خطب الجمـعة |
![]() |
|
179 |
|
بسم الله الرحمن الرحيم
الإرهاب والإسلام
كتبها : عبد الرزّاق طاهر فارح
ترجمها إلى الإنجليزية: د . فهيم بوخطوة
17 شوَّال 1437 هـ
22 يوليو 2016 م
أحبتي في الله ، إنَّ الإسلام هو مِنَّةٌ كبرى ، ونعمةٌ عظيمة ، والدين الذي إرتضاه الله للبشرية جمعاء. بل إنَّ الإسلام هو الدين الذي إرتضاه الله لأهل السماء. قال جلَّ وعلا: }إِنَّ الدِّينَ عِندَ اللَّهِ الْإِسْلَامُ}3:19. وقال جلَّ وعلا: {وَمَن يَبْتَغِ غَيْرَ الْإِسْلَامِ دِينًا فَلَن يُقْبَلَ مِنْهُ وَهُوَ فِي الْآخِرَةِ مِنَ الْخَاسِرِينَ} 3:85.
فما من نبي ولا رسول إلا بعثه الله بالإسلام ، من نبي الله نوح إلى نبيِّنا خاتم الأنبياء والمسرين صلوات الله وسلامه عليهم أجمعين. فمن إنتسب إلى الإسلام، واعتزَّ بالإسلام، أعزَّه الله في الدنيا وكان في الآخرة من أهل الجنّة. ذكر الله جلّ وعلا أنَّ الكفّار يطلبون العِزَّة بكفرهم وعبادتهم لغير الله، فأذلهم الله. قال تعالي: {وَاتَّخَذُوا مِن دُونِ اللَّهِ آلِهَةً لِّيَكُونُوا لَهُمْ عِزًّا *كَلَّا ۚ سَيَكْفُرُونَ بِعِبَادَتِهِمْ وَيَكُونُونَ عَلَيْهِمْ ضِدًّا} 19:81،82.
أما المنافقون، ومرضى القلوب الذين معهم باطناً، ومع المسلمين ظاهراً، والله يعلم ما في قلوبهم. طلبوا العزَّةَ بموالاتهم، فأذلهم الله جلّ وعلا، وقال: {الَّذِينَ يَتَّخِذُونَ الْكَافِرِينَ أَوْلِيَاءَ مِن دُونِ الْمُؤْمِنِينَ ۚ أَيَبْتَغُونَ عِندَهُمُ الْعِزَّةَ فَإِنَّ الْعِزَّةَ لِلَّهِ جَمِيعًا} 4:139. وأمر رسوله صلى الله عليه وسلم أن يُبشِّرهم بعذاب أليم. فقال تعالى: {بَشِّرِ الْمُنَافِقِينَ بِأَنَّ لَهُمْ عَذَابًا أَلِيمًا} 4:138.
ديننا دين الحق، من إعتزَّ به أعزَّه الله. ديننا دين الرحمة، ودين العدالة. دين يدعو إلى الوسطية. هذا الدين، هذا الإسلام دين الله تبارك وتعالى، الكامل البرأ من كل نقص وعيب وخلل. ومن الظلم الفاصح أن يُتَّهم الإسلام بالإرهاب، وأن يُتَّهم بالرجعية والتطرف والتخلف، إلى آخر كل هذه التُّهم التي تُكال اليوم للإسلام هنا وهنالك. هو برئٌ منها. فنحن نعلم يقيناً أنَّ الإسلام دينٌ لا يُقِرُّ الإرهاب أبداً، سواء صدر عن مسلم أو غير مسلم. بل إن الإسلام يُنكر الإرهاب أيِّن كان نوعه، أيِّن كان شكله. أحبتي في الله، لا تكاد تفتح فضائية من الفضائيات إلا وترى أو تسمع هذه الكلمة. هذا يقتل بإسم الدِّين، وهذا يقبل بإسم الإرهاب. والعكس أنه يقتل بإسم نفسه وليس بإسم الدِّين. الإرهاب هو من يقتل المدنيين والأبرياء مهما كان إنتمائه، وعلى أيِّ أرضٍ كان. فالله جلّ وعلا هو الذي وهب للإنسان حق الحياة. وهو حقٌّ كبير لا يحِلُّ لأحدٍ أن ينتهك حرمته، أو أن يستبيح حِمَاه. قال جلّ وعلا: {مَن قَتَلَ نَفْسًا بِغَيْرِ نَفْسٍ أَوْ فَسَادٍ فِي الْأَرْضِ فَكَأَنَّمَا قَتَلَ النَّاسَ جَمِيعًا وَمَنْ أَحْيَاهَا فَكَأَنَّمَا أَحْيَا النَّاسَ جَمِيعًا} 5:32. وقال النبي صلى الله عليه وسلم: {لا يزال المؤمن في فُسْحَةٍ من دينه ما لم يُصب دمًا حراماً}.
