Checkout

خطب الجمـعة

faheemfb@gmail.com

52

      

 

     
 

     


بسم الله الرحمن الرحيم

وداعاً رمضان ـ آخر أيَّام رمضان

 

كتبها : الشيخ   

ترجمها إلى الإنجليزية : د . فهيم بوخطوة

 

 

 

 

عباد الله! إنّ بلوغ رمضان لنعمة عظمى، ومنحة كبرى، لا يقدِّرها حق قدرها إلا الموفقون. فلقد كنّا بالأمسِ القريبِ نتشوَّق للقائه، ثم والحمد لله تنعّمنا ببهائه، وعشنا في نفحاته لحظات مرَّت مرور الطّيف ولمعت لمعان البرق.

 

بالإمـس أقـبل مشرق الميلاد             شهـر الـتّـقاة وموسـم العُـبَّاد

واليوم شدَّ إلى الرحيل متاعـه             قد زوَّد الدنيــا بخــير الـزاد

لا أوحش الرحمن منك منازلا              ذكـراك يعـلو في الـرُبا والواد

 

الله أكبر، ما أشبه الليلة بالبارحة! كنّا في جمعة ماضية نعيش أوّل يومٍ في رمضان، واليوم نعيش وداعه. مضى الشهر وودّعناه. وما استودعناه، ذهب شاهد لنا أو علينا. فليت شعري مَنِ المقبول منَّا فيهنيه. ومن المحروم منّا منعزّيه.

 

آه على رمضان وقد انقضت أيّامه. في ذمّة الله يا شهر التلاوة والتسبح. في دعيّة الله يا شهر القيام بالتراويح.

 

أيا الإخوة المسلمون،، كلُّ شيئٍ هالك إلا وجهه. إنقضى رمضان ككل شيء في هذه الدنيا ليقضي ويزول. كلُّ جمعٍ إلى شتات، وكل حي إلى ممات، وكل شيء في هذه الدنيا إلى زوال. {كلُّ شيئٍ هالك إلا وجهه، له الحكم وإليه ترجعون} القصص 88.

 

نحن زائلون والحياة كله زائلة. كل ما في هذا الكون متغيّر وفان. {كلُّ من عليها فان * ويبقى وجه ربِّك ذو الجلال والإكرام} الرحمن.

 

الأزمنة تمضي، والحياة كلها تمضي، ونحن نمضي ونذهب. الحيُّ اليوم سيموت غداً. من كان على ظهر الأرض اليوم سيصبح في بطنها غداً. هذه هي سُنَّة الحياة. والباقي هو الباقيات الصالحات.

 

ها نحن رويداً رويداً نودِّع رمضان:

 

فيا شهر الصيام فدتك نفسي                 تمهّل بالــرّحيل والإنتــقال

فما أدرِي إذا ما الحول ولّى                 وعـدت بقابل في غـير حال

أحياً تلقنى مع الأحـياء حياً                 أو أنّــك تلقني في اللحد بالِ

فهـذي سـنّـة الدنيا دوامٌ                  فـراق بعـد جمع واكــتمال

وتلك طبيعة الأيّـام فـينا                  ينـدر شمـلها بعد الـكــمال

 

وتعاوا معي لننظروا إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم وهو صاعد على منبره ليخطب الجمعة، فوضع رِجله على الدرجة الأولى من المنبر فقال آمين. ثم وضع رجله على الدرجة الثانية وقال آمين. ثم وضع رجله على الدرجة الثالثة فقال آمين. فسأله أصحابه بعد أن نزل من على المنبر: يا رسول الله سمعناك قلت آمين ثرث مرّات وأنت صاعدٌ على المنبر. فلماذا؟ فقال: {لأن جبريل أتاني وأنا صاعد المنبر فقال: يا محمّد رَغِمَ أنف امرئ دخل رمضان وخرج ولم يُغفر له، قل آمين. فقلت آمين. ثم قال لي يا محمّد رغم أنف امرئٍ أدرك والديه، أحدهما أو كليهما ثم لم يدخل الجنّة. قل آمين. فقلت آمين. ثم قال لي يا محمّد رغم أنف امرئِ ذُكرتَ أمامه ثمَّ لميصلِّ عليك. قل آمين، فقلت آمين}.

 

نعم دخل رمضان وخرج. ذهب شاهدُ لنا أو علينا. بما أودعناه منن أعمال. فمن أودعه خيراً فليحمد الله وليعمل من الصالحات. ومن أودعه غير ذلك فليراجع نفسه، وليَتُبْ إلى ربِّه من الخطايا والسَّيِّئات.

 

هكذا أيها المسلمون تنطوي صحيفة رمضان. وتُقوَّض سوق كانت عامرة بالخيرات والحسنات. رَبِحَ فيها من ربح وخَسِرَ فيها من خسر، وحُرِم فيها من حُرم.

 

إخوة الإسلام ،، في توديع رمضان فرصٌ للتأمُّل، ووقفات للنظر. فالصوم ورمضان فترات رائعة للتصويب والتصحيح والتغيير، إذا صدقت النوايا والمقاصد.

