| 
     خطب الجمـعة |  | 
     | 178 | 
| 
 | |||
بسم الله الرحمن الرحيم
الإستقامة
كتبها : الشيخ عبد الرزّاق طاهر فارح
ترجمها إلى الإنجليزية : د . فهيم بوخطوة
10 شوَّال 1437 هـ
15 يوليو 2016 م
إنَّ الحمد لله ، نحمده ونستعينه ونستغفره ونعوذ بالله من شرور أنفسنا ومن سيئات أعمالنا. من يهده الله فلا مُضِلّ له، ومن يُضْلِل فلا هادي له، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمدا عبده ورسوله.
يا أيها الذين آمنوا اتقوا الله حقَّ تُقاته ولا تموتن إلا وأنتم مسلمون.
يا أيها النّاس اتّقوا ربكم الذي خلقكم من ننفس واحدة وخلق منها زوجها وبثّ!َ منهما رجالا ونساء واتقوا الله الذي تساءلون به والأرحام. إنّ الله كان عليكم رقيبا
با أيها الذين آمنوا اتقوا الله وقولوا قولا سديدا ، يُصلح لكم أعمالكم ويغفر لكم ذنوبكم ومن يُطع الله ورسوله فقد فاز فوزاً عظيما
أما بعد
أحبتي في الله،، لزوم الإستقامة أعظم كرامة، هذا هو عنوان لقائنا مع حضراتكم في هذا اليوم المبارك. وأردت أن أذكِّر نفسي وإخواني وأخواتي بهذا الموضوع الجليل.
الإستقامة هي لزوم الصِّراط المستقيم بإمتثال الأمر وإجتناب النهي، والوقوف عند الحد، بعلمٍ وإخلاصٍ وإتِّباع. فالإستقامةُ دائرة على الأقوالِ والأعمالِ والأحوالِ، أيْ أنْ تستقيمُ الإقوال على الصدقِ، وأن تستقيم الأعمال على إتِّباعِ النبي صلَّى الله عليه وسلم، وأنْ تستقيم الأحوال على الإخلاصِ. هذه هي الإستقامة.
ندعو الله عزّ وجل في كل ركعة من ركعات الصلاة. صلاة الفيضة أو النَّافلة، أن يرزقنا الصِّراط المستقيم. إهدنا الصِّراط المستقيم. ما هو الصراط المستقيم أيّها الأفاضل؟
الجواب يأتي من الرسولِ صلى الله عليه وسلم، كما في مسند أحمد وغيره بسند صحيح من حديث نواس إبن سمعان رضي الله عنه أن النّبي صلى الله عليه وسلم قال: {ضرب الله مثلا صراطا مستقيما، وعلى جانبي هذا الصراط سوران، فيهما أبوابٌ مُفتّحَة، وعليها ستُورٌ مُرخاة. وعلى رأس الصِّراط دَاعٍ يقول: يا أيها النَّاس، أدخلوا الصراط جميعا ولا تعوجوا. وعلى ظهر الصِّراط داعٍ آخر. إذا أراد أحدهم أن يدخل باباً من هذه الأبواب المفتَّحَة التي أُرخيت عليه السّتور، يُنادي عليه داع آخر على ظهر الصراط: "ويحك، ويحك، لا تفتح، إنّك إن تفتحه تَلِجْه"}. يُفسرُ لنا نبيّنا صلى الله عليه وسلم هذا المثل ويقول: {الصِّراط: الإسلام، والسوران: حدود الله، والأبواب المفتّحة عليها ستورٌ مُرخاة: محارم الله. والداعي على رأس الصّراط: كتاب الله. والداعي فوق الصِّراط: واعظُ الله في قلب كل مسلم} .
ذاكم الواعظ، الذي يهتف بك إذا أردت أن ترتكب معصية يُنادي عليك. وإذا قصَّرت في طاعة يُنادي عليك. لكننا ظللنا نكتم أنفاس هذا الواعظ في قلوبنا حتى لم يعد الكثيرون منّا يسمع صوت هذا الواعظ في قَلبِ كلّ مسلم.
فالصراط المستقيم هو صراط الله جلّ وعلا هو دين الله الذي رسمه لنا نبيّنا صلى الله عليه وسلم يوماً في شكل خطٍّ مستقيم على الأرض وقال: هذا صراطُ الله مستقيماً. وخطَّ على يمينِ وشمالِ هذا الخطْ المستقيم خطوطاً مُعْوَجَّةٌ ومُتَعَرِّجَة وقال: هذه سُبُل، وعلى رأسِ كلِّ سبيلٍ منها شيطان. وقرأ قول الله تعالي: {وَأَنَّ هَـٰذَا صِرَاطِي مُسْتَقِيمًا فَاتَّبِعُوهُ ۖ وَلَا تَتَّبِعُوا السُّبُلَ فَتَفَرَّقَ بِكُمْ عَن سَبِيلِهِ ۚ ذَٰلِكُمْ وَصَّاكُم بِهِ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ} 6:153.
