Checkout

خطب الجمـعة

faheemfb@gmail.com

230

      

 

     

   


بسم الله الرحمن الرحيم

العشر الأواخر

 

كتبها : عبد الرزّاق طاهر فارح

ترجمها إلى الإنجليزية: د . فهيم بوخطوة

 

21 رمضان 1443

22 أبريل 2022

 

أحبتي في الله ،،

جاءت إلينا أفضل عشر ليالي من شهر رمضان، العشر الأواخر. وإنِّي أسأل الله جلّ وعلا أن يُوَفِّقني وإيَّاكم خيرها، إنّه وليُّ ذلك والقادر عليه. روى البخاري من حديث عائشة رضي الله عنها قالت: كان النَّبي صلى الله عليه وسلم إذا دخلت العشر شدَّ مئزره، وأحيا ليله، وأيقظ أهله. وفي رواية مسلم أنّها قالت: كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يجتهد في العشر الأواخر ما لا يجتهد في غيره. "شدَّ مئزره" أي كنايةً عن الإجتهاد في العبادة. وبعض أهل العلم قال كنايةً عن إعتزال نسائه. يتفرَّغ للعبادة مطلقاً، لأنّه كان يعتكف في العشر. "وأيقظ أهله" أي يُشاركوه في هذا الخير فلا يكونوا في غفلة عمَّا هو فيه من عبادة الله جلّ وعلا. "وأحيا ليله" أي أقامه بالصّلاة والذِكْر والدُّعاء. والحكمة في ذلك أيُّها الأحبّة أن الأعمال بخواتيمها. وهذه العشر هي خاتمة شهر رمضان. نسأل الله حُسْنَ الخاتمة في الأمور كلها.

وفيها تحرّى ليلة القدر. هذه الليلة التي أهداها الله لهذه الأمَّة فضلاً ونِعمة. وهي هذه الليلة هي ليلة القدر.

أيّها الأفاضل، ليلة القدر هي ليلة مباركة، ليلة القضاء والحكم, وليلة التدبير والأمر، وليلة الشرف والفضل والقدر. وهي ليلة تضيق فيها الأرض بالملائكة. قال الله جلّ وعلا: {تَنَزَّلُ الْمَلَائِكَةُ وَالرُّوحُ فِيهَا بِإِذْنِ رَبِّهِم مِّن كُلِّ أَمْرٍ} 97:4. تنزّل أي لا تنزل الملائكة دفعةً واحدة، بل أفواجاً بعد أفواج. وقال نبيُّنا صلى الله عليه وسلم كما في الحديث الذي رواه أبو داود الطيالسي والديهقي والمزار وإبن نصر وغيرهم بسند حسن من حديث أبي هريرة رضي الله عنه أنّه صلَّى الله عليه وسلم قال أن {عدد الملائكة في الأرض في هذه الليلة أكثر من عدد الحصى}.

فليلة القدر أيُّها الأحبّة سُمِّيَت بهذا الإسم لأن الملائكة تكثر فيها وتزدحم وتضيق الأرض بالملائكة. فسبحان الله، وكأنّ الله جلّ وعلا يريد أن يُكرِّم أهل التوحيد من الصَّائمين القائمين من أمَّة سيِّد النَّبِيين وإمام العالمين بشهود الملائكة حفلهم الإيماني البهيج. وتدَبَّر معي أيه الأفاضل بسم الله الرحمن الرحيم: {حم ۚ وَالْكِتَابِ الْمُبِينِ ۚ إِنَّا أَنزَلْنَاهُ فِي لَيْلَةٍ مُّبَارَكَةٍ ۚ إِنَّا كُنَّا مُنذِرِينَ ۚ فِيهَا يُفْرَقُ كُلُّ أَمْرٍ حَكِيمٍ ۚ أَمْرًا مِّنْ عِندِنَا ۚ إِنَّا كُنَّا مُرْسِلِينَ} 44:1:5

