضعه، وقال: (أسوأ الناس سرقة الذي يسرق من صلاته، فقيل  يا رسول الله: كيف يسرق صلاته، قال: (لا يتم ركوعها ولا سجودها). رواه أحمد والحاكم، ومن الأمور المعينة على الخشوع تذكر الموت في الصلاة لقوله صلى الله عليه وسلم: (اذكر الموت في صلاتك، فإن الرجل إذا ذكر الموت في صلاته لحريّ أن يحسن صلاته، وصلّ صلاة رجل لا يظن أنه يصلي غيرها... أخرجه الديلمي في " مسند الفردوس وحسنه الحافظ والألباني،، وفي هذا المعنى أيضا وصية النبي صلى الله عليه وسلم لأبي أيوب رضي الله عنه لما قال له: (إذا قمت في صلاتك فصلِّ صلاة مودِّع) رواه أحمد، يعني صلاة من يظن أنه لن يصلي غيرها. أعوذ بالله من الشيطان الرجيم  (وَاسْتَعِينُواْ بِالصَّبْرِ وَالصَّلاَةِ وَإِنَّهَا لَكَبِيرَةٌ إِلاَّ عَلَى الْخَاشِعِينَ - الَّذِينَ يَظُنُّونَ أَنَّهُم مُّلاَقُو رَبِّهِمْ وَأَنَّهُمْ إِلَيْهِ رَاجِعُونَ) اقول ما تسمعون وأستغر الله لي ولكم...... انتهى.

الخطبة الثانية

أيها المسلمن: الخشوع في الصلاة مطلب عزيز، حري بالمصلي أن يسعى لتحقيقه حتى تكون لصلاته ثمرة مرجوة، والأمور المعينة على تحقيقة كثيرة كما مضى، منها أيضا تدبر الآيات المقروءة وبقية أذكار الصلاة والتفاعل معها قال الله تعالى (والذين إذا ذُكِّروا بآيات ربهم لم يخرّوا عليها صمّا وعميانا) ومن، ومما يُعين على التدّبر كثيرا ترديد الآيات لأنه يعين على التفكّر ومعاودة النظر في المعنى وكان النبي صلى الله عليه وسلم يفعل ذلك فقد جاء أنه صلى الله عليه وسلم " قام ليلة بآية يرددها حتى أصبح وهي:{إن تعذبهم فإنهم عبادك وإن تغفر لهم فإنك أنت العزيز الحكيم} ". رواه أحمد، وكذلك فإن مما يعين على التدبر التفاعل مع الآيات كما قال حذيفة: صليت مع رسول الله ذات ليلة.. يقرأ مسترسلا، إذا مر بآية فيها تسبيح سبح و إذا مر بسؤال سأل و إذا مر بتعوذ تعوذ) رواه مسلم  وقام أحد الصحابة ـ وهو قتادة بن النعمان رضي الله عنه ـ الليل لا يقرأ إلا {قل هو الله أحد} يرددها لا يزيد عليها،  وقال سعيد بن عبيد الطائي: سمعت سعيد بن جبير يؤمهم في شهر رمضان وهو يردّد هذه الآية {فسوف يعلمون. إذ الأغلال في أعناقهم والسلاسل يُسحبون. في الحميم ثم في النار يُسجرون}. وقال القاسم رأيت سعيد بن جبير قام ليلة يصلي فقرأ {واتقوا يوما تُرجعون فيه إلى الله ثم تُوفى كل نفس ما كسبت} فرددها بضعا وعشرين مرة. وقال رجل من قيس يُكنى أبا عبد الله: بتنا ذات ليلة عند الحسن فقام من الليل فصلى فلم يزل يردد هذه الآية حتى السّحر:وإن تعدّوا نعمة الله لا تُحصوها...