أحبّتي في الله، إنَّ الإسلام دينٌ عالمي: {وَمَا أَرْسَلْنَاكَ إِلَّا رَحْمَةً لِّلْعَالَمِينَ} 21:107. ثم يا عباد الله، إنَّ حَمْلَ همِّ هذا الدين ليس إختيارياً، إنّما هو حِمْلٌ ثقيل كما قال النّبي صلى الله عليه وسلم: {بلغوا عنِّي ولو بآية}. إسأل نفسك ماذا قدَّمت لدينك؟ إذ أنَّ أعظم خدمة تُقدِّمها اليوم للإسلام أن تشهد للإسلام شهادةً عمليةً. فكلّنا شهد للإسلام بلسانه، لكن من منَّا شهد للإسلام بأخلاقه؟ وبسلوكه؟ وبصدقه وبأعماله وبعطائه؟ {قُلْ هَـٰذِهِ سَبِيلِي أَدْعُو إِلَى اللَّهِ ۚ عَلَىٰ بَصِيرَةٍ أَنَا وَمَنِ اتَّبَعَنِي} 12:108. قال إبن القيِّم: ولا يكون الرجل من أتباع النّبي صلى الله عليه وسلم حتى يدعو إلى ما دعى إليه النَّبي صلى الله عليه وسلم، على بصيرة.
إسمع كيف تعامل نبيّنا صلى الله عليه وسلم مع قريس بعد عشر سنوات من الإضطهاد والعذاب الذي واجهه من أهل مكة. فلما جاء يفتحها فإذا بسعد بن عُبادة يقول: جئناكم بالملاحم (بالمجزرة والذبح)، اليوم يوم الملحمة. فأُخْبِرَ النبي صلى الله عليه وسلم بكلام سعد، فقال: {لا والله كذب سعد، بل اليوم يوم مرحمة. يا أهل مكة ما تقولون إني فاعلٌ بكم؟}. فقالوا: إنّك رجلٌ كريم، وأخٌ كريم، وابن أخٍ كريم. فقال: {إنطلقوا فأنتم الطلقاء}. هذه هي رحمة الإسلام، وعدل الإسلام. والإسلام يدعو إلى الوسطية ولا يدعو إلى الغلو.
أحبّتي في الله، فواجبنا نحو ديننا أن نتحرّك لهذا الدِّين بصدق وأمانةٍ لنُبَيِّن للأهل هذا البلد عظمة هذا الدِّين، الذي يُشَوِّهه الإعلام بهذه الطريقة البشعة ليُنَال الإسلام. أحبّتي في الله، أذكر لكل من كان له قلبٌ أو ألقى السمع وهو شهيد، أيًّ كان مكانه، مبتعثاً أو مقيماً، جامعياً كان أو في المدارس، أنَّنا سنُسأل أمام الله إذا لم نُبَلِّغ دعوة الله جلّ وعلا لأهل هذا البلد. ولعل بعض مِنَّا يسأل نفسه: أنا لا أجيد اللغة الإنجليزية بصورة جيِّدة، فكيف أستطيع أن أبلغ هذا الدين؟ إسمع ماذا قال إبن الخطّاب رضي الله عنه: أدعوا إلى الإسلام وأنتم صامتون. قالوا كيف؟ قال: بأخلاقكم.
هذه قصة في نفس السِّياق: كان هناك صديقان مسلمان يدرسان في بريطانيا. فكانا يتحدثان العربية طالما كانا بمفرديهما. حينما يأتي صديقهم البريطاني يتحولان إلى الإنجليزية. حدث هذا عدة مرّات، فتعجّب صديقهم البريطاني من ذلك الفعل. فأراد أن يستفسر ويعرف السبب، فقالا له: نهانا نبيُّنا صلى الله عليه وسلم أن نتحدث سويا بلغة لا يفهمها ثالثنا. فما كن منه إلا أن قال باللغة الإنجليزية: نبيِّكم هذا ضاري جداً. فأسلم البريطاني بعد ستة أشهر وقد عكف على دراسة الإسلام. وكان من كلامه: "أوَّل شيء وقع في قلبي هو ذوق الإسلام في التعامل مع الآخرين". لدينا دينٌ جميل، فقط لِنُحسن ممارسته. الدِّين أفعال، لا أقوال فقط.
أقول قولي هذا وأستغفر الله العظيم لي ولكم ، إستغفروه إنّه هو الغفّار الرحيم.
|