ليلة القدر ليلة مباركة. إستمدَّت بركتها من القرآن الكريم. إذ أنَّ ملك الحق ربّ العالمين جلّ وعلا قد أنزلالقرآن في ليلة القدر، في رمضان من الرمضانات على قلب رسول الله صلى الله عليه وسلم. أيُّها الأحبّة، أوّل بركة من بركات هذه الليلة هي أن الله باركها ورفع شأنها، وأعلا قدرها فأنزل القرآن فيها. وربّ الكعبة لا يعرف قدرها إلا من يعرف قدر القرآن وجلال القرآن وعظمة القرآن. فالقرآن هو مصدر سعاد البشرية، فضلاً عن الأمّة، في النيا والآخرة. إنّ هذا القرآن يهدي للتي هي أقوم. أي في جانب العقيدة، في جانب العبادة، في جانب التشريع، في جانب الأخلاق، في جانب المعاملات، في جانب الفكر، في جانب السّلوك، بكل جوانب الحياة. هذه الليلة، أي ليلة القدر هي الليلة التي يُفصِل الحقّ تبارك وتعالى فيها من اللوح المحفوظ أقدار من الموت والياة، الأرزاق والآجال. كما قال إبن عبّاس رضي الله عنهما حتى يُكتب يَحُجْ فلان وفلان، ويموت فلان وفلان، ويموت فلان وفلان. فترى الرجُّل يمشي في الأسواق وقد إسمه في الموتى في هذا العام.

أيها الأحبة ، ليلة القدر ليلة شرف، ليلة الرِّفعة، ليلة العلوِّ، ليلة المكانة. قال تعالى: {إِنَّا أَنزَلْنَاهُ فِي لَيْلَةِ الْقَدْرِ ۚ وَمَا أَدْرَاكَ مَا لَيْلَةُ الْقَدْرِ ۚ لَيْلَةُ الْقَدْرِ خَيْرٌ مِّنْ أَلْفِ شَهْرٍ ۚ تَنَزَّلُ الْمَلَائِكَةُ وَالرُّوحُ فِيهَا بِإِذْنِ رَبِّهِم مِّن كُلِّ أَمْرٍ ۚ سَلَامٌ هِيَ حَتَّىٰ مَطْلَعِ الْفَجْرِ} 97:1:5. هذه الليلة تساوي في حساب الزمن 83 سنة وأربعة أشهر. يعني أجر من يُقيم ليلة القدر، وأجر من يُوفَّق ليلة القدر كأجر رجل تفرَّغ لعبادة الله جلّ وعلا ثلاثة وثمانين عامًا وأربعة أشهر كاملة.

أيّها الأحبّة ، لقد حدَّد النّبي صلى الله عليه وسلم في ليلة القدر في حديث أتاليه والبخاري من حديث إبن عبّاس رضي الله عنهما. قال صلى الله عليه وسلم {إلتمسوها في العشر الأواخر من رمضان}. وقال النّبي صلى الله عليه وسلم في رواية البخاري من حديث عائشة رضي الله عنها: {تحرّوا ليلة القدر في الوتر من العشر الأواخر من رمضان}. الحديث الأوّل كان في العشر الأواخر، والحديث الثاني أقل. والوتر هي ليلة الحادي والعشرين، والثالث والعشرين، والخامس والعشرين والسابع والعشرين والتاسع والعشرين.

يجب علينا أن نُجِدَّ ونجتهد في هذه الليالي المتبقية من شهر رمضان،، وخاصة يجب أن نقوم بالدعاء الذي نصح رسولنا الكريم صلى الله عليه وسلم عائشة التي سألته عما تفعله إذا ما شهدت ليلة القدر، فقال له ادعي: {اللهم إنك عفُوٌّ تحب العفو، فاعف عنَّا}.

 

 


faheemfb@gmail.com   فهيم بوخـطـوة ،، البريد الإلكتروني