Checkout

خطب الجمـعة

faheemfb@gmail.com

53

      

 

     
 

   


بسم الله الرحمن الرحيم

الرياء ـ أو الشِّرك الأصغر

 

كتبها : الشيخ  عبد الرزّاق الطاهر فارح

ترجمها إلى الإنجليزية : د . فهيم بوخطوة

 

21  جمادى الأولى  1436

10  أبريــل  2015

 

أحبتي في الله

الرّياء ، وما هو هذا المرض؟ وما تعريفه؟ وما هي خطورته؟ وما آثاره ونتائجه ؟ وما الذي ينجّي الإنسان في الدنيا والآخرة منه ؟ الإجابة عن كل هذه الإسئلة هو موضوع خطبتنا في هذا اليوم المبارك . أسأل الله جلّ وعلاا أن يجعلنا جميعاً من عباده المخلصين.

وكلمة الريّاء معناها: أرى الناّس خلاف ما يبطن في قلبه . أو إرادة الغير بفعل الخير أو إرادة العباد بعبادة رب العباد. أو أن تعمل عملا من الأعمال التي لا ينبغي أن تصرف إلا لله ، ولكن لا تريد بها وجه الله ، وإنما تريد بها السمعة والشهرة والمحمدة عن الخلق . فهذا الرياء قد حذّر منه النبي أمته. كما في الحديث الذي رواه الإمام أحمد في مسنده ، وإبن جنان وغيرهما بسند صحيح ، ورواه من حديث محمود إبن لبيد رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال : {إني أخوف ما أخاف عليكم الشرك الأصغر} . قالوا: وما الشرك الأصغر يا رسول الله . قال : {الرياء}. وكما في الحديث الذي رواه الترمذي من حديث أبي سعيد الخذري رضى الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم إطّلع يوما على أصحابه وهم يتذاكرون المسيح الدجّال ، فقال: ألا أخبركم بما هو أخوف عليكم عندي من المسيح الدجّال؟ قالوا بلى يا رسول الله . قال: {شرك السرائر} . قالوا وما شرك السرائر ؟ قال : {يقوم الرجل فيصلي ، فيزيِّن صلاته جاهدا لما يرى من نظر الناس إليه ، يحسِّن الأعمال ويزِّين الصلاة ويتظاهر بالخشوع والخضوع فيها إلا ليراه الناس} .

هذا الرياء محبط للعمل ، ويجعله الله هباءً منوراً . قال الله جلّ وعلا على لسان رسوله في الحديث القدسي الذي رواه مسلم من حديث أبي هريرة رضي الله عنه عن الحبيب النبي صلى الله عليه وسلم: قال ربي الأعلى: أنا أغني الأغنياء عن الشرك . فمن عمل عملا أشرك فيه معي غيري تركته وشركه . وفي لفظ إبن ماجه "وأنا منه برئ وهو للذي أشرك". ثم بيّن النبي صلى الله عليه وسلم أن الله يجمع الناس يوم القيامة ليوم لا ريب فيه ، فإذا جازاهم بأعمالهم خاب المرائين فقال {إذهبوا إلى أولئك الذين كنتم ترائون في الدنيا . (أي تعملون لأجلهم الأعمال الصالحة) ، فلتجدوا عندهم جزاءً} . وحينئذ يظهر خزيهم وتظهر ندامتهم وخسارتهم لأنهم لن يجدوا جزائهم عند أحد . فإن الواحد الأحد ، ملك الملوك هو الذي يجازي على الحسن والقبيح. فهو سبحانه مالك يوم الدين .

روى مسلم في صحيحه من حديث أبي هريرة رضي الله عنه أنه صلى الله عليه وسلم قال {أوّل من تسعَّر بهم النار يوم القيامة ،عالمٌ وقارئ للقرآن. عالمٌ أتي به فعرّفه نعمه ، فعرفها ، قال فماذا عملت؟ قال تعلمت العلم وعلمته . قال كذبت ، ولكنك تعلمت ليقال هو عالم ، وقد قيل . ثم أمر به ، فسحب على وجهه حتى ألقي في النّار . وقارئ للقرآن أتي به فعرّفه نعمه ، فعرفها ، قال فماذا عملت؟ قال قرأت فيك القرآن . قال كذبت ، ولكنك قرأت ليقال هو قارئ ، وقد قيل . ثم أمر به ، فسحب على وجهه حتى ألقي في النّار . ورجل سخي باذل (محسن كبير) أتي به فعرّفه نعمه ، فعرفها ، قال فماذا عملت؟ قال ما تركت سبيلا تُحب أن يُنفق فيها لك إلا وأنفقت فيها لك . قال كذبت ، ولكنك أنفقت ليقال هو جوّاد ، وقد قيل . ثم أمر به ، فسحب على وجهه حتى ألقي في النّار . ومقاتل في الميدان أتي به فعرّفه نعمه ، فعرفها ، قال فماذا عملت؟ قال قاتلت فيك حتى قُتلت . قال كذبت ، ولكنك قاتلت ليقال هو جرئ (ليقال هو بطل وليقال هو شجاع) ، وقد قيل . ثم أمر به ، فسحب على وجهه حتى ألقي في النّار} .