 

أخوة الإسلام ،، رمضان مدرسه للأمّة الإسلامية، يجب أن لا تخرج منها الإ بإصلاح الأوضاع. وأن يكون هذا الشهر الكريم نقطة تحوّل وتغيير. إنّه شهر للتوبة والغفران والعتق من النيران. فمن لم يتب في هذا الشهر الكريم فمتى يتوب؟

 

أخوة الإيمان والعقيدة، ثبت لكثر منّا في هذا الشهر الكريم أنّه متى أراد وعزم وأصرّ على نفسه وأخذها بالعزم والجد فإنّه قادرٌ بإذن الله أن يقدِّم لنفسهه ولأمّته خيراً وعطاءً واسعاً. ولكن السؤال الذي يبرز وقد خرج رمضان وولى: هل نحن رمضانيُّون وقتيون أم ربَّانيون مستقيمون؟ لينظر كل ٌّ منَّا فيما مضى من عمره وأيّام دهره، ووليحكم على نفسه بنفسه. وأننا لو صدقنا مع أنفسنا ـ لوجدنا كثيراً منّا رمضانيين وقتيين ننشط في رمضان ونُنَوِّع الطاعات، فإذا خرج رمضان تكاسلنا وتراجعنا. فكأنّنا لم نُحِسَّ للأعمال الصالحة بلذّة فنديمها. وكأننا لم نجد للطاعات انشراحاً في صدورنا فنستمر عليها. وفي هذا خلل كبير وخطر عظيم. وإلاّ فإنّ مَنْ ذاق حلاوة الإيمان، وخالطت بشاشته قلبه، لم يزد في ازدياد من الخير حتى يلقى ربّه. ولم يزل نشاطه في توسّع حتى يأتيه اليقين.

 

قال ابن القيِّم رحمه الله: وسمعت شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله يقول: "إذا لم تجد للعمل حلاوة في قلبك وانشراحاً في صدرك فاتّهمه، فإن الربّ تعالى شكور، يعني أنه لابد أن يثيب العامل على عمله في الدنيا من حلاوة يحدها في قلبه وقوّة وانشراحا وقُرَّةُ عين. فحيث لم يجد ذلك فعمله مدخول. والقصد أنَّ السر بالله وقربه وقرّة العين به تبعث على الإزدياد من طاعته وتحث في الجدِّ في السير إليه" إنتهى كلامه.

 

أيها المسلمون ،، لقد أمر الله سبحانه نبيّه وصفيّه حين أمره بعبادته أن يكون ذلك منه على سبيل الدّوام والإستمرار والثّبات. قال جلّ وعلا: {واعبد ربّك حتى يأتيك اليقين} وقال سبحانه: {قل إنّ صلاتي ونسكي ومحياي ومماتي لله ربّ العالمين}. فلم يجعل لعبادته نهايةً ولا حداً دون الموت، ولا للعمل له وقتاً دون وقت، ولا طاعة دون أخرى. ولقد وعى صلى الله عليه وسلم هذا الأمر وامتثله. فكان صلى الله عليه وسلم مثالاً للعبودية الكاملة في كلِّ جوانبها. وكان من أنه المداومة على العمل الصالح. وكان يقول: {أحبُّ الأعمال إلى الله أدومها وإن قلَّ}. وهكذا وصفت زوجاته رضي الله عنهن عمله. فهذه عائشة رضي الله عنها قالت: كان أحبُّ الدين إليه ما داومَ عليه صاحبه. وقالت رضي الله عنها: وكان رسول الله إذا صلى صلاةً أحب أن يداوم عليها.وع أم سلمةة رضي الله عنها قالت: م مات رسول الله صلى الله عليه وسلم حى كان أكثر صرته وهوجالس وكان أحب العمل إليه ما داوم عليه العبد وإن كان شيئاً يسيراً.

 

ولما كنّا متعبدين بطاعته صلى الله عليه وسلم واتِّبَاعِه والتأسي به والسر على طريقته وسُنَّته فإنّ من الواجب علينا أن نكون على ما كان عليه ما استطعنا {لقد كان لكم في رسول الله أسوة حسنة لمن كان يرجو الله واليوم الآخر وذكر الله كثيراً}. ومن هنا أيها المسلمون فإن على المسلم الذي يريد لنفسه الفوز والنّجاة أن يسلك الصراط المستقيم، ويثبت على الدين القيِّم. فيفعل الطاعات كلها ما استطاع. ظاهرها وباطنها، ويترك المنكرات كلها صغيرةً وكبيرةً. وأن يداوم على ما كان عليه من النشاط في العبادة.فإن ربّ رمضان هو ربّ شوّال وربّ شعبان.

 

ولا حول ولا قوّة إلا بالله.

 

الحمد لله رب العالمين والصلاة والسلام على أشرف المرسلين ، وعلى أهله وصحبه أجمعين

 

 


faheemfb@gmail.com   فهيم بوخـطـوة ،، البريد الإلكتروني