فالصراط المستقيم هو الإسلام، هو منهج الله جلّ وعلا. ومنهج رسول الله صلى الله عليه وسلم يُفَهِّمُ سَلَفَ الأمَّةِ الطَّهَارة، لأنَّهم أفهَم الخلقِ لمرادِ الله ومراد رسوله صلى الله عليه وسلم. وهذا هو حكم ربنا جلّ وعلا، قال تعالى: {وَمَن يُشَاقِقِ الرَّسُولَ مِن بَعْدِ مَا تَبَيَّنَ لَهُ الْهُدَىٰ وَيَتَّبِعْ غَيْرَ سَبِيلِ الْمُؤْمِنِينَ نُوَلِّهِ مَا تَوَلَّىٰ وَنُصْلِهِ جَهَنَّمَ ۖ وَسَاءَتْ مَصِيرًا} 4:115. والمراد بالمؤمنين في الآية بالإتِّفَاق، بل وإذا ذُكر المؤمنون في القرآن بالإتِّفَاق، فإنّ المراد إبتداءً هُمْ أصحاب النّبي صلى الله عليه وسلم. فَهُمْ أعْلَمُ النّاسَ لمرادِ الله ورسوله. قال عبد الله إبن مسعود رضي الله عنه: من كان مستناً فليس كمن قد مات، فإنّ الحيَّ لا تُؤْمَنُ عليهِ الفِتْنَةُ. أولئك أصحاب محمد صلى الله عليه وسلم كانوا أفضل هذه الأمّة، أبَرَّهَا قلوباً، وأعمَقُها عِلْماً، وأقَلُّها تَكَلُّفاً. إختارهم الله لصُحبة نبيِّه، ولإقامة دينه. فاعرفوا لهم فضلهم، واتَّبِعُوهُم على آثَارِهِمْ، وتَمَسَّكوا بما استطعتم من أخلاقهم وسِيرَهِم، فإنّهم كانوا على الهدي المستقيمز هذا هو الصِّراطِ المستقيم، قرآن وسُنَّة، بفهم سلَفِ الأُمَّة، بفهم الصحابة الطهار، والتابعين الأخيار، ومن تبعهم بإحسان إلى يومنا، وإلى أن يرث الله الأرض ومن عليها. نعم، فأصل الإستقامة أن يستقيم القلب على التوحيد. فإن إستقام القلب على التوحيد، إستقامت الجوارح كلها على طاعة العزيز الحميد.
أما ثمرة الإستقامة فتأتي كما بشَّر الله جلّ وعلا أنّ للإستقامة ثمرة عظيمة، إسمع قول رب العالمين: {إِنَّ الَّذِينَ قَالُوا رَبُّنَا اللَّهُ ثُمَّ اسْتَقَامُوا تَتَنَزَّلُ عَلَيْهِمُ الْمَلَائِكَةُ أَلَّا تَخَافُوا وَلَا تَحْزَنُوا وَأَبْشِرُوا بِالْجَنَّةِ الَّتِي كُنتُمْ تُوعَدُونَ * نَحْنُ أَوْلِيَاؤُكُمْ فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَفِي الْآخِرَةِ ۖ وَلَكُمْ فِيهَا مَا تَشْتَهِي أَنفُسُكُمْ وَلَكُمْ فِيهَا مَا تَدَّعُونَ * نُزُلًا مِّنْ غَفُورٍ رَّحِيمٍ * وَمَنْ أَحْسَنُ قَوْلًا مِّمَّن دَعَا إِلَى اللَّهِ وَعَمِلَ صَالِحًا وَقَالَ إِنَّنِي مِنَ الْمُسْلِمِينَ * وَلَا تَسْتَوِي الْحَسَنَةُ وَلَا السَّيِّئَةُ ۚ ادْفَعْ بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ فَإِذَا الَّذِي بَيْنَكَ وَبَيْنَهُ عَدَاوَةٌ كَأَنَّهُ وَلِيٌّ حَمِيمٌ} 41:30.
أسأل الله جلّ وعلا أن يجعلني إيّاكم من أهل الإستقامة، إنه وليّ ذلك وقادر عليه.
أقول قولي هذا وأستغفر الله العظيم.