 

أحبتي في الله ،، إنّ من آثار الرّياء في هذه الحياة  الدنيا هو أنّ المرائيس لا يستمر ولا يواصل العمل . فهو لا يعمل إلا أمام النّاس . أمّا إذا غاب عنه النّاس فإنه يترك العمل . ولذلك سُئل علي إبن أبي طالب رضي الله عنه عن علامات الرّياء فقال ثلاث (علامات الريّاء ونعوته ثلاث) ،، أنّه (أي المرائي) ينشط في العبادة والطاعة أمام الناس ، ويكسل إذا غاب عنهم . وكذلك زيادته في العمل إذا أثني عليه . وإذا ذمّوه توقف أو أنقص العمل . وهذا يدل على مُنافاة الإخلاص . أسأل الله أن يرزقني وإياكم الإخلاص وأن يجعلنا جميعا ممن يستمعون القول فيتبعون أحسنه .

أقول قولي هذا وأستغفر الله لي ولكم ،،، إنه هو الغفور الرحيم .

 

الحمد لله على إحسانه ، والشكر له على توفيقه وامتنانه ، وأشهد أنّ لا إله إلا الله وحده لا شريك له تعظيما لشأنه ، وأشهد أن محمداً عبده ورسوله الداعي إلى رضوانه صلى الله عليه وسلم ، وعلى آله وأصحابه وأتباعه وسلم تسليماً كثيرا.

أما بعد ،،

فيا أيها المسلمون ، إتّقوا الله تعالى واعلموا أن الريّاء محبط للأعمال وسبب لمقت الله . فجدير بك أيها المسلم أن تعالج نفسك منه . وذلك بمعرفة حقيقة التوحيد التي تتضمن عظمة الله تعالى . فإذا علمت أن الله وحده هو الذي يضر وينفع متى شاء طرحت من قلبك الخوف من ذم النّاس والطمع في ثنائهم. وكذلك إذا علمت أن الله سميع بصير يعلم خائنة الأعين وما تخفي الصدور، طرحت مراقبة الخلق وأطِع الله كأنّك تراه ، فإن لم تكن تراه فإنه يراك . وحسبك أيها المسلم إطلاع الله عليك . واعلم أن النّاس لن يغنوا عنك من الله شيئاً . واعلم أن الشيطان هو منبع الريّاء . فاستعن على طرده بالإستعاذة بالله منه . واكتم عملك عن النّاس فلا تجعلهم يطلعون على أعمالك الصالحة . وإياك وحب الظهور ، فإنّه يورِّث الغرور ، ويقصم الظهور . أما شعائر الإسلام الظاهرة فلابد من إظهارها . ولا يمكن إخفاؤها ، كالحج والعمرة والجمعة والجماعة وغيرها .

فالإنسان لا يكون مرائياً بإظهارها لأن من حق الفراض الإعلان بها ، لأنّها أعلام الإسلام وشعائر الدين . ولأن تاركها يستحق الذّم والمقت . فوجب إماطة التهمة بالإظهار . ولكن يحذر من الرّياء فيها بعد أدائها . أما إذا كانت العبادة تطوعاً ، فحقها أن تخفى لأنه لا يلام الإنسان بتركها ، ولا تهمة فيها . فإن أظهرها قاصداً بالإظهار أن يراه النّاس فيمدحونه ويثنون عليه فهو رياء . وكل عمل يأتي به الإنسان وهو لا يريد بفعله وجه الله فهو رياء ، وهو من الشرك والعياذ بالله .

 

الحمد لله رب العالمين والصلاة والسلام على أشرف المرسلين ، وعلى أهله وصحبه أجمعين

 

 


faheemfb@gmail.com   فهيم بوخـطـوة ،، البريد الإلكتروني