، وكان هارون بن رباب الأسيدي يقوم من الليل للتهجد فربما ردد هذه الآية حتى يُصبح: {وَلَوْ تَرَىَ إِذْ وُقِفُواْ عَلَى النَّارِ فَقَالُواْ يَا لَيْتَنَا نُرَدُّ وَلاَ نُكَذِّبَ بِآيَاتِ رَبِّنَا وَنَكُونَ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ} ويبكي حتى يُصبح، ومن أعظم ما يعين على الخشوع في الصلاة  التأمل في حال السلف في صلاتهم وهذا ويدفع إلى الاقتداء فـقد كان أحدهم إذا قام إلى صلاته وقف في محرابه واستفتح كلام ربه خطر على قلبه وتخيل أن ذلك المقام هو المقام الذي يقوم الناس فيه لرب العالمين فانخلع قلبه وذهل عقله "  قال مجاهد رحمه الله: " كان إذا قام أحدهم يصلي يهاب الرحمن أن يشد بصره إلى شيء أو يلتفت أو يقلب الحصى أو يعبث بشيء أو يحدث نفسه من شأن الدنيا إلا ناسيا ما دام في صلاته." وكان ابن الزبير إذا قام في الصلاة كأنه عود من الخشوع، وكان يسجد فأتى المنجنيق فأخذ طائفة من ثوبه وهو في الصلاة لا يرفع رأسه، وكان مسلمة بن بشار يصلي في المسجد فانهدم طائفة منه فقام الناس وهو في الصلاة لم يشعر، ولقد كان بعضهم في سجوده كالثوب الملقى، وبعضهم ينفتل من صلاته متغير اللون لقيامه بين يدي الله عز وجل. وبعضهم إذا كان في الصلاة لا يعرف من على يمينه وشماله.، وكان علي بن أبي طالب رضي الله عنه إذا حضرت الصلاة يتزلزل ويتلون وجهه، فقيل له: ما لك ؟ فيقول: جاء والله وقت أمانة عرضها الله على السموات والأرض والجبال فأبين أن يحملنها وأشفقن منها وحملتُها أنا. وكان سعيد التنوخي إذا صلى لم تنقطع الدموع من خديه على لحيته. ويروى عن بعض التابعين أنه كان إذا قام إلى الصلاة تغير لونه، وكان يقول: أتدرون بين يدي من أقف ومن أناجي، قالوا لعامر بن عبد القيس: أتحدّث نفسك في الصلاة فقال: أوَ شيء أحبُّ إليّ من الصلاة أحدّث به نفسي! قالوا: إنا لنحدّث أنفسنا في الصلاة، فقال: أبالجنة والحور؟ قالوا لا، ولكن بأهلينا وأموالنا. فقال: لأن تختلف الأسنّة فيّ أحبُّ إليّ من أن أحدّث نفسي في الصلاة بأمور الدنيا، وقال سعد بن معاذ: فيّ ثلاث خصال لو كنت في سائر أحوالي أكون فيهن، لكنت أنا أنا: إذا كنت في الصلاة لا أحدث نفسي بغير ما أنا فيه، وإذا سمعت من رسول الله حديثا لا يقع في قلبي ريب أنه الحقّ، وإذا كنت في جنازة لم أحدّث نفسي بغير ما تقول ويقال لها...، قال أبو بكر الصبغي: أدركت إمامين لم أُرزق السّماع منهما: أبو حاتم الرازي ومحمد بن نصر المروزي، فأما ابن نصر فما رأيت أحسن صلاة منه، لقد بلغني أن زنبورا قعد على جبهته فسال الدم على وجهه ولم يتحرك. وقال محمد بن يعقوب الأخرم: ما رأيت أحسن صلاة من محمد بن نصر، كان الذباب يقع على أذنه.. فلا يذبّه على نفسه، ولقد كنا نتعجب من حسن صلاته وخشوعه وهيبته للصلاة كان يضع ذقنه على صدره كأنه خشبة منصوبة، أيها المسلمون قارنوا بين هذا وبين ما يفعله بعضنا اليوم أحدنا ينظر في ساعته وآخر يصلح هندامه وثالث يعبث بأنفه ومنا من يبيع ويشتري في الصلاة وربما عدّ نقوده وبعضهم يتابع الزخارف في السجاد والسقوف أو يحاول التعرّف على من بجانبيه. فلا حول ولا قوة إلا بالله، اللهم أيقظنا لتدارك بقايا الأعمار ووفقنا للتزود من الخير والاستكثار.